فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

وتد تهيمن على سوق المحروقات في إدلب دون رقابة أو منافسة

عامر عز الدين

يستيقظ سكان إدلب، صباح كل يوم، على تسعيرة جديدة تصدرها شركة وتد للوقود بأنواعه المختلفة، وتتضاعف الأسعار دون مبررات مقنعة، لتربطها تارة بانخفاض قيمة الليرة التركية وأحياناً بارتفاع سعر النفط […]

يستيقظ سكان إدلب، صباح كل يوم، على تسعيرة جديدة تصدرها شركة وتد للوقود بأنواعه المختلفة، وتتضاعف الأسعار دون مبررات مقنعة، لتربطها تارة بانخفاض قيمة الليرة التركية وأحياناً بارتفاع سعر النفط العالمي، وفي كلتا الحالتين يزيد السعر بما لا يتناسب مع هذه وتلك، ليرجع سكان المحافظة السبب الرئيسي لهيمنة وتد على سوق المحروقات وغياب الشركات المنافسة.

تغيرات الصرف لا تتطابق مع أسعار الوقود

خلال الأسبوع الماضي ارتفع سعر الوقود (مازوت -بنزين -غاز) في نشرات وتد، بمعدل 1,2٪، مرجعة السبب لانخفاض سعر الدولار مقابل الليرة التركية، والتي تبلغ 0,74٪ بحسب منصة investing للأسواق المالية. يوضح الفارق بين ارتفاع سعر الوقود ونسبة انخفاض سعر الدولار مسيرة عمل الشركة منذ تأسيسها، ولتحقيق فهم أكبر سنتناول هذه التغيرات في عام كامل.

تمثيل بياني لتغير سعر الصرف لليرة التركية مقابل الدولار خلال الأيام الأولى من آب 2021
تمثيل بياني لتغير سعر الصرف لليرة التركية مقابل الدولار خلال الأيام الأولى من آب 2021

تغير سعر الصرف خلال عام كامل، بين الدولار والليرة التركية، بنسبة 19.86٪، بينما سجل سعر الوقود ارتفاعاً بنسبة 92٪ في شركة وتد خلال العام نفسه، ما يعادل 4,63 ضعفاً.

لقطة شاشة تظهر تغير سعر الصرف خلال عام واحد
لقطة شاشة تظهر تغير سعر صرف الليرة التركية مقابل الدولار خلال عام واحد
شركة وتد

تأسست وتد مطلع العام 2018 من قبل بعض تجار الوقود ومهندسين في إدلب، ويديرها ناصر الشوى، وتحوي أربعة فروع تتضمن “محطات تكرير، وأسواقاً لبيع الوقود، ومراكز لبيع الغاز، واستيراد المحروقات الأوروبية”. وتحتكر الشركة تجارة المحروقات في شمالي غرب سوريا، ويرجع دارسون وتقارير إعلامية تبعيتها لهيئة تحرير الشام.

ووتد، الشركة الوحيدة المسؤولة عن استيراد النفط في إدلب، وعنها تصدر النشرات اليومية للأسعار، ترفقها عبر قناتها في تلغرام بأرقام تواصل على التطبيقات، تقول الشركة إنها أرقام لتلقي شكاوى المواطنين منعاً من حصول أي تلاعب أو استغلال قد يحصل من قبل تجار المحروقات.

من أي يصل الوقود وكيف يباع

تستورد وتد المحروقات من دولة أوكرانيا، وتغيب شركتا (كاف والشهباء) العاملتان في الشمال السوري عن مشهد الاستيراد، إذ تهيمن الشركة المدعومة من حكومة الإنقاذ على السوق.

تبدأ رحلة المحروقات من الموانئ التركية، حيث تصل الشحنات المستوردة إلى ميناء مرسين جنوبي تركيا، وتعبر الداخل التركي “ترانزيت” إلى المعابر مع سوريا.

يقول صفوان الأحمد (مدير المكتب الإعلامي لشركة وتد) فيما نقلته جريدة عنب بلدي،  إن الشركة تنقل، فور وصول صهاريج النفط، شحناتها على مراحل، حيث تصل إلى معبر “باب الهوى”، وتبدل الصهاريج على الجانب التركي من المعبر بصهاريج من قبل وتد، ثم تفرز الصهاريج من قبلها على محطات الوقود المنتشرة في إدلب.

البيع بالليرة التركية والتسعير بالدولار

يوم الرابع عشر من شهر حزيران 20200، أصدرت وتد قراراً فرضت بموجبه بيع المحروقات بالليرة التركية أو ما يعادلها بالليرة السورية التي بدأت تتهاوى وجاءت نشرة المحروقات حينها كالتالي: بنزين مستورد 3,7 ل. ت / مازوت مستورد 3,7 ل.ت/ مازوت مكرر بدائي 3,2 ل. ت/ أسطوانة الغاز 53 ل.ت.

تلك الخطوة التي اتبعتها الشركة كانت الخطوة الأولى في فرض التعامل بالليرة التركية على سكان إدلب، ورأى فيها سكان ومراقبون عملية انفراد وتحكم بالأسعار بالتواطؤ مع حكومة الإنقاذ، عن طريق كسب فروقات التصريف بعد امتناعها عن أخذ الليرة السورية وإجبار الزبائن على تصريف أموالهم الى الليرة التركية.

بدأت الليرة التركية تفقد جزء من قيمتها مقابل باقي العملات بعد اعتمادها عملة أساسية في عمليات البيع والشراء في الشمال السوري، لتبدأ حقبة استغلال جديدة تمثلت برفع أسعار المحروقات بحجة انخفاض سعر صرف الليرة التركية. تتالي إصدار تلك النشرات أظهر فرق الأسعار الكبير بشكل لا يتناسب مع فرق التصريف. ففي الثاني والعشرين من شهر كانون الثاني 2021 سجلت الليرة التركية مقابل الدولار 8,00 وجاءت نشرة التصريف كالتالي: بنزين مستورد 5,8 ل.ت/ مازوت مستورد أول 5,56 ل.ت/ مازوت مكرر أول 3,97 ل.ت/ مازوت محسن 4,42 ل.ت/ أسطوانة الغاز 82 ل.ت.

اليوم، وبعد فترة انقطاع دامت أكثر من عشرة أيام، قالت عنها الشركة إنها جاءت نتيجة توقف المعابر بسبب عطلة العيد، عادت الشركة بنشرة جديدة سجلت الأسعار فيها كالتالي: بنزين مستورد 7,11 ل.ت /مازوت مستورد 6,64 ل.ت/مازوت مكرر 4,44 ل.ت/ أسطوانة الغاز 97 ل.ت. علماً أن سعر صرف اللير ة التركية مقابل الدولار يساوي 8,56 ل.ت.

سعر الصرف وأشياء أخرى حجج وتد في رفع أسعار الوقود

أرجع محمد دعبول، مسؤول العلاقات العامة في وزارة الاقتصاد والموارد، في تقرير لعنب بلدي، سبب انقطاع المحروقات الحالي لإغلاق المعبر من طرف الجانب التركي خلال عطلة عيد الأضحى المبارك، والذي استمر لنحو أسبوع، وقيام بعض أصحاب المحطات باحتكار الوقود، إذ قامت مديرية التموين بتسيير جولات على المحطات لضبط المحتكرين والمخالفين.

وأضاف أن السبب الرئيسي في ارتفاع سعر المحروقات، بشكل عام، يعود إلى انخفاض قيمة الليرة التركية، إذ كان سجل سعر صرفها أمام الدولار 6,8 عند اعتمادها، لتصل اليوم إلى 8,6 تقريباً، حيث فقدت نحو 25٪ من قيمتها، إضافة لارتفاع سعر النفط عالمياً، إذ ارتفع سعر برميل برنت، منذ عام تقريباً، من 20 دولاراً إلى 75 دولاراً وفق قوله.

من جهته، ارجع صفوان الأحمد مدير المكتب الإعلامي في وتد، في التقرير ذاته، السبب إلى دفع مستوردي المحروقات في شمالي سوريا أسعار الشحنات بالدولار الأمريكي، وبيعه ضمن المحطات بالليرة التركية، بسبب عدم توفر فئات صغيرة من الدولار، وبالتالي فإن أسعار المحروقات تخضع لتبدلات سعر النفط عالميًا، وتبدل أسعار صرف الليرة التركية.

كما تحدد أسعار المحروقات حسب خطة العمل التسويقية لكل شركة، والمنافسة بين الشركات التي تعمل في هذا المجال، بحسب حديث مكتب العلاقات العامة في شركة “كاف” للمحروقات بإدلب.

غياب المنافسة

يرجع الدكتور عبد الحكيم وزير الاقتصاد في الحكومة المؤقتة سبب ارتفاع أسعار المحروقات في شركة وتد، لعدم وجود شركات منافسة لوتد في المنطقة سوى شركتي الشهباء وكاف، وكلتاهما تتبعان لنفس الجهة أو يتم التنسيق بينهم وإصدار الأسعار.

يقول “لو كان في المنطقة أكثر من مصدر يستورد النفط لكانت الأسعار تغيرت حكماً، مدعماً قوله بفرق أسعار النفط في أماكن سيطرة وتد عنها في أرياف حلب الشرقية والشمالية، علماً أن المنطقتين تعتمدان الليرة التركية في تسعير المحروقات وتستوردان النفط من مصدر واحد، ويرجع السبب للمنافسة التي تشهدها مناطق حلب وغيابها في إدلب”

من جهته اعتبر الباحث في علم الاقتصاد أحمد حلاق بعد متابعة نشرات الأسعار وأسعار صرف العملات، أنه لا يوجد أي تناسق بين أسعار المحروقات وفرق الصرف، يقول “بالرغم من ارتفاع أسعار النفط عالمياً لكنه لا يتوافق مع أسعار المحروقات في المنطقة”، ويرجع السبب “لوجود تواطؤ بين الحكومة وشركة وتد التي تتبع لها بشكل مباشر، وتحصل على النسبة الأكبر من قيمة تلك الأرباح”.

وأضاف الحلاق” منذ توطيد العلاقات بين حكومة الإنقاذ وتركيا، والحكومة تحاول تقليد الجانب التركي بتوحيد الأسعار معه دون الالتفات لدخل الفرد”. إذ يبلغ متوسط دخل الفرد في إدلب بين خمس عشرة إلى عشرين ليرة تركية، وتعادل أقل كلفة رحلة تنقل بين قريتين متجاورتين.

ويشرح الحلاق” يظهر الاستغلال في النشرات التي تصدرها وتد، فمع انخفاض قيمة الليرة التركية يتم رفع الأسعار بشكل مباشر، وبفارق أكبر من سعر الصرف، وعند تحسن صرف الليرة يتم تجاهل الأمر أو يتم خفض الأسعار بشكل رمزي”.

كازيات محرومة وأخرى تفيض بوقودها

لا تعتمد وتد سياسة واضحة في توزيع المحروقات، بل تلعب التبعية والوساطات دوراً في تأمين المحروقات، يقول أحد أصحاب الكازيات في منطقة حارم، (رفض الكشف عن اسمه خوفاً من الملاحقة الأمنية)، ويروي “أن سيارات التوزيع تقوم بإعطائنا نسباً قليلة من المحروقات وتقوم بإفراغ شحنتها كاملة لدى الكازية التي المقابلة المملوكة من أحد الاشخاص التابعين لهيئة تحري الشام، أبيع حصتي في مدة لا تتجاوز الساعتين، بينما يستمر البيع في كازيات أخرى دون انقطاع”.

ارتفاع سعر المحروقات المستوردة جاء وسط غياب للمحروقات المكررة، والتي كان يعتمد عليها جزء كبير من الأهالي نتيجة انخفاض أسعارها بفارق كبير عن المحروقات المستوردة والتي كانت تصل من المناطق الشرقية في حلب، لتوزع على اصحاب الكازيات في إدلب.

توقف وصول هذا النوع من الوقود بالتزامن مع هيمنة شركة وتد على استيراد المحروقات الأوروبية، وهو ما يراه وزير الاقتصاد في الحكومة المؤقتة “هيمنة من قبل الشركة للسيطرة والانفراد بسوق المحروقات، للقضاء على جميع المنافسين، إذ أن وصول تلك المحروقات كان يجري عن طريق عدد من تجار المحروقات اللذين تجري بينهم مضاربات ومنافسات في الأسعار لكسب أصحاب الكازيات، وهو أمر لم يلق أي ترحيب لدى الشركة المهيمنة”.

انعكس ارتفاع سعر المحروقات بشكل سلبي على كافة القطاعات الموجودة في الشمال السوري بدء من رغيف الخبز ومروراً بالخضروات وحتى المواصلات، فجميعها ارتفعت اسعارها لارتباطها بأسعار المحروقات، وتسببت بجائحة اقتصادية أثرت على أطياف المجتمع كافة، من مدنيين وتجار ومزارعين، وانعكست بالشكل الأكبر على حياة المدنيين من أبناء الطبقة الفقيرة.