بالأمس وفي تمام الساعة الحادية عشرة ليلاً، قطع التيار الكهربائي/ الأمبير الذي يصل إلى منزلي، مددت رأسي من الشرفة لأنادي عابر سبيل في الشارع يرفعه، لكني لم أجد (الدومري) ولا نباش الحاويات، ما اضطرني إلى الهبوط 120 درجة، والمشي خمسين متراً للوصول إلى العلبة الرئيسة، حيث الظلام وأكياس فضلات البيوت، وشبكة عنكبوتية من الأشرطة الكهربائية المتداخلة والمتعانقة بشكل بديع، والتي تشبه تلافيف دماغ وزير الكهرباء ذي التوتر العالي.
القاطع رقم 17 كان مرفوعاً، ولا كهرباء تغذي منزلي، هذا دليل واضح بأن هنالك قطعاً في الشريط الممتد إلى منزلي، هذه قضية إشكالية أخرى، تستوجب البحث في تلك الشبكة عن شريطي الكهربائي، وتحديد مكان الخلل.
بعد أكثر من ساعة من البحث والتقصي والعزل والإبعاد تعرفت إلى شريطي، الذي لم يكن مقطوعاً، وبالتواصل مع المدير العام للمولدة التي أشترك بها، أرسل لي موظفاً ليتأكد من سلامة القاطع الذهنية، وقدرته على تمرير الكهرباء بشكل جيد، وبعد نظرة بعيدة المدى، وشرود طويل، أخبرني بسلامة القاطع وبأن المخرج غير مربوط بشكل جيد، وبعد التثبيت عادت الكهرباء إلى منزلي في تمام الساعة 12:30 وهو الموعد الرسمي لإطفاء المولدة.
صعدت إلى منزلي بثياب مغبرة، ومستنقع من العرق على وجهي، وبهاتف مطفأ بعد أن استهلكته في الإنارة، مواجها 99 زوجتي الممتعضة من شكلي، ومن عدم التمكن من متابعة مسلسها المفضل ٢٠٢٠.
صديقي بائع الضوء
نتيجة انشغالي وتأخري بالعودة إلى المنزل، عرضت على المسؤول عن مولدة الأمبير بأن أعطيه المبلغ المطلوب من الاشتراك شهرياً، والذي لم يمانع نتيجة سخائي معه، وإعطائه مبلغاً بسيطاً فوق المبلغ المطلوب للاهتمام بقاطعي، ووضعت خطة لشراء بضائعي من صاحب البقالية المقابل لبنائي السكني، والذي يملأ دكانه بمواد كاسدة، كي أشجعه على رفع قاطع “الأمبير”في حال وجودي خارج المنزل.
أبو عبدو رجل خمسيني، يعمل مسؤولاً عن مولدة الأمبير ، بالتشغيل والإطفاء، والإصلاح، وتحديد سعر الأمبير، وإعطاء تعليمات القطع عن المشتركين المتخلفين عن السداد بالإضافة لشراء المازوت من السوق السوداء.
في اليوم التالي لمشكلتي الأمبيرية، زرت مكتبه لأدفع مستحقاتي الشهرية، حيث لاحظت ارتفاع سعر الأمبير الواحد بمعدل أسبوعي، من ستة آلاف وخمسمائة ليرة إلى ٧ آلاف ثم ثمانية فتسعة بوقت تشغيل لا يتجاوز ثماني ساعات، وبمعدل يتناسب مع التضخم وسعر المازوت في السوق السوداء والذي تجاوز فيها سعر الليتر الواحد ثلاثة آلاف ليرة سورية، وعندما أخبرته بأن ساعات التشغيل في مكان عملي هي عشر ساعات وبمبلغ ثمانية آلاف ليرة للأمبير الواحد، تغير لونه وأجاب: نحن نأتي بالمازوت عن طريق الفرقة الرابعة، وهي المسؤول الرسمي عن تحديد سعر المازوت حالياً، ولا نستطيع المجادلة مطلقاً.
فرعون من صنع الدولة
(بعد نقاش طويل مع السيد أبو عبدو، أدخلني في برنامج هل تعلم؟)
هل تعلم يا أستاذ بأن الفرقة الرابعة، وضعت السلاح جانباً، وبدأت الغوص في عالم المال والأعمال من أوسع أبوابه، وبأن لها ميزانية تعادل ميزانية الحكومة بأسرها.
هل تعلم أن البطاريات السائلة التي تصنع محلياً، يعود جزء من ريعها للفرقة الرابعة، وهي التي تحدد أسعار الجديد والمستعمل والتالف.
هل تعلم بأن مخلفات الأبنية المتهدمة من حديد مسلح ومبروم و (طوناج)هو من حق الفرقة الرابعة، ولا يجوز لابن أنثى المس بقدسيته.
هل تعلم بأن النحاس الجديد والمستعمل والمحروق والمسروق يعود ريعه للفرقة الرابعة.
هل تعلم أن سيارات الشحن الداخلة والخارجة عبر الحدود، والمتنقلة بين المحافظات تدفع رسوماً متعارف عليها للفرقة الرابعة وبالعملة الصعبة حصراً.
هل تعلم أن الفرقة الرابعة على الحواجز المؤدية للمدينة، مثل حاجز التايهة بمدخل منبج يمنع إدخال العملة الصعبة، والأموال التي تتجاوز 100 ألف عن كل مواطن تجاوز عمره الثامنة عشرة.
هل تعلم أن بإمكانهم تهريبك إلى السويد بمبلغ 5000 دولار، ولو كنت مجرم حرب.
هل تعلم بأن ما يجري هو بعلم الحكومة، وبأن أحدهم قالها بالفم الملآن: “لو كانت البضائع لرئيس الجمهورية فإنه سيدفع مثل غيره”.
هل تعلم بأن قانون قيصر تطبقه الفرقة الرابعة أكثر من الأمريكان، بخنق اقتصاد البلد والمواطنين.
وبعد أن اختنق صوته قال: “يا أستاذ هنن بدن يانا ننقلع وما انقلعنا، بدنا تصبر لحتى الله ياخد أمانتو”.
نقدته المبلغ المترتب علي، وخيال فرعون الفرقة الرابعة يخيم على دماغي، ودارت في ذهني معلومة رماها أحد الأصدقاء بأن أصحاب المولدات يدفعون مبالغ تتجاوز مليون ليرة شهرياً لموظفين يتسمون بالشرف والإخلاص، لمنع وصول التيار الكهربائي إلى أغلب مناطق حلب الشرقية، وكي لا تقطع أرزاق المنتفعين من المولدات والطاقة الأمبيرية المقدسة..
وللأمبير بقية..