عقدة زيادة الرواتب لازمت السوريين على مر عقودٍ من الزمن، فمجرد سماع خبر الزيادة يشعر أغلب الموظفين بالاستياء بدل الفرح، إذ تترافق هذه الزيادة مع ارتفاع في الأسعار يحولها إلى أرقام وهمية، وربما يسرق من الراتب أيضاً، حيث بات راتب المواطن في ظل الغلاء الفاحش بحاجة الى عشرات الزيادات ليجاري الواقع المعيشي الحالي.
وحرص نظام الأسد منذ سبعينات القرن الماضي على اتباع سياسة زيادة الرواتب كإبر مخدر للمواطنين، وسار على ذات النهج، فعقب عشرة أيام فقط من اندلاع الثورة السورية، سارع الأسد إلى استخدام هذا الحل لتخفيف الاحتقان الشعبي.
وأصدر النظام السوري في 24 آذار 2011 ثلاثة مراسيم جمهورية، الأول يتضمن زيادة رواتب العاملين في الدولة بنسبة 30%، إضافةً إلى مبلغٍ 1500 ليرة سورية، والثاني زيادة رواتب أصحاب المعاشات التقاعدية من العسكريين والمدنيين بنسبة 25%، والثالث يتعلق بتعديل معدل الضريبة على الرواتب والأجور لتصبح ما بين 5-22% حسب قيمة الراتب، بينما تم إلغاء تعويض التدفئة وتعديل الأسعار.
قصة الراتب السوري خلال 10 سنوات
بلغ متوسط راتب الموظف في عام 2010 نحو 8 آلاف ليرة سورية (170 دولارًا)، بسعر صرف 47 ليرة للدولار الواحد، وعقب الزيادة في 2011 أصبح راتب الموظف 11500 ليرة، تلك الزيادة رفعت الراتب إلى 195 دولاراً فقط، بعد تراجع سعر الصرف في نهاية 2011 إلى 59 ليرة.
في حزيران 2013 صدرت الزيادة الثانية على الرواتب منذ اندلاع الثورة السورية، وبلغت 40% على أول عشرة آلاف ليرة سورية، و20% على العشرة آلاف التالية، ثم 10% على العشرة الثالثة، و5% على ما يفوق ذلك، بينما رُفعت معاشات المتقاعدين 25% على أول عشرة آلاف ليرة، و20% على العشرة الثانية، و10% على ما يفوق ذلك، وبذلك أصبح متوسط الراتب 16000 ليرة، أي ما يعادل 98 دولار فقط، بعد أن وصل سعر الصرف الى 163 دولار في نهاية 2013.
وكان زيادة الرواتب متوقعة قبيل الانتخابات الرئاسية المزعومة في 2014، ولاسيما بعد رفع سعر البنزين بنسبة 40%، وتراجع قيمة الليرة السورية (الدولار بـ 180 ليرة سورية)، إلا أن النظام لم يصدر أي قرارٍ في ظل وضعه الاقتصادي الذي بدأ بالتدهور.
الزيادة الثالثة على المعاشات خلال فترة الثورة كانت في بداية 2015، حيث أصدر الأسد مرسومًا يمنح تعويضًا معيشيًا شهريًا قدره 4000 ليرة، يُضاف على راتب الموظف، وفي أيلول من العام نفسه، أصدر النظام مرسومًا آخر بإضافة مبلغ قدره 2500 ليرة إلى رواتب الموظفين، ليصبح وسطيًا بحدود 22500 أي ما يعادل 59 دولار، بعدما تراجع سعر الصرف في نهاية العام إلى 380 ليرة.
في حزيران 2016 زاد رأس النظام الرواتب للمرة الخامسة، من خلال إضافة مبلغ 7500 ليرة إلى الراتب دون أي حسومات، وبالتالي أصبح متوسط الرواتب 30 ألف (60 دولار)، بعد انهيار سعر الصرف إلى 500 ليرة مقابل الدولار في تلك الفترة.
في تشرين الثاني 2019 أصدر النظام السوري سادس زيادة على الرواتب خلال الثورة، بإضافة مبلغ 20 ألف ليرة على الرواتب والأجور الشهرية المقطوعة لكل من العاملين المدنيين والعسكريين، و16 ألف ليرة على رواتب المتقاعدين، ورغم أن متوسط الراتب ارتفع وأصبح 50 ألف ليرة، إلا أنه بقي يساوي 60 دولار فقط، عقب تدهور سعر الصرف الى 830 مقابل الدولار.
الزيادة السابعة والأخيرة كانت منتصف الشهر الماضي، حيث أعلن النظام السوري عن مرسومٍ تشريعي يتضمن زيادة بنسبة 50% على أجور العاملين والموظفين، بينما تُرفع الأجور الشهرية للموظفين المتقاعدين المدنيين والعسكريين بنسبة 40%، وبالتالي بات متوسط الراتب للموظف في سوريا يساوي 75 ألف ليرة، أي ما يعادل 23 دولار فقط، بعدما وصل سعر الصرف اليوم الى مستوى قياسي 3200 مقابل الدولار.
وعقب الزيادة الأخيرة في الرواتب، نشرت صفحة “النافذة الذكية” الموالية للنظام على فيس بوك، سلّم رواتب الموظفين الجديدة في القطاع العام للمعيّنين حديثاً.
ويبلغ راتب الموظف الحاصل على شهادة دكتوراه والمعيّن حديثاً، 86 ألفاً و243 ليرة سورية (26 دولاراً)، وراتب الموظف الحاصل على الماجستير 82 ألفاً و838 ليرة، بينما يحصل حمَلة شهادات الدبلوم على راتب قدره 80 ألفاً و573 ليرة.
في حين لم يتجاوز أجر الموظفين من خريجي الجامعات 79 ألفاً و875 ليرة، أما حمَلة شهادات المعاهد يتقاضون عند التعيين 77 ألفاً و325 ليرة.
وعند النظر إلى الحد الأدنى للأجور في الدول المجاورة، نجد أن الفارق كبير جداً بينها وبين أعلى أجر في سوريا (26 دولار لحملة شهادة الدكتوراة)، حيث أن الحد الأدنى للأجور في لبنان يعادل 450 دولار شهرياً، و268 دولار في الأردن، و173 دولار في مصر.
زيادات وهمية
رغم الزيادات السبع على الرواتب التي أصدرها النظام خلال عشر سنوات من عمر الثورة، يجد الموظف بحسبةٍ بسيطة أن راتبه قبل كل زيادة كان يشتري سلعاً أكثر من الراتب بعد الزيادة.
وانتهج الأسد سياسة رفع أسعار المحروقات قبيل أو بعيد كل زيادة في الرواتب، ما يتسبّب بارتفاع كبيرٍ في الأسعار، وبالتالي يجد الموظف أن الزيادة التي قبضها بيده اليمين دفعها بيده اليسار، وبات الراتب الذي كان يكفي الموظف حتى نصف الشهر أو أكثر في 2010، يمكن أن يصرفه اليوم في ساعة.
وكان بعض الموظفين نشروا عملياتٍ حسابية بسيطة على مواقع التواصل الاجتماعي عقب زيادة الرواتب في الشهر الماضي، والتي أظهرت أن رواتبهم بعد الزيادة الأخيرة أصبحت تشتري كميات أقل من الخبز والمازوت.
وذكر عدد من السوريين أنه قبل رفع سعر الخبز بنسبة 100%، والمازوت بنسبة فاقت 177%، كان الراتب الذي يعادل 50 ألف ليرة، يكفي لشراء 500 ربطة خبز، ونحو 277 ليتراً من المازوت.
أما بعد الزيادة الأخيرة ارتفع الراتب إلى 75 ألف ليرة، كما ارتفع معه سعر الخبز من 100 إلى 200 ليرة، والمازوت من 180 إلى 500 ليرة، وهكذا أصبح الراتب يكفي لشراء 375 ربطة خبز فقط، و150 ليتراً من المازوت.
يقول أبو نورس من سكان منطقة دويلعة بدمشق لفوكس حلب: “عن أي زيادة على الرواتب يتحدثون؟!!!، فالزيادة البالغة 20 ألف تشتري كيلو لحم فقط، وأصبح راتبي التقاعدي بعد الزيادة الأخيرة 70 ألف ليرة، وهذا المبلغ أدفعه فور استلامه من أجل ايجار المنزل، بعد أن أضيف فوقه 30 ألف من راتب زوجتي، أي أن الراتب ونصف الراتب يتبخر في ظرف ساعة فقط، ولولا الحوّالات المالية من ابني في ألمانيا لقتلنا الجوع”.
الموظف بحاجة لراتب مليون ليرة شهرياً
يبلغ راتب الموظف اليوم 75 ألف ليرة، ورغم أن الراتب زاد سبعة أضعاف عما كان عليه في 2010، إلا أنه لم يعد يكفي لشراء المستلزمات الأساسية خلال أسبوع واحد، وذلك مع ارتفاع مستوى التضخم، والذي يعبّر عن الارتفاع العام في الأسعار والخدمات مقابل انخفاض القدرة الشرائية للعملة المحلية.
وأعلن أستاذ الاقتصاد التطبيقي بجامعة “جونز هوبكنز” الأميركية، البروفيسور ستيف هانكي في آذار الماضي، أن حجم التضخم في سوريا لعام 2021، بلغ 246.04%.
وأكدت وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل في حكومة النظام، سلوى عبد الله لوسائل إعلام النظام، أن الأسر السورية استغنت عن 80% من احتياجاتها الضرورية والأساسية واليومية، بينما قال رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال، جمال القادري، إن هناك حاجة ملّحة لزيادة الرواتب إلى 7 أضعاف حتى يستطيع الموظف تأمين نفقاته المطلوبة.
تراجع سعر صرف الليرة أمام الدولار من 50 ليرة عام 2011 إلى 3200 ليرة، ساهم في ارتفاع تكاليف معيشة الأسرة السورية المؤلفة من خمسة أشخاص، من 773 ألف ليرة مطلع عام 2021، إلى مليون وأربعين ألف ليرة منتصف العام ذاته، بحسب مركز “قاسيون” للدراسات من العاصمة دمشق.
أبو فارس من سكان حي الجميلية بحلب، يشرح المعاناة الكبيرة للموظف اليوم في تأمين المستلزمات المعيشية شهرياً، ويرى أن العائلة المتوسطة، تحتاج الى مصاريف تتراوح ما بين 800 ألف الى مليون ليرة شهرياً.
يقول أبو فارس لفوكس حلب: “تبلغ مصاريف الطعام والشراب 500 ألف ليرة، بينها 18 ألف من أجل الخبز شهرياً، 40 ألف ليرة للمواصلات، 50 ألف ليرة للأدوية، عدا حساب تكاليف إجراء أي عملية لا قدر الله أو معاينات الأطباء، مستلزمات الأثاث المنزلي 75 ألف ليرة، الملابس 100 ألف ليرة، ومصاريف أخرى للتعليم والاتصالات والاستجمام 250 ألف ليرة شهرياً”.
يضيف أبو فارس “أصبحنا نخشى من أي زيادة في الرواتب، لأننا نعلم أنه بعدها سيكون هناك ارتفاع كبير في الأسعار مع رفع سعر المحروقات. لسنا بحاجة الى زيادات في الرواتب، بل المطلوب تثبيت سعر الصرف والأسعار”.
ويحتل الراتب السوري البالغ 23 دولار فقط، ذيل القائمة العالمية من حيث دخل الفرد بحسب موقع Numbeo، وبنفس الوقت تصدرت سوريا القائمة بين 100 دولة من حيث الأكثر فقراً، حيث بلغت نسبة السوريين تحت خط الفقر 82.5%، وفق إحصائية نشرها موقع “indexmundi” الأمريكي.