حوّل مربو الطيور في إدلب هوايتهم إلى مهنة تنتج أنواعاً جديدة من الطيور الهجينة وتحسين مواصفاتها لبيعها في الأسواق، معتمدين على خبرتهم في الطفرات الوراثية لدى الطيور.
تمثل طيور “البادجي”، أو كما يطلق عليها محلياً اسم “العاشق والمعشوق”، أحد أهم السلالات التي أسهم مربو الطيور في إدلب بإنتاج طفرات وراثية منها، يقول أبو عبد الله الساروت (أحد مربي الطيور في إدلب) إن هذه السلالات تباع بأسعار مرتفعة مقارنة بالطيور الأخرى، ويتوافر في إدلب أسواقاً لتصريفها لكثرة الراغبين باقتنائها.
تربى طيور “البادجي” في مطاير، وهي أقفاص كبيرة تربى فيها الطيور بشكل جماعي، أو في أقفاص فردية تضم زوجاً واحداً من الطيور، لكن مربي الطيور يميلون لتربية الفردية لسهولة التحكم في إنتاجها، وتكتسب طيور البادجي أهميتها من توفر غذائها وكثرة إنتاجها من جهة، وسهولة تمييز جنسها وسرعة نموها ما يوفر من تكلفة تربيتها.
للبادجي سلالات وراثية تطورت مع الزمن، منها ثلاثة أنواع رئيسة تتميز عن بعضها البعض باللون والحجم وهيئة الريش، يقول الساروت إن هذه السلالات معروفة منذ سنوات لكن العمل على إنتاجها كان ضمن نطاق ضيق لغياب نوع “البادجي هوجو”، أهم الأصناف التي يتم عبرها تهجين الطيور بألوان وأشكال مميزة، زاد استيراد هذا النوع مؤخراً في الشمال السوري ما مكن المربين من تطوير عملهم.
خبرة مربي الطيور الراغب في إنتاج الطفرات تكمن في معرفة اختيار الأنواع التي يمكن أن يجري عملية تزاوج فيما بينها للحصول على سلالة تختلف عن السلالة الأولى، في الشكل واللون، وذات جدوى اقتصادية أكبر.
تمكن الساروت من إنتاج طفرة “اللاتينو هوجو”، يصفها بواحدة من الطفرات الجميلة ذات السعر المرتفع مقارنة بباقي الطيور، ويشرح طبيعة إنتاجها، بتزاوج ذكر “البينو” مع أنثى “سبانجل”، ليظهر ضمن الفراخ طير “لاتينو” دون أن يكون والديه من صنف اللاتينو، يصفه الساروت بأنه طائر جميل مرغوب ويباع بأسعار مرتفعة تفوق سعر والديه.
تمنح الطيور الهجينة مربيها أرباحاً إضافية، وتزيد من خبرته، إضافة لطريقة علمية تزيد من قدرته على معرفة الصفات السائدة والمتنحية لدى طيوره، وتقدير أشكال الطيور الهجينة التي ستنتج مستقبلاً، بحسب الساروت.
لا يعتمد مربو الطيور في إدلب على التجربة فقط في اكتساب الخبرة والعلم في إنتاج الطفرات، إذ يلجأ مربون آخرون، ومنهم أيمن أبو حمزة، إلى وسائل التواصل الاجتماعي والنوادي والجمعيات المهتمة بتهجين الطيور لاكتساب ما ينقصه من معرفة.
يقول أبو حمزة إن المربي يعتمد في على إظهار الصفات المتنحية لدى الطائر الأصلي من خلال إجراء سلسلة من عمليات التكاثر بين الطيور للوصول إلى الطفرة النهائية التي يحتاجها، وبذلك يستفيد من الطيور البلدية والتي لا يتجاوز سعر الزوج منها خمسة وعشرين دولاراً في إنتاج طفرات يتراوح سعر الزوج منها بين خمسين إلى خمسمئة دولار حسب نوعه.
ويضيف إن تحسن الأسعار ووجود أسواق للتصريف نمى الاهتمام بالأنواع الهجينة من الطيور وتربيتها وإنتاجها، إذ شكلت مصدر رزق للمربين وساهمت في عودة هذه المهنة إلى الحياة من جديد، بعد تجنبها، وذلك بسبب أسعارها التي كانت متقاربة مع الطيور البلدية الأخرى.
جمعية ناشئة لمربي الطيور
أسست، في منتصف آذار الماضي، “جمعية الشمال السوري لطيور الزينة”، وهي جمعية غير ربحية تهدف لتسليط الضوء على هذه المهنة وتنظيم عملها. يقول أحمد خرزم، ويعمل كلوجستي في الجمعية، إنها تهدف لرفع مستوى الوعي والثقافة لدى مربي طيور الزينة والتوعية الصحيحة والسليمة في مجال تربية الطيور بشكل عام، والمساعدة في علاج الحلات المرضية التي يواجهها المربي عن طريق تأمين تواصل مستمر مع الأطباء البيطرين والمختصين، إضافة لتأمين الأدوية المناسبة ذات الفعالية الجيدة.
انضم للجمعية نحو مئتي مربي منذ تأسيسها حتى الآن، وتُجري الإدارة نشاطات تشجيعية كمسابقات على وسائل التواصل الاجتماعي لطيور الزينة، و تمنح جوائز للمربين الفائزين بهدف دعم الناتج المحلي للارتقاء به للمستويات العالمية.
أخيراً، تمكنت الجمعية من تأمين “بلاكات” للطيور لتسليمها للمربين، يُكتب على البلاك سنة وتاريخ الإنتاج واسم المربي ورقم هاتفه ورمز الجمعية، وتوضع في أرجل الطير ما يحافظ على حقوق الإنتاج بالنسبة للمربي.
تسعى الجمعية لتنظيم الاستيراد وفق متطلبات الأسواق، ومنع دخول الطيور المريضة التي تنقل الأمراض والأوبئة للطيور الموجودة في إدلب، ما يخلف خسائر عند المربين.
ويضيف الخرزم “تمكن مربو الطيور في إدلب من إنتاج طفرات بشكل احترافي، مثل طفرة الفالو، طفرة التكساس، كما نجح أحد المربين في إنتاج طفرة (هاف سيدر هوكو تكساس) وهي من الطفرات النادرة على مستوى العالم”.
بين المتعة ومصدر الدخل، يمارس مربو الطيور في إدلب مهنتهم، يتجولون بين أقفاصهم للعناية بطيورهم، يخلقون الجمال ويطورونه وسط ما يعيشونه من قساوة الحرب وبشاعتها.