تحقيق مشترك: الأرشيف السوري وفوكس حلب
تحقيق يتناول قصفاً صاروخياً استهدف مشفى الشفاء في مدينة عفرين
حول الحادثة:
- مكان الضربة: حلب مدينة عفرين
- موقع التأثير: منازل سكنية ومشفى الشفاء
- التاريخ: 12 حزيران/ يونيو 2021
- التوقيت: رشقتان بتوقيتين مختلفين في حول الساعة 18:00 و 19:00 بالتوقيت المحلي، وفقاً لإفادات الشهود، الدفاع المدني، كوادر طبية، ناشطين إعلاميين، إبلاغات من المصادر المتاحة، تحليل فيديو
- الضحايا: 19 قتيلاً، بينهم 6 نساء، وثلاثة أطفال، تم التأكد من هوية 18 منهم من قبل فريق التحقيقات
- المصابون: أزيد من 43 مصاباً بينهم نساء وأطفال، تم جمعها والتأكد منها عبر المصادر المتاحة وإفادات الشهود من قبل فريق التحقيق
- نوع الحادثة: قذائف صاروخية من راجمة
- الذخائر المحددة: قاذفة صواريخ متعددة الأسطوانات عيار 122 مم BM-21
- المسؤول المحتمل: لم يستطع الأرشيف السوري تحديد المسؤول عن الهجوم ولكن العديد من المصادر تشير إلى أن قوات سوريا الديمقراطية (PKK -YPG) أو الحكومة السورية قد يكونا مسؤولين محتمَلين عن القصف.
مقدمة
“ما عاد في اسم بابا عالباب، بابا استشهد ما عاد فيه باب”، بهذه الكلمات رثت طفلة أنور الضاهر الذي قتل في القصف الذي استهدف مشفى الشفاء بمدينة عفرين والدها المهجر قسرياً من كفرعويد في ريف إدلب الجنوبي.
يعمل الضاهر في منظمة شفق وكان رفقة زميله ماجد كبيش الذي قتل أيضاً في زيارة إلى عفرين، وخلال إسعافهما لمريض لقيا حتفهما بالقصف رفقة أشخاص آخرين.
في صورة أخرى يظهر (أحمد الإبراهيم -35 عاماً) مصاباً في سيارة الدفاع المدني، يقول أحمد الذي لم يمض على عمله كمتطوع في الدفاع المدني سوى أربعة أشهر لفريق الأرشيف “كنت حزيناً لأنني لم أستطع إكمال مهمتي بعد أن أصبت بالقصف، كانت الجثث والأشلاء تملأ المكان، هناك الكثير من المصابين في كل مكان”.
وتظهر صور ومقطع فيديو نشرها الدفاع المدني وجه أحمد المغطى بالدماء والغبار، إثر قصف على تجمع سكني تلاه آخر على مشفى الشفاء في مدينة عفرين، بأربع عشرة قذيفة صاروخية، سقطت اثنتان منها ضمن المشفى، بينما سقطت اثنتا عشرة قذيفة على منازل سكنية مجاورة وأراض زراعية بالقرب من المشفى في 12 حزيران/ يونيو 2021، راح ضحيتها نحو 19 قتيلاً وأزيد من 43 مصاباً. إضافة لأضرار مادية جسيمة في المنازل وأقسام من المشفى وخروجه مؤقتاً عن الخدمة.
المنهجية
أجرى الأرشيف السوري تحقيقاً حول الحادثة اعتماداً على:
- جمع إفادات شهود عيان، كوادر طبية في المشفى، إعلاميون وناشطون شهدوا اللحظات المباشرة للقصف.
- حفظ، تحليل، والتحقق من 72 مقطع فيديو وصورة تم تحميلها على شبكات التواصل الاجتماعي يُدّعى أنها تظهر مكاني التأثير، إضافة إلى صور ومقاطع فيديو خاصة حصل عليها فريق التحقيقات للتأكد من مواقع سقوط القذائف.
- التواصل مع مصوري قسم من هذه الفيديوهات، أو الأشخاص الذين ظهروا في الفيديوهات، التأكد منهم والحصول على إفادتهم حول القصف، والحصول على الفيديوهات الأصلية لتحديد المكان والتوقيت.
- تحليل خرائط السيطرة ونوع السلاح المستخدم وجهة سقوطه ومداه لتحديد الأماكن المحتملة للإطلاق، والمسؤولين المحتملين.
وكان هذا التحقيق خلاصة مراحل متعددة من التحليل للمصادر المتاحة. زوّدت المصادر، المتكاملة فيما بينها، الفريق بمعلومات مرتبطة بتاريخ الهجوم، توقيته، موقعه، الإصابات والأضرار الناجمة عنه. عبر فحص جميع المعلومات المتاحة حول الهجوم، طوّر فريق التحقيقات فهمًا للحادثة وللمسؤولين المحتملين.
مشفى الشفاء في عفرين
يقع مشفى الشفاء في الجهة الغربية من عفرين في شارع الفيلات، ويعد من أكبر المنشآت الطبية في المدينة، تدعمه الجمعية الطبية السورية الأمريكية سامز، وهو مشارك ضمن الآلية الإنسانية لتجنب النزاع التي تقودها الأمم المتحدة.
يضم المشفى أقساماً للتوليد والعمليات الجراحية بمختلف أنواعها، كذلك قسماً للعينية والأطفال والحواضن والرعاية الصحية والعلاج الفيزيائي والنفسي والأسنان والعيادات الخارجية، إضافة لصيدلية ومخبر وقسم للأشعة، ويقدر عدد المراجعين اليومي للمشفى بنحو 500 شخص، بحسب ما صرح به الطبيب حسام حمدان (مدير المشفى)، والذي أضاف أن جميع هذه الخدمات مجانية، وأن المشفى توقف مؤقتاً بشكل كامل عن العمل بعد القصف الذي طاله. وورد في تقرير نشرته سامز على موقعها أن المشفى يقدم نحو 15 ألف خدمة شهرياً، إضافة لنحو 350 ولادة و250 عملاً جراحياً.
تعرض المشفى للاستهداف ثلاث مرات سابقاً، منذ عام 2019، بحسب تقرير للأمم المتحدة، وجاء في التقرير على لسان مبعوث الأمم المتحدة الخاص بسوريا غير بيدرسن “مثل هذه الهجمات المروعة على المدنيين والبنية التحتية، بما في ذلك، مرافق الرعاية الصحية والعاملين غير مقبولة، ويجب أن تتوقف”، ودعا جميع الأطراف إلى “الامتثال الكامل لالتزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي، بما في ذلك، حماية المدنيين والأعيان المدنية”.
يقع مشفى الشفاء، بحسب ما وصل إليه فريق التحقيق وإفادات الشهود، ضمن مربع يضم مؤسسات عسكرية وحكومية، أهمها مقر الشرطة المدنية والسياسية ومحكمة عفرين، وتحيط بكتل المشفى من ثلاث جهات.
ماذا حدث (ومتى)؟
في 12 حزيران/يونيو 2021 ، قصف صواريخ مدينة عفرين على دفعتين يفصل بينهما زمنيًا نحو الساعة. وأصيب مشفى الشفاء في القصف الثاني.
وابل الصواريخ الأول
أظهرت فيديوهات نشرت عبر المصادر المتاحة لقطات للاستهداف الأول والأدخنة المتصاعدة من خمسة مواقع على الأقل، في نهاية شارع فرع الأمن السياسي في عفرين، بالقرب من المشفى وعلى بعد أقلّ من 200 متر منه، إضافة لقذائف صاروخية سقطت على الأراضي الزراعية، وتحدثت المصادر عن سقوط قتلى وإصابات في القصف الذي قدر وقت حدوثه بين الساعة 18:03 إلى الساعة 18:10 من مساء 12 حزيران/ يونيو.
تحقّق الأرشيف السوري من صحة الفيديوهات، ومكان التقاطها من قبل شهود في المنطقة، ومن خلال المعالم البارزة الظاهرة فيها. يظهر في مقطع الفيديو الذي صور الاستهداف الأول لافتة مطعم طيبة وفي نهاية الشارع كان الدخان يتصاعد بفعل الاستهداف، حيث المسافة بين مكان سقوط القذائف والمشفى أقل من 200 متر. كذلك تم التأكد من تطابق الأراضي الزراعية الظاهرة في الصور ومقاطع الفيديو مع الأراضي الزراعية غربيّ المشفى، عند ما يعرف بطريق المازوت في المنطقة، يضاف إلى ذلك التلال التي تظهر في الفيديو والتي تتطابق مع صور الأقمار الصناعية.
تتطابق المعالم البارزة الظاهرة في صورة نُشرت على تويتر للقصف على أراض زراعية غرب عفرين مع ما يظهر في صور الأقمار الصناعية، حيث يمكن ملاحظة قرب مكان القصف في الاستهداف الأول من المشفى
تبعد أماكن سقوط القذائف في الاستهداف الأول على مسافة أقل من 200 متر شرقيّ المشفى باتجاه مطعم طيبة، وغربه باتجاه الأراضي الزراعية
تتطابق الظلال الظاهرة في صورة استهداف الأراضي الزراعية غربيّ المشفى مع موقع الشمس نحو الساعة 18:00 في عفرين في 12 يونيو 2021، وذلك حسب أداة SunCalc. وهو ما يعزّز التوقيت المذكور في إبلاغات الصحفيين والوكالات الإخبارية وإفادات الشهود
وابل الصواريخ الثاني
بعد ساعة من القصف الأول؛ سقطت قذائف صاروخية جديدة بالقرب من مشفى الشفاء في المدينة، وأصابت اثنتان منها، بشكل مباشر، أقساماً في المشفى خلال إسعاف المصابين من القصف الأول. .
جاء في تقرير سامز أن قذيفتان صاروخيتان سقطتا مباشرة في المشفى، أصابت الأولى غرفة الطوارئ بينما دمرت الثانية غرفة الولادة تدميراً كاملاً، وتسببت بأضرار جزئية في العيادات الخارجية.
حدد التقرير زمن القصف في الساعة 19:15 مساء يوم السبت 12 حزيران/يونيو 2021، مؤكدا مقتل عدد من كوادر المشفى وسائقي سيارات الإسعاف، وإصابة 11 عاملاً في المشفى بجروح بينهم “قابلة قانونية” في حالة حرجة. سبق استهداف المشفى قذائف صاروخية على مسافة قريبة منه في الساعة 18:10، بحسب سامز.
توالت الإبلاغات عن القصف الذي طال مشفى الشفاء على وسائل تواصل إجتماعي ومواقع إخبارية وتلفزيونات محلية، محددة وقت الهجوم بين الساعة 19:03 وحتى 19:15 من يوم 12 يونيو 2021. أظهر مقطع فيديو نشرته قناة TRT عربي لقطات لإسعاف الجرحى من داخل المشفى بعد القصف، كما بثت وكالة شام مقطع فيديو يتضمن مقابلات مع عنصر من الدفاع المدني وأحد الكوادر العاملة في المشفى، واللذَين أكدا على القصف الذي ظهر في خلفية اللقطات، وتحدثا عن القصف والقتلى والمصابين والدمار في المكان.
كما حدد تلفزيون “أورينت” في مقابلة مع أحد الشهود الوقت الفاصل بين الاستهدافين بنحو 45 دقيقة، وأضاف أن القصف طال كلاً من قسم الإسعاف والمخبر وقسم النسائية والعيادات الخارجية والعلاج الفيزيائي.
وأظهر مقطع فيديو للدفاع المدني استجابة عناصره للقصف وإسعاف الجرحى، كذلك ظهر قسم الإسعاف المدمر في فيديو آخر، والجثث والمصابين الذين يتم إسعافهم من المكان، نحو مشافٍ أخرى في عفرين.
تحقق الأرشيف السوري من المكان، وتأكّد من وقوع استهداف على مشفى الشفاء، وذلك من خلال التحقق من الفيديوهات المنشورة وموقع المشفى، إضافة لشهادات خاصة.
حصل الأرشيف السوري على النسخة الأصلية من مقطع فيديو يوثق لحظات ما بعد القصف على المشفى، حيث أظهر إصابات وقتلى ودمار في المكان، إضافة للدخان والغبار في المكان، وتُظهر البيانات الوصفية للفيديو أنه تم التقاط الفيديو في الساعة 16:02:41. يكون “تاريخ الإنشاء” للفيديو، الذي يتبع تنسيق ملف [وسائط ISO / IEC] القياسي ، بالتوقيت العالمي المنسق(UTC). بعد تعديله وفقًا للفرق البالغ 3 ساعات بين التوقيت العالمي المنسق والتوقيت المحلي السوري ، يكون الفيديو قد التُقط في الساعة 19:02:41، ما يتوافق مع ما حدده معظم الشهود والإبلاغات في المصادر المتاحة
صورة للبيانات الوصفية الخاصة بالفيديو، حيث يظهر وقت التقاط الفيديو الساعة 16:02:41 UTC)19:02:41 بالتوقيت المحلي)
إفادات الشهود
تم تصوير الفيديو أعلاه من قبل الممرض سمير أغواني (أحد كوادر مشفى الشفاء الطبية والذي كان متواجداً في المشفى لحظة القصف) والذي قال لفريق الأرشيف السوري:
“خلال عملي سمعت عدة صواريخ وانفجارات متتالية في تمام الساعة 18:05 من يوم السبت 12 حزيران/ يونيو، على الفور توجهت إلى غرفة الإسعاف بعد وصول نداء استغاثة بوقوع إصابات في شارعي الفيلات والسياسية، وبدأت سيارات الإسعاف بنقل المصابين إلى مشفى الشفاء الأقرب من مكان القصف. وخلال تقديمنا للإسعافات الأولية ودخول عدد من الأطباء إلى غرف العمليات لإجراء التداخلات الطبية، وبعد مرور نحو ساعة من القصف الأول، تم استهداف المشفى بصاروخين، سقط أحدهما في غرفة الإسعاف مكان تواجدي، أما الثاني فسقط وسط المشفى، فقدت السيطرة ومررت بلحظات لهول المشهد قبل أن أعود لرشدي وأفتح هاتفي المحمول، وثقت ما جرى، ثم توجهت لإسعاف المصابين، الدماء كانت تملأ المكان وكذلك الجثث وقمت مع أصدقائي وفرق الدفاع المدني بإسعاف الجرحى”.
أكد مدير المشفى حسام الحمدان في حديثه لفريق الأرشيف الوقت والتاريخ للقصف أيضاً، ومكان سقوط القذائف الصاروخية التي دمرت أقسام الإسعاف والتوليد والعمليات والعيادات بشكل كامل.
نعيم القاسم (مدير مركز الدفاع المدني في عفرين) قال في حديثه مع الأرشيف السوري إنه “عند الساعة 18:05 تعرضت عفرين لاستهداف صاروخي، تركز القصف في محيط مشفى ابن سينا، ومشفى الشفاء، في منازل للمدنيين، وقام الدفاع المدني بالتوجه إلى المكان، كانت حصيلة القصف قتيلًا واحد وأربعة مصابين قمنا بنقلهم إلى مشفى الشفاء، ومصاب واحد إلى مشفى عفرين، وعند عودة الآليات، ونحو الساعة 19:00 تعرضت المدينة لاستهداف ثانٍ، كان من بين الأماكن المستهدفة مشفى الشفاء، وتعرض فريق الإسعاف التابع للدفاع المدني والمتواجد في المشفى للإصابة، كذلك قسم من الكوادر الطبية، إضافة لمدنيين، تم إسعافهم ونقل الجثث من المكان، كانت الحصيلة الأولية نحو 15 قتيلاً و 43 مصاباً، إضافة لأضرار جسيمة في المشفى والأبنية السكنية، وآلية الدفاع المدني.”
محمد اليوسف (سائق سيارة إسعاف) قال لفريق الأرشيف السوري “تلقينا نداء استجابة طارئة في تمام الساعة 18:05 عن حالات إصابات بين المدنيين في شارع السياسية بالقرب من الفيلات برمايات صاروخية، على الفور توجهنا الى هناك وكنا أول الفرق الواصلة للمكان. بقينا في سيارة الاسعاف حيث كانت هناك إصابات خطرة تستدعي نقلها إلى الأراضي التركية، وبعد مرور ساعة من القصف الأول حدث الاستهداف الثاني، وهنا حدثت المجزرة المروعة حيث سقطت الصواريخ على المشفى بشكل مباشر، كانت أعداد الأهالي كبيرة جداً. الممرض المرافق لسيارة الإسعاف معي كان داخل غرفة الإسعاف العاجل في المشفى، وأنا كنت خارج المشفى. كثافة الدخان المتصاعد والشظايا والأصوات التي بدأت أسمعها توحي كأننا في يوم القيامة، أغلب الناس المتواجدة أصبحت بين شهيد أو مصاب، تداركنا الموقف وحاولنا إنقاذ المصابين وانتشالهم من بين الركام. ما شاهدته كان قاسيا جداً. شاهدت طفلاً صغيراً على كرسي متحرك كان قد فارق الحياة جراء القصف، نساء، وأطفالاً وشباباً وفرق اسعاف وممرضين وأطباء، هذه هي أصعب اللحظات التي عشتها خلال عملي كسائق إسعاف منذ عامين إلى الآن”.
أحمد الإبراهيم المتطوع في الدفاع المدني والذي أصيب في القصف قال لفريق الأرشيف السوري إن الاستهداف الأول كان نحو الساعة السادسة مساء، وأنه قام رفقة اثنين من زملائه (إسماعيل نعسان قائد القطاع والسائق زاهر حمشو) بإسعاف المصابين إلى مشفى الشفاء، ثم إلى مشفى عفرين المركزي، وعند عودتهما إلى مشفى الشفاء سقطت الصواريخ على المشفى وتعرض وزملاؤه للإصابة.
أحد الإعلاميين والشهود على القصف قال في تسجيلات صوتية للأرشيف السوري “كان القصف الأول في الساعة 18:03على أراض زراعية ومنازل للمدنيين،” قتل في القصف “غيث عباس” أحد المقاتلين من مدينة حمص وأصيب مقاتلان أيضاً، إضافة لمدنيين آخرين. وأضاف الإعلاميّ أنه في تمام الساعة 19:04 استهدف مشفى الشفاء بقذائف صاروخية من راجمة، قتل في الهجوم بعض العناصر من المقاتلين، كذلك مستخدمتان تعملان في المشفى واثنان من العاملين في منظمة شفق، وفني تخدير، إضافة لمدنيين آخرين بينهم نساء وأطفال. وفي شهادته الصوتية للأرشيف السوري قال أبو تيم الحلبي ناشط إعلامي يقيم في عفرين على بعد نحو ٥٠ متر من المشفى إن سبع إلى ثمان قذائف صاروخية سقطت في القصف الأول، وإنه عاين المكان، محدداً سقوطها بين منازل سكنية وأراض زراعية في شارع الفيلات، وإنه استطاع تصوير أحد المصابين في المكان. وبعد نحو ساعة، وعند وصوله إلى منزله سمع رمايات جديدة بأصوات انفجار عالية، كانت بالقرب من منزله، وحين توجهه إلى المكان شاهد العديد من المصابين الخارجين من المشفى، وقام بإسعافهم، وعند عودته من جديد وجد دماراً كبيراً في المشفى، يقول إنه رأى على الأقل جثثاً لستة أشخاص في المكان، الشرطة أيضاً كانت متواجدة، ولذلك شعر بالخوف من توثيق المشاهد التي رآها خوفاً من المساءلة.
يخبرنا أبو تيم أنه التقط صورة من بعيد للرجل بجانب زوجته التي قُتلت أثناء حملها من عناصر الدفاع المدني لنقلها من المكان، وإنه طلب من النقيب الموجود توثيق ما يجري فسمح له بذلك، كان الكادر الطبي منهاراً، وكان المشهد مأساوياً “شفت أشلاء وجثث.. ايدين ورجلين متفرقة.. جثث مقطعة”. وأضاف الإعلامي: “بعد دقائق قام أحد الأشخاص يتكلم اللغة التركية بمنعنا من التصوير، وتم إخلاء الإعلاميين الآخرين أيضاً.”
القتلى والمصابون
استطاع فريق الأرشيف السوري التأكد من 18 قتيلاً في القصف الذي استهدف منازل ومشفى الشفاء في عفرين 12 يونيو 2021، وهم:
- رنا المنفوخ (مستخدمة في مشفى الشفاء)
- سميرة السوقي (مستخدمة في مشفى الشفاء)
- ماجد كبيش (منظمة شفق)
- أنور الضاهر (منظمة شفق)
- محمود خالد دباس (مقاتل)
- غيث بسام العباس (مقاتل من حمص)
- أمين قوشو
- زينب شيخ داود
- يوسف قليج (طفل ابن السيدة زينب شيخ داود)
- ممدوح أسامة الائبش (مقاتل)
- زلوخ حنان
- فضل حج إبراهيم
- ليث حموي
- لانا مصطفى العميري (طفلة)
- ليان مصطفى العميري (طفلة)
- عبد الوهاب الأخرس (شرطي في عفرين)
- ملك خليل
- مزكين محمد حسين
أصيب أكثر من 43 شخصًا ، وفقًا لمقابلات ومعلومات مفتوحة المصدر تم جمعها من قبل الأرشيف السوري.
الدمار الناتج عن القصف
صورة متحركة من مقطع فيديو نشرته سامز على تويتر تظهر الدمار داخل غرفة الإسعاف والحواضن
يظهر مقطع فيديو نشرته سامز على حسابها في تويتر الدمار الذي طال المشفى وخروجه عن الخدمة، غرفة الإسعاف والحواضن، تحطم الجدران في ممر يؤدي إلى العيادة النسائية والمخبر وغرفة الأشعة، كذلك قسم العيادات الخارجية.
لقطات من فيديو نشرته سامز تظهر الدمار في قسم العيادات الخارجية جراء القصف على مشفى الشفاء في عفرين
تفاصيل الدمار نقلها مقطع فيديو لوكالة الأناضول، يظهر أثر الدمار الواسع الذي خلفه القصف على المشفى، تهدم أجزاء من السقف، تضرر في البنية التحتية للمكان، نقّالات الإسعاف، كرسي متحرك، أجهزة طبية محطمة ويعلوها الغبار والأنقاض المنتشرة في المكان جراء سقوط مساحات من السقف والجدران، دمار كامل في قسم العمليات، التوليد، العيادات. كما نقل مقطع فيديو نشره أنس معراوي على حسابه في تويتر الدمار في المخبر، فيما نقلت مديرية صحة إدلب صوراً للدمار الحاصل في المشفى. كذلك وثق الدفاع المدني، وقناة الجزيرة، وتلفزيون سوريا، وتلفزيون حلب اليوم، وقاسيون، وموقع SY، بعد يوم من القصف على المشفى الأضرار الجسيمة التي طالت المكان. وأخرجته عن الخدمة. كما تضررت منازل مدنيين جراء القصف، ومنها منزلي فني التخدير أمين قوشو الذي قتل في الهجوم وعزت أبو كمال، بالقرب من المشفى.
إدانات دولية وادّعاءات
أدانت منظمة “سامز” الهجوم على المشفى واعتبرت استهداف المشافي “جريمة تعطل العمل الإنساني”، كذلك أصدرت منظمة شفق، وفريق منسقو الاستجابة ، والدفاع المدني، والخارجية الأمريكية بيانات أدانت فيها الهجوم على مشفى الشفاء، ودعا فريق منسقو الاستجابة أعضاء المجتمع الدولي، وعلى وجه الخصوص الأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقيات جنيف، بالوقوف أمام مسؤولياتهم والتزاماتهم بتوفير الحماية للمدنيين والمنشآت والبنى التحتية، والتدخل الفوري والعاجل لوقف مسلسل الجرائم التي يتعرض لها المدنيون.
اتهمت مجموعات دولية وأطراف النزاع ومنظمات غير حكومية ثلاثة أطراف رئيسية في النزاع بمهاجمة مشفى الشفاء:
الادّعاء الأول: قوات سوريا الديمقراطية
بعد أن سقطت الصواريخ على مشفى الشفاء، ادّعى عدد من أطراف النزاع السوري أن قوات سوريا الديمقراطية – وهي تحالف من الأكراد (معظمهم من مقاتلي وحدات حماية الشعب) وميليشيات عربية في شمال سوريا – هي المسؤولة عن الهجوم. حمل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قوات سوريا الديمقراطية، حزب الـ بي كا كا المسؤولية عن الهجوم، في مؤتمر صحفي متوعداً بمحاسبتهم، كذلك نقل موقع (تي ار تي عربي) عن ولاية هاتاي التركية، في بيان لها اتهام “مسلحي بي كا كا ويي بي جي” بإطلاق صواريخ من نوع غراد انطلقت من منطقة بالقرب من مدينة تلرفعت التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية أصابت مشفى الشفاء في مدينة عفرين.
من جانبها حملت الحكومة السورية المؤقتة ووزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة التابعة للمعارضة السورية “بي كا كا ويي بي جي” المسؤولية عن القصف الذي طال مدينة عفرين ومشفى الشفاء فيها.
كما تداولت وسائل إعلام محلية وتركية أخباراً حول القصف، محملة المسؤولية لقوات سوريا الديمقراطية عن القصف.
مع تمركز الحكومة السورية المؤقتة في تركيا والهجمات التي نفذتها تركيا في الفترة الأخيرة ضد قوات سوريا الديمقراطية وميليشيات وحدات حماية الشعب في الشمال السوري؛ فإن الأطراف المذكورة أعلاه لديها مصلحة كبيرة في إلقاء اللوم على قوات سوريا الديمقراطية ذات الأغلبية الكردية في الهجوم على مشفى الشفاء. نفت قوات سوريا الديمقراطية الاتهامات الموجهة إليهم. بدورها؛ نفت قوات سوريا الديمقراطية الاتهامات التي طالتها ومسؤوليتها عن القصف، على لسان فرهاد الشامي (مدير المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية)، والذي نفى وجود قوات لهم في تلك المناطق. كذلك أكدت صفحة قوات سوريا الديمقراطية في فيس بوك نفيها لوجود قوات تابعة لها في المنطقة، واستهدافها للمشفى، داعية، على حد قولها، وسائل الإعلام تحري الدقة والصدق في نقل الأخبار.
لم يتمكن الأرشيف السوري من العثور على معلومات متاحة بشكل علني تدعم الادعاءات المقدمة بشأن مواقع مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية والاتهامات بأنهم استهدفوا مشفى الشفاء في 12 يونيو. في محاولة لفهم الاتهامات ضد قوات سوريا الديمقراطية بشكل أفضل، تحدث الأرشيف السوري إلى مسؤولين عسكريين من الجيش الوطني السوري. لم يتمكن الأرشيف السوري من التحقق بشكل كامل من ادعاءات يوسف الحمود والنقيب أمين، وهما مسؤولان من الجيش الوطني السوري قابلهما فريق التحقيق.
تواصل الأرشيف السوري مع يوسف حمود، الناطق العسكري باسم الجيش الوطني – وهو جيش مدعوم من قبل الحكومة التركية- والذي قال عبر تسجيل صوتي إنهم استطاعوا تحديد مكان إطلاق الصواريخ وعددها 14 صاروخاً من نوع “غراد”. وفقًا للحمود، فقد تم إطلاق ستة صواريخ في الرشقة الأولى نحو الساعة 18:00، وثمان صواريخ في الرشقة الثانية نحو الساعة 19:00. بحسب الحمود أُطلقت هذه الصواريخ من منطقة أحراش شمال جلبل، ومن منطقة باصوفان، كلتا المنطقتان تخضعان لقوات سوريا الديمقراطية.
وقال النقيب أمين، مسؤول رصد الطيران والمدفعية في الجيش الوطني بعفرين، في تسجيل صوتي مع الأرشيف السوري إن قذائف صاروخية من راجمة وقذائف من مدفع 130 أطلقت من قبل حزب “حزب بي كا كا” على عفرين ومشفى الشفاء في المدينة. وأضاف أنه كان قد حذّر من استهداف مشفى الشفاء في عفرين مرتين، بعد أن رصد عن طريق أجهزة التنصت مقاتلين من “بي كا كا” يتحضرون لاستهداف المشفى براجمة صواريخ قبل ربع ساعة من الاستهداف. حدد النقيب أمين مكان الراجمة بالقرب من منطقة العلقمية غرب مطار منغ، وأنه وبعد الرشقة الأولى التي سقطت صواريخها بالقرب من المشفى، رصد حديثاً حول تصحيح الإحداثيات، لتبدأ الرشقة الثانية وتصيب المشفى. وأضاف النقيب أمين إن الضربة الأولى كانت في الساعة18:10، وإنه حذر في الساعة 18:23 دقيقة من استهداف المشفى في الرشقة الثانية بناء على ما رصده، وأن القصف الأول كان من منطقة كشتعار فيما حدد مكان القصف الثاني من منطقة العلقمية، وهما منطقتان تقعان تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية.
زودنا النقيب أمين، بصورة لمحادثة عبر واتس آب، في مجموعة يطلق عليها اسم “شبكة أخبار المعرك تحرير” تظهر التحذير الذي كتبه حول استهداف المشفى، في تمام الساعة 18:23، إضافة لإحداثيات النقاط التي انطلق منها القصف، وصورة توضيحية تظهر المسافة بين مكان الإطلاق والمشفى بمسافة تصل إلى 12.8 كم. كما قدم النقيب أمين صورة توضح المواقع المزعومة وأماكن تواجد “بي كا كا” وتجمعاته.
مجدّدًا، لم يتمكن الأرشيف السوري من العثور على معلومات تؤكد أو تدعم ادعاءات الحمود والنقيب أمين.
الادعاء الثاني: الحكومة السورية
لمسؤوليتها السابقة عن العديد من الهجمات على المنشآت الطبية سابقا، والتي تم توثيقها في قاعدة بيانات الأرشيف السوري استهداف الصحة، حملت عدة جهات الحكومة السورية المسؤولية عن الهجوم، وتحدث تقرير نشرته قناة روناهي نقلاً عن مواقع إعلامية أن قذائف مصدرها بلدتي نبل والزهراء؛ الخاضعتان لسيطرة النظام السوري، سقطت على مشفى وتجمع سكني في مدينة عفرين.
كذلك ألقى المرصد السوري لحقوق الإنسان بمسؤولية القصف على الحكومة السورية، وقال إن قذائف، ادّعى أنها كراسنوبول، قد انطلقت من مواقع في الزيارة وإبين الخاضعتين لسيطرة الحكومة السورية.
لم يتمكن الأرشيف السوري من دحض أو تأكيد الادعاءات التي تفيد باستخدام صواريخ كراسنوبول في الهجوم. على الرغم من أنه، كما سيُذكر تاليًا في التحقيق، عُثر على بقايا قذائف BM-21 من عيار 122 ملم في عفرين بالقرب من مواقع القصف على المدينة.
الادعاء الثالث: القوات التركية
أخيرًا ، اتهمت جماعات الحكومة التركية بقصف مشفى الشفاء في عفرين. حيث نُشر تسجيل صوتي للنقيب أمين على وسائل تواصل اجتماعي يحذر فيه من استهداف المشفى، بناء على معلومات “تركية”، بحسب التسجيل، إلا أن الأرشيف السوري لم يتمكن من التحقق من توقيت تسجيل المقطع الصوتي. وادّعت وسائل إعلام مؤيدة لقوات سوريا الديمقراطية أن التسجيل جاء قبل ربع ساعة من القصف، ما يدل على علم الأتراك بالقصف، واحتمالية مسؤوليتهم عنه. كما زعمت مصادر أن روسيا أبلغت تركيا بهجوم وشيك على المدينة في وقت سابق لتنفيذها القصف.
كما تحدث المرصد الكردي لحقوق الإنسان عن التسجيل الصوتي نفسه. وذكر المرصد أن القوات التركية تلقت معلومات عن القصف قبل وقوعه وأخلت مقارها العسكرية بالقرب من المشفى. كما ألقت صفحات مؤيدة لقوات سوريا الديمقراطية على فيسبوك باللوم على الحكومة التركية، متهمة إياها باستهداف المنشأة من مقاطعة كيليس التركية.
وجد الأرشيف السوري أن موقع الإطلاق المزعوم من ولاية كيليس التركية يقع خارج نطاق صاروخ BM-21 122 ملم المستخدم في الهجوم. ومن الجدير بالذكر أيضًا أنه بسبب الصراع التركي الكردي، فإن وسائل الإعلام والمجموعات المؤيدة لقوات سوريا الديمقراطية لها مصلحة كبيرة في إلقاء اللوم على الحكومة التركية في الهجوم.
الجناة المزعومون
يُدرج الجدول التالي الجناة المزعومين، وفقًا لجهة الادّعاء، والمناطق التي زُعم إطلاق الصواريخ منها، والجهات التي تسيطر عليها، إضافة إلى بعدها عن مشفى الشفاء في عفرين:
جهة الادّعاء | مكان الإطلاق المزعوم | تحت سيطرة | البعد عن موقع التأثير (كم) |
ولاية هاتاي التركية | منطقة بالقرب من مدينة تلرفعت | قوات سوريا الديمقراطية | 21,59 |
يوسف حمود/ الجيش الوطني | أحراش شمال جلبل | قوات سوريا الديمقراطية | 10.29 |
يوسف حمود/ الجيش الوطني | منطقة باصوفان | قوات سوريا الديمقراطية | 18.96 |
النقيب أمين /الجيش الوطني | القصف الأول: كشتعار | قوات سوريا الديمقراطية | 14.38 |
النقيب أمين | القصف الثاني: العلقمية غرب مطار منغ | قوات سوريا الديمقراطية | 15.05 |
فرهاد الشامي مدير المركز الاعلامي لقوات سوريا الديمقراطية | نبل | النظام السوري | 19.18 |
فرهاد الشامي مدير المركز الاعلامي لقوات سوريا الديمقراطية | الزهراء | النظام السوري | 21.50 |
المرصد الكردي لحقوق الانسان | الزيارة | النظام السوري | 16.44 |
المرصد الكردي لحقوق الانسان | إبين | النظام السوري | 13.16 |
مصادر إعلامية كردية | كيليس | تركيا | 32.40 |
حلّل الأرشيف السوري صور الأقمار الصناعية وبحث في المصادر المفتوحة في محاولة للتحقق من الادعاءات حول الجناة المحتملين للهجوم. نحن غير قادرين على تحديد الطرف المسؤول عن الهجوم من بين الجهات الثلاثة المزعومة. رغم ذلك، فإن تحديد الذخيرة المستخدمة وتحليل اتجاه الإطلاق قد يضيّق نطاق الجناة المحتملين.
نوع السلاح المستخدم في الهجوم على المشفى
يساعد تحديد نوع الذخيرة التي يُزعم استخدامها في الهجوم في تحليل المزاعم المرتبطة بمرتكب الضربات في عفرين. إن كلًا من محادثات واتساب التي رصدها الأرشيف السوري وكذلك منصات التواصل الاجتماعي تضمّنت صورًا تظهر صواريخ يُزعم أنها استخدمت في الهجمات على البلدة. تم التحقق من صورة واحدة فحسب على أنها التُقطت في عفرين في حدود التوقيت المقدر للهجوم. تتطابق زعانف الصاروخ ذات النابض مع صور أخرى تُظهر صاروخ BM-21 عيار 122 ملم كما هو موضح في الصورة أدناه. بالنظر إلى أن صورتين فقط تظهران بقايا ذخيرة من الهجوم في عفرين، لا يمكن للأرشيف السوري التحقق من أن صواريخ BM-21 عيار 122 ملم هي الصواريخ الوحيدة التي استُخدمت في قصف المدينة. كما لا يستطيع الأرشيف السوري التحقق من أن صواريخ BM-21 عيار 122 ملم فقط هي ما أصاب مشفى الشفاء
صور نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر بقايا صاروخ يزعم أنه قد استخدم في الهجوم على عفرين. لم يتمكن الأرشيف السوري من التحقق من موقع الصورة الأولى، إلا أنه تمكن من تحديد الموقع الجغرافي لالتقاط الصورة الثانية غربي عفرين.
مقارنة بين بقايا صاروخ BM-21 من عيار 122 مم. في الأعلى صورة للذخيرة التي ضربت عفرين في 12 يونيو. يمينًا صورة نُشرت من قبل سامز لصاروخ BM-21 عيار 122 مم ضرب إحدى منشآتها في الغوطة الشرقية عام 2017.
يُستخدم صاروخ BM-21 في جميع أنحاء سوريا من قبل الأطراف الرئيسية في النزاع. تظهر مقاطع الفيديو والصور والتقارير على الإنترنت استخدام صواريخ BM-21 من قبل كل من القوات الحكومية السورية و قوات سوريا الديمقراطية ، و القوات التركية و الجيش السوري الوطني أثناء عام 2016 وبعده. إن الاستخدام الواسع لصواريخ BM-21 يصعّب تحديد الجاني بثقة. رغم ذلك، فإن الإمكانيات المحدودة لصواريخ BM-21 عيار 122 مم ، وتحديداً مداها، تستبعد بعض الادعاءات الواردة في شهادات وبيانات جمعها الأرشيف السوري.
زعمت صفحات كردية على الإنترنت أن الحكومة التركية هي المسؤولة عن الهجوم بعد أن أطلقت صواريخها من مقاطعة كيليس بجنوب تركيا. رغم ذلك، فإن المشفى والحقول التي أصيبت بوابل من الصواريخ التي أطلقت باتجاه عفرين تقع خارج المدى المتوسط لصاروخ BM-21 عيار 122 ملم. إذ أن أقصى مدى لصاروخ BM-21 هو 20.127 كم. إلا أن المواقع التي ذكرها النقيب أمين من الجيش الوطني السوري في عفرين تقع جميعها ضمن مدى BM-21. يشمل ذلك منطقة العلقمية (غرب مطار منغ) ومنطقة كشتعار. إضافة إلى ذلك؛ ادعى المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن قوات الحكومة السورية أطلقت الصاروخ من زيارة وإبين، وهي مناطق تقع ضمن مدى الصاروخ. كما أن بلدة نُبّل التي زُعم أيضًا أنها نقاط إطلاق الحكومة السورية للصواريخ، تقع ضمن المدى المقدر للصاروخ. إلا أن بلدة الزهراء، التي يُزعم أنها إحدى نقاط إطلاق الصواريخ المحتملة من قبل الحكومة السورية، تقع خارج النطاق المقدر للصاروخ.
تشير الدائرة الحمراء على صورة الاقمار الصناعية من Google Earth إلى مدى صاروخ BM-21 عيار 122 مم. نقاط العلام الصفراء هي مواقع الإطلاق التي ذُكرت ضمن الشهادات والمعلومات المتاحة عبر الإنترنت التي جمعها الأرشيف السوري.
جهة سقوط القذائف على المشفى
قام الأرشيف السوري بداية برسم خريطة توضيحية لمدى قذائف BM-21 عيار 122 مم، في دائرة نصف قطرها 20 كم ومركزها مشفى الشفاء في عفرين، وتحديد القوى العسكرية المتواجدة في هذا النطاق.
تظهر الخريطة وجود مناطق خاضعة لقوات سوريا الديمقراطية، إضافة لقوات النظام في بلدتي نبل والزهراء وإبين والزيارة، ويستثنى وصول هذه القذائف من ولاية كيليس التركية باعتبارها خارج مدى قذائف BM-21.
خريطة السيطرة على المناطق المحيطة بعفرين، يشير اللون الأخضر إلى المناطق الخاضعة لسيطرة قوات المعارضة و/أو الحكومة التركية و قوات تابعة لها. يشير اللون الأحمر إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية. يشير اللون الأصفر إلى المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية. مصدر البيانات Syria Live UA Map.
وفقًا للشهود الذين قابلهم الأرشيف السوري، وللمعلومات المتاحة للعموم عبر الإنترنت؛ قُصف مشفى الشفاء بقذيفتي BM-21، اخترقت إحداهما الجدار الشرقي لقسم العيادات، فيما سقطت الثانية في ممر ضيق بين قسم النسائية وقسم الإسعاف . يشير سقوط الصاروخ في الممر الشرقي-الغربيّ إلى أن الصواريخ يمكن أن تكون قد أُطلقت إما من الشرق أو من الغرب، نظرًا إلى أن عرض الممر حوالي 3 أمتار ويتجه نحو الشرق والغرب، لذا، فإنه من غير المرجح أن يكون موضع سقوط لقذيفة تم إطلاقها من شمال أو جنوب عفرين.
صورة أقمار صناعية من ديجيتال غلوب توضح توزع الأقسام في مشفى الشفاء، قسم العيادات بالأحمر، قسم النسائية بالأخضر، قسم الإسعاف بالأصفر، المختبر بالأصفر، كما تظهر علامة x مكان سقوط القذائف وفقًا للمصادر المفتوحة ولصور حصل عليها فريق التحقيقات من مصادره على الأرض.
تظهر الصور ومقاطع الفيديو التي حصل عليها الأرشيف السوري مكان اختراق القذيفة الثانية للجدار الشرقي لقسم العيادات بالمشفى. تظهر الصور الجوية التي نشرتها وكالة فرات الإعلامية فتحة القذيفة هذه والأضرار التي لحقت بالأجزاء الشرقية والجنوبية من المنشأة بما في ذلك قسم العيادات والجانب الجنوبي من السقف القرميدي.
لتضييق نطاق الجناة المحتملين، حاول الأرشيف السوري تحديد جهة إطلاق القذائف على المشفى، بالاعتماد على صور تظهر مكان اختراق القذائف، وأوضحها صور جدار قسم العيادات في مشفى الشفاء في عفرين والذي ظهر في معظم المصادر المفتوحة. لمزيد من التحقق، حصل الأرشيف السوري على صور ومقاطع فيديو تظهر مكان اختراق القذيفة لقسم العيادات في مشفى الشفاء، حيث يمكن التأكد من جهة الحائط الشرقية. وهو ما يتوافق مع تحليل الصور الملتقطة داخل المشفى للدمار الناجم عن الهجوم والمنشورة عبر الإنترنت.
يمكن رؤية فجوة اختراق القذيفة لقسم العيادات بوضوح، فيما تعذرت رؤية الفجوة الناجمة عن القذيفة الأولى التي سقطت على الممر.
لقطة من مقطع فيديو نشرته شبكة شام تظهر مكان اختراق القذائف لجدار قسم العيادات من جهة الشرق
تحديد موقع سقوط القذيفتين على المشفى، حيث سقطت القذيفة الأولى في الممر بين قسمي الإسعاف والنسائية، أما الثانية فاخترقت الجدار الشرقي في قسم العيادات
تشير الأضرار الناجمة عن الصواريخ التي أصابت الجدار الشرقي لقسم العيادات والممر الشرقي-الغربي بين قسمي الإسعاف والنسائية إلى أن الصواريخ أُطلقت على الأرجح من الشرق.
لقطات من فيديو نشرته وكالة فرات الإعلامية ويظهر الدمار الناجم عن القذيفتين الأولى والثانية
إن فجوات اختراق القذائف والأضرار التي لحقت بجوانب شرقية من المشفى ينفيان أن تكون المنشأة قد قُصفت من جهتي الغرب أو الشمال، ويشير إلى أن الإطلاق يُرجّح أن يكون قد تم من المنطقة الواقعة في حدود 20 كم ما بين شرقي وجنوبي عفرين. من خلال خريطة السيطرة يمكن ملاحظة تواجد قوات سوريا الديمقراطية شرق عفرين، وقوات الحكومة السورية جنوبها، وبالتالي يمكن أن يكون الإطلاق قد تم من قبل قوات سوريا الديمقراطية من مواقع في المناطق الخاضعة لها، أو من قبل قوات الحكومة السورية من مواقع في المناطق الخاضعة لسيطرتها.
زاوية الإطلاق المحتملة على مشفى الشفاء في عفرين ضمن مدى قذائف BM-21 عيار 122 مم، تُظهر الصورة الثانية مواقع الإطلاق المحتملة وفقًا لخريطة السيطرة في سوريا يوم الهجوم، يشير اللون الأخضر إلى المناطق الخاضعة لسيطرة قوات المعارضة و/أو الحكومة التركية والقوات التابعة لها. يشير اللون الأحمر إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية. يشير اللون الأصفر إلى المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية
خاتمة
من خلال المعلومات المفصّلة أعلاه؛ استطاع الأرشيف السوري التأكيد على أن قصفًا صاروخيًا استهدف مشفى الشفاء في عفرين حوالي الساعة 19:00 مساء 12 يونيو 2021، بعد نحو ساعة من استهداف المدينة برشقة أولى من الصواريخ. تسبّبت القذائف الصاروخية في مقتل 19 شخصًا بينهم أطفال، وإصابة أزيد من 43 آخرين، إضافة إلى دمار واسع في المشفى وإخراجه عن الخدمة حاليًا. بالنظر إلى محدودية التحقيقات فإن الأرشيف السوري غير قادر على تحديد الجهة المسؤولة عن هذه الضربة بشكل قاطع؛ رغم أن المعلومات مفتوحة المصدر والمواد والشهادات التي حصل عليها الأرشيف السوري تشير إلى قوات سوريا الديمقراطية أو إلى قوات الحكومة السورية كمسؤول محتمل عن هذه الحادثة.