تخلو مخيمات ريف حلب الشرقي من مراكز صحية متخصصة، وتتوزع المستشفيات العامة في المدن الكبرى بعيداً عن أماكن تواجدهم، ما حمّل قاطنو المخيمات أعباء مادية إضافية دفعتهم للتوقف عن العلاج وزيارة الأطباء.
كما تغيب اختصاصات محددة عن مستشفيات مركزية في المنطقة، وتنقص في مراكز صحية المعدات والأجهزة الطبية والأدوية، في منطقة مكتظة بالسكان، إذ يقدر عددهم بنحو ثمانمائة ألف موزعين في المدن والبلدات الرئيسية “الباب، جرابلس، بزاعة، قباسين، الراعي والغندورة”، معظمهم من النازحين والمهجرين.
أجور التنقل أغلى من كشفية الطبيب
في مخيم الجبل، بريف مدينة جرابلس شرق حلب، اضطرت (منال) وهي مهجرة من مدينة حلب، إلى التوقف عن مراجعة طبيبها الخاص بمتابعة حالتها الصحية بعد حادثة إجهاض جنينها، رغم تحذيره من مضاعفات الحادثة التي تركها الإجهاض على صحتها.
وتوضح منال، وهي أم لخمسة أطفال، أن زوجها لم يعد قادراً على تحمل أعباء مراجعتها العيادة النسائية الموجودة في بلدة الغندورة بريف مدينة الباب، من أجور نقل وتكاليف الأدوية، ولذلك قررت الاكتفاء بمتابعة الطبيب لحالتها من خلال الهاتف.
وتقول أيضاً: بعد أيام عشتها مع الآلام الشديدة قام زوجي بنقلي إلى مستشفى مدينة جرابلس، وهناك أبلغوني بحملي جنيناً ميتاً، وطلبوا مني الذهاب إلى مركز مختص لإجراء الجلسات العلاجية اللازمة، بسبب افتقار المشفى للأجهزة والمعدات التي تستخدم في علاج هذا النوع من الحالات.
وتضيف: رغم مجانية الجلسات التي قدمت لي في مركز العيادات النسائية بهذا المشفى، إلا أن أجور المواصلات كانت كبيرة علينا كعائلة لاتملك مصدر دخل، حيث تصل إلى 150 ليرة تركية اسبوعياً.
وتحدث تقرير صادر عن لجنة الإنقاذ الدولية عن الواقع الطبي في سوريا، كاشفاً عن مغادرة نحو 70 في المئة من العاملين في القطاع الصحي البلاد، وباتت النسبة في الشمال السوري، طبيب واحد لكل 10 آلاف مدني، حيث يضطر العاملون في هذا المجال إلى العمل لأكثر من 80 ساعة خلال الأسبوع لتغطية نقص الكوادر.
الواقع الطبي شرق حلب
يقتصر تواجد المشافي والمراكز الطبية المختصة في المدن الرئيسية “الباب، الغندورة وجرابلس”، واللافت في الواقع الطبي شرق حلب على غرار عموم مناطق الشمال السوري، تفاوت الخدامات الطبية بين منطقة وأخرى.
إذ تتواجد مراكز العيادات النسائية المختصة في بلدة الغندورة، بدعم من منظمة الأطباء المستقلين (IDA)، وتدعم منظمة “SRD” مشفى أخترين، إضافة إلى المراكز الصحية التابعة لمنظمة الأمين للمساندة الإنسانية التي تركز خدماتها على المقيمين في المخيمات النائية والقرى البعيدة عن مراكز المدن.
كما تركز المراكز الطبية النسائية في الدفاع المدني السوري على التواجد في المخيمات النائية، وتقديم خدماتها للمرضى من أصحاب الأمراض المزمنة، والمتابعة الصحية للنساء الحوامل، والأطفال وكبار السن.
في حين يتواجد مشفيان في مدينة الباب، وهما مشفى الحكمة (المشفى القديم) ويقدر عدد المراجعين إليه يومياً بما يقارب “800” مريض، إضافة إلى المشفى الجديد الذي افتتح عام 2018، ويقدم خدماته لأكثر من 300 ألف نسمة، بدعم من وزارة الصحة التركية ووزارة الصحة في الحكومة السورية المؤقتة.
ويرجع هذا التفاوت إلى غياب البنى التحتية والأبنية الفارغة المناسبة لاستقبال المنشآت الطبية، وذلك، نتيجة الحاجة الملحة لانشاء مراكز مستعجلة، جراء حركات النزوح وانتشار المخيمات، إذ يعتبر مشفى مدينة جرابلس مثالاً على ذلك، حيث أقيم في مكان مدرسة مهجورة.
وبحسب بيانات صادرة عن وزارة الصحة في الحكومة السورية المؤقتة، تهدف لتقييم الواقع الطبي ضمن مناطق سيطرة المعارضة لعام 2020، يتواجد 65 مشفى مفعلاً شمالي غرب سوريا. في حين يفترض وجود حوالي 85 مشفى لتخديم أكثر من أربعة ملايين شخص يعيشون في المنطقة.
مراكز قروية
تحاول مؤسسات ومنظمات إنسانية طبية تغطية النقص الحاصل في البنى التحتية للقطاع الصحي، من خلال مشاريع وحملات العيادات المتنقلة، وافتتاح مراكز صحية داخل المخيمات المستحدثة، إلا أنها ما تزال غير قادرة على تلبية احتياجات المرضى، وبخاصة أصحاب الأمراض المزمنة، إذ تقتصر مهامها على تقديم الإسعافات الأولية والكشف السريع.
وفي تقريرها الخاص أعلنت منظمة الأمين للمساندة الانسانية، تقديم خدماتها لأكثر من 22 ألف نسمة في مدينة الباب وريفها، ضمن المراكز الطبية المتواجدة في قرى “عين البيضا، السكرية، مركز قرى قوبري، سوسيان، مركز الباب، تل الهوى، عيادة الباب الأولى والثانية”.
عيادات متنقلة
وفي تصريح خاص لموقع “فوكس حلب” يوضح “واصل الجرك” مدير برنامج الصحة والتغذية في بعثة سوريا التابعة لمؤسسة الأمين الانسانية، أن الشمال السوري بحاجة إلى المزيد من العيادات المتنقلة والمراكز الطبية في المنطقة، جراء تزايد أعداد السكان بشكل كبير وانتشار المخيمات في المناطق النائية.
ويقول الجرك: تشغل مؤسسة الأمين خمس عيادات جوالة شمال غرب سوريا، تضم كل عيادة كادراً طبياً متكاملاً، ويبلغ عدد المستفيدين من النازحين نحو ثمانية آلاف مراجع شهرياً، تقدم لهم خدمة الفحص الطبي وتشخيص الأمراض وتقديم الأدوية المجانية.
ويضيف: هناك نقص في عدد العيادات اللازمة لتغطية المنطقة، ومعاناة في تأمين أنواع من الأدوية، والحاجة إلى تحسين البنية التحتية لهذه العيادات، من خلال بناء غرف مسبقة الصنع “كرافانات” مخدمة بالمرافق الصحية والاهتمام بنظافة المنطقة المحيطة.
ويشير الجرك إلى التحديات التي تواجه عمل المنظمات الطبية في الشمال السوري، متمثلة بعدم التمويل اللازم بشكل مستقر، ونقص أجهزة الفحص الطبي التخصصية.
وتعتبر الأمراض الداخلية والمزمنة، والأمراض الانتانية والأمراض النسائية ومتابعة الحمل، من أكثر الحالات التي تراجع العيادات المتنقلة، فضلاً عن مراجعي عيادة التغذية التي تقوم بمسح مشعر التغذية لجميع الأطفال دون سن الخامسة والنساء الحوامل، بسبب كثرة أمراض نقص التغذية، خاصة في بين سكان المخيمات.
لا تقتصر الحاجة في مناطق المخيمات على مراكز صحية باختصاصات طبية محددة، بل تعاني هذه المناطق من نقص شديد بمختلف التخصصات، فضلاً عن عجز كبير في نسبة المراكز الصحية والمشافي مقارنة بعدد السكان المرتفع هناك، نتيجة الهجرة الاضطرارية لمئات الآلاف من مختلف أنحاء سوريا وتجمعهم في شريط حدودي ضيق، ما يجعل من إيلاء القطاع الصحي في هذه المخيمات ضرورية قصوى.