افتتح أبو عدنان، وهو مهجر من مدينة حمص، “براكية” لبيع القهوة والمثلجات في زاوية الحديقة “المثلثية” في حي الضبيط بمدينة إدلب، مستغلاً طبيعة المكان الذي تحول إلى متنفس وسط الأبنية الطابقية المحيطة به.
وصول الكهرباء إلى إدلب ساهمت في تطوير عمل أبي عدنان، فحول “براكيته” إلى مقهى في الهواء الطلق، زودها بطاولات وكراس بلاستيكية ملونة، ومدّ فوقها أشرطة من الكهرباء للإنارة.
وتقع الحديقة المثلثية، والتي سمّيت بهذا الاسم بسبب تموضعها بين عدة طرق منحتها شكلاً أقرب إلى المثلث، في نهاية شارع الفرقان وبداية حي الضبيط، وهي منطقة ذات كثافة سكانية عالية، وتستقطب أيضاً الراغبين بالتنزه في حديقة المشتل “أكبر منتزهات المدينة”، أو منتزه “ديزني لاند” القريبين منها.
وجود هذه الحدائق والكثافة السكانية المرتفعة في المنطقة، دفعت أشخاصاً للاستثمار في المكان، إذ افتتحت مقاهٍ في الهواء الطلق على طرفي الحديقة المثلية، يقول أبو عدنان إنه دفع نحو أربعمائة وخمسين دولاراً ثمناً للتجهيزات الجديدة للمقهى والتي تزامنت مع وصول الكهرباء.
ويضيف أبو عدنان إن التحسينات الجديدة والكهرباء ضاعفت من عدد الرواد إلى مقهاه يومياً، يقول “صرنا نعمل حتى ساعات متأخرة، سابقاً اقتصر وجود الزبائن على ساعات النهار حتى غروب الشمس”.
في الحديقة المثلثية تشاهد زبائناً من مختلف الأعمار جمعتهم صلات قربى أو معرفة، والتفوا بمقاعدهم ضمن حلقات دائرية يتجاذبون أطراف الحديث مستمتعين بنسمات الهواء اللطيفة بعيداً عن كآبة الكتل الاسمنتية.
وتمثل مقاهي الهواء الطلق مكاناً لتبادل أطراف الحديث واللقاءات، وتبادل الآراء والمعلومات للطلبة، خاصة مع قربها من المعاهد التعليمية المنتشرة في المكان.
لا تشبه مقاهي الهواء الطلق تلك المقاهي المحفوظة في الذاكرة، إذ تغيب الخدمة والفناجين الزجاجية عنها لتحل محلها عبوات كرتونية تحصل عليها بنفسك بعد دفع ثمنها، كما تغيب النارجيلة وألعاب الترفيه كورق الشدة وطاولة الزهر، كذلك الأغاني وشاشات التلفاز.
لكن رواد هذه المقاهي يفضلون الجلوس فيها عن الجلوس في قارعة الطريق أو على أعشاب الحديقة، أو في المنازل مع ارتفاع درجات الحرارة الكبير، كذلك تلعب الأسعار المقبولة دوراً في اختيارها بعيداً عن المقاهي والمطاعم المجاورة، يقول أبو عمر “يمكنك أن تمضي أكثر من ساعة مع أربعة من أصدقائك مقابل مبلغ لا يتجاوز ثمان ليرات تركية ثمن القهوة، بينما ستدفع نحو خمسة وعشرين ليرة إذا اجتمعت مع ذات الأصحاب في أحد المطاعم أو المقاهي الأخرى القريبة من المكان”.
أسامة شاب عشريني وجد في هذه المقاهي مكاناً مناسباً لجلساته مع رفاقه، فبيته الصغير لا يسمح بالزيارات الطويلة، بينما منحته الحديقة المثلثية سهرات وصفها بالجميلة.
وسط المدينة استأجر مهند أبو محمد، شاب من مدينة إدلب، محلاً يطل على شارع القصور ليستثمره كمقهى مستغلاً وجود حديقة أمام المحل، زودها بطاولات و مقاعد، وزينها بإنارة ملونة وبدأ باستقبال الزبائن ضمن الحديقة.
يقول أبو محمد إنه دفع نحو مئتي دولار ثمن الإضاءة والكراسي والطاولات، لكن زبائنه ازدادت أعدادهم، لاسيما أنه لا يتقاضى من الزبون الجالس على الكرسي أي أجرة زائدة عن سعر الطلب للمشتري العابر.
يقدم أبو محمد لزبائنه المشروبات الساخنة كالقهوة والميلو والشاي إضافة للمثلجات، وقد زود المكان بشبكة إنترنت وتركها متاحة بشكل مجاني للزبائن ليحقق منافسة أكبر، ويترك لزبونه حرية اختيار كوب زجاجي أو ورقي لشرب القهوة أو الشاي.
يقول إنه اختار هذا الشارع لأن له خصوصية مميزة عند أهالي المدينة، فقد كان متنفساً للراغبين بالخروج للهواء الطلق قبل أن يبدأ القصف ويتركز في هذه المنطقة، في حين عادت ملامح الحياة للمكان بعد الهدوء النسبي الذي تعيشه إدلب.
أبو سامر شاب آخر مهجر من دمشق استغل ذات الطريق أمام محله، وزوده بطاولات ومقاعد، يقول إن الزبائن سابقاً كانوا يجلسون على المنصف الفاصل بين طريقي الذهاب والإياب أثناء تناول فنجان القهوة، لكن اليوم قد تطول جلستهم لفترات أطول بعد استثمار المكان وإنارته.
لا يدفع أصحاب مقاهي الهواء الطلق أي رسوم للمجلس المحلي مقابل استثمار الحديقة، لكن أصحاب البراكيات يدفعون “رسوم إشغال مكان” وصفوها بالبسيطة.
ويأملون بأن تتحسن شبكات المياه في المدينة ليتمكنوا من فرش الحدائق بالعشب الطبيعي وتزيينها بالزهور ما يمنح المكان جمالاً إضافياً ويجذب أعداداً أكبر من الزبائن.