افتتح متطوعون مقهى الدومري الثقافي، أمس السبت، في مدينة إعزاز بريف حلب، يتضمن المقهى مكتبةً ومنتدى حواري، إضافة لمجموعة من الأنشطة الأخرى، ليكون واحداً من المقاهي الثقافية التي افتتحت مؤخراً في مناطق المعارضة، بغية إنعاش الحركة الثقافية في المنطقة.
يقول أنس قضيماتي مدير مقهى الدومري: “إن قلة المقاهي الثقافية وعدم توفر أماكن للمطالعة في مناطق المعارضة، دفعهم لافتتاح المقهى، إضافةً لرغبتهم بنشر المعرفة وحب المطالعة، وتفعيل القراءة الفيزيائية من الكتب، بعد لجوء أغلب الناس إلى القراءة عبر الهواتف والحواسيب”.
كتب منوعة وندوات حوارية في مقهى “الدومري”
يضم “الدومري” مكتبة متنوعة مجانية، بين رفوفها نحو ألف وثلاثمئة كتاب، بمختلف المجالات (ثقافية، اجتماعية، سياسية، وتاريخية) لتلبية احتياجات القرّاء، وتستوعب نحو خمسين قارئاً.
طبع ثمانمائة كتاب من قبل فريق المقهى الذي ركز في اختياره على الكتب غير المتوفرة على شبكة الإنترنت لتشجيع القرّاء على القدوم للمقهى والمطالعة، إضافةً لتبرع أشخاص بنحو خمسمائة كتاب، وهناك مساع لتأمين ألف كتاب آخر خلال الفترة القادمة، لتكون المكتبة أكثر تنوعاً، بحسب قضيماتي.
لا يعمل المقهى حالياً بنظام إعارة الكتب، وذلك لأن المكتبة تحتوي نسخة واحدة من كل كتاب، لكن قضيماتي أكد أنه، وفي حال توفر نسخ أخرى من الكتب المتوفرة، يمكن حينها تفعيل نظام الإعارة لاحقاً.
يعمل المقهى من الساعة التاسعة صباحاً حتى العاشرة مساءً، تتخلل فترات العمل عدة فقرات، تبدأ بالمطالعة من التاسعة صباحاً حتى الرابعة عصراً، وفقرة بعنوان “بدون نت” من الرابعة حتى السادسة ، وجلسات حوارية من السادسة حتى الثامنة مساءً، إضافة لفقرة التعارف من الثامنة حتى العاشرة مساءً.
وتهدف “فقرة بدون نت”، إلى التركيز على أهمية المطالعة وترك الإنترنت الذي شغل الناس وأبعدها عن قراءة الكتب، فخلال هذه الفقرة يُمنع استعمال الهاتف المحمول، أما فقرة التعارف فهي مساحة لتبادل الأفكار والمعلومات بين مختلف مكونات الشعب السوري، خاصةً أن مدينة إعزاز تضم نازحين ومهجّرين من مختلف المناطق.
تسعى إدارة المقهى لإقامة جلسات حوارية على مدار أسبوع، وفي كل يوم يكون هناك موضوع جديد، ومن المواضيع المقترحة خلال الجلسات القادمة، جلسة بعنوان (شامنا تحكي) تتحدث عن الثورة السورية، وجلسة (قصة معتقل) للنقاش حول قضية المعتقلين ومأساتهم وسبل الافراج عنهم، إضافةً لسلسلة جلسات تتحدث عن التراث السوري، بحيث يدور الحديث في كل جلسة عن تراث منطقة سورية معينة وعاداتها وتقاليدها.
المقاهي الثقافية منبر للأنشطة الثورية
في إعزاز أيضاً افتتحت “رابطة الشباب السوري الثائر” مكتبتها العامة في أيار الماضي، وذلك في مكتبها الرئيسي وسط المدينة، تشجيعاً للشباب والطلاب على القراءة والمطالعة والبحث، وتجسيداً عملياً لأهداف الرابطة بعد خمس سنوات من تأسيسها، في دعم الشباب وتوظيف واستثمار طاقاتهم الفكرية والثقافية في خدمة أهداف الثورة.
وقال أحمد عزيز مدير المكتب الإعلامي في الرابطة “إن ظروف الحرب انعكست على الحياة المكتبية وتسببت في شح المكتبات، وأصبح وجودها خطوةً ضرورية لمساعدة الشباب والطلاب والباحثين على تنمية أفكارهم وزيادة ثقافتهم، لذا كان افتتاح المكتبة جزءً من أنشطة رابطة الشباب السوري الثائر، لتكون منبراً لدعم الثورة السورية”.
تضم المكتبة قاعة للمطالعة ونحو ألف كتاب من مختلف المجالات، تم تأمينها بالتعاون بين أعضاء الرابطة وأصدقائها، وهناك خطة لزيادة كتب المكتبة بالاعتماد على التبرعات.
وتعرف “رابطة الشباب السوري الثائر” نفسها بحسب بيانها، بأنها تجمع ثوري مستقل مادياً وسياسياً، ولا يتلقى دعماً من أي جهة داخلية أو خارجية، وتسعى لتبادل الأفكار والآراء بين الأحرار على اختلاف أفكارهم، وتوظيف واستثمار طاقات الشباب الفكرية والثقافية في خدمة أهداف الثورة والمجتمع، بعيداً عن التطرّف والعنصرية والطائفية والانفصالية بكل أشكالها.
أنشطة مميزة في مقهى كفرتخاريم الثقافي
افتتحت مؤسسة (قلب واحد) بالشراكة مع (حلقة سلام) في نيسان الماضي، مقهى ثقافياً حوارياً في مدينة كفرتخاريم بريف إدلب، يقدّم العديد من الأنشطة لرواده، بغية تعزيز وإحياء الثقافة في المجتمع وتنمية مهارات الشباب.
وقالت ديمة صادق مديرة منظمة “روافد” الداعم لمبادرة المكتبة الثقافية الحوارية في كفرتخاريم: “إن وسائل التواصل الاجتماعي تسبّبت في تراجع الإقبال على قراءة الكتب، وأدت لقطع روابط التواصل المباشرة، لذلك تم افتتاح المقهى لتعزيز فكرة الحوارات المباشرة والقراءة من الكتب الورقية، ورفع مستوى الوعي لدى الشباب”.
يتضمن المقهى الثقافي في كفرتخاريم عدة أنشطة، كإقامة الأمسيات الشعرية، ومسابقات في الشطرنج والحساب الذهني والخط العربي، إضافةً لوجود مكتبة تضم مئات الكتب والروايات.
تقول صادق : “حاولنا التركيز على الكتب التنموية، نظراً لأهميتها في تعليم الشبان كيفية تنظيم الوقت واستغلاله وترتيب الأولويات وفهم الحياة، وتعزيز دورهم في المجتمع والتخطيط للمستقبل، ولا يقتصر الأمر على مجرد مطالعة تلك الكتب، بل يتم تنظيم ندوات حوارية لمناقشة بعض الكتب”.
ومن الكتب التي تم نقاشها ضمن مقهى كفرتخاريم الثقافي، كتاب “نظرية الفستق” لـ فهد العامريّ، وهو مِن كُتب التنميّة البشرية، يتحدث عن معرفة الذات والتخطيط للحياة وكيفية التعامل مع الآخرين، ويقدم بعض التمارين لتنمية الأدمغة ويسرد حكايات الناجحين، ومن المقولات المميزة التي تضمنها الكتاب، أن “النجاح لا يتعلق بالكمية بل بالاستمرارية”.
تضمن المقهى أيضاً عرض سلسلة من الأفلام الوثائقية، وطرح مجموعة من الأسئلة العامة عن الفيلم وتقديم جوائز تحفيزية للمشاركين، ومن الأفلام التي عُرضت “الذكاء الاصطناعي”، وفيلم “حكاية ثورة النذر”.
عقبات أدت لتراجع ارتياد المقاهي الثقافية
يضعف الإقبال على المقاهي الثقافية ، إلى جانب تراجع اقتناء الكتب الورقية، وبات أغلب القراء وطلبة العلم يستعينون بالكتب الإلكترونية بدلاً من المطبوعة، لسهولة الوصول إليها من قبل أي شخص وفي أي وقتٍ كان.
وقال أنس درويش طالب جامعي من سكان إدلب: ” إن ارتفاع أسعار الكتب المطبوعة، جعل معظم الأشخاص يعتمدون على القراءة الإلكترونية ، كما أن ضغوطات الحياة وانشغال الناس بتأمين لقمة عيشهم، لم يبق لديهم الوقت الكافي لارتياد المقاهي الثقافية “.
كذلك كان لتفشي فيروس كورونا دور في تراجع الاقبال على المقاهي الثقافية ، فلم يعد كثير من الأشخاص يفضّلون التوجّه إلى تلك المراكز تجنباً للتجمعات، إضافةً للعزوف عن شراء الكتب الورقية ولمسها.
غياب نظام الاستعارة ضمن المكتبات، كان أيضاً من الأسباب التي دفعت سكاناً في الشمال السوري للتوجه نحو الكتب الإلكترونية، حيث أن معظم المكتبات جربت سابقاً إعارة الكتب للقرّاء، ولكن فقد الكثير من الكتب في تلك المرحلة، لذلك اشترطوا أن تكون المطالعة ضمن المكتبة حصراً.
في المقابل قال أستاذ اللغة العربية عماد رومية من مهجّري دوما: إن مطالعة الكتب ضمن المقاهي الثقافية لها فوائد كثيرة، حيث أن القراءة من تلك الكتب تساعد على التركيز بشكلٍ أكبر، وتمنح القارئ شعوراً بالارتباط والاحساس بكل كلمة من خلال لمس الورق، كما أنها مريحة أكثر للعينين، وتثبّت المعلومة في ذهن القارئ أكثر من الإلكترونية”.
وأضاف رومية “الكتب الإلكترونية من الممكن أن تحتوي معلومات خاطئة في بعض الأحيان، كونها لا تخضع للرقابة كالورقية، إضافةً إلى أن زيارة المقاهي الثقافية فرصة لتكوين علاقات اجتماعية، ومساحة لفتح نقاشات حول الكتب ومختلف القضايا التي تشغل بال السوريين”، وطالب بزيادة المبادرات والمشاريع الثقافية وعدد المكتبات في مناطق المعارضة.