تستغلّ ربات منازل تسكنّ مخيم الخالد في حربنوش بريف إدلب وصول مياه الشبكة إلى الخزانات الموضوعة أمام خيامهن للبدء بالأعمال المنزلية اليومية، بعد سنوات من ندرة المياه وكلفتها العالية.
مشروع تأهيل محطة مياه حربنوش والذي نفذته “هيئة الإغاثة الإنسانية” على عدد من المخيمات في البلدة منذ أشهر، حقق نوعاً من استدامة المياه لآلاف السكان، وعبر أنابيب وصنابير مياه، يقول سكان في إدلب “نسينا وجودها”، لاعتمادهم على مياه الصهاريج الموزعة من قبل المنظمات ضمن حصة لا تكف الاحتياجات اليومية وتتراوح بين (٢٥ إلى ٣٥ لتراً يومياً)، أو شرائها بكلفة عالية.
يقول عادل مرعي منسق قطاع المياه والإصحاح في منطقة إدلب: “إن تنفيذ المشروع استغرق ثلاثة أشهر، بدأً بتزويد أحد آبار البلدة بمضخة شاقولية مع كافة المستلزمات الأخرى من قساطل وكابلات وتوصيلات وصمامات، إضافة لبناء خزان مرتفع بسعة ستين متراً مكعباً مع غرفة مولدة وغرفة ميكانيكي”.
كما أمنت المنظمة مصدري طاقة للبئر، وهما “مجموعة توليد كهرباء باستطاعة مناسبة، ومنظومة طاقة شمسية لضمان العمل على مدار العام”. ويبلغ طول الشبكة التي نحو 4700 متر ويستفيد منها أزيد من ستة آلاف شخص.
استهدف المشروع مخيمات (قطاعي الخالد والقطار في مخيم السكة، مخيم البوابية، ومخيم المدرسة الثانوية”، كما وصلت الشبكة إلى حي العروبة في القسم الشرقي لبلدة حربنوش، في حين لم تتمكن المنظمة من إتمام المشروع في مخيمي النصر والطلال بسبب معارضة أصحاب الأراضي المقامة عليها المخيمات، فعمدت المنظمة لتغذية المخيمين بمناهل (صنابير مياه ثابتة) تم تثبيتها على أطراف المخيمين.
يهدف المشروع إلى توصيل شبكات المياه لكافة المواقع المستهدفة وربطها مع خزانات المستفيدين في المنازل والخيام، بحيث تتمكن كل العوائل من الحصول على حصتها من مياه الشرب بنفس الوقت، وقُدرت حصة الفرد اليومية من المياه بأربعين ليتراً.
تتكفل المنظمة بمصاريف الضخ اليومية، لكن في حال انتهت مدة العقد ولم تتمكن من تجديده يمكن تشغيل المشروع بالاعتماد على الجباية من الأهالي، ويعتبر هذا الخيار أوفر من الحصول على المياه عن طريق الصهاريج إضافة لحصولهم على مياه نظيفة ومعقمة ذات مصدر معروف، بحسب المرعي.
ملامح جديدة في المخيم
أثناء تجولك في مخيم الخالد ستشاهد أحواض ورد جديدة زرعتها سيدات المخيم، يسقينها من قنوات لتصريف مياه الغسيل والتنظيف، تقول أميرة الحصرم (٦١ عاماً مقيمة في المخيم) إن أثر وصول شبكة المياه لم يقتصر على أحواض الورد والزينة، لكنه ساعد ربات المنازل على تنفيذ أعمالهن الضرورية اليومية دون تأجيل أو الانتظار حتى وصول صهريج المياه. “الخزانات ممتلئة والشبكة تغذي المكان بالمياه بشكل منتظم ودوري”، تضيف أميرة “صرنا نهتم بنظافة أطفالنا بشكل أكبر، ونزيد من عدد مرات الاستحمام وغسيل الملابس، كان ذلك صعباً ومكلفاً قبل وصول المياه إلى المخيم”.
كما أنهى المشروع معاناة الحاجة “ثريا العواد المقيمة في المخيم”، والتي كانت تبذل جهداً كبيراً بنقل المياه عبر عبوات بلاستيكية من خزانات الجيران كونها لم تكن تملك خزاناً. تقول إن المنظمة زودتها بخزان للمياه وقامت بإيصال الشبكة إلى خزانها ما وفر عليها كثير من الوقت والجهد.
يأمل علي الخالد مدير المخيم بتوسعة المشروع ليشمل باقي القطاعات يقول: “إن المشروع أنهى معاناة أكثر من ثمانمائة نسمة ضمن قطاعه، إذ اعتمدوا في وقت سابق على مياه الصهاريج ما أجبرهم على تقنين استهلاك المياه والالتزام بكميات ومواعيد محددة لأمور النظافة والغسيل، حتى لا يضطروا لشراء المياه بعد انتهاء المياه المجانية، بينما باتت مخصصاتهم اليوم أكبر وتكفي كامل احتياجاتهم.
خدمة غير مكتملة
لم تتمكن المنظمة من تنفيذ المشروع بشكل كامل في “مخيمي الطلال والنصر” بسبب اعتراض أصحاب الأراضي التي أقيمت عليها المخيمات على مد الشبكة، ما حرم نحو خمسمائة عائلة من خدمات المشروع، بحسب إداراتي المخيمين.
يقول حيان أبو أحمد مدير مخيم النصر إن رفض أصحاب الأراضي للمشروع حرمهم من وصول المياه إلى خيامهم، ما دفع المنظمة لتوزيع ثلاثة مناهل، زودت كل واحد منها بصنبوري مياه على أطراف المخيم، ليقوم الأهالي بنقل المياه من المنهل إلى خزاناتهم عبر عبوات بلاستيكية، وهو أمر مرهق حرم كثير من سكان المخيم من المياه في حين اقتصرت الفائدة من المناهل على الخيام القريبة منه فقط.
طالب من قابلناهم من سكان المخيمات المستفيدة من خدمة المناهل بإيجاد صيغة تفاهمية مع أصحاب الأراضي للسماح بإيصال المياه إلى خيامهم أيضا أسوة بالمخيمات الأخرى، لأن المشروع بوضعه الحالي انعكس بشكل سلبي على السكان، حيث توقف تزويد المخيم بالمياه المجانية بذريعة تغطية المخيم بالمشروع، وفي الوقت نفسه يصعب على السكان نقل المياه من المنهل إلى خزاناتهم.
كما أن مياه المناهل لا تكفي حاجة السكان وهو ما يضطرهم لشراء الصهاريج على نفقتهم الخاصة، ويبلغ سعر الصهريج بسعة أربعة وعشرين برميلاً ثلاثين ليرة تركية، بحسب علي العلي مدير مخيم الطلال.
تخفف هذه المشاريع من متاعب الإقامة في الخيام، وتحقق استدامة للحصول على مياه نظيفة مضمونة المصدر، خاصة مع تفاقم مشكلة عدم توفر المياه الصالحة للشرب، والتي تقدر أعدادها بنحو مئتي مخيم أحصاها فريق “منسقو استجابة سوريا”، وقال إن سكانها مضطرون على استخدام مياه غير صحية ولا معقمة لعدم توفر البدائل، ووجه الفريق مناشدة للمنظمات الإنسانية المنتشرة في الشمال السوري للعمل على تأمين المياه الصالحة للشرب للنازحين، منعاً من انتشار الأمراض والأوبئة ضمن المخيمات.