تحلّ الأبنية الطابقية مكان المنازل التي تعرف بالعربية (بناء من طابق واحد) في أحياء من ناحية جنديرس بريف حلب الشمالي، خاصة في نهاية شارع “يلانقوز” وامتداد شارع الصناعة، وحي الفيلات غربي جنديرس إضافة للقسم الشرقي للناحية.
لا يوجد احصائيات دقيقة عن عدد الأبنية الطابقية، لكنها تزيد عن العشرات في المناطق التي رصدناها، ويشهد محيط جنديرس حركة عمرانية وتوسعاً أفقياً في القسم الشرقي من تلة الناحية وخلف سوق الهال.
وتسببت الكثافة السكانية الناجمة عن موجات النزوح والتهجير القسري بتوسع عمليات البناء، ساهم في ذلك استقرار المنطقة وبعدها عن العمليات العسكرية وتوفر فرص العمل.
جنديرس بملامح جديدة
تضاعفت المساحة المبنية في جنديرس خلال السنوات الماضية، وتقدر أحزاب كردية عدد المنازل في مركز الناحية بنحو خمسة آلاف منزل يسكنها أزيد من عشرين ألف نسمة، نصفهم تركوا المكان مع سيطرة الفصائل بدعم تركي على عفرين، بينما يزيد عدد الوافدين إلى جنديرس عن ثمانية عشر ألف نسمة من النازحين والمهجرين قسرياً من مناطق سورية مختلفة.
يقول بشير محمد (واحد من سكان جنديرس) إن أغلب المنازل في جنديرس كانت بيوتاً من طابق واحد أو طابقين، حتى العام ٢٠١٣، لكنها ومنذ ذلك التاريخ بدأت تشهد توسعاً عمرانياً أفقياً، زاد عن ضعف مساحتها الأصلية، أو شاقولياً في مركز الناحية وقسم من أحيائها.
ويضيف المحمد أن هذا التوسع نتج عن زيادة في عدد السكان الذين وفدوا إلى جنديرس بعد سيطرة القوات الكردية عليها، من أكراد مناطق أخرى، إضافة لنازحين من مدينة حلب وريفها، زادت هذا التوسع في الآونة الأخيرة بعد وصول آلاف الأشخاص في موجات النزوح الجديدة خلال الأعوام الثلاثة الماضية.
وتتراوح أسعار الشقق السكنية في جنديرس بين ستة إلى عشرة آلاف دولار، يحدد ذلك المكان والمساحة، وهي مبالغ يصعب على النازحين الحصول عليها، خاصة وأن متوسط دخل العائلة السورية في هذه المناطق يقل عن مئة دولار شهرياً، وارتفاع الأسعار التي تشهده المنطقة، وخاصة إيجارات المنازل ما دفع تجار البناء إلى الاستثمار في العقارات، ويبلغ متوسط إيجار الشقة السكنية في جنديرس نحو 50 دولار شهرياً.
بعيداً عن الإيجارات التي تقضم نصف دخل العائلات في جنديرس توجه وافدون إلى الأراضي المحيطة بالناحية أو القرى لتابعة لها لبناء منازل بسيطة، أغلبها مكون من غرفة واحدة، وعلى مساحة أرض لا تزيد عن مئة متر مربع، يتم شراؤها من أصحابها مقابل مبالغ مالية تصل إلى خمسة عشر دولاراً للمتر الواحد، في حين يتضاعف هذا المبلغ داخل مركز الناحية، بحسب أحمد مصطفى (مهجر من دمشق).
ويقول المصطفى إن تكلفة بناء “غرفة واحدة مع منتفعاتها” تصل إلى ألف دولار، وهو ما يدفعه مستأجر في جنديرس للحصول على منزل لسنة واحدة فقط، ويضيف إن كثر من الوافدين توجهوا إلى هذا الخيار لتوفير الإيجارات الشهرية وتحسين أماكن سكنهم بمرور الوقت.
أما داخل مركز الناحية فلم يعد هناك أراض للبناء، ويلجأ التجار لشراء المنازل ذات الطابق الواحد وهدمها وإعادة بنائها على شكل أبنية طابقية.
أبنية مرخصة مخالفة
يشترط المجلس المحلي في عفرين للموافقة على رخصة البناء مستندات ملكية قانونية، ومخطط مساحي ودراسة هندسية للعقار يحصل عليه من غرفة المهندسين، إضافة لدفع ثلاثمئة ليرة تركية رسوم المجلس المحلي والرسوم الهندسية، بحسب محمد حاج عبدو مدير المكتب القانوني في مجلس عفرين.
ويقول الحاج عبدو إن معظم عمليات البناء “غير قانونية”، ويرجع ذلك لعدم وجود سند الملكية الأصلي للعقار “نتيجة الضياع أو التلف جراء الحرب “، ويستعاض عنها في عمليات البيع تكون بعقود أو إقرارات مستعجلة أمام القضاء أو بالوكالة، نتيجة عدم وجود صحائف عقارية، إلى الآن، وذلك ما يجعل استخراج رخصة البناء أمراً صعباً، ما دفع المجلس المحلي للقبول بعقود وإقرارات البيع المستعجلة لتيسير معاملات رخص البناء.
ولم يحدد مدير المكتب القانوني طبيعة الأحكام والغرامات المترتبة على المخالفين، لكنه أكد أنهم يلاحقون قانونياً عبر سلسلة إجراءات تبدأ بالإنذار لمراجعة المكتب الفني للحصول على الرخصة، إلى كتابة الضبوط بحق المخالفين وإحالتها للقضاء لاستصدار الحكم المناسب.
تُبنى كثير من المنازل الجديدة دون تنظيم ومراعاة للجوار ما يتسبب بخلافات بين السكان وصاحب العقار الجديد، يقول خالد “مقيم في جنديرس: “إن إنشاء بناء طابقي ضمن حارة شعبية غالب بيوتها أحواش عربية ينتهك خصوصية تلك المنازل، وتصبح مكشوفة بشكل كبير لساكني العقار الجديد ما يجبر أصحاب المنازل العربية على استعمال الستائر وشوادر” البلاستك لستر منازلهم”.
ويرى خالد أن التوسع العمراني على حساب الأراضي الزراعية سيزيد من عشوائية المنطقة ويؤدي لتناقص أعداد أشجار الزيتون والتي تعتبر السمة الرئيسية للمنطقة، على حساب الكتل الاسمنتية وطالب بوجوب ضبط التوسع ضمن مخططات تنظيمية.