فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

صورة لمظاهرات رفضاً لمجزرة الحولة -فيس بوك

بعد ثلاثة أعوام من توقيع اتفاق التسوية في الحولة .. الاعتقالات مستمرة

محمد جميل

دخلت منطقة الحولة التابعة لريف حمص الشمالي الغربي في اتفاق التسوية الذي تم توقيعه بين فصائل المعارضة وقوات النظام في أيار 2018، ومنذ ذلك التاريخ يعيش سكان المنطقة أوضاعاً أمنية […]

دخلت منطقة الحولة التابعة لريف حمص الشمالي الغربي في اتفاق التسوية الذي تم توقيعه بين فصائل المعارضة وقوات النظام في أيار 2018، ومنذ ذلك التاريخ يعيش سكان المنطقة أوضاعاً أمنية وإنسانية صعبة نتيجة حملات الاعتقال التي تقودها قوات النظام، إضافة للأحوال المعيشية الصعبة التي ترافقت مع انخفاض قيمة الليرة السورية مقابل الدولار.

قيود أمنية مشددة

يقول رامي “اسم مستعار لشاب مهجر من الحولة”: “إن سكان المنطقة يخشون الخروج من منازلهم ليلاً نتيجة خوفهم من التعرض للخطف أو الاعتقال”.

وتشهد المنطقة بحسب من التقيناهم نشاطاً ملحوظاً لقوات أمن النظام التي تلاحق الثوار الأوائل ممن لم يخرجوا ضمن اتفاقية التسوية، بذريعة أنهم كانوا من حملة السلاح وينبغي عليهم تسليم بندقية أو دفع ثمنها حتى لا يتم اعتقالهم، ما أجبر كثير من السكان على بيع ممتلكاتهم وأرزاقهم ليدفعوها مقابل حريتهم، كما اضطر شبان الحولة ممن شاركوا بالحراك الثوري للتخفي في المزارع المنتشرة في المنطقة خشية الاعتقال، في حين قام آخرون بدفع مبالغ تتراوح بين خمسمئة إلى ألف وخمسمئة دولار للعبور إلى لبنان.

دفع علاء “شاب رفض الخروج إلى الشمال السوري سنة 2018” أكثر من خمسة آلاف وخمسمئة دولار ليتمكن من الوصول للشمال السوري.

يقول إنه اضطر للتخفي في الأراضي الزراعية لمدة عام كامل خوفاً من حملات الاعتقال التي نشطت بعد ستة أشهر من توقيع اتفاقية التسوية، إذ تلاشت التطمينات الروسية بعد أول حملة اعتقال.
اضطر علاء لترك المنطقة بعد اعتقال زميله فسلك طريق التهريب إلى لبنان وجلس بها فترة من الزمن قبل أن يتمكن من السفر إلى الشمال السوري.

يقول إن الحظ كان حليفه فقد تمكن من الخروج من المنطقة قبل أن تعتقله قوات النظام ويلاقي مصير من سبقوه من أصدقائه وقتلوا تحت التعذيب.
ويستذكر علاء قصة الشرطي “باسل حرفوش” الذي انشق عن قوات النظام مطلع الثورة وشارك في العمل الثوري ورفض الخروج من الحولة نتيجة التطمينات الروسية، لكنه تعرض للاعتقال بعد ثمانية أشهر من توقيع اتفاقية التسوية، ليصل خبر وفاته إلى أهله بعد ستة أشهر من اعتقاله، ويلاقي مصير شبان آخرين أمثال “شاكر جورية، وعاطف السيد، ومؤيد بكور، وعميد الاسماعيل”.

أوضاع إنسانية صعبة

يحصل الفرد في منطقة الحولة على رغيف واحد من الخبز يومياً، بحسب رامي الذي قال إن العائلة تحصل على سلة إغاثة من الأمم المتحدة شهرياً ويتم اقتطاع مادة الطحين منها، بموافقة صاحب السلة ليخبزها له الفرن وينال كل فرد من عائلته رغيف خبز يومياً، أو يأخذها ليخبرها في المنزل، كما تحصل المرأة الحامل على كرت قيمته خمسين  ألف ليرة سورية شهرياً يمكّنها من شراء مواد غذائية.

لكن يقول من التقيناهم إنها لا تكفي لشراء أضعف الاحتياجات اليومية، فثمن ليتر الزيت يزيد عن سبعة آلاف ليرة وسعر كيلو الفروج الحي نحو أربعة آلاف وخمسمئة ليرة، وكيلو لحم العجل بثمانية وثلاثين ألفاً، لذا يعتمد السكان على البرغل والعدس والخضروات التي يزرعونها، في حين يعتمد آخرون على المساعدات التي يحصلون عليها من أقاربهم المغتربين.

يبلغ راتب الموظف في مناطق النظام نحو ستين ألف ليرة سورية، وتعادل نحو عشرين دولاراً، في حين يبلغ سعر اسطوانة الغاز في السوق السوداء نحو أربعين ألف ليرة، وهو ما أجبر معظم السكان على الاكتفاء بأسطوانة الغاز المدعومة كل ثلاثة أشهر عبر برنامج البطاقة الذكية.
تصل الكهرباء إلى منطقة الحولة لمدة ساعتين يومياً، ويرتبط وصول المياه بالكهرباء ويضطر السكان للتعامل مع هذا الواقع إذ تمنعهم ظروفهم الاقتصادية من البحث عن حلول بديلة.

يقول “رامي” إن السكان في الحولة جربوا ضيق الحال منذ عام 2012 عندما فرضت قوات النظام أول حصار خانق عليهم بعد مجزرة الحولة والتي قتل فيها أكثر من مئة وثمانية شهداء، حيث استمر الحصار بعد المجزرة لستة أشهر، تبعه حصار آخر أقل ضراوة استمر حتى اتفاق المصالحة والتهجير، إذ سمح في الحصار الأخير بإدخال المواد الغذائية بعد فرض إتاوات عليها من قبل قوات النظام والتي كانت تتقاضى مليون ليرة سورية عن كل سيارة مواد غذائية يتم إدخالها.

طريق الموت

لا ينسى أهالي الحولة طريق الموت الذي قالوا إنه كان شريان الحياة والموت معاً، فقد كان المنفذ الوحيد لنقل المواد الغذائية، لكنه في الوقت نفسه طريق وعر طوله نحو خمسة عشر كيلو متر وتحيط به قوات النظام والقرى الموالية، وتعرض العابرون فيه للكمائن والقنص وقتل كثير منهم في سبيل الحصول على كيس من الأرز أو السكر أو تبديل أسطوانة غاز، بحسب من تحدثنا معهم.

 

كما ابتكر السكان في ذلك الوقت النقالة الطبية على الدراجة النارية، إذ لم يكن في الحولة سوى طبيب واحد في تلك الفترة، وكان يجري غالب العمليات الجراحية، إلا أن الحالات الحرجة كانت تستدعي نقلها إلى خارج المنطقة عبر الدراجات النارية.
يقول محمد إن عناصر الدفاع المدني اعتمدوا تلك الطريقة لتعذر عبور سيارة الإسعاف على طريق الموت الوعرة والمحاصرة من جهتي “الزارة وكفرنان”، وهي قرى موالية تقع على جهتي الطريق ولا تبعد سوى خمسمئة متر عن الحولة ما جعل العابرون عرضة للقنص والكمائن التي ذهب ضحيتها العديد من أبناء المنطقة.

تضم منطقة الحولة أربع قرى هي “تل دو، وتل ذهب، كفرلاها، والطيبة الغربية” وتبعد عن مدينة حمص نحو عشرين كيلو متراً على طريق حمص مصياف وتحيط بها قرى القبو وفلة وكفرنان وبعرين ومريمين وقرمص وهي قرى تحولت بعد الثورة إلى معسكرات لجيش النظام تتمركز فيها الدبابات والمدافع، تحاصر وتقصف قرى الحولة خلال السنوات السبع الأولى من عمر الثورة قبل الحصار والتهجير.