فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

صورة أرشيفية لمركز "غسيل الكلية" في مدينة الباب بحلب

مراكز “غسيل الكلية” في الشمال السوري دون أدوية.. والمرضى يمضون نصف أيامهم على الطرقات الوعرة

حسن كنهر الحسين

يمضي رافي البيك (مريض قصور كلوي) تسع ساعات أسبوعياً للوصول من مكان إقامته في مخيم دير حسان شمالي إدلب إلى مشفى الهداية في قرية قاح، حيث حددت له ثلاث جلسات […]

يمضي رافي البيك (مريض قصور كلوي) تسع ساعات أسبوعياً للوصول من مكان إقامته في مخيم دير حسان شمالي إدلب إلى مشفى الهداية في قرية قاح، حيث حددت له ثلاث جلسات أسبوعياً لـ “غسيل الكلية” .

يتحدث البيك عن الإرهاق الذي يعانيه خلال رحلة العلاج، ويخبرنا أن ارتفاع نسبة الكرياتينين في دمه دفعت الطبيب المعالج لرفع عدد جلسات “غسيل الكلية” التي يتلقاها إلى ثلاث، بعد أن كانت جلسة واحدة أسبوعية.

نصف حياتهم على الطرقات وفي المركز

تستغرق جلسة “غسيل الكلية” بين ثلاث ساعة ونصف الساعة إلى أربع ساعات، يقول البيك إنه يمضي ست عشرة ساعة على الجهاز، وبحاسب ساعات التنقل فإنه يخسر نهارات ثلاثة أيام أسبوعياً. يقول “هذه المدة باتت روتيناً يحكم حياتي الآن”.

عدنان دهنين مريض آخر بالفشل الكلوي، يقول إنه تخلى عن عمله كمدرس نتيجة تدهور حالته الصحية ولجوئه إلى مشافي غسيل الكلى، والتي باتت تستهلك كثيراً من وقته.

اضطر عدنان لاختيار موعد جلسات “غسيل الكلية” بين الحادية عشر صباحاً والرابعة عصراً، وهو الوقت الذي تلتزم فيه إحدى المنظمات بنقل المرض من وإلى المشفى، يقول إنه “وفر مشقة وتكاليف النقل إلا أن التزامه بهذا الوقت حرمه من ممارسة أي عمل يساعده في تحمل أعباء الحياة”.
أما أيهم إسماعيل، وهو عامل بناء، فقد اضطر لإيقاف عمله ثلاثة أيام أسبوعياً ليتمكن من مرافقة ابنته ذات الأربعة عشر عاماً والمصابة بقصور كلوي إلى المشفى، ما أثر على دخله لتأمين الاحتياجات اليومية المتزايدة لأسرته.

المرضى الثلاثة هم جزء من أربعمائة وخمسة وسبعين مريضاً بالقصور الكلوي، يتلقون علاجهم في اثني عشر مركزاً لـ “غسيل الكلية” تنتشر في الشمال السوري، وتعمل وفق نظام “الورديات” لتتمكن من استيعاب جميع الحالات، بحسب رئيس شعبة الإعلام في مديرية الصحة، والذي حدد أماكن توزعها في “أريحا، إدلب، أرمناز، سلقين، حارم، دركوش، الأتارب، باب الهوى، قاح، دارة عزة، عفرين، عزاز ومارع”.

“الغسيل” علينا والأدوية عليكم

يقول من تحدثنا معهم من مرضى القصور الكلوي إن الغلاء الذي طال المحروقات ساهم في زيادة الكلفة للوصول إلى المراكز، والتي تبعد عن بعضها البعض نحو عشرين كيلو متراً، وتختلف هذه الكلفة بحسب بعد المسافة، إذ يحتاج مرضى “غسيل الكلية” إلى التنقل عبر سيارة خاصة، نتيجة وضعهم الصحي والآثار الناتجة عن عملية الغسيل، كالوهن والدوار..

صورة أرشيفية لمركز "غسيل الكلية" في مدينة الباب بحلب
صورة أرشيفية لمركز “غسيل الكلية” في مدينة الباب بحلب

يقول الاسماعيل (والدة الطفلة المصابة بقصور كلوي) إن ارتفاع تكاليف النقل تقضم معظم ما يجنيه من عمله، يضاف إليها أسعار الأدوية التي وصفها بـ “المرتفعة”.

وكانت أغلب مراكز “غسيل الكلية” قد توقفت عن تزويد المرضى بالأدوية التي يحتاجونها، لعدم توفرها في المستودعات المجانية، ما أجبر المرضى على شرائها من الصيدليات الخاصة وتحمل نفقات إضافية يرونها كبيرة مقارنة بأحوالهم المادية.

يقول عبد الله (مريض يخضع لجلسات غسيل الكلية من مشهد روحين بريف إدلب) إنه يحتاج نحو خمسين دولاراً شهرياً ثمن أدوية “نقص الكلس والضغط والأنسولين ومنظم سكر”، إضافة لخمسة حقن من نوع “ايبوتين” يصل سعر الواحدة منها إلى ثمان دولارات، يضطر لشرائها نتيجة فقدانها في الصيدليات المجانية.

خصوصية وتسلية في مراكز “غسيل الكلية”

الوقت الطويل الدي يمضيه مرضى القصور الكلوي داخل مراكز “غسيل الكلية” دفع إدارات هذه المراكز لخلق أجواء يرون أنها قد تمنح المرضى بعض الراحة على أسرة المشفى، عبر تنظيم نشاطات تتضمن بعض التسلية والترفيه الذي يرافقهم فور وصولهم حتى انتهاء الجلسة بهدف الترويح عن المرضى وشغلهم عن آلام الغسيل.

يقول عمر العبودي فني غسيل الكلية في مشفى الهداية التخصصي ” فور دخول المريض إلى قاعة الغسيل نبدأ بممازحته عبر إطلاق بعض النكات بغية إخراجه من وضعه الحالي، وصرف تفكيره عن الآم تركيب القسطرة وجلسة الغسيل التي تستمر لساعات، كما نقوم بتوصيل جهازه المحمول بالإنترنت ليتمكن من التواصل مع أصحابه وتصفح مواقع التواصل الاجتماعي أثناء الجلسة”.

كما زودت إدارة المشفى  قاعدة المركز بشاشة كبيرة يعرض فيها برامج ترفيهية ويافطات تغذية تخص المرضى المداومون على “الغسيل” ويعانون من أمراض مزمنة إضافية مثل السكر والضغط وغيرها، إضافة لتزيين الأسرّة وتزويد المرضى بسماعات شخصية، كما قامت الإدارة بتزويد الأسرة بالستائر ليتمكن المريض من الحصول على خصوصية كاملة أثناء الجلسة، بحسب العبودي.

يقول من تحدثنا معهم من العاملين في مراكز غسيل الكلى إن تلك النشاطات جاءت لمنح بعض الراحة للمرضى الذين يعانون من الفشل الكلوي نتيجة الآلام التي يتعرضون لها أثناء عملية الغسيل، والتي تبدأ بمناورة البحث عن وريد لتركيب قسطرة مركزية وداجية بهدف الغسيل يتم تركيبها في منطقة العنق، أو يتم إحالتهم إلى طبيب الوعائية والذي يجري لهم عملية فيستولا (وصل شرياني وريدي)  في منطقة الساعد أو تحت الترقوة “سيبيلاين” (يتم وصلها بالوريد بشكل مباشر) بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من ضمور الأوردة، حيث تستمر بعدها الآلام الناتجة عن الغسيل والتي قد يفقد المريض خلالها الوعي نتيجة أمراض مزمنة يعاني منها كارتفاع الضغط والسكر…

يرى من التقيناهم من المرضى أن زيادة عدد المراكز المختصة بغسيل الكلى سيوفر عليهم الوقت والجهد الذي يقضونه في للوصول للمراكز الحالية، كما يأملون تزويدهم بالأدوية اللازمة مجاناً بعد أن فقدوا عملهم وللتخفيف من التكلفة التي يجدون أن الحصول عليها أقسى من المرض الذي يعانونه.