تكتظ المساجد بالمصلين والمسبحين والراكعين والذاكرين الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم، يرجون فضلاً من الله ورحمة، بدءً بالليلة الأولى من رمضان حتى ليلة القدر حيث يتجلى الله وتتنزل الأنوار في أغزر صورها على القلوب والأرواح المتعبة.
تتشابك في الأفئدة غابات من الأوجاع التي تنمو بكثافة في ظل الكساد المتراكم، وتغول الأسعار التي تبتلع فتات الراتب الشهري وصاحبه في أقل من ثلاثة أيام من بداية الشهر الكريم، ولا حلّ إلا أن ينزل الله مائدة من السماء، أو يرسل غيمة خضراء، أو يداً بيضاء، أو حوالة عابرة للحدود تحفظ ماء الوجه، وما تبقى من حياة.
أحلام بطعم “البروستد“
بعد وصول حوالة مجزية من أحد أقربائي، بدأت الأحلام بالنمو في رأس زوجتي، ومشاريع الشراء والتبضع بالتوسع في مخيلتها، بالإضافة لقائمة الدائنين الطيبين والمتوحشين الذين ينتظرون على صفيح ساخن.
وكان إفطارنا الأول بعد انفراج مغارة علي بابا بأن قررنا أن نستضيف ضيفاً عزيزاً على قائمة الإفطار، وهو (الفروج المشوي) وملحقاته من المايونيز والكتشب والحمص وعبوة كبيرة من الكولا، ومن ثم استكمال هذا الحدث بدعوة والدي زوجتي وابنهم العازب إلى طبقنا المبجل.
منذ عام اشتريت دجاجة مشوية بأربعة آلاف ليرة، فجمعت وطرحت وقسمت وطرحت وكان النتيجة أن خمساً وعشرين ألف ليرة تكفي لهذا الكرنفال الذي لا يتكرر. توجهت إلى المحل واثقاً ومختالاً بنفسي وبجيبي وبما حوى.
-لو سمحت، فروجتان مشويتان، مع كيس حمص، وعلبة كولا “هيفاء”.
-الحساب 38 ألف ومئة ليرة
فروجتان حمراوان بـ 34000
كيس حمص لين الجانب 2300
كولا باردة الجسد 1800
لتبدأ عملية التنقيب في جيوبي الخلفية والأمامية، ما ظهر منها وما بطن لكي أكمل المبلغ المطلوب، والذي رافقه تعرق حزين، وارتفاع ضربات الدهشة، وارتعاش أصفر الساقين.
نقدته المبلغ ثم توجهت إلى بائع المعروك صاحب الوجه المدور، ريثما تشوى الفروجتان وأنا على نار هادئة، وقد احدودب ظهري مثل أحدب نوتردام، ومال جسدي مثل برج بيزا النائم.
– أريد قرصا جميلا مثل وجهك يا سيدي.
-هل تريده محشواً أو خالياً مثل جيوب السوريين.
ثم أردف وابتسامة خافتة تعلو وجهه
– القرص المحشو بالجبن أو الشوكولا أو التمر ب 4500، أما بالزبيب فسعره 5000، أما السادة فهو ب 2500 ليرة فقط.
-أعطني قرصا محشواً بالحب.
عدت إلى البائع الأول الذي أعطاني ما طلبت ورائحة الفروج المشوي تسيل بين يديه.
لم يكن بائع السوس والتمر الهندي بعيداً عن متناول عيني، رويداً بدأ ينكشف بلباس بائعي السوس الرسمي، قبعة حمراء، صدرية مزركشة بخيوط القصب، وشروال تتهدل زوائده بين ساقيه، وصولاً إلى التاسومة الحمراء اللامعة وإن لم يمسسها ضوء.
-أريد كيساً بخمسمائة ليرة لو سمحت
– (التقلي)الإبريق بألف ليرة وذلك أضعف الإيمان.
– اللهم قوّي إيمانك.
تقيأ جيبي آخر ما تبقى فيه، بخمسمائة أخرى، وقفلت إلى البيت مهزوماً مدحوراً. أثناء الفطور تم القضاء على الفروجتين بشكل كامل، وكانت حصتي مؤخرة الدجاجتين المسكينتين، ولله الحمد
وللمصروف بقية….