تستنشق رائحة المعمول وتوابل كعك العيد عند مرورك بالقرب من منزل هدى دحروج في حي الشيخ ثلث بمدينة إدلب، السيدة التي امتهنت صناعته وتجهيزه لزبائنها منذ تهجيرها القسري من مدينتها دمشق.
تستقبل هدى الطلبات من زبائنها في النصف الثاني من رمضان، بعد أن ذاع صيتها بإتقان صناعة الحلويات الغربية والشرقية، نتيجة استعمالها لمواد عالية الجودة تمنح منتجاتها مذاقاً شهياً يتفوق على الأصناف الموجودة في الأسواق.
سخرت هدى خبرتها القديمة في صنع الحلويات، للتغلب على الواقع الذي تعيشه، فحولت مطبخها في مدينة إدلب إلى ورشة صغيرة لإعداد الحلويات الشرقية والغربية بإمكانيات متواضعة جداً كما أخبرتنا.
بدأت فكرة العمل المنزلي عند هدى بتشجيع ممن تذوق حلوياتها، كالجيران والمعارف المقربين، على توسيع عملها والاتجاه نحو الإنتاج والبيع، وقد تمكنت حسب قولها من إرضاء أذواق الناس بمختلف مناطقهم وعاداتهم، تقول: تعاملت مع شريحة متنوعة من شتى المناطق وأضافت “تختلف عادات كل منطقة بتحضير الحلويات واكتسبت خبرة وتجربة مميزة من صناعتها”.
تقصد النسوة هدى لصنع حلوياتهن كونها مريحة في التعامل والتوصية أكثر من أصحاب المحال في السوق، فالنساء تهتم بتفاصيل صغيرة أكثر، من ناحية الطعم والحجم والشكل والنكهات المضافة إليها، وهذا ما وفرته هدى لزبائنها من السيدات اللواتي كسبت ثقتهن وأرضت أذواقهن.
تثني “منال٣٢ عاماً” معلمة وأم لأربعة أطفال على حلويات هدى، وقد أصبحت زبونة دائمة تبتاع من عندها الحلويات في كل مناسبة، وفضلت هذا العيد أن تشتري معمول العيد أيضاً لانشغالها بوظيفتها وامتحانات أطفالها.
خطوات التحضير
لتجهيز عجينة المعمول تخلط هدى مقادير معينة من طحين “الزيرو” والسميد الناعم المعروف بطحين “الفرخة”، مع السمن الحيواني والسكر ثم تضيف إليهم المحلب، بينما تعتمد نساء أخريات على السمن النباتي والزيت لانخفاض سعرها مقارنة بالسمن الحيواني الذي يبلغ سعر الكيلو منه نحو خمسين ليرة تركية.
تجهز حشوة العجوة على يدها لتحصل على “طعم أصيل” خالٍ من التلاعب أو الغش، تخبرنا أنها تشتري كمية من أجود أنواع التمور، بسعر عشر ليرات تركية للكيلو الواحد ثم تنزع نواته وتمزجه جيداً مع السمنة، وتضيف إليه النكهات العطرية كالقرفة أو الهال أو ماء الزهر، لتحصل على عجينة طيبة المذاق، ثم تحضر حشوات أخرى من الجوز البلدي وجوز الهند.
أما السيدة “أم عبد الله ٤٧عام” من ريف إدلب، فقد صنعت حشوة كعك العيد بما توفر لديها من مكونات بسيطة مستغنية عن السمن الحيواني والجوز والفستق الحلبي، تقول: “احتفظت بعلبتي تمر حصلت عليهم من معونة الشهر الماضي، ووفرت أربع كيلو غرامات من الطحين وبعض السكر، واستخدمت نصف علبة السمنة مع قليل من الزيت، وصنعت من حبات فستق الفول السوداني حشوة أخرى مع العجوة، تقول مبتسمة “لم نعرف هذه الحيل إلا في أيام النزوح، المهم ألا يشعر أولادي أن عيدهم ينقصه كعك العيد”.
تتوافر في محال الحلويات في أسواق مدينة إدلب مكونات أخرى من مختلف النكهات، وخاصة بعد التنوع السكاني الذي ميز المدينة، فهناك كعك العيد المصنوع من الطحين فقط، والمعمول المحشي بالجوز بالفستق الحلبي وجوز الهند، كما تتميز مدنية إدلب بالكعك المالح المصنوع من زيت الزيتون والمنكه بالتوابل كالشمرا واليانسون.
تختلف أشكال المعمول باختلاف القوالب المستخدمة بصنعها، وتتفنن هدى باختيار قالب لكل نوع من الحشوة، مستخدمة قوالب بلاستيكية،
وأداة خاصة تسمى “الملقط” محتفظة به منذ كانت في دمشق. تقول: “لكل حشوة رسمة معينة تميزها عن غيرها، ويجب أن تكون قطعة الجوز طويلة محززة وقطعة العجوة مدورة محلاة بحبة فستق حلبي تزيدها لذة وجمالاً”.
فيما تعتمد “أم شادي” من مدينة حماه، على يديها وشوكة الطعام لرسم شكل جميل لقطعة المعمول دون أن تستخدم أي قالب آخر، تخبرنا طريقتها سريعةً وشكلها جميل”.
أما جارتها عفاف فما يزال للقالب الخشبي المستعمل في صناعة المعمول منذ عشرات السنين وجود في منزلها ولا يمكنها الاستغناء عنه.
أسعار مرتفعة وإقبال ضعيف
تبيع هدى كيلو المعمول بخمسين ليرة تركية، والبتيفور والغريبة بأربعين ليرة تركية، أي ما يعادل أجرة عمل أربعة أيام لعامل مياومة، وهذه الأسعار زادت الضعف عما كانت عليه في العيد الماضي.
بينما يباع كيلو المعمول بعجوة والبرازق وباقي البيتفورات بعشرين ليرة تركية في السوق. تبرر هدى سبب ارتفاع أسعار حلوياتها مقارنة بالأسواق باستخدامها للسمن الحيواني والطحين الجيد والتمر بدل العجوة والجوز البلدي، وهذا ما ميز عملها عن منتجات السوق التي تكون بمواد أقل تكلفة على حساب الجودة، كما أن اعتمادها على فرن الغاز لعدم وجود أفران كهربائية، قد زاد من كلفة الإنتاج، فسعر أسطوانة الغاز تسعة وثمانون ليرة تركية.
يعتبر تحضير كعك العيد المنزلي من طقوس العيد المهمة وهو ما أمن فرصة عمل لعشرات السيدات اللواتي يعملن بصناعته في منازلهن مثل هدى، لكن غلاء الأسعار، ساهم في تقليص الكمية المصنوعة أو استبدال بعض المكونات الأساسية بمواد أقل ثمناً عند بعض الأهالي، وهذا ما لمسته هدى من طلبات النسوة اللواتي تواصلن معها تقول: إن بعض الأسر كانت تطلب نحو عشرة كيلو غرام من كل صنف في حين تقتصر توصيات بعضهم اليوم على كيلو واحد فقط أو كيلو من كل صنف للحفاظ على تقاليدهم القديمة.
تقول إنها كانت تستقبل عبر هاتفها اتصالات عديدة يومياً لتلبية زبائنها في الأعياد الماضية، غير أن الطلب في هذا العيد كان أقل ولم تتلقَ سوى عشر طلبات فقط، بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الأهالي في مدنية إدلب.
في الوقت نفسه هناك عائلات ألغت من عيدها شراء الحلويات أو صنعها منذ أعوام بسبب ظروف الحرب والنزوح التي مرت عليهم، وأجبرتهم على التخلي عن فرحة العيد.
تخشى” ليلى” أم لأربعة أطفال أن يمر هذا العيد أيضاً دون أن يشم أطفالها رائحة كعك العيد من مطبخها كما كانت تصنع في بيتها بمدينة حمص قبل التهجير وقد تحتال عليهم بشراء بعض “السكاكر” وصنع أقراص بلا حشوة كما فعلت العيد الماضي.