ركز مشروع “البيت التدمري” منذ تأسيسه في سنة 2016 وحتى اليوم على المرحلة الأولى في تأسيس الحياة التعليمية والتربوية للطفل، رياض الأطفال، ويركز على نازحي ومهجري مدينة تدمر والمجتمع المضيف لهم في أماكن النزوح شمال غرب سورية.
انطلقت فكرة المشروع من العاصمة الفرنسية باريس، وتهدف للمساعدة في تطوير وتأهيل المجتمع المدني في مدينة تدمر وتخليصه من التبعات النفسية والاجتماعية التي لحقت به بعد نزوحه من المدينة، نتيجة سيطرة تنظيم الدولة ومن بعده قوات الأسد والقوات الروسية وميليشيات إيران عليها، بحسب أحمد طه المدير التنفيذي للمشروع.
ويقول الطه “إن الأزمات المتعاقبة التي عاشها سكان المدينة أدت لتخريب العلاقات المجتمعية، فضلاً عن الدمار المادي الكبير الذي لحق بالمدينة وآثارها وبناها التحتية والخدمية والمدنية، ما دفعنا لإطلاق المشروع بغية تطوير وتأهيل المجتمع المحلي التدمري، بحيث يكون قادراً على إعادة إعمار الإنسان والمدينة في تدمر، وقبل ذلك المساهمة مع المجتمعات المحلية التي يحل بها حالياً نازحو تدمر”.
يتألف المشروع وفق مخططاته الأساسية من عدة مراكز، ” للإعمار، للتراث، للطفولة، للمرأة، للعودة، للتعليم الشعبي، الصحة، التوثيق والدراسات والإحصاء، البيئة، الزراعة فضلًا عن المركز الإعلامي”. كل مركز يحاول إيجاد السبل لتهيئة وتطوير كوادر المدينة بحسب تخصصه، من خلال توفير الأدوات اللازمة لذلك بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات محلية ودولية لديها الخبرة في هذا العمل.
يستهدف المشروع كافة الشرائح العمرية لأهالي المدينة إضافة لأهالي المجتمعات المحلية التي يقيم أهالي تدمر حالياً بينها، وقد لاقى المشروع قبولاً ودعماً من السكان والجهات المسؤولة، في مقدمتها مديرية التربية بحسب الطه.
بدأ عمل المشروع عبر تدريب الكوادر الأساسية من خلال دورات مباشرة أو عن طريق الانترنت، وشملت التدريبات اختصاصات عدة مثل “التعليم، قيادة المشاريع، أصول التوثيق القانوني، الإعلام، إضافة إلى رفع المهارات الوظيفية ودورات في الرعاية النفسية و الوقائية الطبية”، وتم إنشاء مراكز في مجالات “التراث، الأطفال، المرأة، الشباب، الصحة، البحث، البحث والتحليل، التعليم، التعاون بين مكونات المجتمع ، حقوق الإنسان ، منع / حل النزاعات”.
وأضاف الطه تم التركيز في المرحلة الأولى بشكل خاص على تدريب الشباب من أجل ملء أدوار القيادة في المجتمع وتنمية المهارات التقنية بهدف توفير فرص العمل لجميع قطاعات المجتمع، وتم تزويد المراكز الصحية بالتدابير الوقائية والعلاجية والرعاية الصحية والتدريب على الإسعافات الأولية، إضافة للاهتمام بالجانب التعليمي للأطفال والتركيز عليه.
في بلدة كللي شمالي إدلب تقدم روضة البيت التدمري الرعاية والتعليم للأطفال بشكل مجاني، كما أطلق المشروع مدرسة زراعية، فضلاً عن أنشطة أخرى منها مركز للتدريب المهني.
بينما يدير البيت التدمري في مدينة حزانو شمالي إدلب مركزاً للتوثيق والبحث وإعادة تأهيل الأطفال، كما ينظم دورات للمساعدة في الإسعافات الأولية.
كما كان للمشروع نشاطات في مخيم الركبان عند المثلث الحدودي بين سوريا والأردن والعراق، حيث نظم دورات التصوير الفوتوغرافي والإعلامي، فضلاً عن أنشطة تهتم بالدرجة الأولى بالتعليم والتوعية الصحية والدعم النفسي للأطفال و النساء ضمن نشاطات تقام في مدرسة البيت التدمري بمخيم الركبان.
رياض الأطفال أولوية
يسعى “البيت التدمري” للتركيز على بعض المشاريع بهدف الاستمرار بها وقد كان لرياض الأطفال النصيب الأكبر من الرعاية، ويقول أحمد طه: تم إنشاء روضة أطفال في مدينة كللي لتوفير خدمات تعليمية مجانية لأطفال مدينة تدمر النازحين في هذه المدينة إضافة لأطفال المدينة.
تتراوح أعمار الأطفال ضمن الروضة بين أربع إلى ست سنوات، وقد تم التركيز على فكرة الروضة لمنح هؤلاء الأطفال بعض الوقت الذي يعيد لهم طفولتهم الحقيقية، ويبعدهم عن أجواء الحرب التي عاشوها جميعاً لاسيما أطفال تدمر الذين تعرضوا لأكثر من نزوح قبل أن ينتهي بهم المطاف في هذه المدينة، إضافة لرغبة “البيت التدمري” بتنفيذ برنامج يعتمد على محاولة ربط الأطفال ببيئة مدينتهم الأم كمحاولة لتقوية الجذور، حتى لا يشعروا بغربة ووحشة حين عودتهم و أهاليهم إلى مدينتهم.
ويؤكد أن العمل الطوعي كان سبباً بنجاحهم، حيث قدمت لهم المجالس المحلية كافة التسهيلات اللازمة كما منحتهم مديرية التربية ترخيصاً للروضة، ووضع البيت التدمري منهاجاً تعليمياً خاصاً بالروضة تم التركيز في نهايته على فقرة “نشاط من بلدي”، بهدف تذكير الأطفال النازحين بأوطانهم.
قدم مشروع رياض الأطفال في البيت التدمري دعماً نفسياً للأطفال عبر وسائل الترفيه من ألعاب وفنون كالرسم والأشغال إضافة للتعليم، حيث أبقت هذه النشاطات الطفل بعيداً عن الظروف التي يعاني منها، مع التركيز على محافظة الطفل على النظافة الشخصية والنظام والالتزام بالوقت والتصرفات السليمة على مستوى العائلة والأصدقاء والمعلمين.
يقول علي اسماعيل “مهندس من كللي” إن البيت التدمري مشروع رائد ومميز بالخدمات التي يقدمها، ويعتني بشرائح المجتمع كافة، ويركز على فئة الشباب ببناء القدرات وتمكينهم في سوق العمل، والاهتمام بالأطفال.
ويجد الأهالي فائدة كبيرة لتلك الأنشطة، سواء في بناء الشباب وتطوير مهاراتهم في الحاسوب والمعلوماتية ومجالات مختلفة بما يتناسب مع الوقت الحالي، إضافة للتعليم المميز في رياض الأطفال. لمس الأهالي تميز الأطفال بعد انتقالهم من روضات البيت التدمري إلى المدارس دون أي صعوبات بتعلم الأحرف والأرقام.
حافظ المشروع على استمراريته لسنوات مضت رغم نقص الدعم، ويرى العاملون به أن العمل التطوعي كان عاملاً مهما لنجاحهم واستمرارهم وتفاعل الناس معهم.