تبحث أم ريم “مريضة سرطان” منذ عدة أيام، في أسوق الخضار ومحال بيع الفاكهة في مدينة إدلب عن “فاكهة القشطة” بعد سماعها من صديقتها عن فائدتها الكبيرة في علاج مرض السرطان، تقول إن بحثها لم يثمر، فالفاكهة المطلوبة مفقودة منذ أزيد من شهر.
خضعت أم ريم منذ ثلاث سنوات لعلاج كيماوي طويل في مركز الأورام السرطانية بمشفى المحافظة في مدينة إدلب، بسبب وجود كتلة سرطانية أسفل الصدر. ولم تستطع إكمال العلاج الشعاعي لعدم توفره في المركز، بينما يؤكد الطبيب المشرف على علاج أم ريم أن كتلة سرطانية أخرى ظهرت في الثدي وتحتاج للعلاج مجدداً.
لم توفر أم ريم أي وسيلة لتخفيف معاناتها فلجأت تارةً للعلاج بالأعشاب والحمية الغذائية عن بعض الأطعمة، وتارة أخرى لتناول قلب بزر المشمش المر، بعد نصيحة أحد أقاربها، وآخرها البحث عن “فاكهة القشطة” التي وصفتها لها صديقتها بقولها “إن فائدتها تعادل جرعة كيماوية”. تقول أم ريم “الغريق يتعلق بقشة ومن يعاني من المرض يبحث عن أي شيء يخفف ألمه ويجربه بنفسه حتى وإن كان مجرد إشاعة”.
وفاكهة القشطة أو“الغرافيولا” فاكهة استوائية من فصيلة القشديات، توجد في أميركا الوسطى وإفريقيا وتزرع أيضاً في مصر واليمن، طعمها مميز يستخدم لصناعة العصائر والحلويات، وهي غنية بالمعادن والفيتامينات والكربوهيدرات ومضادات الأكسدة.
أخذت الفاكهة شهرة كبيرة بعد الترويج لها كعلاج لمرض السرطان دون الاستناد إلى دراسة علمية تؤكد صحة ما يتم نشره عن قدرتها الكبيرة في علاج المرض.
وداد سيدة خمسينية من ريف حماه، أصيبت بسرطان الثدي منذ خمس سنين وخضعت للعلاج الكيماوي، إلى أن تماثلت للشفاء، تقول إنها لم تترك وصفة طبية أو عشبية أو رقية شرعية إلا اتبعتها خلال فترة العلاج، وكانت “فاكهة القشطة” إحدى الطرق التي جربتها، حيث كانت تشتريها من اللاذقية وتحرص على تناولها بشكل مستمر رغم ارتفاع ثمنها وعدم وجودها أحياناً.
واظبت وداد على تناول كل ما وصف لها، غير أنها لم تشف من المرض إلا بالتزام بعلاجها الطبي والجرعات الكيميائية المطلوبة في المشفى، تقول: “تصبح هذه الوصفات والنصائح من المقربين أو المرضى الآخرين، حملاً ثقيلاً على المريض، حيث يسعى لتأمين أي شيء يساعده في الشفاء أو يخفف ألمه، ويبذل جهداً ومالاً إضافياً ليتيقن في النهاية أنها مجرد أقاويل وشائعات لم تثبت صحتها بعد”.
فشلت أم ريم بالعثور على فاكهة القشطة في إدلب لكن أحد الباعة وعدها بتأمين عدة حبات في أقرب وقت، مقابل خمسين ليرة عن ثلاث حبات، لم تساوم أم ريم البائع على الثمن رغم ضعف إمكانياتها المادية وعلمها بأنها تعرضت للاستغلال، لأنها كما تقول حريصة على الحصول عليها وتناولنا لكثرة ما قرأت عن فوائدها في علاج المرض.
تستورد فاكهة القشطة في مدينة إدلب كباقي الفاكهة الموسمية “جوز الهند، الكستناء، الأناناس والموز” من تركيا لكن بكميات قليلة، يقول “علاء” صاحب بسطة فواكه “إنه يشتري القشطة حسب التوصية وأكثر من يقبل على شرائها هم مرضى السرطان”.
يتراوح سعر الكيلو الواحد من “فاكهة القشطة” بين ثلاثين إلى خمسين ليرة تركية، وهو سعر مرتفع مقارنة بباقي أنواع الفاكهة، وقد يتكون الكيلو من ثلاث أو أربع حبات حسب وزن وحجم الحبة، وهناك من يشتري حبة واحدة حسب قدرته.
تغيب فاكهة القشطة اليوم عن بسطات ومحال الفاكهة، يقول علاء إنها مفقودة من السوق منذ شهر تقريباً مع ارتفاع الطلب عليها، هناك زبائن يداومون على السؤال عنها ويحرصون على شرائها مهما ارتفع ثمنها.
وقعت أم ريم كغيرها من مرضى السرطان فريسة الشائعات حول الفاكهة، وأكدت المعلومات المنتشرة بكثرة في محركات البحث كـ “جوجل” صحة هذه الشائعات، من ناحية الترويج لها ووصفها بالفاكهة العجيبة والقادرة على قتل الخلايا السرطانية ومنهم من وصف فوائدها بأنها تعادل أضعاف الجرعة الكيميائية.
أخذت الفاكهة شهرة كبيرة بعد الترويج لها كعلاج لمرض السرطان دون الاستناد إلى دليل علمي أو دراسة علمية تؤكد صحة ما يتم نشره عن قدرتها الكبيرة في علاج المرض، بينما قالت الدكتورة علياء كيوان “مختصة في بيولوجيا السرطان الجزئية” ضمن مقال نشرته منصة “فتبينوا” إن الفاكهة مفيدة كأي فاكهة أخرى غنية بالفيتامينات ومضادات الأكسدة، تقوي المناعة، كالتفاح والعنب والأفوكادو، ولكنها لا تشف من المرض كما يروج لها، وحذرت المرضى من الانجرار وراء المعلومات الطبية الخاطئة.
وللفاكهة الاستوائية تأثيرات جانبية وهو ما يستدعي مراجعة الطبيب قبل تناولها، إذ يحذر موقع “الطبي” من تأثيرات “فاكهة القشطة” على مرضى انخفاض الدم والسكري، وداء باركنسون، ودورها في التسبب بمرض “الاعتلال العصبي”، والتحذير من تناول المرضعات والحوامل لها إذ لم يثبت بعد أمانها، إضافة إلى أن تناولها المستمر قد يتسبب بسمية كلوية أو كبدية.
يقول من التقيناهم من المرضى إنه لا ضير من تناول الفاكهة وإن لم تكن مفيدة كما أشيع عنها، لكن ينبغي ألا يستغل بعض التجار حاجة المرضى لها لاحتكارها ورفع أسعارها بغية تحقيق أرباح إضافية على حساب المريض وصحته ما يزيد معاناة المريض وآلامه.