ينتظر “مؤيد المحمد” قدوم شهر رمضان بفارغ الصبر، ينهمك بالإعداد والتجهيز، يخرج براميل البلاستيك من المخزن لتنظيفها وتعقيمها، يبحث في محلات الجملة عن المواد التي يحتاجها لتحضير المشروبات الرمضانية الباردة التي يبيعها، يمرن صوته ويديه على المهنة الموسمية التي ترافقه طيلة شهر رمضان ليتركها بعد انتهائه باحثاً عن عمل آخر.
مثل آلاف بائعي المشروبات الرمضانية الباردة الذين ينتشرون في مختلف المناطق السورية، يجهز مؤيد أو أبو أحمد كما يطلق عليه أبناء مدينته سلقين في ريف إدلب “السوس والتمر الهندي”، إضافة لأنواع أخرى كـ التوت الشامي وقمر الدين والجلاب وغيرها من المشروبات التي يحضرونها في المنزل ويبيعونها في الأسواق والطرقات العامة، إذ لا تكاد تخلو مائدة رمضانية من نوعين أو أكثر من هذه المشروبات، تخفف ببرودتها ومذاقها عطش يوم طويل.
يدخل رمضان هذا العام من بوابة الشتاء، يقول أبو أحمد إنه يستقبل الشهر الفضيل هذا العام بعين تراقب الغيوم المتراكمة من جهة الغرب، وأخبار المنخفضات الجوية الباردة والأمطار، وأخرى تتابع نشرات أسعار محال الجملة وتضاعف ثمن المواد التي يحتاجها كل يوم أمام حيرته بالتوقف أو الاستمرار.
“يحتاج الأمر إلى تروٍّ وحساب” يخبرنا “ملك السوس”، لقب آخر يطلقه عليه أشخاص في حيّه ويرافقه فقط في شهر رمضان، إذ يرتبط وجود هذه المشروبات بالصيام، أما في باقي أوقات السنة فيقتصر وجودها على بعض الباعة الجوالين بزيّهم التقليدي وكؤوس النحاس التي يطرقونها بحركة موزونة تدل على إتقانهم، إضافة لما ورثوه من أغانٍ شعبية محببة للنداء على منتجاتهم.
الحسبة التي يخبرنا عنها “ملك السوس” تعود للمناخ الشتوي الذي يضعف حاجة الناس لمشروبات باردة تطفئ عطش صيام يوم طويل، يقول أبو أحمد “إن بيوتاً في المنطقة ما زالت تشعل المدافئ من البرد، وإن هذا المناخ يضعف الطلب على ما يبيعه من مشروبات باردة”، في الوقت الذي “لا تبرد فيه الأسعار أبداً، فهي دائماً ساخنة وتزيد درجات حرارتها عند كل موسم”.
يخبرنا أبو أحمد “أن ثمن قالب التمر الهندي اليوم ثلاثة أضعاف ما كان عليه في العام السابق، وتضاعف سعر السكر إلى ضعفي ما كان عليه، كذلك السوس المجفف والكربونات وماء الزهر والورد والشدن وقمر الدين”.
ليس فقط قدوم شهر رمضان من رفع الأسعار، يقول فؤاد الضرف (صاحب بقالية في سلقين)، فالغلاء بدأ منذ أواخر العام الماضي ولم يتوقف، وذلك بسبب ارتباط سعر المواد بالدولار المتأرجح في كل ساعة، أيضاً ما خلفه فايروس كورونا من آثار عالمية على الاستيراد والتصدير وصعوبتهما في ظل الحظر القائم.
يبيع أبو أحمد كيس الشراب (لتر واحد تقريباً) بثلاث ليرات تركية، يقول إن هذا السعر سبعة أضعاف ما كان عليه في العام الماضي، لكن ربحه لم يزد عن السابق، فقط الأسعار هي من ارتفعت، والمواطن هو من يدفع الثمن.
لا يزيد متوسط الدخل في إدلب عن خمسة عشر ليرة تركية، إن توفرت فرص العمل النادرة، وهو ما دفع السكان للاستغناء عن كثير من الأساسيات المطلوبة للحياة، فكيف بالمكملات؟
يقول حسين الناعم، وهو أحد عشاق شراب السوس الذي يصنعه أبو أحمد، إنه لن يزور صديقه كل يوم برغم تعلقه بما يصنعه من مشروبات، فـ “السوس هذا العام أغلى من الفلفل”.
بينما تعلمت أم خالد من جارتها طريقة إعداد “شراب التمر هندي”، تقول إنه “ربما لن يكون بنفس الطعم ولكنه على الأقل سيكون بكلفة مقبولة”.
يصادق أبو أحمد على ما قاله صديقه وجارته، يقول إن كثراً ممن صادفوه في اليوم الأول من رمضان لم يستطيعوا شراء المشروبات الرمضانية الباردة لغلاء ثمنها، وإنها المرة الأولى التي يبيع فيها ثلث ما أعده من مشروبات، منذ ما يزيد عن اثني عشر عاماً قضاها في هذه المهنة.
يشرح “ملك السوس” إنه باع نحو عشرين كيساً من كل نوع من المشروبات، فيما كسدت باقي الأكياس الخمسين التي أعدها واعتاد بيعها في كل عام.