ما تزال حارات إدلب القديمة محافظة على طابعها التراثي، وفي حي “سطوح البير”، تطالعك لوحة صغيرة كتب عليها “حمام المحمودية” 1299 ” في إشارة لعمر الحمام الذي أعيد افتتاحه منذ أسابيع بعد سنوات من إغلاقه.
يقودك مدخل عند باب “حمام المحمودية” إلى ممر بسقف منخفض وامتداد لا يتجاوز المترين نحو “الإيوان” أو ما يعرف بالبراني، وهو قاعة واسعة تتوسط أرضيتها بركة مياه زينتها نافورة، بينما يتوسط سقفها قبة ضخمة. على محيط الغرفة جدران مزينة بأقواس بالقرب منها مساطب يتكئ عليها الزبائن بعد الفراغ من حمامهم.
يتشابه تصميم الحمام مع الحمامات الشعبية التي ألفها السوريون، إذ يقودك البراني إلى غرفة مستطيلة تحتوي على مسطبة كبيرة علقت على جدرانها مسامير لتعليق الملابس وتعرف بـ “الوسطاني”، يليها ساحة صغيرة يتوسط سقفها قبة تضم عدة فتحات تستعمل للتهوية وإدخال الضوء، وتحيط بهذه الساحة عدة غرف صغيرة تحوي كل منها على صنبور ماء نحاسي وتحته جرن حجري و”كيلة” ماء معدنية.
“عند تشغيل الحمام تمتلئ هذه الغرف بالبخار، وبالكاد يرى الحاضرون بعضهم. يقول “ياسر الياسين” الذي استثمر الحمام أخيراً وعمل على صيانته وإعادته للعمل “حافظنا خلال عملية الترميم على الطابع التاريخي لـ “حمام المحمودية”، واعتمدنا بشكل كبير على الطين والكلس في ترميم الجدران المشققة”.
كانت مياه الحمام قديماً تُسخن عبرة حلة نحاسية مثبتة تحت الأرض تخرج منها ساقية مياه صغيرة تدور حول قسم الحمام الجواني، والبخار يتصاعد منها فتنشر الدفء في جوانب الحمام وكانت المياه تسخن على نار الحطب. إلا أن هذه الطريقة استبدلت بحراقات خارجية تعمل على “المازوت تسخن المياه لدرجة عالية جداً، وترسلها عبر الأنابيب بخاراً أولاً لتدفئة المكان ومن ثم مياهاً ساخنة للاستحمام.
ويضيف الياسين أن القصف وقدم الحمام أثراً بشكل سلبي على بعض أجزائه، فطريقة التسخين القديمة تضررت نتيجة تصدع الأرضية ما أدى لإغلاق بعض مجاري المياه”.
شهد “حمام المحمودية” مع بداية افتتاحه إقبالاً جيداً من الزبائن، ويقول الحاج أبو موفق “أحد زوار الحمام” إنه يقصد الحمام بهدف الاستمتاع بأجوائه القديمة التي تحمل عبق الماضي “بكل بيت في حمام بس الأجواء هون مختلفة وكأننا طالعين سيران”.
تبلغ كلفة تشغيل الحمام خلال خمس ساعات نحو أربعمئة ليرة تركية، وهو ما دفع إدارة الحمام لتحديد مواعيد ثابته لتشغيله بهدف تجميع الزبائن في وقت واحد لتغطية مصاريف التشغيل، ويعتبر الياسين أن هذه المشكلة من الصعوبات التي تعيق عملهم، فلو كانت الكلفة أقل لعمل الحمام لساعات طويلة دون أن يضطر الزبائن للحجز مسبقاً.
يقول من التقيناهم من الزبائن إن دفء الحمام ومياهه الساخنة ورائحة صابون الغار التي تملأ المكان، تجذبهم لقضاء سهرة شتوية في الحمام يتبعونها بجلسة حول نافورة المياه لاحتساء كأس من الشاي واللهو على أنغام موسيقا “الأووف والعتابا”.