فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

أمّ سورية -إنترنيت

في عيد الأم السوري .. نقتات على الذاكرة وكاميرا الهواتف المحمولة

هاني العبدالله

لم يعد لـ عيد الأم وقعه عند السوريين، إذ تحول من يوم للبهجة والسعادة ولمّة العائلة، إلى يوم من الحزن والكآبة واسترجاع الذكريات المبعثرة، مع تفرق السوريين في بلاد اللجوء […]

لم يعد لـ عيد الأم وقعه عند السوريين، إذ تحول من يوم للبهجة والسعادة ولمّة العائلة، إلى يوم من الحزن والكآبة واسترجاع الذكريات المبعثرة، مع تفرق السوريين في بلاد اللجوء والنزوح.
“ست الحبايب” ذلك اللقب الذي اعتدنا سماعه يصدح في عيد الأم ، كتعبيرٍ من الأبناء عن المكانة الكبيرة لوالدتهم في قلوبهم، تحوّل في ظل الحرب إلى ألقابٍ أخرى، فأصبح هناك أم المعتقل وأم الشهيد وأم المهجّر وأم المغترب وأم اليتيم، ولكل لقبٍ قصة من الأسى والقهر.

لم يبقَ سوى الذكريات

تستذكر أم عبيدة شعبان كيف استيقظت قبل عشر سنوات وفي مثل هذا اليوم لتتفاجأ برؤية بيتها مرتباً وأولادها الأربعة يجلسون على مائدة الإفطار التي حضّروها بأنفسهم، ينتظرون استيقاظها ليُقدموا لها التهاني والهدايا ويُقبلوا يديها، وكيف حضروا في المساء مائدةٍ مليئةٍ بالأطعمة والحلويات كاحتفالٍ بأمهم.

تتأمل أم عبيدة صور أولادها على هاتفها المحمول والدموع تذرف من عينيها، فأبناؤها الذين كانوا يملؤون حياتها بهجةً وسعادةً لم يعودوا بجانبها.

فقدت أم عبيدة ابنها الأكبر بعد أن قُتل برصاص قوات النظام، منذ سنوات، خلال مشاركته في “جمعة الزحف إلى ساحات الحرية” بمدينة إدلب، وبعد مدة قصيرة اعتقلت قوات الأمن ابنها الثاني على حاجز القطيفة خلال سفره إلى جامعته في دمشق، لتتلقى نبأ وفاته تحت التعذيب بعد عامين.

في عام 2014 طلبت أم عبيدة من ابنها الثالث أن يلجأ إلى ألمانيا، خشية أن يتعرّض للاعتقال ويلقى مصير أخيه الأكبر فودعته والألم يعتصر قلبها على فراقه، ولم يبقَ لديها سوى ابنتها التي تزوجت وسافرت إلى تركيا، لتبقى وحيدةً رفقة زوجها الذي أقسم أن يُعوضها عن كل حزنها بفقدان أبنائها، لكنه فارق الحياة في عام 2017 بأزمةٍ قلبية، ومنذ عشر سنوات تحوّل عيد الأم لديها إلى يومٍ للحزن والألم واسترجاع الذكريات التي لن تعود.

لم تتوقف المأساة عند أمهات فقدنّ أولادهنّ، بل كان للأبناء نصيب من الذكريات القاسية، فالعديد من النساء قُتلنّ خلال الحرب بفعل القصف والمعارك والتفجيرات، وهناك من تعرّضت والدته للاعتقال، كما حصل مع فاطمة ابنة مدينة حماه، حيث اعتُقلت أمها قبل أربع سنوات على مدخل المدينة الغربي.

فقد عيد الأم مكانته في قلب فاطمة فهي لا تعرف مصير والدتها حتى الآن، تقول: ” ألا يكفيها ما عانته من شقاءٍ وعذاب طوال حياتها منذ وفاة أبي قبل خمسة عشر عاماً، لتستمر رحلة عذابها في أقبية المخابرات، لتصبح اليوم بلا زوج، بلا ولد، بلا حرية، بلا وطن وأصبح أنا بدون أم”.

عيد الأم مجرد ذكريات بالنسبة لفاطمة تسترجع خلاله صوراً بمخيلتها وكيف كانت تحاول مع أخوتها رسم السعادة على شفاه والدتها لتنسيها جزء من الألم والعذاب الذي عاشته بعد وفاة والدها، وكيف تحملت والدتها متاعب المنزل كمثل آلاف الأمهات اللواتي يعشن في مخيمات النزوح وقد فقد كثير منهن معيل عائلتهن وألادهن، في حين بات بعضهن يحلمن برؤية قبور أولادهن.

يقول بعض من التقيناهم في هذا اليوم إن ما زاد المعاناة هذا العام، أن الكثير من الأشخاص فقدوا أمهاتهم نتيجة وفاتهنّ بفايروس كورونا، أو أمهات فقدنّ أبنائهن بسبب هذه الجائحة، وفي الوقت نفسه لم يكتب لبعض العائلات السورية التي هاجرت خارج البلاد أن يجتمعوا بمكان واحد، نتيجة القيود المفروضة على الحركة في تلك الدول.

يستذكر بعضهم كيف اعتادت العائلة على الاجتماع في بيت الجدة، الذي كان يحتضن كل أفراد العائلة دون أن يتخلّف أحدٌ عن الحضور مهما كانت أشغاله وظروفه، يجلسون حول مائدةٍ كبيرةٍ تشاركوا على إعدادها، في أجواءٍ من السعادة والحب، ومن ثم يُقبلوا يد الأم أو الجدة ويُقدموا لها الهدايا، لكن كل تلك الطقوس غابت اليوم وتحوّلت إلى ذكريات بعد أن تفرّقت العوائل بسبب نزوح ولجوء البعض، ووفاة واعتقال البعض الآخر.

هدية رمزية قد تفي بالغرض

اعتاد سوريون على تقديم الهدايا النفيسة لوالداتهم في عيد الأم على مبدأ ” أن الهدية على قد المحبة”، وكانت المجوهرات من أكثر الهدايا التي يقدموها، لكن ضعف الواقع الاقتصادي وانخفاض مستوى الدخل أدى لتلاشي هذه العادات عاماً بعد عام.

يقول أنس من سكان جرمانا بريف دمشق: “إنه أهدى والدته خاتماً ذهبياً بلغت قيمته نحو ستة عشر ألف ليرة سورية في سنة 2009 لكنه اليوم عاجز عن شراء ذات الهدية ولو أراد شراء نفس الخاتم، فإن سعره يبلغ نحو مليوني ليرة سورية وهو ما يعادل راتبه لثلاث سنوات”.
تحولت معظم الهدايا اليوم لهدايا رمزية، ويرى أنس أن الأم لا تكترث لقيمة الهدية، فالأهم بالنسبة لها أن يكون أولادها وأحفادها بجانبها، فـ عيد الأم الحقيقي هو اجتماع الأسرة وتعزيز أواصر المحبة بين أفرادها.

بينما لجأ آخرون للبحث عن هدايا غير مكلفة ليزرعوا البسمة على شفاه أمهاتهم تقول ريم معروف من أهالي إعزاز: “ليس بإمكاني شراء هدية لأمي، لذا فكرت بإعادة تدوير بعض الأشياء القديمة، وجمعت ما لدينا في البيت من قوارير زجاجية وقطع بلاستيكية وكرتون، وقمت بصناعة تحف للزينة وتلوينها، فقد سمعت منذ فترة أن أمي كانت ترغب بشراء بعض التحف للمنزل، لذا اعتقد أنها ستكون سعيدةً جداً بهذه الهدية”.

وتضمنت العادات والتقاليد في بعض المناطق، أن يقوم الأبناء بشراء هدايا للخالة والعمة وأم الزوجة إلى جانب الأم، فهنّ أيضاً بمثابة أم ثانية، لكن مع غلاء الأسعار تلاشت تلك العادة، واقتصرت على تقديم التهاني.

رضوان مرضعة من أهالي إدلب، تشارك مع أخوته الأربعة على هديةٍ واحدة، ودفع كل منهم خمسة آلاف ليرة ليشتروا قطعة ملابس لوالدتهم، بينما كانت هدية آلاء “من سكان حلب” في عيد الأم ، أن تمنح والدتها راحةً من أعمال المنزل لمدة عشرة أيام، حيث قررت آلاء أن تتولى بنفسها كل مهام المنزل من طهي وتنظيف.

معايدة أون لاين

اضطر مئات آلاف السوريين للسفر إلى بلدان اللجوء، هرباً من الاعتقال والقصف، وبحثاً عن حياةٍ معيشيةٍ أفضل، ومع كل عيد أم لا يكون بوسع أغلب اللاجئين سوى تقديم التهاني لوالدتهم عبر مكالمات الفيديو، إضافة لإرسال حوالات مالية لتشتري الهدية التي تحتاجها.

يقول قتيبة جبّاس لاجئ سوري في إسطنبول: “لم أرَ أمي منذ ست سنوات، فهي تقيم في مناطق النظام ولا أستطيع السفر إلى هناك خوفاً من الاعتقال، في عيد الأم أشعر بغصّةٍ كبيرة، ولتخفيف جزءٌ من وجع الفراق أتحدث معها يومياً مكالمات فيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وفي عيد الأم أحاول أن اتحدث معها طوال اليوم، لأني أعرف أن دموعها في هذا اليوم لا تجف حزناً على فراقي أنا وأخوتي، كما هو حال باقي الأمهات اللواتي سافر أولادهن إلى بلدان اللجوء”.

يحاول قتيبة أن يعوض والدته عن بعض متاعبها التي عاشتها بتربية أولادها، عبر إرسال الحوالات المالية لها بشكل مستمر، لكنه لم يتمكن هذا العيد من إرسال أي مبلغ بسبب توقف مكاتب الحوالات عن العمل نتيجة انهيار العملة السورية، ما دفع قتيبة للاكتفاء بتقديم التهاني عبر الاتصال.

وكانت الشبكة السورية لحقوق الانسان، أصدرت تقريراً في الذكرى العاشرة لانطلاق الثورة السورية، وثقت فيه مقتل 28458 امرأة، واعتقال 9264 سيدة على يد أطراف الصراع في سوريا، منذ آذار 2011 حتى آذار 2021.