في حي الثورة بمدينة إدلب يطغى صوت مولدة الكهرباء على أحاديث النسوة اللواتي ينتظرن دورهن في صالونات الحلاقة النسائية ، لم يزعجهن هذا الصوت فقد اعتدن على سماعه عند استعمال “الكوافيرة” لأي جهاز يحتاج إلى كهرباء باستطاعة عالية لتشغيله.
أدى غياب الكهرباء النظامية لاعتماد صالونات الحلاقة النسائية على وسائل بديلة لتأمين متطلبات السيدات.
تعامل مع الواقع
تقول نورة “كوافيرة”: إن الكهرباء حاجة أساسية لتشغيل الأجهزة التي تحتاجها في العمل مثل “السيشوار، والليس، وجهاز تنظيف البشرة، ومسخن المياه”.
احتالت “نورة” ككثيرٍ من مصففات الشعر في مدينة إدلب لتعويض غياب الكهرباء، باستخدام أدوات بسيطة كغلي الأعشاب داخل إبريقٍ على الغاز لاستخدام بخاره في عملية تنظيف البشرة، بدل جهاز التنظيف الخاص، وكذلك تسخين “مادة الشمع” لإزالة الشعر الزائد بدلاً من جهاز “الواكس” الذي يعمل على الكهرباء، كما اعتمدت على جهاز التسبيل “الليس” بدل “السيشوار” لأنه لا يحتاج استطاعة قوية لتشغيله.
كما تعتمد نورة على تسخين المياه يدوياً لغسل الشعر بعد صبغه في حين كانت المياه الساخنة متوفرة دائماً على المغسلة.
تفاصيل كثيرة تغلبت عليها مصففات الشعر لإنجاز عملهن في ظروف حالت بينهن وبين اقتناء أحدث الأجهزة والتقنيات المستخدمة في صالونات أخرى بدول الجوار.
الصعوبات نفسها وأكثر عاشتها “الكوافيرة” ميساء أثناء عملها في الغوطة أيام الحصار، تذكر أنها جهزت عروساً ليلة زفافها دون الحاجة للكهرباء، فسخنت المكواة على الغاز وسبلت بها الشعر ولفته باستخدام الملاقط والبكل الصغيرة الخاصة بابنتها لتسعد العروس بأبسط الأدوات الموجودة لديها.
متطلبات جديدة
قضت بثينة “كوافيرة” عشرين عاماً من عمرها في هذه المهنة، قصدتها آلاف السيدات في صالونها بحي الضبيط في إدلب خلال تلك المدة، لكنها تقول إنها تجد اختلافاً في طلبات النساء الوافدات إلى المدينة مقارنة بما اعتادت عليه من زبائنها من ناحية قصات الشعر والمكياج، ما منحها خبرات إضافية نتيجة ممارسة فنون جديدة.
وترى بأن هذه المهنة للتحلي بالصبر والمهارة وخفة اليد، إضافة للروح المرحة للتعامل مع النساء وكسبهن كزائرات دائمات للصالون.
رغم الخبرة التي تمتلكها بثينة إلا أنها تتابع آخر ما توصلت إليه صيحات الموضة للحلاقة النسائية عبر مواقع الإنترنت وقنوات “اليوتيوب” المختصة بها بهدف مواكبة التطورات والحصول على مهارات جديدة.
تقول بثينة إن الخليط السكاني المتواجد في مدينة إدلب من كافة المحافظات، فرض عليها كصاحبة صالون حلاقة أن تتعلم أنواعاً جديدة من قصات الشعر وفنون التزيين لترضي جميع الأذواق.
انتعاش في صالونات الحلاقة والأجور مرتفعة
تركت سنوات الحرب التي عاشتها إدلب أثرها على عمل صالونات الحلاقة، ما دفع عدد من العاملين بها للسفر خارج البلاد بحثاً عن أماكن أفضل للعمل. بينما ساهمت الهدنة وعودة الحياة للمدينة بانتعاش المهنة كسابق عهدها.
تقول بثينة “بعد الهدنة عادت حياة الناس لطبيعتها، وازدادت حفلات الزواج والخطوبة ما أدى لتحسن عمل صالونات الحلاقة النسائية بشكل ملحوظ ، خاصة مع الكثافة السكانية التي تشهدها إدلب ورغبة السيدات في ارتياد الصالونات للتزيين والتغيير كنوع من الترويح عن النفس والشعور بإرضاء الذات”.
كما ساهمت الدورات التدريبية في بعض مراكز دعم وتمكين المرأة بزيادة عدد العاملات في مهنة الحلاقة من خلال تعليمهن مبادئ وأساسيات المهنة.
خصصت “ميساء 30 عاماً” غرفةً ضمن منزلها لمتابعة مهنتها “كحلّاقة نسائية” في قرية الفوعة بريف إدلب، بعد قصف صالونها القديم بكامل معداته، تخبرنا أنها تعلمت مهنة الحلاقة من والدتها في الغوطة الشرقية قبل التهجير، وأكملت عملها في الفوعة رغم ظروف الحرب والنزوح، تقول: “بعد قصف الصالون، أصريت على متابعة عملي في المنزل لأن المهنة أصبحت جزء مني وليست مصدر دخل فحسب”.
لم تكمل ميساء تحصيلها العلمي ككثيرٍ من الفتيات، لكنها تعلمت مهنة تمكنها من الاعتماد على نفسها، وهي اليوم تعلّم عدداً من الفتيات اللواتي تركن تعليمهن بسبب الحرب ليصبحهن في المستقبل قادرات على إعالة أنفسهن.
تعتمد أغلب الصالونات في عملها على فنون القص والمكياج وصبغ الشعر وعلاجه بالبروتين والكرياتين وحمام الزيت والميش وتنظيف البشرة وتجهيز العرائس، إضافة لبيع أدوات التجميل والملابس النسائية وتأجير فساتين الأعراس ومستلزمات الزينة “كالإكسسوار” وغيره.
تحرص السيدة “زينب 25عاماً” على زيارة “الكوافيرة” بين الحين والآخر، تخبرنا أن المرأة بفطرتها تحب الزينة وتهتم بجمالها وأناقتها وصالونات الحلاقة النسائية توفر لها قسطاً من الراحة النفسية من خلال تغيير لون الشعر أو قصه أو العناية بالبشرة وغيرها من فنون التزيين”.
تبلغ تكلفة تجهيز العروس اليوم نحو مئة ليرة تركية في حين تتقاضى بعض الصالونات ضعف هذا المبلغ. وترجع “الكوافيرة” ميساء ارتفاع الأسعار في الصالونات إلى التكاليف الإضافية التي تدفعها صاحبة الصالون، كأجرة المكان الذي تعمل به، وثمن الوقود المستعمل للمولدة وتكاليف الحصول على مواد ذات جودة عالية من مناطق النظام أو غيرها، التي تضاف إلى أجرة العمل وترفع سعره.
لا يوجد سعر محدد تلتزم به جميع صالونات الحلاقة النسائية ، بل يختلف تبعاً للمنطقة والخدمات المتوفرة في الصالون فيما تعتمد بعض الصالونات على تقديم العروض وخصم الأسعار لجذب الزبائن وتستعين بصفحات “الفيس بوك” للترويج لذلك.
تقول وفاء “إنها لا تزور صالونات التجميل إلا في المناسبات الخاصة جداً بسبب ارتفاع الأسعار وقلة دخل المواطن، باعتبار التجميل رفاهية يمكن الاستغناء عنها حالياً”.
تتراوح أسعار القص مع تسبيل الشعر “سيشوار” بين عشرة وخمسة عشر ليرة تركية، والميش “تغيير لون الشعر” بين ثلاثين إلى سبعين ليرة حسب طول وكثافة الشعر، بينما تبلغ كلفة تجهيز العروس نحو مئة وخمسين ليرة تركية.
تقول ولاء “ثلاثينية مقيمة في إدلب” إن هذه الأسعار مرتفعة فأقل تسريحة تساوي أجرة يوم كامل لعامل مياومة، وترى بأن الخدمات التي كانت تقدم سابقاَ في صالونات الحلاقة أفضل من اليوم، فغالباً ما يغسل الشعر بالماء البارد بدل الساخن لانقطاع الكهرباء، إضافة لقلة الأجهزة الحديثة المستخدمة للعناية بالبشرة والشعر، بينما يقتصر عمل بعض الصالونات على القص والصبغة والتسريحات.