فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

الأرشيف السوري: كي لا تضيع الحكاية

فريق التحرير

إن الحاجة إلى الأرشيف السوري جاءت وليدة واقعٍ عاشته البلاد وكان لا بدّ من مواجهته، وهو حفظ كمٍّ هائلٍ وغير مصنّف من المحتوى الذي وثّقته الكاميرات وحملها الناشطون على وسائل التواصل ما يجعل استدامتها مهددة على الدوام.

انطلقت مبادرة الأرشيف السوري في العام ٢٠١٤ بجهود مجموعةٍ من الباحثين والصحفيين والتقنيين وخبراء الأمن الرقمي، ممّن عملوا في مجالات حقوق الإنسان والتحقّق الرقمي والتقنيات مفتوحة المصدر ومنهجيات الاستقصاء والتحقيق على مدى سنوات. وكان من بين الأهداف الموضوعة للمبادرة، بحسب ما تشرح عن نفسها في موقعها الرسمي، أن تعمل على صون وتحسين واستدامة الوثائق المتعلّقة بانتهاكات حقوق الإنسان والجرائم الأخرى المُرتكبة من قبل جميع أطراف النزاع في سوريا، في مسعىً لتوظيفها في قضايا المناصرة والعدالة والمساءلة القانونية.

وتعمل مبادرة الأرشيف السوري، التي هي واحدةٌ من مشاريع منظمة نيمونيك Mnemonic المعنية بأرشفة المواد الرقمية المُهدّدة بالاختفاء، في الوقت الراهن على عددٍ من المشاريع: منها ما هو مُكرّسٌ لاستعادة المحتوى المفقود من مختلف الوثائق البصرية المتعلّقة بمجريات الأحداث في سوريا منذ العام 2011. وبالفعل، استطاع الأرشيف حتى الآن استعاد أكثر من 350 ألف فيديو كانت قد أُزيلت في أوقاتٍ سابقة من منصات الشبكات الاجتماعية. ومن مشاريعها أيضاً أنسَنة الذاكرة الرقميّة السوريّة، الذي يركّز الجهود على توثيق ودراسة الذاكرة الرقمية السورية. 

في الوقت نفسه، يعمل الأرشيف، بشكلٍ متواصل، على التحقّق من البيانات التي يقوم بجمعها من مصادر متنوعة وحفظها، فضلاً عن بناء الأدوات وتدريب الناشطين على آليات الأرشفة المُستدامة، وكذلك التواصل مع المنصات المعنية في هذا الشأن للحدّ من الآثار السلبية لسياساتها على استدامة المحتوى الخاص بكلٍّ منها. 

ويمكن من خلال مطالعة الموقع الرسمي للأرشيف، التعرّف على الأدوات والمنهجيات التي يستخدمها الفريق في عمله، لا سيما المتعلقة بمراحل عملية التوثيق والأرشفة أو بناء التحقيقات اعتماداً على محتويات الأرشيف والأدوات التقنية التي تتيحها مصادر المعلومات المفتوحة. كما بالإمكان مطالعة عددٍ من التحقيقات المُنجزة والمنشورة ومنهجيات بنائها، والتي تتركّز في معظمها حول الانتهاكات التي يتعرّض لها المدنيون والمرافق العامة على يد جهاتٍ عديدة منخرطة في الحرب السورية، على رأسها قوات النظام السوري وروسيا.

سير العمل وفقاً لما نشره موقع الأرشيف السوري على موقعه الإلكتروني
سير العمل وفقاً لما نشره موقع الأرشيف السوري على موقعه الإلكتروني

أجرى موقع فوكس حلب لقاءً مطوّلاً مع عبد الرحمن جلود، الباحث في الأرشيف السوري، للحديث عن بدايات الأرشيف والخطوات التي استطاع تحقيقها بعد قرابة خمسة أعوامٍ من تأسيسه.

التأسيس

يبدأ جلود كلامه من الدوافع التي كانت تقف وراء إطلاق المبادرة، فيقول:

«إن الحاجة إلى الأرشيف السوري جاءت وليدة واقعٍ عاشته البلاد وكان لا بدّ من مواجهته، وهو حفظ كمٍّ هائلٍ وغير مصنّف من المحتوى الذي وثّقته الكاميرات التي حملها السوريون منذ انطلاقة الانتفاضة على “يوتيوب” الأمر الذي جعل استدامة هذا الأرشيف مُهدّدة على الدوام؛ كونه يُحفظ في مكانٍ لا يُعنى بالحالة السورية على وجه الخصوص، وغير مُدركٍ لقيمة الوثائق التاريخية التي يحتويها».

ويضيف جلود: «إذاً، كان الهدف الأول للأرشيف السوري هو أن ينظّم ويحمي هذه البيانات المُخزّنة لدى مواقع التواصل الاجتماعي لأنّ كل مقطع مصوّر في سوريا يوثق لحظةً تاريخيةً أو انتهاكاً لحقوق الإنسان، علاوةً على أنه يوثّق حياة الناس الذين عاينوا تلك الفترة فكانوا صنّاعها وشهودها وضحاياها. أيضاً، كان الأرشيف السوري في أذهاننا بمثابة المكان الذي سيعود إليه الصحفيون والمؤرخون والباحثون ليجدوا أكبر قدرٍ ممكنٍ من المعلومات الخارجة من سوريا منذ العام 2011».

الحرب الأكثر توثيقاً في التاريخ

لعلّ حفظ وإدارة وتحليل الوثائق البصرية من بين أبرز المسائل التي يسعى الأرشيف السوري للعمل عليها، ولكنّ هذه المهمة في غاية التعقيد، لا سيما أنّ المحتوى السوري شديد الضخامة، ويمثّل حالةً فريدةً من نوعها لناحية أنّ كثيراً من الأحداث التي عاشتها البلاد مصوّرة أكثر من الحدث نفسه، فبدل أن يكون هناك كاميرا واحدة توثّق الحدث، كان هناك العديد من الكاميرات التي تصوّر في الوقت نفسه، وهذا يعني كميةً ضخمةً من الفيديوهات التي تحتاج للعمل عليها. تعليقاً على ذلك، يقول جلود إنّ الأرشيف يضمّ اليوم «أكثر من ثلاثة ملايين وثيقة رقمية»، موضحاً أنّ طرق المعالجة «معقدة بسبب ضخامة المحتوى، فالأرشيف يعمل على مستويين: الأول هو العمل اليدوي وتنظيم البيانات يدوياً، والثاني من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي»

وتظهر البيانات التي ينشرها الأرشيف السوري في موقعه الرسمي أنه حلّل يدوياً ومن خلال الذكاء الاصطناعي 650 ألف فيديو. ويشير جلود إلى أنّ عملية المعالجة هذه تستغرق وقتاً طويلاً «لأنّ معالجة المحتوى الذي يوثّق انتهاكاتٍ لحقوق الإنسان يختلف عن مواضيع الذاكرة من ناحية المنهجية، كما تختلف طرق معالجته والزمن المطلوب لإنجاز العمل عليه».

ليس المحتوى الضخم وحده الذي يعترض عمل الأرشيف، وذلك بالرغم من محدودية عدد العاملين فيه، بل التحدي الأبرز بحسب جلود هو «بناء علاقات الثقة مع صانعي المحتوى الذين وثّقوه من الناشطين، وهو تحدٍّ سيظلّ مستمراً لأن البيانات التي يحتويها الأرشيف ليست ملكه، وإنما ملك لصنّاعها، ومن بينهم أناسٌ قد قُتلوا أو تعرضوا للاعتقال أو الإخفاء القسري، وهذا يخلق بدوره تحدياً آخر يتعلق بإمكانية الوصول إلى أصحاب المواد والاتفاق معهم على صيغ الاستخدام وكيفياته مستقبلاً».

وفي السياق ذاته، لا تقتصر أهمية الوصول إلى المصورين وصنّاع المحتوى والتواصل معهم على جزئية استخدام الوثائق التي أنتجوها بحسب جلود، فهم «لم يوثّقوا فقط، بل كانوا شهوداً ولهم دور كبير في عمليات المناصرة»

كيف تؤرشف المبادرة الوثائق؟

إنّ وثائق الأرشيف السوري ليست ماديةً بالمعنى الفيزيائي، وإنما رقمية، ولذا فإنّ القسم الأكبر من الفريق العامل في الأرشيف هم من التقنيين الذين طوّروا، منذ إطلاق الأرشيف، برمجيات (سوفتويرات) تتيح الأرشفة بشكلٍ سريع. يقول جلود: “إن الأرشيف السوري يعمل على حفظ المحتوى البصري والرقمي بداية، مع أخذ نسخة متعددة من البيانات الوصفية لحماية المعلومات الأصيلة، ومن ثم تُحفظ المواد مُصنّفةً في خواديم (سيرفرات) على ثلاثة مستويات: السيرفر الداخلي وفيه كامل المحتوى، وسيرفر أونلاين للبيانات التي قام الأرشيف بتحليلها ومعالجتها، وسيرفر ثالث لكامل المحتوى أيضاً ومُخصّص للحفظ طويل الأمد».

ليست هذه المستويات الثلاثة من الحفظ وحدها التي يكتفي الأرشيف بالحفاظ عليها، بحسب ما يشير جلود، وإنّما هناك عدة نسخ احتياطية موجودة في أماكن مختلفة حول العالم، وذلك «لضمان بقاء واستدامة محتوى الأرشيف كاملاً في حال تعرّض الخادوم غير المرتبط بالإنترنت (السيرفر الأوفلاين) إلى أي تلف أو فقد. 

من خلال مستويات ومراحل الأرشفة التي يشرحها جلود، نرى أنّ هذه العملية تتعلق بشكلٍ أساسي بالمحتوى المنشور أصلاً في مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن ماذا عن المحتوى الذي يملكه أشخاص ومؤسسات لم يُشاركوه مع العموم في مواقع التواصل؟ يجيب جلود بأنّ «نظام الأرشفة لا يتغير، غير أننا في هذه الحالة نتلقى طلباتٍ بالأرشفة من أشخاص ومؤسسات إعلامية. وبالفعل، لدينا مئات الجهات التي تخزن أرشيفها غير المتاح للعموم».

ويتابع جلود عن الآلية التي يتم من خلالها تقديم الطلب وبدء الأرشفة على خوادم الأرشيف: «نوقّع اتفاقيةً مع أصحاب المحتوى تنصّ على ضمان ملكيتهم لحقوق البيانات التي يشاركونها مع الأرشيف، وتؤكّد على أن الهدف من ذلك هو عملية الحفظ فقط، لكنها تشير إلى أنّ الفيديوهات المُتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان التي تُطلب من الأرشيف لتوظيفها في بناء ملفات حقوقية وقضائية سيعود بخصوصها إلى أصحابها الأصليين لطلب موافقتهم قبل السماح باستخدامها»

إلى ذلك، يمكن لأي شخص أو مؤسسة التواصل مع مبادرة الأرشيف السوري لحفظ وأرشفة المحتوى الذي بحوزتهم، وهنا لا يطلب الأرشيف سوى التأكد من هوية الشخص أو الجهة المُتقدّمة بالطلب، وحجم المواد وطبيعتها، وذلك بهدف التأكد من عدم وجود عوائق أخلاقية أو أمنية مُتعلقة بأمن البيانات.

ماذا عن استدامة المبادرة؟

الأرشيف السوري ليس مبادرة أو منظمة سورية محلية، وإنما مشروعٌ يتبع لمؤسسة أكبر هي نيمونيك Mnemonic، وهذه المنظمة تعمل على مشاريع الأرشفة في عددٍ من الدول؛ كسوريا واليمن والسودان، وهو ما يمنح المشروع استقراراً على المدى البعيد. بحسب هادي الخطيب (مدير الأرشيف السوري) والذي يضيف إن ما يمنح هذه الاستدامة استقراراً أكبر يعود لعدة أشياء منها تعدد مصادر التمويل، وتقديم خدمات مأجورة تخص التدريب والأرشفة، إضافة للشراكات مع المؤسسات الصحفية والمنظمات الدولية، كذلك البنية التحتية والمخدمات التي تملكها المؤسسة.

 فضلاً عن ذلك، يقول الباحث جلود:

«إن الأرشيف يقدم خدمة حفظ المحتوى عبر الاستضافة المجانية للمؤسسات الإعلامية والناشطين في مواقع التخزين السحابي مثل دروبكس وغوغل داريف وغيرها، وهو ما يحقق القدرة على حفظ المحتوى لمدة عشرين عاماً دون كلفة

ويضيف: «لقد كان هذا موضوع الاستدامة هاجساً لنا منذ البداية، وهو ما دفعنا لإنشاء بنى تحتية رقمية قادرة على حفظ البيانات لأطول فترةٍ ممكنة، ليس في مواجهة نقص التمويل فقط، وإنما لمواجهة ظروف أخرى قد تعرّضنا إلى هجمات أمنٍ رقمي أوتلف تقني أو الأخطاء البشرية”. 

مشاريع الأرشيف

منذ انطلاقة الأرشيف السوري كان مُقسماً إلى عدة مشاريع، بدايةً من الحفظ والأرشفة التي هي جزءٌ أساسي من عمل الأرشيف، ولكنّ الأهم هو البناء على هذا الأرشيف من خلال تصنيف الوثائق البصرية وفهرستها وجعلها متاحةً للمنظمات الحقوقية لكي تبني دعاوى قانونية على أساسها، فهو يساعد في عمل المجموعات الأخرى سواء الصحفية أو الحقوقية أو جهات الادّعاء. 

كذلك، للأرشيف دورٌ في بناء ودعم دعاوى قانونية من خلال محفوظاته والتحقيقات التي يقوم بها. في حين أنّ جانباً آخر من مشاريع الأرشيف يركّز على بناء ذاكرة رقمية بخصوص الأحداث من خلال ذاكرة المصورين، وذلك عبر التواصل معهم وجمع شهاداتهم حيال مختلف الأحداث التي عايشوها. وكذلك التحقيق في الانتهاكات من خلال ما يتم نشره من تحقيقات حول استهدافات معينة تخص البنى التحتية والمرافق العامة (مشافي -أسواق..).

سردية تاريخية للحرب السورية؟

أحدثت حكومة النظام السوري مركزاً للذاكرة الشفوية تحت اسم «وثيقة وطن»، ومن المشاريع التي أطلقها هذا المركز واحداً باسم «توثيق الحرب على سورية» وفق السرديات التي دأب النظام السوري على ابتداعها. في مقابل هذا، سألنا عبد الرحمن جلود إذا كان لدى الأرشيف وعي بهذه المشاريع ولديه سردية مقابلة قائمة على الحقائق والوثائق، فأجاب: «من وجهة نظر الأرشيف، فإنّ الفيديوهات أو المحتوى البصري والرقمي يلعب دوراً كبيرا في تثبيت بعض السرديات التاريخية لمجريات الأحداث في البلاد، وهذا ما كنا نلاحظه بتركيز اهتمام أعلى شخص في هرم النظام للحديث عن فبركة الفيديوهات والصور في مناسبات عديدة. هذا ما يجعل من المحتوى البصري والرقمي أداة أساسية في مواجهة السردية الحكومية الرسمية والتي ستشكل لاحقاً، في مرحلة “جبر الضرر” أحد مراحل العدالة الانتقالية، من خلال تقديم سردية تدعم جهود بناء السلام وتغطية الفجوات بين فئات المجتمع”

ولكن جلود يُشير في الوقت الراهن إلى وجود «سرديّة موثقي ما حدث ويحدث، وهذه خارج السرديات والسرديات المضادة، وتجري خارج مجريات أي عملية انتقالية. نحن نوثق ذاكرة الناشطين والصحفيين بشكلٍ فردي للحفاظ عليها، وليس بشكلٍ جمعي لتقديم سردية». ويتابع جلود: «إلى الآن لا يوجد عملية سلام واضحة في سوريا، ولا يوجد حوار جاد بين الأطراف المتنازعة، ولذلك من أولوياتنا حالياً العمل على تدعيم سياق العدالة وتثبيت الحقوق وفق المعطيات الموجودة».

المساهمة في عمليات التقاضي

كان للأرشيف السوري دورٌ كبيرٌ في بناء دعاوى قانونية مثل استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا، واستمرّ العمل على هذا الملف مدة 3 سنوات. يشرح جلود أنّ سبب تركيز الأرشيف على هذا الملف يأتي «من كون استخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين هي واحدةٌ من أخطر الجرائم التي ارتُكبت بحق المجتمع، وكذلك نتيجة غياب أي إجراء دولي لبناء دعوى من هذا النوع مما جعلها على الهامش، فمعظم الدعاوى التي تم بناؤها بموجب الولاية القضائية الدولية ركّزت على ملف المعتقلين».

وفي سياقٍ آخر، كان لدى الأرشيف كمٌّ كبيرٌ من الوثائق البصرية التي تدعم ملفات المعتقلين في الدعاوى المرفوعة أمام عددٍ من المحاكم، وقام بتقديمها، كما أنّه يتعامل مع عشرات الطلبات الواردة من مدّعين عامين ومن منظمات شريكة وغير شريكة لتزويدهم ببعض الأدلة البصرية المُتعلقة بدعاوى مختلفة، وهناك طلبات أيضاً من الآلية الدولية المحايدة والمستقلة من أجل سوريا. 

التعاون مع الجهات الإعلامية 

يستخدم الأرشيف منهجيةً مختلفةً تماماً في العمل مع الصحفيين عن تلك المُتعلقة بالعمل الحقوقي، ففي العمل الحقوقي يسهّل الأرشيف عمل المنظمات ونقد الأدلة، ولكن مع الصحفيين فهو يحاول الربط بين مختلف الجهات، ولا سيما ربط الصحافة الدولية مع المصورين وأصحاب الوثائق البصرية من السوريين. ولكن لا ينكر جلود أنّ الطلبات التي تلقاها الأرشيف لهذا النوع من الوصل والتشبيك «محدودة»، ولكنه يتلقى الكثير من الطلبات التي يتقدّم بها الصحفيون الذين تعرّض محتواهم للإزالة من منصات التواصل الاجتماعي. 

استعادة المحتوى

يُقرّ جلود بصعوبة إقناع المصورين الذين استخدموا منصة يوتيوب على مدى تسع سنوات أن يكفّوا عن استخدامها، فهم يلجؤون إليها لأسباب عديدة؛ أبرزها التقنية البحتة المتعلقة بكونها منصةً مفتوحةً سهلةَ الاستخدام ومدعّمة باللغة العربية، علاوةً على مجانيّتها.

ويضيف جلود: «لأنّ انطلاقتنا في العام 2014 جاءت بناءً على تخوفنا من مسألة الحذف نظراً لمعرفتنا بقيمة المواد التي وثقت قصص المدن والأحداث الهامة المرتبطة بحياة ملايين السوريين، فنحن على تواصل مستمر مع يوتيوب، ولكنّ التحدي الأبرز يكون في حال لم يتواصل معنا أصحاب القنوات والمحتوى الذي يتعرّض للحذف. نحن نسعى أيضاً لتوعية من يقوم بعملية التوثيق من الناشطين والصحفيين ببعض الأخطاء التي يقعون فيها وتؤدي إلى حذفه، إما لأنه غير محدد بفئة عمرية أو لأن مالك المحتوى لم يقم بإضافة السياق إلى الفيديو. في حال توافرت كل المعلومات عن الفيديوهات المحذوفة فلا مشكلة باستعادتها، لأن باستطاعتنا التواصل مع يوتيوب والضغط عليه من خلال الصحافة والتحالفات وشبكات المنظمات الدولية التي نعمل معها عن قرب»

ومن التجارب المهمة على هذا الصعيد هو استرجاع الأرشيف السوري لقناة شبكة شام الإخبارية، والتي تضم 245 ألف مقطع فيديو، بعد أن تعرّضت للحذف عشر مرات، وكذلك تمكّن الأرشيف من استعادة قناة أوغاريت. يختتم جلود حديثه بالقول: «نحن ننطلق في تواصلنا مع يوتيوب من حقيقة أن هذه الفيديوهات هي أدلة ووثائق تاريخية، ورغم بطء الاستجابة، إلا أنّنا غالباً ما ننجح باستعادة المحتوى. المهم أن نكون على تواصل وتنسيق مع الناشطين والصحفيين لفعل هذا الأمر»

من المشاكل الأخرى التي تواجه عملية الاستعادة هو عدم وجود إحاطة لدى أي جهة بجميع الحسابات التي جرى حذفها وحذف محتوياتها على موقع يوتيوب، لا سيما تلك التي أُنشئت وحُذفت في العامين 2011 و2012، إذ من الصعب الوصول إلى معلوماتٍ حولها. صحيحٌ أنّ مسألة الحذف من يوتيوب ظهرت بشكلها الواسع في العام 2017 بعد اعتماد الذكاء الاصطناعي في التعامل مع المحتوى، إلا أنّ مشكلة الحذف تسبق هذا التاريخ بشكلٍ أكيد. 

ويقول هادي الخطيب إن الأرشيف السوري عمل وفقاً لشراكة وتحالف مع منظمات دولية لإصدار تقارير من شأنها تدويل الحديث حول المحتوى السوري المحذوف، والحديث عنه، والعمل على استعادته لما له من أهمية من خلال استخدامه كأدلة في الدعاوى القضائية وبناء السردية. 

تم دعم هذا التحقيق (الذي سينشر تباعاً) من قبل صندوق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لتمويل الأعمال الاستقصائية NAWA -IF