تستند أم أحمد “لاجئة سورية في لبنان” على الحائط لتبقى واقفة في طابور الراغبين بدخول مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينين، تنظر إلى ساعة هاتفها بتململ، ينهكها الروماتيزم وجرعات الكورتيزون وأرقام التصاريح التي يدققها عناصر من الجيش اللبناني على مداخل المخيم، وتحاول أن تصل إلى موعدها مع طبيبها في الوقت المناسب.
في الطابور الطويل، ممر للمشاة وخط طويل من السيارات ورجال ببدلات عسكرية يفتشون ويسجلون كل شيء بتأفف وضجر من الإجراءات الروتينية المتبعة منذ عقود. أعداد هائلة تدخل وتغادر مداخل المخيم ومخارجه تضاعفت خلال السنوات الماضية بعد أن أصبح المخيم ملاذاً للاجئين السوريين، يرافق ذلك ضجيج وبكاء الأطفال المنتظرين، مشاحنات كلامية مع سائقي السيارات، سباب وشتائم، لهجات متنوعة، وساعات من الانتظار.
أكثر ما كان يلفت انتباه أم أحمد أثناء التدقيق في الأسماء والوجوه هو عدد السوريين الداخلين والخارجين من المخيم، كانت تعرفهم من هوياتهم. “هل جميعهم يأتون للأطباء مثلي، هل هم من السكان. إن كانوا كذلك كيف يعيشون في منطقة عسكرية كهذه؟ تتساءل.
عشرون دقيقة من الانتظار وعيناها لا تفارقان ساعة الهاتف، بينما كان كيس الأدوية والتحاليل ينتقل بين يديها، أطلعت الجندي على محتوياته قبل أن يسمح لها بالدخول، لتخطو بعدها أول خطوة للمخيم في زيارة لم تكن الأخيرة.
“في أولى خطواتي كانت أذناي لا تسمع سوى صوت الرصاص. لوهلة أحسست أنني في حلب. لم أسمع مثل صوت هذا الرصاص إلا عندما كنت هناك. التفت لأعود أدراجي لكن أحد شبان الحاجز الفلسطيني القابع خلف الحاجز اللبناني بخمسين متراً أخبرني أنه رصاص ابتهاج بعرس، أي عرس ونحن في منتصف النهار؟ سألته خائفة، أخبرني إنه رصاص زفّة العريس. تابعت طريقي إلى عيادة الطبيب برفقة أحدهم كان يناديني خيتا” تقول.
كان هذا منذ ثلاث سنوات. قبل أن تصبح اللاجئة السورية المنحدرة من حي صلاح الدين الحلبي من سكان المخيم. وقتها كان قدومها يقتصر على مراجعة الطبيب وشراء الأدوية. تقول أم أحمد إن جلوسها مع النساء السوريّات داخل العيادة وإمطارهن بوابل من الأسئلة في كل جلسة قد كوّن لديها صورة إيجابية عن العيش داخل المخيم. كذلك الطيبة والمحبة التي كانت تشاهدها في وجوه السكان، وكمية الود والتعاطف بين الفلسطينيين والسوريين، وسرعان ما تحوّلت زياراتها للمخيم لهدف ثان وهو البحث عن منزل.
لا توجد إحصاءات رسمية بعدد السوريين في مخيم عين الحلوة. بحسب موقع ويكيبيديا إن عدد سكان المخيم بلغ 130 ألف نسمة عام 2017 تبعاً لإحصاءات غير رسميّة بعد توافد السوريين إليه، بينما تحدّثت تقارير إعلامية نشرت قبل ٢٠١١ عن سبعين أو خمسة وسبعين ألف نسمة، فيما ساهم الهدوء الأمني منذ سنتين تقريباً والأزمة الاقتصادية الخانقة التي يشهدها لبنان، تلاها قدوم جائحة كورونا في تضخّم أعداد السوريين الذين يستهدفون المخيم بغرض الإقامة، وزيادتهم يوماً بعد يوم، يدفعهم رخص المعيشة وإيجارات المنازل مع غياب فواتير المياه والكهرباء داخل المخيم قياساً بالمناطق المحيطة به وبإمكانيات اللاجئين الماديّة، فضلاً عن السماح لهم بممارسة أعمالهم وأنشطتهم الاقتصادية بكل حرية دون الحاجة لإجراءات إدارية وقانونية ” كإصدار رخصة مثلاً”. كذلك تشابه الحالة الاجتماعية والمادية للسوريين وللفلسطينيين من فقر ولجوء كأهم أسباب ترحيب واستضافة اللاجئين، إذ يجد الضيف والمضيف أنفسهم في موضع هشاشة وفي خندق اجتماعي واحد.
كيلو متر واحد يتسع لقضيتين
للمخيم تسميتان، عين الحلوة واكتسبها من مياه بئر عذبة كانت موجودة عند وصول اللاجئين الفلسطينين إليه عام النكبة، قبل أن ينتقل المخيم بمساعدة اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى الجهة الجنوبية الشرقية من مدينة صيدا يحملون معهم واسم “العين” وخيامهم التي استبدلتها وكالة غوث “أونروا” بمساكن اسمنتية بعد أربع سنوات من إنشائه.
و “عاصمة الشتات” باعتباره يعتلي سلم الترتيب كأكبر المخيمات الفلسطينية في لبنان، وعددها اثنا عشر مخيماً، وأكثرها سكاناً، تقول الأونروا في سجلاتها “إن المخيم يضم سبعة وأربعين ألف فلسطيني مسجل”، ويرتفع العدد الحقيقي إلى ضعفي ذلك العدد.
لم تزد مساحة مخيم عين الحلوة (كيلو متر واحد) منذ إنشائه رغم تضاعف أعداد سكانه، ويأخذ التطور العمراني فيه منحى شاقولياً، ويحيط به أربعة نقاط تفتيش للجيش اللبناني على المداخل الأربعة، تليها حواجز تفتيش تابعة للكفاح المسلح “حركة فتح”، ويقطع المخيم شارعين (فوقاني وتحتاني)، أولهما يبدأ من المشفى الحكومي في الجهة الشمالية، وثانيهما أيضاً يبدأ من الجهة الشمالية في منطقة التعمير، ويلتقيان جنوباً في منطقة درب السيم.
تتداخل أحياء المخيم الضيقة فيما بينها، ويتداخل معها مناطق النفوذ، إذ تتقاسم التنظيمات والفصائل السيطرة على شوارعه وحاراته، ولكل منها مربعها الأمني، وتعتبر حركة فتح الأقوى نفوذاً وتسليحاً داخله، إضافة للجبهة الشعبية، عصبة الأنصار الإسلامية وحركة حماس، الحركة الإسلامية المجاهدة، تنظيم جند الشام القادم من مخيم نهر البارد، وتنظيم الشباب المسلم..
يقول من تحدثنا معهم إن لعين الحلوة الدور القيادي المباشر في المخيمات الفلسطينية داخل لبنان، هو مركز القرار، ومصير الشتات الفلسطيني يتقرر داخل أسواره.
في تلك المساحة الضيقة وجد قسم من اللاجئين السوريين أنفسهم داخل أسوارها، يجمعهم بمضيفيهم صفة اللجوء ومرارته، والحلم بالعودة.
مدينة الفقراء الضيقة
لا تقارن إيجارات المنازل داخل مخيم عين الحلوة بمناطق أخرى في لبنان، وتدفع الأونروا فواتير الكهرباء والمياه عن ساكنيه، وتقل داخل جدرانه أجور الطبابة وأسعار الدواء والمواد الغذائية كذلك الألبسة والأحذية، وهو ما يفسر زيارة كثر لزيارته والتبضع منه، لكن سوريين وجدوا فيه مكاناً مناسباً للعيش واللجوء.
تشترك أم أحمد مع زوجها وولداها العيش في غرفتين صغيرتين داخل حي الطوارئ في مخيم عيم الحلوة ، تقول إن مرض الروماتيزم قلص ساعات عملها بأحد المخابز لمساعدة زوجها في متطلبات الحياة الكثيرة، وتسببت جائحة كورونا بتسريح زوجها من عمله في واحد من محلات الحلويات وانتقاله إلى أعمال المياومة وغرقهم في بحر من الديون.
مخيم عين الحلوة كان ملاذ أم أحمد، تقول إنها تدفع اليوم ربع ما كانت تدفعه سابقاً كإيجار للمنزل الذي تسكنه، كذلك المواد الغذائية بأسعار مناسبة، يضاف إلى ذلك أن أطفالها يلعبون بحرية بعيداً عن شكاوي الجيران من إزعاجاتهم مكان سكنها السابق.
وتروي أم أحمد ” في البداية كنت أواجه مشكلة في حفظ الطرقات المتشعبة والزواريب، بعضها لا يتّسع لأكثر من شخص واحد. مع الوقت أحسست أني أمشي في بلدي أو على الأقل لست غريبة. على صعيد الوباء يستثني المخيم نفسه من حظر التجول المفروض، الحياة هنا لا تقبل التباعد الاجتماعي وحبس الناس في بيوتهم، لا يمكنك أن تحبس أكثر من مئة ألف نسمة يعيشون في مساحة كيلو متر مربع واحد، يفتقر إلى المساحات الواسعة من حدائق وملاعب أطفال. المخيم مدينة صغيرة وحبس كبير”.
مخيم داخل المخيّم
لا يخلو أي من أحياء المخيم التي تسمى بأسماء المناطق التي ينحدر منها السكان(طيطبا، الصفصاف، الرأس الأحمر، الطيرة، ترشيحا، لوبية، صفوريّة، الزيب، حطين..) من عائلات سورية، حتى الأبنية التي صممت لأفراد العائلة الواحد تشهد داخلها تواجداً للسوريين. يقول من تحدثنا معهم “مقابل كل لاجئ فلسطيني يوجد لاجئ سوري وآخر فلسطيني سوري، في تعبير عن تضاعف أعدادهم في السنتين الأخيرتين”.
يقول زياد العلي وهو أحد أبناء المخيم إن كثيراً من الفلسطينيين استغلوا ما حدث في سوريا ولجؤوا إلى أوروبا ليلحقوا بالسوريين إلى هناك، كما ساهمت القروض التي كانت تمنحها منظمة التحرير في دفعهم لشراء منازل خارج المخيم وبحثهم عن حياة أفضل. هذا الفراغ غطته موجات اللاجئين السوريين الذين استقروا داخله. فزياد مثلاً يعيش مع عائلتين سوريتين في نفس البناء الذي صمم لعائلتهم، وذلك بعدما قرر أخوته السفر خارج لبنان، بدايةً لم يرغب أخوته في تأجير بيوتهم، لكن الانتشار الواسع للسوريين وسمعتهم الطيبة دفع كثيرين ومنهم عائلة زياد إلى تأجير بيوتهم، ” نعيش مع بعضنا البعض منذ ست سنوات، أصبحنا عائلة واحدة وكبيرة” يقول زياد.
طبيعة العيش في مخيم عين الحلوة تختلف عمّا هو خارج أسواره، الأحياء مكتظّة ومتراصّة وتفتقد إلى المساحات المفتوحة، تجمعها شبكة ضيقة من الأزقة لا يمكن لأي مركبة السير داخلها، ولا يمكن الوصول إليها سوى للمشاة. هذا إن استثنينا الطريقان الأساسيان في المخيم. في كثير من الأحياء تلتصق المباني ببعضها البعض، أو تقترب من بعضها مسافة لا تزيد عن متر واحد، ما يجعل أبنية المخيم غارقة في الظلام وتفتقر إلى أشعة الشمس.
أم أنس تحاول الخروج كل يوم تقريباً مع زوجها وأولادها لغرض التعرض لأشعة الشمس، فقد أخبرها الطبيب أن زوجها الذي يعاني من أمراض مزمنة ” سكري، قلب” لديه ضعف في المناعة يعتقد أن من أهم أسبابه طبيعة بيتهم الرطبة الذي يفتقد الهواء وأشعة الشمس، كما نصحها بتبديل المنزل أو العيش خارج المخيم كي لا يمرض أطفالها.
لا يقف الأمر عند هذا الحد، مثلاً، زوج أم أنس لا يحتاج هاتفه ليراسل أحد جيرانه، إذ يكتفي بمناداته من بيته ليسمعه فوراً، وهذا ما تجده أم أنس تقليصاً لمساحات الخصوصية داخل هذه الأحياء التي ترى أن عدد سكانها أكثر من عدد الحجارة التي بنيت فيها بيوتها.
وتقول أم أنس أنها تسعى للحصول على بيت يكون في مرمى أشعة الشمس داخل المخيم، ولا ترجح فرضيّة سكنها في الخارج نظراً لضعف قدراتها الماديّة، فضلاً عن قرب المخيم من مكان عملها في مدينة صيدا “2كم” الذي تذهب إليه مشياً على الأقدام.
نتحرّك كيفما نشاء
عين الحلوة من أكثر المخيمات في لبنان التي شهدت عمليات عسكرية وأمنية، كان آخرها نهاية 2017 بين عدد من الفصائل الداخلة في تكوين المخيم والمختلفة فكريّاً، وأسفر عن دمار حي بكامله يدعى ” الطيرة” بالقرب من الشارع الفوقاني. كما يتوجّب على كل سوري يدخل المخيم بشكل مؤقت أو دائم أن يحصل على تصريح تمنحه مديرية مخابرات الجيش اللبناني في ثكنة عسكرية بالقرب من المخيم.
قانونية أوراق الإقامة هي شرط أساسي لامتلاك تصريح يتم تجديده بشكل مجاني كل ستة أشهر. فيما تتوزع سبع نقاط تفتيش عسكريّة على مداخل المخيم، مهمتها التفتيش والتدقيق في هويات كل الداخلين والمغادرين.
يخبرنا أحمد الخليل الذي خبر تجربة الخروج من المخيم عقب إشكال مسلح جرى بالقرب من بيته قبل خمس سنوات، أنه برغم الظرف الذي أخرجه إلا أنه لم يعتد على الحياة خارجاً، وبالإضافة إلى ارتفاع إيجارات المنازل والفواتير وغلاء المعيشة إلا أنه كان يحس بالضيق والغربة. فقد كانت شرطة البلدية تمنعه من الخروج بعد الساعة السادسة مساء، الأمر الذي أدخله معهم في جدال ومشاحنات عندما خرج لجلب دواء ذات مرّة لطفله المريض.
ويعد أحمد من السوريين الذين دخلوا المخيم في بداية الثورة السورية، وألفوا العيش داخله، يقول أنه قصد عين الحلوة بدافع صلة القرابة، فقد كانت أمه من أهالي المخيم الأصليين قبل أن تنتقل إلى سورية إثر زواجها منذ أربعين سنة.
“عدت إلى المخيم بعد أن وجدت بيتاً في منطقة تتسم بهدوئها الأمني، أستطيع القول أننا نعيش ثلاث سنوات من الاستقرار، أنا شخصياً أفضل أن أعيش محبوساً في مخيم على أن أحبس في بيتي. بالنسبة لإجراءات التفتيش على الحاجز فقد تعودنا عليها وأصبحت روتيناً، صحيح أن كثيراً منا أوراق إقامتهم منتهية لكننا لا نعدم وسيلة عبر أصدقاء ومعارف يساعدوننا في إصدار تصريح” يقول أحمد.
يقرّ الخليل بأن الواقع الخدمي سيء داخل المخيم لكن لا يختلف كثيراً عما حوله، إذ يعاني لبنان تعاني من بنية تحتية متداعية تفتقر للخدمات العامة، بما فيها الكهرباء والمياه والنقل والصرف الصحّي.
فيما قال آخرون ممن شهدوا أحداثاً أمنية أنهم كانوا يتّجهون إلى أحياء أكثر أمناً كالموجودة في الشارع التحتاني، ومنهم من حلّ ضيفاً على أحد أقربائه خارج عين الحلوة سرعانما عاد بعد عودة الحياة إلى طبيعتها.
نشاط اقتصادي حر
تبين دراسة للجامعة الأميركية في بيروت بعنوان ” اللاجئون صانعو المدينة” أن هناك بعض المجتمعات المضيفة والمجالس البلدية فيها تعمد إلى ردود فعل عنيفة تجاه السوريين الذين يمتلكون متاجر صغيرة في عدد من المناطق اللبنانية، متهمة إياهم بسرقة فرصة العمل من اللبنانيين. بدورها قامت السلطات اللبنانية في العامين الأخيرين بحملات إغلاق استهدفت المحال التجارية التي يملكها سوريين، متذرّعة بعدم وجود تصاريح وإجازات للعمل.
علي نوايا وجد داخل شوارع مخيم عين الحلوة الضيقة متنفّساً لممارسة عمله، يخبرنا أنه لا يحتاج إلى أي تصريح أو موافقة لفتح محل لبيع الأجهزة الخليوية، في حين أقفل محلّه في مدينة صيدا وختم بالشمع الأحمر لحين إصدار رخصة.
أحمد الخليل كان يفضل أن تكون ورشة الحدادة الخاصّة به خارج المخيّم، لوجود فرص أكبر بالعمل بسبب ضعف إمكانيات سكانه المادية، لكنه لم يجد سبيلاً لذلك فالرخصة مكلفة وتحتاج شروطاً كثيرة كالموافقة المبدئية وهذه تحتاج “واسطات ” ورشاوي بالإضافة إلى امتلاك أوراق إقامة نظامية. ويخبرنا أن هناك كثيراً من اللبنانيين يسعون لاستغلال الظرف بتقديم عرض يفيد بإصدار رخصة لصاحب مصلحة سوري، والأرباح تكون مناصفة، وهو ما يراه الخليل نوعاً من التحايل والاستغلال.
أبو محمد يعمل إسكافياً في عين الحلوة منذ تسع سنوات، وهو تاريخ دخوله المخيم الذي وجده أرضية مناسبة لمهنته التي يجدها شبه منقرضة في عموم لبنان. إذ تكثر الأسر الفقيرة التي تتجه للإسكافي لعدم قدرتها شراء أحذية جديدة.
جبل الزاوية في سوق عين الحلوة
علي عبد القادر أحد المسؤولين عن إدارة المخيم يلفت الانتباه إلى أن النشاط الاقتصادي للسوريين مسموح بأريحيّة وموجود بكثرة، حتى قبل الثورة السورية بسنوات، وقتها لم يكونوا لاجئين، يقول، إنما دخل العديد من تجار الألبسة والأقمشة والأحذية السوريين، وقاموا بفتح بسطات ومحلّات يتواجد معظمها في سوق المخيم.
من خلال اطلاعنا على سوق عين الحلوة وحديثنا مع التجار تبيّن أن نسبة المحلات السورية داخل السوق يزيد عن النصف، معظم أصحابها من منطقة جبل الزاوية في إدلب وبالأخص قريتي معرزاف ومنطف، ويقول أبو عادل ” تاجر أحذية من منطف” إن القوة الاقتصادية لأهالي الجبل موجودة منذ أكثر من عشرين سنة، أعرف محلّات سورية موجودة قبل عام ٢٠٠٠، بالنسبة لي أتاجر بالأحذية هنا منذ ست عشر سنة.
كان أبو رافع يتهيّب العودة إلى سورية لقضاء بقية عمره بعد مسيرة من الجهد والتعب في تجارة الألبسة في مخيم عين الحلوة ، أراد المسن ابن بلدة معرزاف أن يقضي بقية عمره في بلدته لكن الأحداث الدامية حالت دون ذلك، بل دفعته إلى استقدام من تبقى من عائلته للعيش داخل المخيم، والطلب من أولاده مساعدته في تجارته بعد عودته للمحل من جديد.
” قضيت ثلث عمري في هذا المخيم، وفي هذا السوق، لن أخرج من هنا إلا إلى سورية أو إلى القبر” يقول.
لا يوجد في عين الحلوة مقابر تؤوي السوريين في حال موتهم، ويشير علي عبد القادر إلى أنّ ذلك لا يعود لاعتبارات عرقيّة أو طائفيّة، إنما يعاني المخيم مشكلة اجتماعية وإنسانية فيما يخص دفن موتاه، فقد امتلأت المقابر وما عادت تتسع، وينوّه عبد القادر إلى أن المخيّم يعاني من عدم إيجاد بقعة أرض جديدة لتحويلها إلى مقبرة. علماً أن السوريين هنا ومعهم فلسطينيين يسكنون خارج المخيم يدفنون موتاهم في مقبرة سيروب التي تبعد 3 كم عن مخيم عين الحلوة .
على صعيد التعليم والصحة يخبرنا علي عبد القادر أنه يحق للسوريين الانخراط في المدارس والروضات الفلسطينية التي لا تتبع للأونروا، إذ تمتنع مدارس الأخيرة عن استقبال أطفال سوريين في صفوفها كون خدماتها موجّهة فقط للفلسطينيين، ولنظرائهم المهجّرين من سورية. وهذا ما ينطبق أيضاً على العيادات والمستوصفات الخاصّة بالأونروا.
يقول أبو رفعت” طوال سنوات مكوثي وعملي في المخيم لم أكن أتخيل أن أجتمع بهذه الأعداد الكبيرة من أهالي جبل الزاوية، سواء كنا تجاراً أو لاجئين قديمين وجدد يجمعنا الغربة والترحال والوحدة، لا زلنا ضيوفاً مهما طالت المدة، وأهل هذا المخيم مضيفين لنا وضيوفاً لدى لبنان، يبقى وجودنا مؤقتاً وسنعود يوماً ما”.