استيقظ الناس في مخيم السلام بريف إدلب الشمالي على صراخ أم عبدو التي أدركت أن طفلتها اختنقت أثناء نومها بقربها. ماتت دون أن تشعر الأم بذلك.
قالت إحدى قريبات أم عبدو إنها انشغلت خلال النهار بتحضير المؤونة وأرهقت نفسها في ذلك، ثم غطت بنوم عميق خلال الليل منعها من سماع بكاء طفلتها، وقد حجب الغطاء الذي دثرتها به الأكسجين عن الطفلة ما أدى لاختناقها دون شعور الأهل.
يتبع الأهالي ممارسات خاطئة مع الأطفال حديثي الولادة في ريف إدلب ما يؤثر على صحة هؤلاء الأطفال ويعرض حياتهم في بعض الأوقات للخطر.
يقول بعض من التقيناهم إنهم اعتادوا تكحيل الأطفال بالإثمد أو الإثمد بالليمون، إضافة إلى تمليح الطفل “غسله بالماء والملح” وكبس أنفه بعد ولادته للمحافظة على حجمه الصغير، والامتناع عن تغسيله خلال فصل الشتاء خوفاً من المرض.
ومن العادات التي ذكرها من تحدثنا معهم قيام بعض الأمهات بوضع خاتم ذهب قرب أطفالهن لعلاجهم من مرض أبو صفار، كما يقوم البعض بالبصاق في فم الطفل على أمل أن يصبح الطفل مشابهاً للشخص الذي بصق في فمه.
تقول الحاجة عواش خليل إنهن يعرفن فوائد مثل هذه الممارسات فالكحل ينظف العين ويبعد عنها الاحمرار، والتمليح يمنح الطفل رائحة لطيفة عندما يكبر، كما تركز الحاجة عواش على ضرورة امتناع الأهل عن حمل الطفل كثيراً حتى لا يعتاد على الأمر ولا تكون أمه متفرغة لذلك.
بينما تتنافى تلك الممارسات مع العلم ويرفضها أطباء الأطفال، يقول الدكتور محمد العمر أخصائي طب الأطفال: إن الموروث الشعبي يسيطر على تلك الممارسات ولا وجود لها في الطب ومهمة الأطباء تصحيح تلك الأخطاء وتوعية الأهل لخطورتها، إذ لا يوجد مستند طبي أو دراسة تدعم إجراء حمام ملحي للمولود، وقد تكون هذه العادة إحدى الممارسات القديمة التي كان يقوم بها الأهل لاستحالة العثور على صابون أو أدوات تنظيف، كما أن وضع الكحل في العين تعتريه الأفكار الخاطئة، وضرره واضح لأنه قد يؤذي القرنية أو يسبب انسداد النقطة الدمعية، مثله مثل استخدام المحارم المعطرة والتي قد تؤدي لتحسس جلدي.
وبالنسبة لكبس الأنف أو الرأس لا أساس لها، ومثلها توسيع الحلق، كلها ممارسات موروثة وخاطئة ويضيف العمر: إن الحمام لا يضر المولود عند تأمين الوسط المحيط من حيث الدفء والماء النظيف الدافئ، وعدم تعرض الرضيع للبرد بعد الحمام.
كما أن تغذية الأطفال حديثي الولادة باليانسون والكمون أو الماء المحلي قد يؤدي لإصابة الأطفال بالتهاب الأمعاء، في حين توصي منظمة الصحة العالمية بالاعتماد على الرضاعة الطبيعية في الأشهر الستة الأولى من عمر الطفل.
ويعتبر البصاق في فم الطفل من الممارسات الضارة بصحة الطفل لأنه ينقل الفيروسات والجراثيم الموجودة عند الشخص المقابل وبالتالي يمكن أن يحدث المرض عند الطفل، وخاصة أن الطفل ذو مناعة ضعيفة وغير قادر على مقاومة الأمراض الموجودة لدى البالغين.
بينما تعتبر معالجة الأطفال حديثي الولادة من اليرقان عن طريق خاتم الذهب أو تعليق طوق من حبات الثوم حول عنقه من الشائعات التي لا صحة لها.
تعود أسباب اتباع النساء لتلك الممارسات لتمسكهن بالعادات والتقاليد في المجتمع، وعدم وصول التوعية إلى عشرات العائلات حيال تلك العادات الخاطئة، وبحسب بعض النساء اللواتي تحدثنا معهن فإنهن مضطرات لممارستها أحياناً إرضاء للوسط المحيط المقتنع بها بشكل كامل.
تقول رقية المصطفى: “أنا أعلم أن الكحل والتمليح ممارسات خاطئة لكني لا أستطيع منعها عن طفلتي إذ تقوم عماتها بممارسة تلك العادات عليها أثناء غيابي في العمل رغم طلبي المتكرر بالامتناع عن ذلك”.
بينما تقول مروة الخليل “أطبق تلك العادات مع أطفالي عند ولادتهم، مراعاة لمشاعر جدتهم ولأني أخشى أن تشعر بأني أخالفها الرأي وأمنعها من التدخل بأسرتي”.
في حين تلجأ بعض السيدات إلى السحرة والمشعوذين عندما يمرض أحد أولادهن بدلاً من الاستعانة بالطبيب، لاعتقادهن أن سبب المرض هو “العين” أو تعرضهم للسحر، وبحسب من تحدثنا معهن من النساء اللواتي قمن بذلك، فإن “الساحر أو الشيخ” على حد تسميتهن يطلب وصفات غريبة لا علاقة لها بالطب ويجبرهن على تنفيذها.
تقول السيدة فضيلة دلمس: “مرضت ابنة أختي، ورافق مرضها استفراغ متكرر وارتفاع في درجات الحرارة، فأقنعها الأقرباء بأن الطفلة تعرضت للحسد فاستعانت، بشيخة يشاع أن يدها مبروكة، لكن الطفلة لم تتحسن و تراجعت صحتها بشكل كبير فاضطر أهلها لإسعافها للمشفى حيث أخبرهم الأطباء أن حياة الطفلة كانت بخطر، ولو تأخروا أكثر لخسروا حياتها”.
تسعى المنظمات الإنسانية لنشر التوعية في صفوف النساء، عبر قيام الفرق النسائية بتنظيم زيارات للمنازل لتنفيذ مشاريع التوعية الصحية، والتي يتم خلالها تثقيف ربات المنازل بموضوع الحمل والإرضاع وكيفية العناية بالمولود وحالات سوء التغذية وجميع المعلومات المتعلقة بذلك.
تقول راما الصالح (عاملة صحة مجتمعية): ” نلاقي صعوبة في تقبل بعض السيدات للنصائح الطبية، بسبب تعلقهن بالعادات المتوارثة، لكنا نسعى دائما لإيصال المعلومة بطريقة سهلة وواضحة، إضافة لتوزيع البروشورات التوعوية”.