فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

الصورة من الأنترنت

المخدرات في سوريا .. دعم من النظام لتحقيق مكاسب اقتصادية

هاني العبدالله

أعلنت “وزارة الداخلية” التابعة لنظام الأسد، في العشرين من شهر تشرين الأول الماضي عن قيامها بالقبض على تسعة أشخاص من مروجي ومتعاطي المخدرات، وضبطت بحوزتهم “كمياتٍ كبيرة من الحشيش وحبوب […]

أعلنت “وزارة الداخلية” التابعة لنظام الأسد، في العشرين من شهر تشرين الأول الماضي عن قيامها بالقبض على تسعة أشخاص من مروجي ومتعاطي المخدرات، وضبطت بحوزتهم “كمياتٍ كبيرة من الحشيش وحبوب الكبتاغون” حسب تصريحها.

لم تكن هذه الحادثة الأولى من نوعها، ففي آب الماضي أعلن “فرع مكافحة المخدرات” في حلب، مصادرة شحنة حبوب تزن 365 كيلو غرام، وتقدّر بأكثر من مليونيّ قرص مخدّر.

تكررت مؤخراً حوادث القبض على مروجي وتجار مخدرات في مدينة حلب، وفي كل مرة تتحدث وسائل إعلام النظام عن قيام وزارة الداخلية بإلقاء القبض على متورطين في تجارة المخدرات دون أن تشير إلى الجهة التي تقف خلف تلك الشبكات وهل فعلاً تمت معاقبتهم، وسط اتهاماتٍ تطال نظام الأسد بأنه يتواطأ مع أولئك التجار المحسوبين عليه وعلى ميليشيات إيران و “حزب الله”.

وزعمت وزارة الداخلية بأنّ شخصاً واحداً قام بتخزين هذه الكمية الكبيرة من الحبوب المخدّرة في حاوية شحنٍ ضخمة، وذلك ضمن محلٍ معدٍ لصيانة السيارات في منطقة “الراموسة” بحلب، فيما ألقت القبض عليه بحي “الأعظمية”، واعترفت “بنيته تهريب المخدرات ضمن مدينة حلب على متن سيارته الخاصة، بالتعاون مع شخصين آخرين”.

أثار هذا الخبر سخرية المتابعين حينها، فكيف لشخصٍ واحدٍ أن يجلب تلك الكمية ويمر بها عبر الحواجز، إضافةً إلى أن إنتاجها يحتاج لورش أو مصانع خاصة، وموادٍ أولية ويدٍ عاملة، فضلاً عن المخازن المخصصة لحفظها، ومن الاستحالة أن يتمكن أحد المواطنين من القيام بهذا الأمر سوى أشخاص تابعين لنظام الأسد و”حزب الله”.

كما أعلن النظام في آذار من العام الحالي، القبض على خمسة أشخاصٍ في حي الشعار، يقومون بترويج المواد المخدّرة في مدينة حلب، وبلغت كمية المواد المصادرة منهم، خمسة كيلو غرامات من الحشيش، وسبعمائة حبة “كبتاغون” مخدّرة.

مصادر المخدرات ومروجيها

قال محمد عرب “ناشط إعلامي مهجر” إنه “بات واضحاً لدى الجميع أن نظام الأسد ومن ورائه إيران وحزب الله، هم المسؤول الأول عن إدخال المخدرات إلى مناطق النظام وحتى إلى مناطق المعارضة، وتعتبر الفرقة الرابعة إلى جانب كتيبة العباس التي تضم عناصر من أبناء بلدتي كفريا والفوعة الموالية لإيران، من الكتائب المسؤولة عن تجارة الحشيش وحبوب الكبتاغون، لاسيما في أحياء الصاخور والشعار والمشهد وباب النيرب وصلاح الدين شرقي حلب”، مشيراً إلى أنهم “يشترون المخدرات من بلدتي نبل والزهراء بريف حلب، أو من السيدة زينب بريف دمشق، ويبيعونها في مدينة حلب، أو يقومون بتأمين الحماية للتجار وتقاسم الأرباح معهم”.

وصرحت “وزارة الداخلية” في حكومة النظام، بأنها ضبطت شحنةً من مادة الحشيش في منطقة “السيدة زينب” في السابع والعشرين من تموز الماضي، ما يشير إلى أن تلك المنطقة التي تتمركز فيها ميليشيا “حزب الله” وإيران هي مصدر توريد المواد المخدّرة إلى باقي المحافظات، إذ أقرت الوزارة بأن الشحنة كانت معدّة للتهريب إلى محافظة حلب.

وأضاف عرب “هناك تجار كبار من حلب يتلقون حمايةً من مخابرات الأسد، يتولّون عملية بيع المخدرات داخل حلب أو تصديرها إلى الخليج ومصر ودول أوروبا، وأبرزهم رجل الأعمال الموالي للنظام عبد اللطيف الحميدة، صاحب شركة ورق حلب، والذي يساعد النظام في عمليات تغليف المخدرات وخاصةً تلك التي يتم تصديرها خارج سوريا، إضافةً إلى بعض أقرباء بشار الأسد، وأبرزهم كمال وسامر ووسيم الأسد”.

الصورة من الأنترنت
الصورة من الأنترنت

وتتطلب عمليات تصنيع المخدرات عدة مواد أولية، مثل “البسودإفيدرين”، ومادة “الكريستال ميث” التي تأتي من إيران، ويُصنع قسم أيضاً في حمص أو البقاع اللبناني، إضافةً إلى الاعتماد على مزارع الحشيش الكبيرة الممتدة على الحدود بين سوريا ولبنان، والتي يحرسها “حزب الله” و”الفرقة الرابعة”.

مكاسب الأسد من المخدرات

تجارة المخدرات في سوريا التي يقودها النظام تحقق له مكاسب عديدة، ومنها إرضاء ميليشيات إيران و”حزب الله”، عبر السماح لهم الاتجار بالمخدرات ضمن مناطق سيطرته وغض الطرف عنهم، إلا أن ممارسات تلك الميليشيات تثير حالةً من الاستياء والغضب لدى الأهالي.

ويرى محمد عرب بأن “النظام يعمد كل فترة للترويج عبر إعلامه، بأنه ألقى القبض على مجموعة من تجار ومتعاطي المخدرات” حيث يقوم بـ “التضحية ببعض أعوانه المتورطين ليكونوا كبش فداء، وفي بعض الأحيان ينشر أخباراً عن القبض على متورطين، لكن سرعان ما يُفرج عنهم تحت الضغوط، أو تكون مجرد تمثيلية عبر تصوير عدة أشخاص على أنهم تجار مخدرات تم القبض عنهم، بينما هم في الواقع أشخاص تم جلبهم لتصويرهم فقط”. 

كل ذلك ليتمكن النظام من التغطية على أفعاله وتخفيف الاحتقان الشعبي ضده.

أفاد ناشطون وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي في التاسع عشر من تشرين الثاني الماضي، أن النظام أفرج عن عناصر من “الفرقة الرابعة” وميليشيا “الدفاع الوطني” من أبناء مدينتي الضمير والرحيبة، وذلك بعد أسابيع من توقيفهم بتهمة “تجارة المخدرات”.

وأوضح الناشطون أنّ بعض المُفرج عنهم عاودوا نشاطهم في “ترويج المخدرات” بالمنطقة، حيث يبيعون الحشيش والحبوب المهدئة للمراهقين والشباب بالدرجة الأولى، كما سبق أن أفرج نظام الأسد عن مروجي مخدرات يتبعون “للفرقة الرابعة” من أبناء بلدة كناكر بريف دمشق، بعد تدخل ضباط مسؤولون عنهم “دون محاكمة أو عقوبة”.

ويعتمد النظام وميليشياته عدة أساليب لبيع المخدرات في سوريا ، وقال أحد أهالي حي الصاخور بحلب فضّل عدم ذكر اسمه لأسبابٍ أمنية “نفذ بعض عناصر ميليشيا الدفاع الوطني مداهمة على المنطقة التي أقيم فيها، واقتادوا عدداً من الشبان بينهم ابني إلى جهةٍ مجهولة، وبعد ثلاث ساعات تم الإفراج عنهم، وأخبرني ابني أنه تم تخييرهم ما بين الاعتقال مجدداً أو الانتساب لصفوفهم والعمل كمخبرين، ومن يرفض منهم تلك الخيارات عليه شراء بعض المخدرات بمبلغ مئة ألف ليرة” لافتاً إلى أن “المخدرات باتت وسيلةً بيد النظام للانتقام من أهالي حلب الذين ثاروا ضده واستنزاف مقدراتهم وابتزازهم”.

بدوره أفاد المتحدث الرسمي باسم “مجلس القبائل والعشائر السورية” مضر حماد الأسعد أن “العقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام ساهمت في انهيار اقتصاده ما دفعه للاعتماد على بيع المخدرات لتأمين موارد مالية بديلة، وبنفس الوقت لنشر الانحلال الأخلاقي وتفكيك النسيج الاجتماعي، وبالتالي يجعل تركيز أفراد الشعب المدمنين منصباً في كيفية تأمين الحشيش وغيرها من المواد المخدّرة، وينسون الأزمات المعيشية الحقيقية التي يغرقون فيها”.

وأضاف الأسعد لفوكس حلب أن “النظام حرص على توزيع المخدرات على جميع عناصر الجيش والميليشيات التي تتبع له، بغية إخضاعهم تحت سيطرته واستعبادهم، بحيث يجعلهم يدخلون مرحلة الإدمان، ومن ثم يُهدّدهم حينها بقطع تلك المخدرات عنهم، في حال لم ينفذوا مخططاته، كما أن تركيبة تلك المواد تكسبهم إحساسًا زائفًا بالنشوة والشجاعة وتشجّعهم على ارتكاب المجازر، وهذه السياسة تطبقها إيران على ميليشياتها في حلب”.

سُم يزحف إلى مناطق المعارضة

لم يقتصر انتشار المخدرات في سوريا على مدينة حلب، بل تسللت إلى مناطق بريف حلب، ففي السادس والعشرين من الشهر الماضي أعلنت “قوات الشرطة والأمن العام الوطني” في مدينة إعزاز، عن إلقاء القبض على مروجي مواد مخدّرة في المدينة، ومصادرة ما كان بحوزتهم مِن الحشيش وحبوب الـ “كبتاغون” ومادة مخدّرة تسمّى “أتش بوز”.

كذلك أعلنت القوى الأمنية في مدينة الباب في السادس من تشرين الثاني الماضي، إلقاء القبض على خمسة أشخاص مِن تجّار ومروجي المخدرات في المدينة، وفي أواخر عام 2017، اعتقلت “شرطة اعزاز” 33 تاجراً ومروجاً، مقدّرة الكميات المضبوطة حينها بأكثر مِن 3500 حبّة مخدّرة مِن مختلف الأنواع، كما أتلفت العديد مِن مزارع “الحشيش” في المنطقة.

وقال مضر الأسعد “هناك خلايا نائمة ضمن مناطق المعارضة تتبع للنظام أو الوحدات الكردية (بي كا كا)، يقومون بتعاطي المخدرات وكذلك بيعها للشبان، ويُشترط على تلك الخلايا زرع المفخخات والعبوات الناسفة وتنفيذ الاغتيالات، مقابل الاستمرار في تقديم المخدرات لهم”.

في السياق ذاته قال صيدلاني يعمل في مدينة عفرين فضّل عدم ذكر اسمه إن “الظروف المعيشية والضغوطات النفسية في مناطق المعارضة، سبّبت حالةً من الاكتئاب لدى الكثيرين، ما يدفعهم للاعتماد على شراء بعض المسكنات التي تسبّب الادمان كالمخدرات، ولاسيما السيدافيد، سبيارتكس، اوبرفال، البيوغابلين، فوستان، وكلونوزبام، وهذه الأدوية لا تُعطى إلا بوصفةٍ طبية، لكن بعض الصيادلة يستغلون حاجة المدمن لها ويبيعوها بأسعارٍ مرتفعة بلا وصفة، وأحياناً قد يتعرّض الصيدلاني للضرب أو التهديد مقابل بيع الدواء المخدّر”.

ويذكر أن النظام تحوّل إلى أحد أكبر مصدري المخدرات للعالم، وأعلنت العديد من البلدان ضبط شحنات من المواد المخدّرة قادمةً من سوريا، ولاسيما إيطاليا والأردن ومصر والسعودية واليونان وغيرها، وكان آخرها إحباط خمس محاولات تهريب للمخدرات من مناطق النظام الى مصر والأردن خلال تشرين الثاني الماضي.