عاشت منى تجربة وصفتها بـ “الصعبة” خلال إصابتها بفايروس كورونا، لم تتوقف معاناتها عند آلام المرض فقط، بل إن محاولتها الابتعاد عن أطفالها والتزامها الحجر الصحي كانا امتحاناً قاسياً فشلت به في نهاية الأمر، إذ لم تتمكن من الاستمرار بمنع ابنتها ذات العامين ونصف العام من الاقتراب منها، واستسلمت أمام دموع طفلتها لتضمها بقوة وتعود لحياتها الطبيعية ضمن المنزل.
منى واحدة من عشرات المصابين فشلوا في تطبيق الحجر الصحي بشكل كامل خلال مرضهم، ما قد يؤدي لانتشار الفيروس بشكل أسرع في إدلب.
تقول منى إنها قرأت على صفحات التواصل الاجتماعي أن المرض لا ينتقل للأطفال، وهو ما شجعها على الاقتراب من أطفالها دون أن تتأكد من صحة المعلومة، إذ تنتشر الشائعات في فترات الأزمات وتختلط المعلومة الصحيحة بالمغلوطة.
وقد نشر موقع الجزيرة نت” لدراسة حديثة” نقلتها وكالة الصحافة الفرنسية ونشرت في موقع “ميدركسيف” ما يقول إن العيش مع الأطفال الذين لم يتجاوزا عامهم الحادي عشر لا يرتبط بزيادة خطر الإصابة بفيروس كورونا، فيما يزداد هذا الخطر قليلاً عند العيش مع طفل يتراوح عمره بين 12 و18 عاما “.
تقول “أعرف إن المرض جديد ولا يوجد معلومات دقيقة عنه لكن لابأس بجرعة تفاؤل وإن كانت غير صحيحة”.
أكدت منى أن أطفالها أصيبوا بزكام خفيف ذهب مع تناول الدواء والفيتامينات، وأنها كانت الأكثر تأثراً في المرض من بقية أفراد العائلة بما فيهم زوجها الذي أصيب أيضاً، لكن أعراضه كانت خفيفة جداً والتزم الحجر الصحي مثلها باستثناء خروجه لشراء الحاجات الضرورية مع التزامه بالكمامة.
الخوف على مصدر الرزق يدفع المرضى لإخفاء إصابتهم
تابعت منال وهي مدرسة في أحد مدارس إدلب دوامها بشكل طبيعي ولم تلتزم بإجراءات الحجر الصحي رغم تأكدها من إصابتها بالفايروس، تقول إن قانون التربية يمنع الإجازات المرضية ما سيتركها عرضة للخصم من الراتب في حال غابت عن المدرسة، ففضلت الالتزام بالدوام مع الحفاظ على إجراءات التباعد والوقاية لتحافظ على راتبها الذي لا يتجاوز 120 دولار، تدرك منال أن تصرفها كان خاطئاً لكن ظروف حياتها أجبرتها على ذلك.
أخبرت منال صديقاتها أنها تعاني من زكام عادي وارتدت الكمامة طيلة الدوام لتعلم فيما بعد أن عدداً من المعلمات كن مصابات مثلها وادعين أنه رشح خفيف “كريب” ينتهي بحبة “سيتامول وكاسة ليمون”.
لم يكن حظ “محمد علي “عامل في أحد مطاعم إدلب” أفضل من منال، إذ يمنعه صاحب المطعم من أخذ إجازة، وأي غياب عن المطعم قد يعرضه لخسارة مصدر رزقه، ما أجبره على متابعة عمله داخل المطعم مع التزامه بلبس الكمامة.
بينما أنكر زميله وائل إصابته بالكورونا وأصر أنه زكام شتوي بسبب تقلب الجو المفاجئ، وأنه يتناول الليمون وحبة البركة بشكل دائم لزيادة مناعته.
يبرر صاحب المطعم أمام عماله وبعض الزبائن أن الكورونا لا ينتقل بالطعام حسب ما تم تداوله. بينما تتحدث الدراسات أن الفيروس قد ينتقل عن طريق علب الوجبات في المطاعم.
“ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية “من غير المحتمل أن يصاب الشخص بفيروس كورونا عن طريق الطعام، ومع ذلك، قد تنشر عبوات الطعام العدوى أو عندما يسعل الشخص المصاب أو يعطس على علب الطعام، فليمسها شخص آخر عن طريق الخطأ ثم يلمس عينيه أو فمه، ويصاب بالعدوى”.
سهرة عائلية برفقة كورونا
اجتمعت “نجاة الحلو” وهي عاملة بإحدى منظمات المجتمع المدني في مدينة إدلب، بأخواتها الثلاث بعد إصابتهم جميعاً بالفايروس، ضمن سهرة عائلية رفقة أزواجهم وأولادهم، “للترويح عن أنفسهم “.
تقول نجاة “التزمت الحجر ولكن بما أن أخواتي مصابات فلن يضرنا السهر معاً، وستكون فرصة للحديث عن تجربة كل واحدة مع المرض وتبادل النصائح وأسماء الأدوية الأكثر فعالية حسب تجاربهم الشخصية وختمت حديثها بمثل “اسأل مجرب ولا تسأل حكيم “.
لم تخفِ علينا نجاة أن أطفالها كانوا يذهبون للمدرسة كون الأعراض لم تظهر عليهم، مع أن الدراسات أكدت أن الأطفال هم ناقلين العدوى وإن لم يكونوا مصابين، وأظهرت دراسة طبية حديثة أن الأطفال والشبان الصغار أقل عرضة للإصابة بالأعراض الشديدة لفيروس كورونا المستجد، بسبب استجابتهم المناعية الفريدة للفيروس.
لم تحتمل “سلام محمد” أم لطفلتين في الروضة أن تعزل نفسها عن طفلتيها أكثر من يومين، بعدما وجدت صعوبة بالغة في الالتزام الكامل بإجراءات الوقاية سواء لبس الكمامة أو الجلوس لوحدها في غرفة أو البعد عن ابنتيها الصغار طوال الوقت، لاسيما أنهما بحاجة لرعاية دائمة.
تعتبر سلام نفسها من أكثر الأشخاص حرصاً على الوقاية من الفايروس بسبب وفاة أحد أقاربها بالمرض، وقد التزمت بكافة الإجراءات الصحية أثناء عملها وفي المنزل ومع ذلك تعرضت للإصابة.
ترجع سلام انتقال الفايروس إليها من بناتها الصغار كونهم يذهبون للروضة، ومن الممكن أنهما نقلا العدوى دون أن تصابا، كما أنها ظهرت عليهم أعراض الزكام قبلها فتوقفت عن العمل وحجرت نفسها مع زوجها وبناتها في المنزل إلى حين الشفاء.
عمال التوعية لم يسلموا من المرض
تعمل سارة “اسم مستعار” بفرق جوالة للتوعية من مخاطر كورونا وكيفية الوقاية منه، أخبرتنا أنها أصيبت برشح قوي رافقه ارتفاع بدرجات الحرارة، وأثناء عملها مع صديقاتها في منزل أحد الأهالي أصابتهم نوبة عطاس قوية، وشعروا بالحرج الكبير وهم يعلمون العائلة كيفية الوقاية من الفايروس، لتكتشف بعد إجراء المسحة أنها مصابة بالفايروس ولابد أنها نقلت المرض لكل من خالطها.
شعرت سارة بتأنيب الضمير لكنها تقول إن زكامها المعتاد يكون بهذه القوة فلم تتوقع أن تكون مصابة رغم حرصها الكبير على التعقيم والتنظيف.
صعوبة التزام الناس بالحجر المنزلي وترك أعمالهم ومصادر رزقهم جعل كثيراً منهم يخفي أمر إصابته ويعمل دون توقف، مع غياب كامل لجهات تقدم الدعم والحاجات الأساسية للعائلات التي تصاب وتلتزم بالحجر.
وما يزال الاستهتار بالمرض سيد الموقف في إدلب رغم التحذيرات التي تطلقها وزارة الصحة، ورغم الأخبار التي تتحدث بشكل يومي عن وفيات جديدة.