فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

الصورة من الانترنيت

شروط تعجيزية تعرقل عودة الأهالي الى مخيم اليرموك

هاني العبدالله

أعلن النظام السوري خلال الأيام الماضية، السماح لأهالي مخيم اليرموك جنوب دمشق بالعودة إلى منازلهم بعد سنواتٍ من النزوح والتهجير. لكنه وضع شروطاً مقابل السماح لهم بالعودة، وعقب ذلك سارعت […]

أعلن النظام السوري خلال الأيام الماضية، السماح لأهالي مخيم اليرموك جنوب دمشق بالعودة إلى منازلهم بعد سنواتٍ من النزوح والتهجير. لكنه وضع شروطاً مقابل السماح لهم بالعودة، وعقب ذلك سارعت عوائل إلى تقديم الطلبات للموافقة لهم بالدخول الى بيوتهم، بينما وجدت أغلب العائلات أن تلك الشروط تعجيزية وهدفها الحيلولة دون رجوع السكان الى المخيم.

ووافقت “محافظة دمشق” التابعة للنظام في الخامس من تشرين الأول الحالي، على عودة سكان مخيم اليرموك إلى منازلهم ضمن شروطٍ حددتها مسبقاً، وهي “أن يكون المنزل سليماً، وأن يثبت الشخص ملكيته للعقار، إضافةً إلى وجوب حصول من يريد العودة على موافقة أمنية”.

وادّعى عضو المكتب التنفيذي في المحافظة سمير جزائرلي في تصريحٍ لصحيفة “الوطن” الموالية، أن الشروط التي تم تحديدها تتعلق بالسلامة، مضيفاً أن قرار السماح بعودة السكان أُقرّ بعد اجتماع لـ “اللجنة المكلفة بعودة سكان مخيم اليرموك إلى منازلهم”، والتي قررت التريث في تنفيذ المخطط التنظيمي للمخيم، بعد تلقيها حوالي 2900 اعتراضاً من الأهالي على ذلك المخطط.

وكانت 28 منظمة وتجمعاً قانونياً وسياسياً ومدنياً فلسطينياً وسورياً، أعلنوا رفضَهم واعتراضهم على المخطط التنظيمي لمنطقة مخيم اليرموك، الذي أصدرته “محافظة دمشق”، وأرسلت تلك المنظمات مذكرة إلى المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسون، أكدت فيها أن المخطط التنظيمي الذي أقرّته حكومة الأسد، يُجرّد سكان المخيم من حقوقهم العينية العقارية، كما أنّه يُغيّر ويطمس هوية المخيم.

وقال مسؤول الإعلام في “مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا” فايز أبو عيد: “بعد أن أصرّ النظام على منع الأهالي من العودة الى بيوتهم لعامين، اضطر للرضوخ لضغوطات السكان الكبيرة، الذين اعترضوا على منعهم من الرجوع الى ديارهم، بينما تمت الموافقة لسكان التضامن والحجر الأسود بالعودة”، مشيراً الى أنه “في الحقيقة اعترض الآلاف من الأهالي على المخطط التنظيمي الذي وضعه الأسد ومنعهم من الدخول للمخيم، بينما ادّعى النظام أن الاعتراضات بلغت 2900 فقط، لأنه لو أعلن أن الاعتراضات كانت ثلاثة آلاف فما فوق، فهذا يعني اعترافه بسقوط المخطط التنظيمي وإلغائه، وهو ما لا يريده الأسد”.

60% من المنازل غير صالحة للسكن

وتعتبر الشروط التي وضعها النظام مقابل السماح للأهالي بالعودة إلى مخيم اليرموك” تعجيزية”. هدفها حرمان السكان من العودة ومصادرة ممتلكاتهم بحسب ما وصفها أبو عيد في حديثه لفوكس حلب، فالشرط الأول ينص على أن يكون المنزل صالحاً للسكن كي يُسمح لمالكه بالعودة، وهذا الشرط سيحرم الآلاف من الدخول، لأن أكثر من 60% من منازل مخيم اليرموك غير صالحة للسكن، نتيجة القصف العنيف الذي طال المنطقة”.

وأفادت “مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا”، أن 50 عائلة فلسطينية من أهالي مخيم اليرموك قدمت طلباً للعودة الى المخيم منذ مطلع أيلول الماضي، حيث يقوم الشخص بالتوجه إلى الحاجز المتواجد عند مدخل شارع الثلاثين، وتقديم طلب للسماح له بالعودة، بحيث يكون مرفقاً مع عقد ملكية البيت، وصور عن البطاقة الشخصية، وعدد من الأوراق الإضافية، وبعد نحو شهر من تقديم الطلب يتلقى الشخص اتصالاً من فرع الأمن العسكري بمنطقة العدوي بدمشق، لتسلّم الموافقة الأمنية.

وأوضح فايز أبو عيد أنه “بعد حصول الشخص على موافقة تذهب معه لجنة تابعة لمحافظة دمشق، للتأكد من أن البيت صالح للسكن، وهذا يفتح باباً للابتزاز، فقد تدّعي اللجنة أن البيت غير قابل للسكن، وبالتالي يضطر الشخص لدفع رشوى لأعضاء اللجنة لمنحه وثيقة تؤكد صلاحية بيته للسكن”.

فقدان سند الملكية قد يحرم الآلاف من العودة

كذلك كان الشرط الثاني للدخول للمخيم أكثر تعقيداً من الأول، فحتى لو كان منزل الشخص صالحاً للسكن، قد لا يملك سنداً يُثبت ملكيته له، وهو حال كثير من نازحي مخيم اليرموك الذين خرجوا تحت وطأة القصف دون أن يصطحبوا معهم أي شيء، وبالتالي فقدوا ورقة الملكية، ما سيحرمهم من العودة لمنزلهم.

وقال أبو عساف أحد نازحي مخيم اليرموك: “في عام 2008 قمت بإعمار منزل فوق بيت الأهل دون الحصول على رخصة من البلدية، وبالتالي ليس لديّ سند تمليك (طابو أخضر)، وعقب حملة القصف العنيفة على المخيم في 2012 نزحت مع عائلتي إلى جرمانا، وحين سمعنا الشهر الماضي ببدء السماح للأهالي بالعودة تفاجأت بالشروط الموضوعة، ومن ضمنها وجوب حيازة الشخص الراغب بالعودة على سند ملكية، وبالتالي سأخسر منزلي وسأضطر للإقامة في بيوت الايجار التي كسرت ظهرونا، خاصةً أن أجرة المنزل اليوم في دمشق لاتقل عن 75 ألف ليرة سورية شهرياً”.

وأضاف أبو عساف لفوكس حلب أن “عدداً قليلاً من أهالي المخيم يملكون سند ملكية (طابو أخضر)، بينما باقي السكان كانوا يقيمون في بيوت مخالفات أو إيجار، وهناك من كان يقيم في البيت بموجب وكالة كاتب عدل أو قرار محكمة، أو عقد بيع قطعي، أو من خلال (إذن السكن)، وهو وثيقة كانت الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين، تؤكد من خلالها منح اللاجئ الفلسطيني قطعة أرض تتراوح بين 50 و70 متراً من أجل الإعمار، على أن تبقى ملكية الأرض للدولة، وبالتالي ليس لدى هؤلاء سند تمليك رسمي للمنزل، ما يعني ضياع حقوقهم وعدم قدرتهم على العودة لديارهم”.

واستغل بعض السماسرة المرتبطين بالنظام عدم قدرة الكثير من الأهالي على العودة وقاموا بالاستيلاء على بيوتهم، أو قاموا باقناعهم أن منازلهم ستُهدم بموجب المخطط التنظيمي الجديد، وعرضوا عليهم شرائها بمبالغ زهيدة لا تتناسب مع القيمة الحقيقية لها، وأفاد مسؤول الاعلام فايز أبو عيد، أن “أولئك السماسرة هم سوريون وفلسطينيون ممن يعملون في مجال العقارات والمقاولات ولهم ارتباط ونفوذ مع النظام، وأبرزهم تجار محسوبين على (حركة فلسطين حرة) التي يترأسها ياسر قشلق، وهو رجل أعمال فلسطيني- سوري، قام بتشكيل ميليشيا هدفها السطو والنهب والاعتقال”.

“الموافقة الأمنية” فخ وذريعة

ويعتبر شرط الحصول على موافقة أمنية لمن يريد العودة إلى منزله، الأكثر صعوبة بين الشروط الثلاثة التي وضعها الأسد، وأكد فايز أبو عيد، أن “25 عائلة فقط سُمح لها بالعودة حتى الآن، بينما هناك أكثر من 25 عائلة أخرى مازالت تنتظر الحصول على الموافقة”، لافتاً الى أن “أي عائلة لديها معتقل أو شخص محسوب على المعارضة أو مطلوب أمنياً، لا تحصل على موافقة أمنية، إضافةً الى أن التقديم على طلب الحصول على الموافقة لدى الأمن العسكري، قد يكون كميناً للايقاع بالشبان واعتقالهم وسوقهم للخدمة العسكرية أو الاحتياطية”.

ومنعت الأفرع الأمنية المسؤولة عن أحياء جنوب دمشق، أهالي مخيم اليرموك من العودة إلى منازلهم خلال الأعوام الماضية، بذريعة عدم الانتهاء من ترحيل الأنقاض ووجود متفجرات، وعدم صلاحية منازلهم للسكن بسبب الدمار، بينما حصلت 150 عائلة فقط على موافقة تتيح لها العودة إلى منازلها في المخيم، ليتبيّن أن معظمها عوائل لعناصر من “الأمن العسكري” و”الفرقة الرابعة”، ومقاتلين في ميليشيا “القيادة العامة” و”فتح الانتفاضة”، وغيرها من الفصائل الفلسطينية التي تقاتل إلى جانب النظام.

ويعتبر الواقع المعيشي في مخيم اليرموك سيئاً للغاية، حيث ما تزال الأنقاض منتشرة في كل مكان، وليس هناك أي مقومات للحياة، وقال ناشط اعلامي من أبناء المخيم فضّل عدم ذكر اسمه، إنه “قبل قرار السماح للأهالي بالعودة، كان يتواجد ضمن المخيم حوالي مئتي عائلة بقوا في المخيم رغم المعارك العنيفة، ومن ثم دخلت عوائل محسوبة على ميليشيات موالية للنظام، وهناك عوائل خرجت من المخيم واستأجرت منازلاً في العاصمة، لكنها تريد الآن العودة والسكن في بيتها حتى لو كان مدمراً، فلم يعد لديها القدرة على تأمين أجرة المنزل”.

وصرّح “الأمين العام لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني”، خالد عبد المجيد في لقاء مع وكالة “سبوتنيك” قبل أيام، أنه “يقطن في المخيم الآن حوالي أربعمائة عائلة، معظمها من عائلات كوادر الميليشيات التي كانت تقاتل ضمن المخيم”، زاعماً أن “عودة الأهالي ستكون على مراحل، وستشمل المرحلة الأولى السماح لأصحاب المنازل غير المدمرة والصالحة للسكن، والمنازل التي هي بحاجة لترميم، والذين قد يزيد عددهم عن 100 ألف شخص”.

وسيطرت قوات النظام بشكلٍ كامل على منطقة الحجر الأسود ومخيم اليرموك في أيار 2018، بعد عملية عسكرية وقصف عنيف، طُرد خلالها تنظيم داعش من المخيم غداة اتفاق إجلاءٍ غير رسمي، نُقل بموجبه عناصر التنظيم إلى بادية السويداء، ويعدّ مخيم اليرموك من أكبر المخيمات الفلسطينية في سوريا، ويقع على بعد ثمانية كيلومترات جنوب مركز العاصمة دمشق، وتراوح عدد سكانه قبل اندلاع الثورة ما بين 500-600 ألف نسمة؛ بينهم أكثر من 160 ألف لاجئ فلسطيني.