لا يمكن أن تجلس في مضافة ريان الأحمد في أرمناز دون أن تشدك رائحة القهوة العربية “المرة” التي يحضرها في زاوية الإيوان احتفاء بضيوفه.
الرائحة المنبعثة من محماس البن والأصوات الصادرة عن ضرب “المهباج” تجبرك على التعلق بالمكان ومتابعة التفاصيل كافة.
والقهوة العربية مشروب رسمي في إدلب يحضر في المناسبات العامة والخاصة، في الأفراح والأحزان لا يرد يد “صبيبها” أحد. ولها علاقة وثيقة بتاريخ العرب كمشروب رئيسي، وتدخل مكوناتها في توصيفاتهم وغزلهم وأحاديثهم اليومية. فشعر المرأة بلون القهوة ورائحتها كـ “الهيل”، ومن “كانت تربيته دلّة ستكون حتماً أخلاقه هيل”.
يقول الحاج فيصل الفجر أبو حسين “نازح من جبل شحشبو” إن “معدات القهوة رفيقة النزوح الذي تركنا فيه معظم ما نملكه ولكنا حافظنا على وجودها في مجالسنا. هي جزء من شخصيتنا”.
أبو رحيل “وجيه عشائري من ريف حمص” يقول إنه أوصى أولاده وأقاربه بضرورة اصطحاب أدوات القهوة كأولوية ضمن الأشياء التي سترافقهم في رحلة التهجير، ” عندي منقل ودلال القهوة والمحماس والنجر والصياني النحاسية، هذول أهم شي عندي ولازم نطالعهن معنا”.
رمزية القهوة العربية
ترمز القهوة العربية للكرم والاحتفاء بالضيف، ولا يعتني بها إلا رجل من “الأفذاذ وشيوخ العشائر والوجهاء والأمراء” يقول ريان الحموي من ريف حماة الشرقي: “لم تبعدني حياة النزوح عن دلال القهوة ومحماس البن، ولا يمكن أن أسقي ضيفي من قهوة قديمة ويجب أن أقوم بتحميس القهوة وتجهيزها فور وصوله”.
للقهوة رمزيات عدة وترتبط كل حركة منها بدلالة ومفهوم يعرفه صاحب البيت يقول ممدوح العيسى “وجيه عشائري وشاعر” إن أهم دلالة من دلالات القهوة إنها ترمز للأمان، فمن شرب قهوتك دخل في مأمنك. كما أنها أحد أدوات طلب الحاجة، ويشرح هذه الرمزية بقوله إذا جاء رجل إلى مجلس راعي القهوة وصب له الفنجان ووضعه الضيف أمامه دون أن يشربه، فهي دلالة على أن للضيف حاجة ويجب الاستماع لها، فيقول صاحب البيت “اشرب فنجالك وحاجتك مقضية وأبشر”، عندها يشرب الضيف فجانه ويسمي حاجته وغالباً ما تنقضي.
ترتبط بالقهوة العربية عادات وتقاليد تجذرت بين أبناء القبائل والعشائر، ابتداء بطريقة تقديمها في المجالس إذ يجب أن تبدأ بأول شخص في يمين المجلس “ابدأ باليمين لو أبوزيد عاليسار”، في كناية لتساوي جميع أعضاء المجلس مرتبة عند شرب القهوة. كما لفنجان القهوة المرة عدة أسماء ترتبط بها عادات و دلالات، حيث يعرف الفنجان الأول بفنجان الهيف، ويشربه المضيف ليثبت للضيف أنَّ القهوة ليس بها ما يؤذيه هو دليل على إعطاء الأمان للضيف، و الثاني “فنجان الضيف”، ويشربه الضيف عند قدومه وبعد الترحيب به وهو تعبير عن الكرم والاحتفاء به، والفنجان الثالث يطلق عليه “فنجان الكيف”، ويشربه الضيف للاستمتاع بطعم القهوة، أمَّا الرابع فيطلق عليه “فنجان السيف”، ويرمز إلى أنَّ الضيف سيقف مع مضيفه في حال تعرضه لأي غزو أو خوضه لأي معركة، كما أن كسر فنجان القهوة يعني إكرام الضيف، ولا يمكن لإنسان بعده أن يشرب به، بحسب أبو إبراهيم.
أما عادة هز الفجان فيقال إنها بدأت عند العرب عندما كان أصحاب المجالس وشيوخ العشائر يستعينون بشخص أصم أبكم لتقديم القهوة للضيوف كي لا يستمع إلا أحاديثهم ويفشي أسرارهم، فكان لزاماً عليهم إيجاد حركة دلالية ليفهم “القهوجي” أن الضيف اكتفى من قهوته. وترمز هزة الفنجان لأمرين مختلفين فإن دفع الضيف بيديه التي تحمل الفنجان خارج الجسم قليلاً فهذا يعني أنه يطلب المزيد وإن اكتفى من القهوة فعليه رفع يده للأعلى وهز الفنجان بحركة خفيفة.
كيفية تحضير القهوة العربية
يشرح أبو ابراهيم طريقة تحضير القهوة فيقول: “يؤتى بالبن من السوق أخضراً ومن ثم يوضع بالمحماس “أداة معدنية لتحميس القهوة” ويوضع على النار، مع الاستمرار بتحريك حبات البن حتى يتحول لونها للأشقر، ليتم بعد ذلك تبريدها بواسطة إناء يسمى “المبرادة” وغالباً ما تكون مصنوعة من الخشب. وعندما تبرد توضع في النجر أو المهباش ويتم دقها حتى تصبح حباتها بحجم حبات البرغل وبعدها نضع إناء يحتوي على الماء يسمى الطباخ او المفوارة نضعه على النار حتى تغلي ونضيف عليها البن المطحون ونتركها على النار مع التحريك المناسب حتى تتعقد القهوة ويصبح لونها مثل دبس الرمان، بعد ذلك تتم تصفيتها وتنقل من الطباخ للدلة ليضاف لها حب الهال المطحون وتغلى مع الهال على النار، وبعدها يتم تقديمها للضيوف.
للقهوة أنواع عديدة إلا أن أجودها البن السيلاني والحبشي واليمني وبعدها الهندي والكولومبي وبعدها البرازيلي، ويبلغ سعر كيلو غرام البن الكولمبي في إدلب نحو ستة دولار، ويكفي لتحضير سبعة ليترات من القهوة.