فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

تقطيع قالب الثلج وبيعه في إدلب

المياه الساخنة تحرق جوف سوريين و قالب الثلج ينهب جيوبهم

محمد جميل

يتحكم بالأسعار، بحسب السليمان، معامل تسيطر على صناعة قوالب الثلج، إذ تطرح كميات كبيرة في الأسواق بأسعار منافسة حين تريد تخفيض السعر، في حين تقنن بإنتاجها حين تريد ما يؤدي لارتفاع الأسعار، ولا تملك المعامل الصغيرة سوى أن تجاري الأسعار لأنها لا تستطيع المنافسة وتجنباً للخسارة. ويقدر السليمان إنتاج المعامل الكبيرة بنحو ثلاثة آلاف قالب ثلج يومياً.

تبحث والدة أيمن عن قالب الثلج لتضعه على يدي طفلها (خمسة عشر عاماً) اللتين احترقتا بعد وضعهما على خزان المياه فوق سطح منزلهم، دون جدوى، بينما يستمر الطفل بالصراخ من حرارة المياه التي تسكبه فوقهما والتي تزيد من ألمه.

تعيش والدة أيمن في منزل مستأجر ضمن قرية صغيرة بريف إدلب الشمالي. المنزل المعتم يتوسطه مروحة صغيرة تعمل على لوح الطاقة الشمسية الوحيد الذي تملكه، وترسل هواء ساخناً مع موجة الحر التي تشهدها محافظة إدلب منذ أيام.

تقول إنها لا تملك القدرة المادية لإضافة ألواح جديدة لتشغيل الثلاجة، وإن سعر قالب الثلج قد تضاعف ما يحول دون قدرة عائلات كثيرة على شرائه، ما اضطرهم لتجنب شرب المياه التي وصفتها بأنها “تحرق جوفهم بدلاً من ري ظمئهم”.

وفي كل عام، مع دخول أشهر القيظ وارتفاع الحرارة، يجد سوريون أنفسهم أمام خيارين: الاستغناء عن المياه الباردة أو دفع مبالغ إضافية لا يستطيعون تأمينها، وذلك لتزامنها مع تضاعف في أسعار قوالب الثلج وتفاوتها بين مكان وآخر، وسط اتهامات متبادلة بين التجار وأصحاب المعامل حول أسباب هذا الارتفاع.

قالب البوظ يذيب ثلث راتب عامل مياومة في إدلب

يستنزف الحصول على مياه باردة ثلث ما يتقاضاه عامل مياومة في إدلب، وأكثر من نصف راتب موظف حكومي، وعلى الرغم من تحول عدد من أصحاب رؤوس الأموال لإنشاء معامل للثلج في المحافظة وزيادة أعدادها، إذ يوجد فيها سبعة وعشرون معملاً، إلا أن أسعارها ترتفع في كل عام، دون وجود قوانين تضبط هذه الأسعار أو رقابة عليها.

قوالب ثلج للبيع في إدلب
قوالب ثلج للبيع في إدلب

وتنتج هذه المعامل قوالب الثلج بقياسين (٦٠ و ٩٠ سنتيمتراً)، والأخير هو الأكثر انتشاراً، ووصل سعره مؤخراً بحسب سكان في معرتمصرين إلى خمس عشرة ليرة تركية (نحو دولارين)، في حين كان يباع سابقاَ بنحو عشر ليرات.

لا يشتري الأهالي قالباً كاملاً، بل يقوم بائعو الثلج، وأغلبهم يملكون بسطات خشبية تغطيها أكياس من الخيش لحماية الثلج من الذوبان أو في حافلات تتنقل بين القرى والبلدات، بتقسيمه إلى قطع صغيرة متفاوتة الحجم، تباع أصغرها بليرتين تركيتين، ما يعني أن الحصول على مياه باردة يكلف العائلة الصغيرة نحو أربعة ليرات يومياً.

المعامل الكبيرة تتحكم بالسعر

يخبرنا عبدو سليمان وهو بائع ثلج في زردنا بريف إدلب إنه عاد “خالي الوفاض” إلى بلدته بعد رفض صاحب معمل الثلج الذي يتعامل معه إعطاءه حصته المعتادة، يقول إن صاحب المعمل تذرع بـ “عطل في المعمل”، إلا أنه يؤكد عدم صحة ذلك، وإنهم يرفضون البيع بالأسعار القديمة التي تم الاتفاق عليها، ويقومون ببيعها بالأسعار الجديدة التي تزامنت مع زيادة الطلب.

ويضيف سليمان إن صاحب المعمل طلب منه إخباره بربحه اليومي من بيع الثلج ليقوم بتعويضه، وهو ما يدل على أن الربح في الأسعار الجديدة يزيد عن ربح المعمل والبائع، ويدفعه المواطنون من جيوبهم.

ويتحكم بالأسعار، بحسب السليمان، معامل تسيطر على صناعة قوالب الثلج، إذ تطرح كميات كبيرة في الأسواق بأسعار منافسة حين تريد تخفيض السعر، في حين تقنن بإنتاجها حين تريد ما يؤدي لارتفاع الأسعار، ولا تملك المعامل الصغيرة سوى أن تجاري الأسعار لأنها لا تستطيع المنافسة وتجنباً للخسارة. ويقدر السليمان إنتاج المعامل الكبيرة بنحو ثلاثة آلاف قالب ثلج يومياً.

دون رقابة
ليس هناك لوائح سعرية لقوالب الثلج في إدلب، وتغيب الرقابة التموينية عن الأسواق التي يعتمد تجارها على سياسة العرض والطلب بالبيع، واستغلال الأزمات والنقص في منتجات معينة لرفع سعرها، بحسب ناشطين.

اتهامات متبادلة

يتبادل أصحاب المعامل وتجار الثلج الاتهامات حول المتسبب بارتفاع الأسعار، يقول سليمان وهو “تاجر ثلج” إن المعامل هي المسؤولة عن تضاعف الأسعار، ويعلل ذلك بأن كلفة صناعة قالب الثلج لم تتغير، وإنه كان قبل أيام قليلة يحصل على قالب الثلج بسبع ليرات تركية، ويقوم ببيعه للمواطنين بعد حساب كلفة النقل وثمن الأكياس وربحه الذي يتقاضاه بنحو عشر ليرات تركية، فما الذي حصل لتزيد هذه الأسعار فجآة!

قوالب ثلج للبيع في إدلب
قوالب ثلج للبيع في إدلب

يرفض خالد الحسن (صاحب معمل ثلج بريف إدلب) أن يكون ما يحدث استغلالاً من أصحاب المعامل، ويقول إن كلفة إنتاج قالب الثلج تبلغ نحو خمسة وسبعين سنتاً من الدولار (نحو ست ليرات تركية بحسب سعر الصرف الجديد)، بما فيها هامش الربح الذي قدره بخمس سنتات فقط.

ويضيف الحسن إن الأسعار القديمة كانت منخفضة نتيجة ما أسماه “المضاربة” ويعني التنافس بين المعامل، وذلك لأن المعمل يحتاج ليوم كامل من التشغيل للحصول على درجة الحرارة المطلوبة لإنتاج قالب البوظ، وهو ما يدفع أصحاب هذه المعامل لبيع ما لديهم من إنتاج يومياً، كيفما اتفق، تجنباً لتوقفه والذي سيسبب خسارة كبيرة لحاجته ليوم آخر من التشغيل والتكاليف.

ويرى الحسن أن سعر قالب الثلج يجب أن يترواح بين خمسة وثمانين سنتاً إلى دولار واحد ليحقق ربحاً لأصحاب المعامل والعاملين فيه.

يفند تجار كلام الحسن ويقولون إن سعر الصرف الحالي، رغم تراجع الليرة التركية أما الدولار، يعادل (7،35 ليرة للدولار الواحد)، ما يعني أن أصحاب المعامل يتقاضون ما يتمنونه و “زيادة” لو أبقوا أسعارهم كما السابق (سبع ليرات لقالب البوظ الواحد)، وبالارتفاع الحالي فإنهم يتقاضون نحو (دولار ونصف الدولار) ما يعني أن ربحهم، إن افترضنا التكلفة التي وضعها الحسن، يشكل مئة بالمئة من الكلفة.

ارتفاع الحرارة يخفض إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية

يقول عمال وتجار يعملون في بيع قوالب الثلج إن موجات الحر تتسبب بانخفاض “ملحوظ” في إنتاج المعامل، وهو ما يفسر ارتفاعها السنوي خلال أشهر القيظ.

ويعتمد سكان إدلب على الطاقة الشمسية في تشغيل أجهزة التبريد، وتنخفض إنتاجية الطاقة الشمسية مع ارتفاع درجات الحرارة، ويفسر حسن يسوف “تاجر ألواح شمسية” هذا الأمر بقوله إن هذه الألواح تعتمد على الأشعة الصادرة عن الشمس ولا تعتمد على حرارتها التي تلعب دوراً سلبياً في حال ارتفعت عن الحد الطبيعي، لأن تلك الحرارة ستساهم في تمدد المعدن الموجود ضمن الألواح مايؤدي لانخفاض ناقليته للتيار الكهربائي.

بائع ثلج في إدلب
بائع ثلج في إدلب

بدأت معامل الثلج بالانتشار في إدلب بشكل ملحوظ خلال الأعوام 2013 – 2014 وتحوي المحافظة اليوم نحو سبعة وعشرين معملاً تتفاوت طاقتها الإنتاجية ما بين أربعمئة لوح للمعمل الواحد إلى ألفي لوح بحسب حجمه، وتتوزع تلك المعامل في كل من سرمدا والدانا وإدلب وقاح والجينة وأريحا ومجدليا وجسر الشغور.