فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

طفلان يملآن مياهاً تبدو غير صالحة للشرب في الحسكة-صفحة سوريون على تويتر

في الحسكة.. المياه والكهرباء ورقتا ضغط والمواطن يدفع الثمن

فريق التحرير

ينتظر نحو مليون شخص، إضافة لآلاف النازحين في مخيمات محافظة الحسكة، تحت سيطرة الإدارة الذاتية “قسد” حلاً لمشكلة المياه التي غابت عن منازلهم منذ نحو خمسة وعشرين يوماً. وتتداول المواقع […]

ينتظر نحو مليون شخص، إضافة لآلاف النازحين في مخيمات محافظة الحسكة، تحت سيطرة الإدارة الذاتية “قسد” حلاً لمشكلة المياه التي غابت عن منازلهم منذ نحو خمسة وعشرين يوماً.

وتتداول المواقع الإخبارية ووسائل التواصل الاجتماعي أخباراً تفيد بعودة جزئية للمياه في المحافظة، إلا أن من تواصلنا معهم من سكان الحسكة أكدوا أن لا مياه وصلت إليهم منذ انقطاعها.

المياه والكهرباء ورقتا ضغط يدفع ثمنهما المواطن

ليست المرة الأولى التي تقطع فيها المياه عن محافظة الحسكة من محطة الضخ الوحيدة “علوك” الواقعة في بلدة رأس العين بريف الحسكة الغربي، إلا أن فترة الانقطاع الأخيرة كانت الأطول والأكثر تأثيراً على السكان، خاصة في ظل انتشار وباء كورونا في المنطقة.

ويتبادل كل من قوات الجيش الوطني التابعة لتركيا وقوات سوريا الديمقراطية الاتهامات بالمسؤولية عن انقطاع الخدمتين الأساسيتين للسكان، ففي الوقت الذي تتهم الأخيرة تركيا بقطع المياه عن مليون شخص في المحافظة، يحمل المسؤولون في المحطة قسد مسؤولية هذا الانقطاع بعد مخالفتهم للتعهدات بتزويد المنطقة التي تسيطر عليها قوات الجيش الوطني والتي تعرف بـ “نبع السلام”، بما فيها المحطة بالكهرباء اللازمة للضخ هذه المياه.

وكان ناشطون قد أكدوا إن اتفاقاً بين أطراف النزاع جاء بعد عدة لقاءات منذ أشهر، وقضى بمنح الكهرباء لـ “نبع السلام” مقابل المياه لمحافظة الحسكة.

مسعود ادريس أحد سكان محافظة الحسكة، قال لموقع “فوكس حلب” إن ما يحدث هو “حرب حقيقية” وصف وسائلها بـ “غير الأخلاقية”، فحرمان السكان من المياه يضر بالمدنيين، سواء على الصعيد الصحي أو المعاشي.

ويرى مسعود أن الأهالي عاجزون عن إيجاد حلول بديلة، خاصة مع انتشار وباء كورونا، إذ يمثل توافر المياه والاغتسال بها خط الدفاع الأول لمواجهته.

ويقول الناشط الحقوقي “حسام القس” إنه لا يجب استخدام المدنيين كرهائن، ويجب على جميع الأطراف احترام القوانين الدولية الخاصة بالحروب والنزاعات، مؤكداً أن الحل يكمن في إيجاد إدارة مدنية أو جهة مستقلة تشرف على عمل المحطة، وكذلك إيصال الكهرباء لمناطق سيطرة المعارضة.

مياه الآبار غير صالحة للشرب

ازدادت أعداد الآبار التي تم حفرها في محافظة الحسة خلال الأشهر الأخيرة، إذ تقدر أعدادها بنحو ألف بئر، وتمتاز المنطقة بغناها بالمياه الجوفية، إلا أن معظم مياه هذه الآبار غير صالحة للشرب.

حفر الآبار في الحسكة -إنترنيت
حفر الآبار في الحسكة -إنترنيت

كيفما تلفتت في شوارع المحافظة تجد “الحفارات” حتى على أرصفة الشوارع، بالرغم من فرض الإدارة الذاتية شروطاً للترخيص، تبلغ قيمة الترخيص خمسة عشر ألف ليرة، معظم هذه الآبار سطحية لا يزيد عمقها عن خمسة وعشرين متراً، وغالباً ما تجف نتيجة الانتشار الفوضوي لها، ما يضطر أصحابها لحفر آبار جديدة أو زيادة عمقها، ويبلغ متوسط كلفتها نحو نصف مليون ليرة سورية.

وكانت الإدارة الذاتية قد أعلنت عن حفر نحو خمسين بئراً في منطقة الحمة لتزويد المحافظة بالمياه، إلا أن المياه لم تصل حتى لحظة إعداد التقرير، ويعتبر هذا الحل جزئياً ولا يكفي حاجة السكان.

حلول مكلفة

ومع استمرار انقطاع المياه عن المدينة لجأ الأهالي لشراء مياه الآبار عبر الصهاريج، والتي تبلغ كلفتها للعائلة الواحدة نحو نصف راتب العامل هناك، والذي يقدر بخمسين ألف ليرة سورية شهرياً.

تقول أم عماد التي تعيش في حي المفتي في الحسكة إن الحصول على المياه عبر الصهاريج أمر مرهق، إذ تضطر لملاحقة أصحابها لعدة أيام للحصول على حاجتها من المياه، شأنها شأن باقي المدنيين في المحافظة التي يقدر عدد الصهاريج فيها بنحو مئتين.

إضافة للوعود الكاذبة التي تحصل عليها أم عمار من أصحاب الصهاريج والذي يضطرها للبقاء لأيام دون مياه، على حد قولها، تتفاوت أسعارها أيضاً، تقول إن لكل صهريج سعر مختلف عن الآخر، “الجميع دون رحمة، وكأنهم يبيعوننا ذهباً وليس ماء ملوثاً لا يصلح للشرب”.

وتضيف أم عمار إن مياه هذه الصهاريج تستخدم فقط في الأعمال المنزلية فغالبها ملوث بمياه الصرف الصحي، وهو ما دفع الأهالي للاعتماد على المياه المعدنية التي تحتاج “لثروة” للحصول عليها، بينما يشرب من لا يمتلك النقود من المياه المتوفرة رغم ما يمكن أن تسببه من أضرار على الصحة.

وكانت بعض المنظمات الإنسانية قد قامت بتوزيع المياه لعدد من العائلات أو وضع خزانات كبيرة في الشوارع الرئيسية، إلا أن هذه الحلول قاصرة ولا تلبي حاجة السكان الذين يقفون في أدوار طويلة للحصول على المياه.

تخنق العبرة أم عيسى (من سكان المحافظة) وهي تروي لنا عجزها عن تأمين المياه، واصفة الجميع من مسؤولين ومنظمات بـ “التخاذل” في سبيل إيجاد حل لما قالت إنه “كارثة إنسانية لنحو مليون شخص”.

وتقول أم عيسى إن سعر صهريج المياه يبلغ نحو ثمانية آلاف ليرة سورية، “نحن متعبون ومثقلون بمصاعب الحياة، وليس بإمكاننا تحمل أعباء جديدة”.

البحث عن المياه في الحسكة -إنترنيت
البحث عن المياه في الحسكة -إنترنيت

في حين اختنقت الحاجة “أم عيسى بعبراتها، وهي تحدثنا عن عجزهم أمام هذه الازمة، وعن تخاذل الجميع من مسؤولين ومنظمات عن وجود حل لمثل هذه المعضلة

وتابعت “لدينا أطفال يجب أن نطعمهم، وأولاد في المدارس يحتاجون لميزانية كاملة لدراستهم ودروسهم الخصوصية، إضافة لإيجار المنازل -أدفع أجاره 40 ألف شهرياً- وفاتورة أمبيرات الكهرباء، ومصاريف الطعام والشراب اليومية”.

بين تبادل التهم والمسؤولية عن انقطاع المياه والكهرباء، يترك السكان لقدرهم عطاشاً دون حلول ناجعة، ودون أن يفلح التعاطف وحملات التضامن التي أطلقها سوريون من مختلف الأطراف لتحييد أساسيات الحياة عن النزاعات القائمة، ليبقى المواطن وحده من يدفع الثمن وحيداً في كل مرة.

جلنار عبد الكريم