الغبار وبعض العبوات البلاستيكية الفارغة وعرائش العنب المهملة التي احترقت أوراقها بفعل الشمس، معظم ما تشاهده على أسطح المنازل التي تخلو من التين المجفف الذي كانت تمتلئ به في مثل هذه الأيام من كل عام لتجفيفه وبيعه.
عائلات قليلة وبعض الشبان الذين يجوبون شوارع القرى وأراضيها يعملون على جني المحصول، قلة منهم يسكنون في منازلهم، بينما اختار قسم آخر السكن في القرى التي يعتبرونها أكثر أمناً، بعد وصول قوات النظام إلى تخوم قراهم وكشفها للأراضي الزراعية المجاورة، إضافة لاستهدافها بالقذائف المدفعية.
مواسم ضعيفة هذا العام
يقدر المهندس الزراعي مصطفى القاسم من جبل الزاوية انخفاض الموسم هذا العام إلى الثلث مقارنة بالعام الماضي، ويرجع السبب لسيطرة قوات النظام على أهم أراضي التين في ادلب كجبل شحشبو وكفرنبل ومعرة النعمان، إضافة لنزوح الأهالي ما تسبب بإهمالهم العناية بأراضيهم من حراثة وتقليم ما أدى إلى انتشار الأمراض الفطريّة وزيادة الأمراض الحشريّة نتيجة بقاء العشب في الأرض.
ويرى القاسم أن بقاء شجرة التين بدون تتويب يؤدي إلى نقص في التلقيح ويتسبب بتساقط الثمار قبل وصولها لمرحلة النضج.
ويضيف ” بدأنا نلاحظ يباس أشجار التين بعد القصف، فالشظايا التي تصيب أحد فروع الشجرة قد تؤدي لموتها في حال لم نقم بتقليم تلك الفروع”.
جني المحصول في بيئة خطرة
في حين يواجه مزارعون آخرون صعوبة بتأمين العمال اللازمين لجمع التين نتيجة خوف الناس من العمل في منطقة قد تتعرض للخطر. يقول أبو بلال وهو نازح من قرية بليون بجبل الزاوية إنه ترك خيمته مؤقتاً واستقر في قرية معراته القريبة ريثما يجني محصوله من التين، والذي يصفه بـ “القليل” مقارنة بالأعوام السابقة، يضاف إلى ذلك ارتفاع أجور النقل وندرة عمال المياومة.
ويتنقل مازن العبدو على دراجته النارية في قريته “البارة” باحثاً عن عمال يساعدونه بجمع المحصول، يقول العبدو إيجاد العامل ليس أمراً صعباً فالجميع يرغب بالحصول على فرصة عمل، لكن إقناعه بالذهاب إلى الحقول القريبة من كفرنبل ومنطقة الوادي مستحيلاً، فالأراضي مكشوفة للنظام وقد تتعرض للقصف في حال رصدت قوات النظام أي حركة داخلها.
وتداول ناشطون أول أمس الجمعة صوراً لشابين وطفل قتلوا أثناء قيامهم بجمع موسم التين من أحد المزارع المتاخمة لكفرنبل، في حين لم نتمكن من التحقق من الطريقة التي قتلوا بها، إذ تحدث ناشطون عن استهدافهم من قبل قوات النظام، في حين تحدث آخرون عن انفجار لغم أو قنبلة عنقودية بهم، إذ تنتشر القنابل العنقودية في تلك المنطقة.
القتلى من مدينة كفرنبل ولم يتمكن عناصر الدفاع المدني من سحب جثثهم حتى وقت متأخر من مساء الجمعة، بسبب خطورة المنطقة ورصدها من قبل قوات الأسد.
جمع المواسم وأسعار التين
تبدأ المرحلة الأهم لموسم التين بعد قطافه، إذ يقوم المزارعون بتجفيفه فوق أسطح المنازل وتعريضه لأشعة الشمس حتى يجف، ثم يجمع ويفرز بحسب نوعه وجودته.
تقول فاطمة حاج موسى إن هناك أنواع عديدة من التين في جبل الزاوية، كتين الزهرة “مُشقّق” الذي يباع للمشاغل الخاصة التي تقوم بتعبئته وتعليبه وتصديره، حيث يتراوح سعر الكيلو غرام منه حالياً بين دولارين ونصف الدولار إلى ثلاثة دولار، وهناك صنف آخر يدعي قلادي “مُغمض” يضاف إليه قليل من الماء ويرصّ بحجر دائري مسطح بهدف إخراج الهواء منه، ثم يضم بخيط من النايلون ليصبح على شكل قلادة تضم نحو مئة حبة ثم يعبّأ في أكياس كبيرة وينقل للسوق.
وتضيف فاطمة إن أسطح المنازل تخلو من التين المجفف هذا العام، والذي ينقل إلى مناطق أخرى لتجفيفه وبيعه.
الضمان أحد الحلول
اتجه قسم من أهالي جبل الزاوية إلى تضمين أراضيهم للتخلص من التوتر الذي يرافقهم أيام جمع الموسم، يقول مأمون خلف “ضمّان تين” إن عملية ضمان التين تتم بصيغة توافقية بينه وبين صاحب الأرض، حيث يقوم الضمان بتقدير كميّة المحصول في الأرض وتقدير سعر الكيلو غرام بحسب جودته ونوعيته، ويحسب التكلفة التي قد يدفعها كأجور للعمال والنقل، ثم يعرض النسبة التي يراها مناسبة لأتعابه.
ويضيف الخلف أن عملية الضمان اختلفت كثيرا عن الماضي نتيجة زيادة كلفة النقل وارتفاع أجور عمال المياومة وأجور الحرّاس الليليين والحساسية الأمنيّة لقرى جبل الزاوية كونها خطوط تماس ما رفع نسبة الضمّان لأكثر من النصف.
من جهة أخرى يعمد بعض المزارعين المقيمين في المخيمات لنظام المحاصصة حيث يقوم بتكليف أحد الأقارب أو المعارف بجمع الموسم بعد الاتفاق على صيغة محددة، كثلثين لصاحب الأرض وثلث للموكّل بالعمل، أو تقاسم المحصول مناصفة.
موسم التين فرصة عمل
شكل موسم التين مورداً جيداً لعمال المياومة المقيمين في جبل الزاوية، يقول أشرف “شاب من قرية بليون” إنه يتجه عصر كل يوم للعمل مع أحد الضامنين في جمع التين ويتقاضى نحو ألفين وخمسمئة ليرة سورية كأجرة عن عمل نصف يوم، ويبقى في الأرض بعد انتهاء العمل ليحرس الأرض ضمن خيمة بناها له صاحب العمل وتكفل بمستلزماته من الطعام والشراب.
واتفق أشرف مع صاحب الأرض على مبلغ مئة دولار مقابل الحراسة حتى انتهاء الموسم، كما يصطحب أشرف ابنه حسن “13 سنة” معه للعمل ويتقاضى يومياً ثلاثة آلاف ليرة سورية عن كل يوم عمل، حيث يعتمد المزارعين على الشبان الصغار في علمية القطاف التي لا تحتاج لخبرة كبيرة.
يقول أشرف إن الحراسة الليلة تعرض العاملين فيها للخطر، إذ تنتشر “سرقة التين” بسبب غياب أصحاب الأرض، وخلو القرى من سكانها، ما يدفع الضامنين والأهالي لاستئجار من يقوم بحراسة مواسمهم.
وشجرة التين من أهم الأشجار المثمرة التي يعتمد عليها أهالي إدلب، وتقدّر المساحة المزروعة بأشجار التين في إدلب بـ 3.8 ألف هكتاراً، وعدد الأشجار بنحو 882 ألف شجرة، متوسط إنتاجها 17.5 ألف طن، بحسب المجموعة الإحصائية، ويعتبرها الأهالي قرينة لشجرة الزيتون ، حيث تشكّل مصدر رزق رئيسي للمزارعين لسهولة قطافها ولمردودها المادي الجيد مقارنة بالأشجار الأخرى ، فزراعتها سهلة وتثمر خلال ثلاث سنوات بعد وضعها في الأرض، وتعيش في تربة بعلية ولا تحتاج لعناية كبيرة.
يخبرنا محمّد حبيب وهو نازح في مخيم وادي عباس أنّه يفتقد اليوم لسهرات الصيف على سطح منزله ببلدة ترملا، إذ اعتاد أن يسهر مع عائلته وقد أحاطت بهم ثمار التين من كل جانب، ليتبادلوا الأحاديث اليومية عن العمل والطرائف التي مروا بها وعن تقديراتهم للموسم ومقارنتها بالمواسم السابقة، إلا أن أسطح المنازل تخلو من التين ومن السكان اليوم، ويعلوها الغبار والدمار.