فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

حرس الحدود التركية في واحدة من نقاط تواجدهم

الموت على الحدود.. طفل سوري آخر ينضم لقائمة القتلى

نايف البيوش

رُحّلت جثة الطفل همام ليدفن في سوريا، بينما تعيش والدته قلق ترحيلها وأطفالها أيضاً، لكنها ستعود، في حال تم ترحيلها، دون طفلها الذي لم تشهد دفنه، وبإعاقة في يدها اليسرى، وحق ضائع يجعل من دم السوريين “رخيصاً” في كل مكان يصلون إليه

تتماثل جروح السيدة رندا الصدير (٣٥ عاماً) للشفاء بعد خضوعها لعملية جراحية في أحد مشافي غازي عينتاب التركية، والتي كانت مهددة ببتر ذزاعها إثر إصابتها بطلق ناري أطلقه عليها حرس الحدود خلال ممحاولتها الدخول إلى تركيا عبر ولاية كلس بطريقة غير شرعية، الجرح الذي لن يندمل أو يتماثل للشفاء هو فقدانها لطفلها همام الذي لقي حتفه خلال عملية التهريب بشظايا رصاصة أخرى.

“قتلوا قلبي” تخبرنا رندا وهي تقلب صور صغيرها همام على هاتفها المحمول، يقول من حولها إنها تقضي معظم الوقت في تأمل صوره وخلال مراحل حياته، “هنا كان طفلاً.. هنا كان يلعب.. هذه في بيتنا الذي تركناه في معرة النعمان.. وهنا جثته بعد تشريحها”، لتدخل في نوبة بكاء.

الحرب والبحث عن مكان آمن ولقمة العيش تفرض نفسها في كل مرة كأسباب للهجرة غير الشرعية نحو الأراضي التركية، ويقامر خلالها الأهالي بحياتهم، فالموت يلاحقهم في كل مكان، وغريزة البقاء وكلام المهربين يكملان القصة لتعزيز الرغبة بالوصول، أياً كانت الكلفة، والكلفة في كل مرة آلاف الدولارات، إن كتب لأصحابها النجاة، أو الترحيل من جديد بعد حفلة من الضرب والشتائم، أو الموت وهو الثمن الذي دفعته رندا بفقدان صغيرها، والذي يبدو أنه لم يكفي لبقائها، بعد التهديدات بترحيلها عند إكمال علاجها.

وهمام الصدير طفل في التاسعة من عمره من مواليد ٢٠١١، وهو الصغير في عائلة تضم إخوته الأربعة وأمه ووالده، ولد مع بداية الثورة السورية وعاش النزوح والقصف والخوف، شأنه شأن معظم الأطفال الذين حرمتهم الحرب من الحياة الأمنة والتعليم، بعد أن خسر مدرسته التي كان يحبها، على حد قول والدته، وبيته خلال تهجيرهم القسري من معرة النعمان نهاية كانون الأول ٢٠١٩، إلى مدينة إدلب، حيث عانت الأسرة كغيرها من العائلات، ظروف الفقر والجوع والبحث عن منزل للإيجار.

في السابع عشر من حزيران الماضي فقد همام حياته بطلقة تصفها أمه بـ “الطائشة”، بعد أن قررت الهروب بأولادها نحو الأراضي التركية، تقول إنها أرادت لهم “مستقبلاً أفضل وحياة أكثر استقراراً”، وأن “تنسيهم ما عاشوه من خوف ورعب لازمهم خلال السنوات الماضية، خاصة بعد استهداف طائرة لمنزل العائلة والحالة النفسية السيئة التي رافقتهم بعدها من خسارة المدينة بأكملها وتحولهم إلى نازحين من جديد”.

وبحسب تحقيق استقصائي بعنوان “ضد مجهول: حدود الدم السورية -التركية” والذي نشر في أيار من العام ٢٠١٩، ونقلاً عن المرصد السوري لحقوق الإنسان، فـ “إن خمسة وسبعين طفلاً قتلوا برصاص حرس الحدود التركي منذ العام ٢٠١١”، وما يزال القتل مستمراً وتوثيق الأعداد الجديدة مستمراً هو الأخر، دون أي محاسبة أو قوانين رادعة.

تروي رندا إن طفلها همام قتل داخل الأراضي التركية، بعيداً عن الشريط الحدودي في ولاية كيليس التركية، وخلال ركوبها رفقة أبنائها بسيارة “المهرب” للوصول إلى مركز المدينة، كان الجو معتماً ولم ترى ما حدث، لكنها سمعت صوت رصاص كثيف ونيران “قدحت” في وجوههم، لتلمح طفلها الصغير همام والدماء تنزف منه، تقول إنها أيضاً أصيبت لكن خوفها على ولدها أفقدها الإحساس بالإصابة.

لم يتوقف سائق السيارة الذي كان يقلهم، بل تابع سيره إلى النقطة المتفق عليها، ليتركهم هناك، تقول رندا إنها اتصلت بالإسعاف إلا أنها انتظرت ساعة ونصف الساعة، هي وصغيرها الذي ينزف قبل وصولها، تصمت قليلاً لتكمل “وصلت بعد فوات الأوان”.

نقلت رندا إلى مشفى كيليس بعد إصابة في يدها اليسرى تسبب بقطع في الأوتار والشرايين، تقول إن الزطباء أخبروها بأنهم سيبترون يدها لكنها رفضت، وتم إحالتها إلى مشفى عينتاب بعد إصرارها على ذلك حيث أجرى لها عملية جراحية  “ناجحة” وتخضع الآن للمراقبة.

وتقول رندا أن الحكومة التركية احتجزت أطفالها الآخرين لثلاثة أيام، لم يسمح لهم أو لها بالزيارة، وإن محققين حاولوا الضغط عليها لإخلاء مسؤولية حرس الحدود عن الحادثة، ما دفعها للبحث عن محام سوري لرفع دعوة قضائية على الدورية التي قتلت طفلها وتسببت بإعاقتها، يقول محمد الصدير شقيق همام الأكبر “واجهنا صعوبات عديدة نتيجة التعقيدات الكبيرة التي فرضتها الحكومة التركية، أهمها وضع إخوتي الصغار في ميتم بغازي عينتاب وسط رقابة شديدة، إذ لم يسمحوا لنا برؤيتهم بالإضافة للاحتفاظ بجثة أخي لأربعة أيام وتشريح جثته”.

ويرد في التحقيق السابق الذي أوردنا ذكره نقلاً عن المحامية التركية جانسو أنيلان المختصة بالاستشارات القانونية “أن القانون التركي فيما يخص الحدود السورية يسمح بدخول اللاجئين الهاربين من الحرب، وذلك وفق القانون وتصنيف سوريا على أنها في حالة حرب، فلا يحق لحرس الحدود إطلاق النار على المدنيين الذين يحق لهم دخول البلاد بطريقة غير شرعية، إلا في حال كان المتوجه من الأراضي السورية يشهر سلاحاً بوجه العناصر الأتراك”، إلا أن هذا الحق، يبدو غير مكفولاً نظراً لأعداد القتلى الذين زادوا عن خمسمائة شخص ووثقوا بالأدلة والصور، يصف المركز السوري لحقوق الإنسان ذلك بـ “الجريمة المستمرة”، وينقل التحقيق عن القانوني السوري غزوان قرنفل “أن القضاء التركي يرجح كفة الجيش ويرفض الدعاوى بسبب اللافتات والشاخصات المنتشرة التي تحذر من الاقتراب أو محاولة اختراق الحدود”.

رُحّلت جثة الطفل همام ليدفن في سوريا، بينما تعيش والدته قلق ترحيلها وأطفالها أيضاً، لكنها ستعود، في حال تم ترحيلها، دون طفلها الذي لم تشهد دفنه، وبإعاقة في يدها اليسرى، وحق ضائع يجعل من دم السوريين “رخيصاً” في كل مكان يصلون إليه.