فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

لعبة “الجودو” في إدلب تدافع عن نفسها

منيرة بالوش

وضم نادي دمشق الرياضي نحو مئة لاعب في الفئات العمرية كافة، وأحرز لاعبوه عدة بطولات منذ افتتاحه، ويغطي نفقاته من رسم الاشتراك الذي يبلغ عشرين ليرة تركية لتسديد أجر الصالة وتغطية النفقات الأخرى وتأمين دخل شخصي للمدرب، إلا أن غالبية اللاعبين لا يدفعون ما يترتب عليهم لظروفهم المادية، وهو ما يزيد من معاناة اللعبة، ويقول الخطيب إنه من الواجب تأمين الصالات الرياضية مجاناً للأندية، كذلك رواتب للمدربين ليتمكنوا من التفرغ للتدريب وتطوير اللاعبين

بدلات من الجودو البيضاء بأحزمة متنوعة تمرّ من أمامك يرتديها أطفال بأعمار مختلفة استهوتهم هذه اللعبة، وباتت جزء من نشاطهم الأسبوعي يلعبونها داخل الناديين الوحيدين في إدلب، وتستقطب الأطفال الذين يجدون فيها متنفساً يساعدهم على تفريغ طاقاتهم، وإخراجهم من أجواء الحرب، وتعزز فيهم روح المنافسة، ما يترك أثره الإيجابي على صحتهم النفسية والجسدية.

عدنان بالوش (تسع سنوات) أحد هؤلاء الأطفال الذين التحقوا بهذه اللعبة منذ عامين، يخبرنا بعض الأشياء عن طرق احتساب النقاط في الجودو، وهو يمارس حركاتها أمامنا، يقول إن أعلى نقطة في اللعبة هي “الإيبون” ويتم منحها عندما يتمكن أحد اللاعبين من تثبيت خصمه على الأرض لمدة خمسة وعشرين ثانية، أو عندما يتمكن من رمي خصمه على الأرض بحركة خاطفة وقوية بحيث تكون الرمية على ظهره، ومن يحقق نقطة الإيبون أولاً يربح الجولة، حتى وإن لم ينته وقتها، وتوجد حركات أخرى مثل “وزاري” التي تعادل نصف أبون.
وكانت لعبة الجودو وهي فن قتالي ياباني يعني “الطريقة اللينة” قد تطورت في ثمانينات القرن التاسع عشر، مع القواعد الخاصة التي وضعها “جيغورو كانو” والتي ألغى منها الحركات الخطرة، بحيث باتت تعتمد السيطرة على الخضم وشل حركته بضربات معينة وفق أساليب التربية البدنية الأخلاقية والفكرية.
غياب الدعم المادي أثر على عمل الأندية

في إدلب ناديان لرياضة الجودو (دمشق الرياضي -أمية)، وهي أندية أنشئت بجهود فردية من محبي اللعبة والمدربين، ويقتصر دعم المؤسسات والمنظمات الداعمة لها على رعاية بعض البطولات.  ومنها بطولة الجمهورية الأخيرة التي أقامها اتحاد لعبة الجودو والسامبو والكوراش في السادس عشر من حزيران الماضي، للصغار والناشئين والأشبال في مدينة إدلب، برعاية المديرية العامة للرياضة والشباب بحكومة الإنقاذ، وشارك في البطولة مئة وثلاثين لاعباً من عشر محافظات.

يقول خالد الخطيب وهو مدرب جودو في نادي دمشق الرياضي، نال بطول الجمهورية وحاز على ميداليتين فضيتين في الدورتين العربيتين (١٩٩٧-١٩٩٩)، إن تبني هذه الأندية والمواهب الناشئة ضروري لتقديم صورة مشرقة عن الرياضة السورية في المنطقة التي تعاني من القصف والدمار، وكذلك لاستغلال الطاقات الكامنة عند اللاعبين وإشراكهم في البطولات.

ويرى اللاعب الخطيب الذي تابع مسيرته الرياضية بعد تهجيره من دمشق في العام ٢٠١٦ ضمن النادي الذي أنشأه أن الصعوبات المادية هي أهم ما يواجه الأندية، خاصة مع ارتفاع كلفة إيجار الصالات الرياضية، إذ يدفع نحو ستين دولاراً أجرة للصالة التي يقوم بالتدريب فيها، كذلك أسعار المستلزمات كالبساط الخاص باللعبة والذي يبلغ سعره نحو ألف دولار، بينما يعجز الخطيب ومن معه على تأمين بدلات الجودو لكل المتدربين ودفع بدل الاشتراك للعاجزين عن دفعه.

ويضم نادي دمشق الرياضي نحو مئة لاعب في الفئات العمرية كافة، وأحرز لاعبوه عدة بطولات منذ افتتاحه، ويغطي نفقاته من رسم الاشتراك الذي يبلغ عشرين ليرة تركية (يبلغ رسم الاشتراك في نادي أمية نحو خمسة آلاف ليرة سورية =15 ليرة تركية تقريباً) لتسديد أجر الصالة وتغطية النفقات الأخرى وتأمين دخل شخصي للمدرب، إلا أن غالبية اللاعبين لا يدفعون ما يترتب عليهم لظروفهم المادية، وهو ما يزيد من معاناة اللعبة، ويقول الخطيب إنه من الواجب تأمين الصالات الرياضية مجاناً للأندية، كذلك رواتب للمدربين ليتمكنوا من التفرغ للتدريب وتطوير اللاعبين.

حال نادي دمشق لا يختلف عن نادي أمية الذي يخبرنا مدربه “محمد ديب رضوان بلشة” بآنه يضطر للعمل في مهنة أخرى لتأمين نفقاته اليومية، والبلشة مدرب جودو من مواليد إدلب، نال المركز الثالث ببطولة الجمهورية عام ١٩٩٤، وحصل على المركز الثاني في العام ١٩٩٥.

يقول “بلشة” إن الحرب والقصف والنزوح تسببت بتراجع الألعاب الرياضية بشكل عام، كما أن المنشآت الرياضية تعرضت للقصف والخروج عن العمل، يخبرنا عن عدة حوادث منها سقوط صاروخين خلف الصالة الرياضية، إضافة لتفجير بعد مدة بالقرب من الصالة التي يقوم بالتدريب فيها، ما دفع النادي لإيقاف التدريب لفترة طويلة.

يحرص بلشة والخطيب على الاستمرار بتدريب الأطفال، يقولان إنها تمنحهم الثقة والقوة والقدرة على الدفاع عن النفس، وتزيل عنهم الضغوط النفسية العالقة بسبب ظروف الحرب.
غياب الهيكلية الموحدة يترك أثره على الأندية

لا تتبع أندية الجودو في إدلب لإدارة موحدة، بل يوجد ثلاثة أجسام رياضية في المدينة (اتحاد تابع للمكتب الرياضي لحكومة الإنقاذ، واتحاد تابع للهيئة العامة للرياضة والشباب، واتحاد تابع للجنة الأولمبية). ويقول المدرب “الخطيب” إن غياب الجسم الرياضي الموحد في مناطق المعارضة، أثر بشكل سلبي على الرياضة وخاصة ألعاب القوة، وحال دون تمثيل المنطقة رياضياً أمام الدول الأخرى.
وعن هذه الموضوع يقول رئيس مكتب ألعاب القوى عبد القادر الحجازي: “مؤخراً تم تشكيل الاتحاد الرياضي السوري الحر بإدارة الدكتور “طاهر حميدة “، وهو ما يزال في مراحله الأولى، ولم تتشكل بعد هيكلية كاملة له، باستثناء مكتب اتحاد القوى الذي تشكل منذ خمسة أشهر”.

ويخبرنا الحجازي وهو مدرب وحكم دولي من مدينة دمشق، يعتبر من مؤسسي لعبة الجودو في إدلب بعد انتقاله إليها في العام 1987 بطلب من اتحاد الجودو أنه لا يوجد تراخيص للأندية الرياضية الحالية، وفضل أن يسميها بيوت رياضية لأن الأندية تكون على مستوى كبير وتستوعب كل الرياضات، وهو ما يغيب عن تلك البيوت.
وأكد أنه سيتم ترخيص جميع تلك الصالات واعتمادها بشكل رسمي بحيث يتم النظر في المدرب ومدى خبرته وعلمه في اللعبة وشهادته، إذ يوجد في مدينة إدلب مركزين للتدريب هما “نادي أمية ، ونادي دمشق الرياضي” وكذلك عدة مراكز متفرقة في الدانا وحفسرجة وكللي والأتارب وعفرين وقبل سيطرة النظام على الريف الجنوبي كان هناك عدة مراكز في المعرة و سراقب وخان شيخون.
يخبرنا الحجازي أن الاتحاد الحالي لم يتلق أي دعم مادي من أي جهة، غير أن حكومة الإنقاذ وعدتهم بتبني الرياضة وتحديد ميزانية معينة لذلك، وكل البطولات التي كانت تنظم كانت تدعمها منظمة معينة و لفترة محددة فقط.

أثر الحرب على القطاع الرياضي
تأثر القطاع الرياضي خلال سنوات الثورة، بسبب تدمير عدد كبير من البنى التحتية والمرافق الرياضية كالصالات والملاعب، وكذلك غياب بعض المدربين واللاعبين الرياضيين، بسبب القتل والاعتقال و الهجرة إلى الخارج ما أدى لتراجع واضح في مختلف الألعاب الرياضية.
ولم تخلُ سنوات الثورة من محاولات وتجارب لإنشاء اتحادات رياضية تضم مختلف الألعاب يقول الحجازي : ” إنه منذ بداية الثورة بدأت تتشكل نواة الاتحاد الرياضي الحر وتم تشكيل اتحادات لألعاب القوة على رأسها اتحاد الجودو الذي تأسس 2012″، غير أن التدريب حينها كان على مستوى ضيق.
وفي 2015 بعد تحرير محافظة إدلب تشكل “الاتحاد الرياضي السوري الحر”، وبدأت بعض الألعاب تتقدم، وتشكلت الهيئة السورية للرياضة والشباب في مدنية إدلب بالداخل السوري، وبعدها انتقل مقرها إلى تركيا. ليطلق عدداً من البطولات والمسابقات والمهرجانات الرياضية في مختلف المناطق السورية آنذاك كالغوطة والوعر وحلب وإدلب. وفي عام 2017 أعاد الاتحاد هيكلة مكاتبه ولجانه للعمل بشكل أكبر وأقوى وعادت المراكز التدريبية إلى مزاولة نشاطها من خلال دورات الصقل وإعداد مدربين ولاعبين جدد.
ينهي عدنان تدريبه ويربط حزامه جيداً ليعود إلى منزله بعد ساعتين من التدريب قضاها رفقة مدربه ورفاقه غير مكترثين بوجود اتحاد من عدمه، فالمهم أنهم يمارسون اللعبة على أرض الواقع ويتنافسون فيما بينهم ويطورون خبراتهم القتالية في اللعبة التي يحبونها.