فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

الصورة تعبيرية -إنترنيت

الدعم النفسي بين الأهمية وعدم الجدوى

سلام زيدان

تشير منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) إلى أن أربعة ملايين طفل سوري نشؤوا وهم لا يعرفون إلا العنف، ما أدى لتفاقم المشكلات النفسية والجسدية التي يعانون منها، وقالت منظمة الصحة العالمية في إحصائية لها لعام 2018 إن سورياً واحداً من بين ثلاثين يعاني من حالة صحية نفسية صعبة، في حين يعاني شخص من بين كل عشرة أشخاص من أزمة نفسية تتراوح بين الخفيفة والمعتدلة نتيجة التعرض طويل الأمد للعنف

تشير منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) إلى أن أربعة ملايين طفل سوري نشؤوا وهم لا يعرفون إلا العنف، ما أدى لتفاقم المشكلات النفسية والجسدية التي يعانون منها، وقالت منظمة الصحة العالمية في إحصائية لها لعام 2018 إن سورياً واحداً من بين ثلاثين يعاني من حالة صحية نفسية صعبة، في حين يعاني شخص من بين كل عشرة أشخاص من أزمة نفسية تتراوح بين الخفيفة والمعتدلة نتيجة التعرض طويل الأمد للعنف .

لذا تعمل غالبية المنظمات المتواجدة في مناطق المعارضة على تنفيذ مشاريع خاصة بالدعم النفسي وتعزيز الصحة النفسية والوقاية من الاضطرابات، وتدعيم نظم المعلومات في ظل الصراع وذلك بعد موجات النزوح والتهجير التي طالت تلك المناطق وما خلفته الحرب من مآسي.
تتباين آراء الناس حول جدوى تلك المشاريع وما تقدمه من خدمات في ظل ظروف الحرب، فهناك من يرى أن الأموال  المخصصة لهذه المشاريع تذهب في غير طريقها الصحيح، وأن تقديم الاحتياجات الأساسية كالغذاء والمأوى والصحة و النظافة أهم من الدعم النفسي، إضافة إلى قلة كفاءة وخبرة الأشخاص العاملين في هذا المجال، في حين يرى آخرون أن أهمية مشاريع الدعم النفسي لا تقل عن غيرها نتيجة الخدمات الكبيرة التي تقدمها للمتضررين من آثار الحرب والتهجير.

ويعرف الدعم النفسي بأنه سلسلة متصلة من الدعم والرعاية التي تؤثر على الفرد والبيئة الاجتماعية التي يعيش فيها الأفراد، وتمتد هذه السلسلة من أفراد الأسرة ومقدمي الرعاية والأصدقاء والجيران والمدرسين إلى العاملين في مجال الصحة وأعضاء المجتمع ضمن علاقات رعاية يومية مستمرة.

أهمية الدعم النفسي في زمن الحرب
تقول عبير الحامد “مستفيدة من مشاريع الدعم النفسي” إنها دخلت بحالة نفسية صعبة بعد النزوح والإقامة في خيمة دون أي مدخول مادي، وتفاقمت مشاكلها مع زوجها وأهله، ما دفعها للجوء إلى أحد مراكز الدعم النفسي، حيث حضرت عدة جلسات توعية لتعزيز معلوماتها في كيفية التعامل مع الطفل والأسرة والتخلص من الضغوط اليومية، وترى الحامد أن مثل هذه المشاريع كانت منقذاً لها ولمثيلاتها ممن يعانين من ضغوط النزوح والأحوال المادية، إذ تعلمن كيفية التعامل مع الظروف والتعافي من الأزمات.

تلقت الحامد تدريباً في مهنة الخياطة لمدة شهرين، عبر أحد مشاريع سبل العيش، تعلمت خلاله مهنة الخياطة التي تساعدها اليوم في تقديم مورد مادي لعائلتها من خلال مزاولتها لهذا العمل في المخيم، حيث قدم لها المركز مجموعة من الأقمشة وأدوات الخياطة لمساعدتها في الانطلاق بمهنتها.

بدورها تقول ياسمين حمدي “مديرة حالة”  ثمة من يرى بأن مشاريع الدعم النفسي والصحة النفسية ليست بالمستوى المطلوب لافتقار الكوادر المؤهلة للشهادات العملية، وأن الدعم المقدم لهذه المشاريع من الجهات المانحة أكبر بكثير من المشاريع الأخرى مثل المشاريع الغذائية والتعليمية، في حين لا يعتبر الدعم النفسي أولوية اليوم ولا يحقق الفائدة المرجوة مقارنة بغيره من الخدمات، إلا أن الحمدي تراها  خدمة لا تقل أهمية عن باقي الخدمات، وأيدت رأيها بدراسة أعدتها جمعية “أنقذوا الطفولة” والتي مقرها بريطانيا، وذكرت بأن أكثر من 70% من الأطفال السوريين الذين تم إجراء مقابلات معهم من قبل الخبراء يعانون من أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، مثل التبول اللاإرادي، وأشارت الدراسة إلى أن فقدان القدرة على النطق والعدوانية والخوف من الأصوات المرتفعة من الظواهر الشائعة بين هؤلاء الأطفال، ما يعكس أهمية مشاريع الدعم النفسي وحاجة المجتمع إليها.

وتقول أحلام الرشيد “منسقة مشاريع الحماية في منظمة الرؤية العالمية” لا يمكن القول بإن هذه المشاريع ليست ذات جدوى فالخدمات التي قدمتها خلال سنوات الحرب واضحة للجميع، وترى بأن أي فرد في المجتمع قد يكون عرضة لاضطراب ما بعد الصدمة، حيث يعاني المصاب فيها من اكتئاب أو عزلة بسبب الضغوطات النفسية الاجتماعية والاقتصادية.

وأكدت “الرشيد” أن وجود هذه المراكز خفف من تلك المعاناة وذلك من خلال تقديمها لمشاريع تدعم الأشخاص المتضررين كأنشطة الدعم النفسي وإدارة الحالة والتوعية والتعليم المسرع والصحة النفسية، ولولا تواجد هذه الخدمات لكان الوضع أسوأ مما هو عليه، لأن ظروف التهجير والنزوح باعدت بين الأهل والأصدقاء، فوجود هذه المراكز عوض بعض النقص ورأب الصدع، وخاصة لدى فئات الأطفال والنساء والتي تعرف بـ” الفئة الأكثر هشاشة” والتي واجهت صعوبة بالتكيف مع الواقع الجديد، لذا تعمل المنظمات المهتمة وعلى رأسها منظمة الصحة العالمية على تقديم مشاريع الدعم النفسي الاجتماعي في برامج خاصة من قبل المنظمات الدولية والتي تطبق المعايير العالمية، حسب إمكاناتها، وتقوم بتأهيل الكوادر عن طريق جملة من التدريبات الملائمة على اعتبار أن الاختصاص النفسي وشهادات الإرشاد قليلة، مقارنة باتساع المشاريع وحاجة الناس لها.
وفي جواب الرشيد حول نظرة المجتمع السلبية لهذه المشاريع والانتقاص من أهميتها تقول “لا يمكن الحكم على هذه المشاريع من طرف واحد من المجتمع، فغالبية من التقيناهم خلال سنوات العمل التسع يناصرون هذه المشاريع، ويظهر ذلك من خلال تفاعل الأشخاص مع النشاطات والبرامج المتكررة، كما لا يمكن إهمال الدور الكبير الذي تلعبه هذه البرامج في تأمين عشرات فرص العمل. ناهيك عن حاجة الناس للمشاريع التنموية المرتبطة بها مثل “سبل العيش” وأشارت في حديثها لتطور هذه المشاريع بشكل مستمر من ناحية الصحة النفسية ومشاريع الحماية، التي تعتبر العمود الفقري لجميع القطاعات، وذلك من خلال تأهيل الطرق والمأوى والقطاعات الصحية، وهذا يدل على فائدة المشاريع ونجاحاتها كونها عملت على الحد من العنف القائم على النوع الاجتماعي، وتوعية الناس من أمور خطيرة قد تكون أكثر ضرراً كالزواج المبكر والزواج القسري وعمالة الأطفال والعنف المنزلي.

الدعم النفسي يجب ألا يكون أولوية لدى المنظمات

ترى الطبيبة النسائية أميمة حامد “وهي مطلعة على مجال الدعم النفسي” بأن خدمات الغذاء والمأوى والصحة والنظافة أكثر أهمية من الدعم النفسي، ومن المفترض منحها الأولوية مقارنة بغيرها من المشاريع، وتقول الحامد إن العاملين في مجال الدعم النفسي لا يملكون الخبرة الأكاديمية والكفاءة العلمية التي تؤهلهم لمثل هذه الأنشطة والتي قد تتسبب للطفل الناجي أو غيره بمزيد من الأذى بسلوك خاطئ أو غير مقصود.

في حين قال المدير الطبي لإحدى المراكز الصحية والذي رفض ذكر اسمه “إن المبالغ التي تصرف على مشاريع الدعم والصحة النفسية كفيلة بتحسين المشافي ومراكز الرعاية والعيادات المتنقلة بدرجات عالية، ولكن لا أعلم على أي أساس تم وضع الأولويات في المشاريع وتنصيب مشاريع الحماية في البداية، في الوقت الذي تفتقر عشرات العوائل السورية لثمن رغيف الخبز. ويرى بأنه من الأجدى تأمين كفاية الناس من الغذاء والخدمات الصحية والتعليم” .

وأضاف “المدير” بأنه ينبغي مراجعة الوسائل والآليات والتقنيات المستخدمة في مثل هذه المشاريع، منعاً للتسبب بمزيد من الأذيات للسوريين من باب عدم المعرفة وقلة الخبرة.

من جانبها قالت فاطمة زيدان “العاملة في مجال الدعم النفسي ومراكز الحماية لمدة أربع سنوات” إن٨٠%  من الأشخاص الذين التقت بهم في مشاريع الدعم النفسي لا تعنيهم المعلومات المقدمة بقدر ما تعنيهم الاستفادة المادية في حال كانت هذه الجلسات مأجورة، وأما النسبة الباقية المتمثلة بـ ٢٠% من الممكن أن يكون تفاعلهم وقدومهم من أجل تلقي الدعم النفسي حقاً.

كما أضافت أن غالبية القادمين والقادمات لحضور هذه الجلسات يسألون عن المقابل المادي بحجة بدل المواصلات، ومنهم من يتكلم بوضوح إنهم لايحتاجون لهذه الجلسات بقدر حاجتهم للغذاء والكساء والمأوى.

يؤكد غالبية من التقيناهم أن حاجة الناس للمأوى والتعليم أكبر من حاجتهم للدعم النفسي، إذ ينبغي أن تتوجه مصادر الدعم نحو قطاع التعليم الذي يفتقر لكثير من وسائل الدعم هذه الفترة، ناهيك عن ضرورة دعم المخيمات العشوائية التي يعيش سكانها في ظروف إنسانية صعبة.