فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

الصورة من الإنترنيت

الطرفة والانتقاد الساخر.. زادُ سكان كفرنبل في مواجهة كل شيء

حسن كنهر الحسين

رافقت الروح المرحة سكان كفرنبل دائماً، من خلال اجتماعاتهم وزياراتهم، وحتى في البرامج الساخرة التي قدموها عبر الراديو التي أنشؤوها في المدينة (فريش)، ومع نزوح السكان نتيجة سيطرة قوات الأسد منذ أشهر، وتفرقهم في مختلف المناطق، وجدوا في وسائل التواصل الاجتماعي متنفساً لتفريغ ما يعتمل في صدورهم من قهر وانتقاد عبر “منشورات على الفيس بوك”، تمزج بين المتعة والسخرية والإسقاط على الواقع، لتشكل معاً لوحة متناغمة.

سرعة البديهة وخفة الدم أسرع الطرق للوصول إلى قلوب الناس، ولا يمكن أن يتعلمها الإنسان بالممارسة، هي حالة فطرية مكتسبة يتمايز بها أشخاص محددون، وفي بعض الأحيان بلدات أو مدن معينة، في سوريا تعد كفرنبل بريف إدلب أكثر المدن الذي يشتهر سكانها بالطرافة، وهو ما دفع السكان لتسميتها بـ “حمص الصغرى”، في إشارة للمحافظة التي يتربع سكانها على عرش “النكتة” والابتسامة.

التزم كثير من سكان كفرنبل بخلق الابتسامة في الظروف كافة، الحزن والفرح، الانتصار والهزيمة، النزوح والألم، ومع انطلاقة الثورة السورية رسموا لأنفسهم خطاً واضحاً يعرفه معظم جمهور الثورة، ويتناقلونه بينهم، بل وينتظرونه في كل مظاهرة، من خلال اللافتات واللوحات الكاريكاتورية والعبارات التي مزجت بين السخرية والواقع في التعبير عن المطالب والاحتجاج، وكذلك المواقف من قضية أو حادثة. يقول أحمد جلل أحد خطاطي تلك اللوحات وصاحب الرسوم الكاريكاتيرية إن طابع الفكاهة الذي وسم رسومه الكاريكاتورية كان أفضل وسيلة لطرح الأفكار والتعليق على الأحداث التي اتخذت طابعاً مأساوياً في غالب الأحيان، فالأسلوب الساخر، على حد قوله، يفسح المجال بشكل أوسع وبحرية أكبر للتعبير عن ما تريد قوله، إضافة لانتشاره الأسرع بين السكان وعبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وهو ما تراه الدكتورة شيماء الهواري، والتي تقول إن السخرية تقف على رأس الأساليب الفنية الصعبة، إذ تتطلب التلاعب بمقاييس الأشياء تضخيماً أو تصغيراً، ويتم هذا التلاعب ضمن معايير فنية، وهي تقديم النقد اللاذع في جو من الفكاهة والإمتاع. الأمر الذي لم يعجب النظام وبعض الفصائل، بحسب الجلل الذي قال إن هذا الأسلوب جزء أصيل في طبيعة سكان مدينته الذين يتمتعون بالبساطة والمباشرة، وهو ما جعل أصحاب هذه الأسلوب عرضة للاعتقال أو التهديد والملاحقة.

رافقت الروح المرحة سكان كفرنبل دائماً، من خلال اجتماعاتهم وزياراتهم، وحتى في البرامج الساخرة التي قدموها عبر الراديو التي أنشؤوها في المدينة (فريش)، ومع نزوح السكان نتيجة سيطرة قوات الأسد منذ أشهر، وتفرقهم في مختلف المناطق، وجدوا في وسائل التواصل الاجتماعي متنفساً لتفريغ ما يعتمل في صدورهم من قهر وانتقاد عبر “منشورات على الفيس بوك”، تمزج بين المتعة والسخرية والإسقاط على الواقع، لتشكل معاً لوحة متناغمة.

تتنوع الموضوعات في هذه المنشورات، وجميعها على اختلاف مواضيعها لا تخلو من فكاهة ترسم البسمة على ثغور المتابعين. ويعتمد كتابها على ذكر قصة أو موقف سابق من الحياة، يختلط بالطرافة ويحمل ضمن طياته السخرية على واقع أو قرار حديث، حيث يقوم الكاتب بإسقاط تلك القصة على كيان أو فصيل أو جهة مسؤولة أو تصرف خاطئ بحسب رؤيته، دون التجريح، وبهدف التنصل من ذلك الانتقاد، حيث تتنوع تلك القصص فبعضها من الحقيقة وبعضها يتم نسجه من الخيال لمواكبة الحدث.

“عهد الحنتش” أحد كتاب الكوميديا الساخرة في كفرنبل، يقول إنه يميل لذلك النوع من المنشورات، لأنها تحمل روح مدينته، إذ تعتبر الطرفة “طبعاً متوارثاً” فيها، وخاصة في عائلته “حنتش” المعروف عنهم سرعة البديهة والقدرة على خلق الابتسامة، وهو ما ورثه شخصياً عن والده، على حد قوله.

ويتم إيراد القصص أو التعليقات بما يتناسب مع الحدث أو المنشور، تغلف بطرفة عن شخص معين يعرفه أهالي المدينة وتُحمّل في داخلها الرسالة المراد إيصالها، بحسب الحنتش الذي يقول إنه يتلقى “المعاتبات” من أصحاب بعض القصص التي تسبب بعض الإحراج لهم، مؤكداً أن أغلب قصصه تعود للأهل والأقارب، أو لمواقف مرت معه شخصياً.

تلك المنشورات جعلت من أصحابها محط إعجاب المتابعين، إذ يتم استدعاؤهم للتعليق من قبل أصدقائهم، يقول عهد إن ذلك يسبب له نوعاً من الإحراج في بعض الأحيان، لعدم توفر التعليق المناسب، أو لفارق في السن بينه وبين المتابعين الذين يطلبون منه التعليق، إلا أن ذلك لا يلغي، بحسب من تحثنا معهم، انتظارهم له دائماً ليدلي بدلوه في كل قصة وبفارغ الصبر، خاصة أن هذه التعليقات تجمع بين الحكمة والابتسامة.

“مصطفى القدح” كاتب آخر تنتظر منشوراته من قبل كثير من متابعيه، يقول إن ما يكتبه قصص من نسج الخيال أو استحضار لقصص تاريخية والتغيير في وقائعها لتصبح ذات طابع فكاهي، وينتقل بها من الخيال ليسقطها على حدث أو قصة في الزمن الحالي لتبسيط وصولها الى ذهن القارئ، ويخبرنا أن معظم القراء اليوم يميلون إلى هذا النوع من الكتابة للهروب من واقعهم الذي وصفه بـ “المرير”، لما يعيشونه من نزوح وقهر وألم.

تلك المناشير بقصصها الطريفة وإسقاطاتها التي تحمل بين طياتها النقد الساخر والتسخيف والاستهجان من بعض القرارات أو أحد الأطراف، أصبحت مقصداً للقراء ومصدر إعجابهم، إلا أنها لم تنل إعجاب بعض الأطراف التي يستهدفها المنشور، ما اضطر القدح لحذف مناشيره أكثر من مرة وإغلاق حسابه في بعض الأحيان، يقول مصطفى “كل ما كان المنشور يستهدف قراراً خاطئاً أو تصرفاً سلبياً، يأخذ تفاعلاً من شريحة كبيرة من المواطنين، إلا أن صاحبه يتعرض للتهديد بطريقة غير مباشرة من الجهة التي ينتقدها المنشور، إما من خلال التعليقات أو من خلال المراسلة على الخاص، ما يضطر الكاتب لحذف المنشور خوفاً من الضغوطات والرقابة الأمنية وهذا ما أكده الحنتش إذ طالما تعرض لمواقف مشابهة.

إيصال الفكرة وتوجيه النقد الساخر مصبوغاً بالفكاهة، طريقة اعتمدها كثير من أهالي كفرنبل، إلا أنهم يرون أن متبع هذا الأسلوب يجب أن يتمتع بحس فكاهي وسرعة في البديهة والحذر الشديد أثناء كتابة المنشور لتفادي الوقوع في أخطاء قد تقتل روح المنشور وتفقده قيمته، أو تعرض كاتبه للخطر.