فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

“ماء الحصرم وملح الليمون” بديلاً عن الحمضيات.. وتجار النظام يتحكمون بالسوق

هاني العبدالله

بدوره أفاد مزارع من بانياس بريف طرطوس فضّل عدم ذكر اسمه لأسبابٍ أمنية: “أصبحت زراعة الحمضيات لا تؤمن مصدر دخل لأصحابها، ولاسيما في ظل ارتفاع تكاليف الأسمدة والمبيدات التي تباع وفق سعر صرف الدولار، إضافةً إلى الإتاوات التي تتقاضاها الحواجز خلال الذهاب إلى سوق الهال لبيع الإنتاج”.
وأضاف أن “تجار الحمضيات مرتبطون بمخابرات النظام وهم من يتحكم بسوق الهال، حيث يشترون من الفلاح الحمضيات بنحو 20% من سعرها المطروح حالياً، ومن ثم يقومون باحتكارها وبيعها في الأسواق على دفعات، إضافةً إلى قيام بعض التجار بتهريب كميات كبيرة من الليمون إلى لبنان”.

 

“السكافي حافي والخياط عريان”، هي مقولةٌ شعبية لا يمكن أن نغفلها حين نتحدث عن الحال الذي وصلت اليه سوريا، لدرجة أن البلد الذي لطالما اشتُهر بغناه بالحمضيات بكافة أنواعها، بات أهله اليوم محرمون من خيراتهم، وأصبحت من الرفاهيات بعد أن كانت أساسيةً على الموائد السورية.

ولطالما كانت أسعار الحمضيات في سوريا رخيصة الثمن، نتيجة الانتاج الوفير في الساحل السوري، حيث أن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة “الفاو”، منحت سوريا عام 2017 المرتبة الأولى في إنتاج الليمون الحامض على مستوى دول حوض المتوسط، رغم أن تلك الدول تعد من أهم مصدري الحمضيات للعالم، وعلى رأسها تركيا إلى جانب (الأردن-مصر-تونس الجزائر-اليونان-إيطاليا).

أنتجت سوريا من الحمضيات هذا العام نحو مليون طن، إذ بلغ انتاج الليمون الحامض ١٤١ ألف طن، البرتقال ٦٥٠ ألف طن، اليوسفي ١٨٠ ألف طن، والكريفون والبوملي ١١٠ ألف طن، وفق احصائيات مكتب الحمضيات في وزارة الزراعة بحكومة النظام.

لماذا وصل كيلو الليمون لـ 5 آلاف؟!

ورغم الفائض الكبير في الإنتاج، نتيجة تراجع حجم التصدير إلى الخارج، إلا أن أسعار الحمضيات شهدت ارتفاعاً غير مسبوق، ما دفع السكان للعزوف عن شراء بعض الأنواع وعلى رأسها الليمون.

وكان سعر كيلو البرتقال بـ 200 ليرة، والليمون بـ 325 ليرة فقط منتصف كانون الثاني الماضي، ومع تفشي فيروس كورونا في سوريا، زاد إقبال السوريين على الحمضيات لغناها بفيتامين (سي)، ليصل سعر كيلو البرتقال إلى 500 ليرة، والليمون إلى 1000 ليرة، واستمرت “بورصة” الليمون بالارتفاع الى أن وصل سعره في الأيام الماضية ما بين 5-6 آلاف ليرة حسب نوعيته ضمن مناطق النظام.

وبرر مدير مكتب الحمضيات في وزارة الزراعة بحكومة النظام سهيل حمدان لصحيفة “الوطن” الموالية، عدم توفّر الليمون وغلاء سعره، بأن الموسم الحالي انتهى ولا يوجد إنتاج محلي، وسيبدأ الموسم القادم بالنضج في أوائل أيلول ويستمر حتى شهر أيار القادم.

ارتفاع أسعار الحمضيات وعلى رأسها الليمون، خلق حالة من الاستياء الكبير لدى السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي، والذين تساءلوا لماذا كل هذا الارتفاع في الأسعار ونحن بلد الحمضيات ونصدر لدول العالم؟!، ساخرين من تصريحات مسؤولي النظام حول عدم وجود إنتاج حالياً، وقال أحدهم: “من يوم يومنا نشتري ليمون بالصيف وبسعر رخيص، ليش هالسنة بالذات صار الليمون بالنار؟!”

وفي هذا الإطار قال الباحث الاقتصادي يونس الكريم: “هناك تفاوت كبير في أسعار الحمضيات بين مناطق الإنتاج في الساحل وسوق الاستهلاك في باقي المحافظات، ويعود ذلك لعدة أسباب منها الأتاوات المفروضة من الحواجز على سيارات الحمضيات، وارتفاع تكاليف التوضيب والشحن، كما أن هناك تجار مرتبطين بالنظام يقومون باحتكار الحمضيات بغية تهريبها الى الدول المجاورة أو تصديرها بغية الحصول على الدولار “.

وأضاف الكريم لفوكس حلب “باتت الحمضيات وسيلة ليحصل الأسد على القطع الأجنبي، حيث كان يصدرها إلى الإمارات وروسيا وإيران ودول أخرى، لدرجة أن النظام بات يبيع الحمضيات في الخارج بأسعارٍ أرخص من السوق المحلية كي يحصل على القطع الأجنبي، ثم يقوم بتعويض خسائر التصدير، من خلال بيع الدولار في السوق السوداء ورفع أسعار الحمضيات في الأسواق، ليكون المواطن هو الخاسر الأكبر”.

وتعرضت مزارع الساحل السوري مطلع العام الحالي إلى عواصف قوية، أدت إلى تساقط آلاف الأطنان من ثمار البرتقال على الأرض وفقدانها لقيمتها النقدية، كما فاضت الأراضي الزراعية بمياه السيول والأمطار نتيجة سوء البنية التحتية، ما أثر بشكلٍ كبير على الإنتاج.

النظام يحارب مزارعي الحمضيات

بدوره قال الناشط الإعلامي فهد الشمالي إن “النظام تعمد خلال السنوات الماضية محاربة مزارعي الحمضيات لدفعهم لترك عملهم والالتحاق بصفوف ميليشياته، فقام باهمال تقديم الأسمدة والمبيدات والغراس، ورفض الاستجابة لنداءات الفلاحين، خاصةً فيما يخص صيانة مجاري التصريف بحجة عدم توفر الآليات واليد العاملة والمحروقات، ما تسبّب بتشكّل السيول وغرق المزروعات والأشجار”.

وأضاف الشمالي أن “بعض الفلاحين سارعوا إلى قطاف الليمون قبل نضوجه لتجنب تعرضه للسرقة، ومن ثم تخميره حتى يصبح أصفراً وبيعه في الأسواق، وهذا يعتبر نوعاً من الغش، لأن الليمون في هذه الحالة سيصبح قليل الحموضة والعصير”.

بدوره أفاد مزارع من بانياس بريف طرطوس فضّل عدم ذكر اسمه لأسبابٍ أمنية: “أصبحت زراعة الحمضيات لا تؤمن مصدر دخل لأصحابها، ولاسيما في ظل ارتفاع تكاليف الأسمدة والمبيدات التي تباع وفق سعر صرف الدولار، إضافةً إلى الإتاوات التي تتقاضاها الحواجز خلال الذهاب إلى سوق الهال لبيع الإنتاج”.

وأضاف أن “تجار الحمضيات مرتبطون بمخابرات النظام وهم من يتحكم بسوق الهال، حيث يشترون من الفلاح الحمضيات بنحو 20% من سعرها المطروح حالياً، ومن ثم يقومون باحتكارها وبيعها في الأسواق على دفعات، إضافةً إلى قيام بعض التجار بتهريب كميات كبيرة من الليمون إلى لبنان”.

وتداولت صفحات موالية منشوراً على “الفيس بوك”، يتضمن مناشدات من أحد مزارعي الحمضيات لرئيس النظام، يطالبه بإيجاد حل لتسويق الانتاج، بعد أن تحول سوق الهال في اللاذقية لسوق مافيات احتكره عدد من التجار الذين يمنعون أي تاجر من شحن إنتاجه الى المناطق الشرقية، فضلاً عن إجبار الفلاح على بيع محصوله بسعرٍ رخيص.

عجز في التصدير

ويعاني النظام من صعوبة في تسويق الحمضيات التي تزيد عن حاجته كل عام ويعجز عن تصديرها، ما يتسبّب في تلف كميات كبيرة.

وتوضح أرقام وزارة الزراعة في حكومة النظام أنّ “مجموع ما تم تصديره إلى روسيا لا يتجاوز 10 آلاف طن”، أي أن تلك الكمية لا تشكّل أكثر من 1% من فائض الإنتاج، كما أنّ الكميات التي اشترتها إيران من النظام هي أرقام ضئيلة جداً، حيث أنّ الدولتان تقومان باستيراد كميات كبيرة من الحمضيات من تركيا

وقال المحلل الاقتصادي محمد بكور: إن “النظام لا يمتلك المقومات اللازمة لتصدير إنتاجه بشكل مثالي، ولاسيما في ظل سوء عمليات الفرز والتغليف والتوضيب الحراري والشحن، إضافةً لعدم امتلاكه استراتيجية واضحة في التصدير، حيث يُفترض أن يكون هناك فريق يقوم بعمليات دراسة الأسواق التي يتم التصدير اليها لمعرفة احتياجاتها، وهذا يُفسّر رفض روسيا الحمضيات السورية في السنوات السابقة، كونها لم تناسب أذواق السوق، لاحتوائها على البذور بداخلها بينما المرغوبة خارجياً ثمار بلا بذور، لهذا تفضّل موسكو الحمضيات التركية”.

حلول بديلة

الارتفاع الكبير بأسعار الليمون دفع أغلب السكان للاستغناء عنه، وقالت أم عبدو من سكان جرمانا: “كيلو الليمون الواحد يعادل ست ليمونات، يعني صارت الليمونة الوحدة بألف ليرة، لأي حال وصلنا، يعني بدو الموظف يحط ربع راتبو حق 2 كيلو ليمون، لهيك استغنينا عنو”.

وأضافت أم عبدو “أغلب الناس لجؤوا لشراء ملح الليمون، فإذابة ربع معلقة صغيرة منه في ربع كوب ماء كفيل بمنح الحموضة المطلوبة لأي طبخة، إلا أن سعره تضاعف خلال الأيام الماضية بسبب زيادة الطلب عليه، فيعد أن كان سعر كيلو ملح الليمون الشهر الماضي بألفي ليرة، وصل سعره خلال الأيام الماضية الى 4 آلاف ليرة، لكن يبقى أوفر بكثير من الليمون”.

من جهتها قالت ياسمين من سكان مدينة حلب: “قرأت عن الأضرار الكبيرة التي يمكن أن يسببها ملح الليمون، وخاصةً تأثيره على صحة العظام والأسنان والمعدة، لذلك قررت الاستعاضة عن الليمون باهظ الثمن بالحصرم، حيث يبلغ سعر الكيلو منه 800-900 ليرة، لذا يمكن عصر الحصرم وتصفيته من البذور، وبالتالي يصبح لدينا عصير حامض وطبيعي يمكن استخدامه في تحضير السلطات والطبخات”.

في المقابل دعا رئيس “اتحاد الفلاحين في اللاذقية” حكمت صقر في حديثه لوسائل اعلام النظام، السكان لاتباع سياسة الاكتفاء المنزلي، أي على كل شخص أن يضع “الفلّين” على الشرفات وأسطح المنازل، من أجل زراعة الليمون، لتؤمن كل أسرة حاجتها المنزلية بشكل خاص!

وتتركز زراعة الليمون في سوريا، ضمن المناطق الساحلية “اللاذقية -طرطوس” بشكلٍ كبير، ويبلغ عدد أشجارها نحو 14 مليون على امتداد 43 ألف هكتار، بنسبة تبلغ 35% من الأراضي الزراعية فيهما.