فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

الصورة من الإنترنيت

استبدال المفاصل في إدلب.. كلفة بملايين الليرات والمرضى يتعايشون مع الألم

محمد الأسمر

وعن آلية تأمين تلك المفاصل يقول “القراط” نعتمد على بعض الشركات الطبية في تأمين هذه المفاصل من تركيا، وهي متوافرة إلا أن ثمنها قد يتجاوز ثمانمائة دولار، وهو مبلغ كبير لمعظم السكان الذين يعيش نحو 90٪ منهم تحت خط الفقر، بحسب تقرير للمركز السوري لبحوث السياسة 2019، ويعجز كثير منهم عن تكاليف العملية أو حتى الأدوية المسكنة، ما لم يتم تقديمه من المشافي والمستوصفات مجاناً.

 

بجانب سرير الحاجة أم إبراهيم عدد من علب الأدوية المسكنة التي تستخدمها لتخفيف نوبات الألم الشديد التي تنتابها نتيجة مرض “التنكس المفصلي” في “ركبتيها”، تخبرنا أن أملها في زوال الألم الذي يرافقها منذ سنوات يكمن في إجراء عملية استبدال للمفصل، بعد أن أجمع الأطباء على ضرورة هذا التداخل الجراحي، وفشل كل أنواع الأدوية (العلاجية والمسكنة) بالتخفيف عنها.

بعكازين أو على كرسي أو مستندة على جدار وبمساعدة أبنائها تقضي أم إبراهيم بعض حوائجها القليلة، بعد أن أعجزها المرض عن الوقوف والمشي دون أدوات مساعدة، تقول إنها تبقى جليسة الفراش تجنباً لأي حركة تزيد من ألمها، خاصة بعد أن فقدت الأمل بالحصول على مفصل مجاني، وتروي لنا أنها انتظرت دورها في مشفى “شام” بمدينة كفرنبل منذ العام ٢٠١٥، إلا أن قصف المشفى وخروجه عن الخدمة حال دون ذلك.

دور جديد تنتظره الحاجة أم إبراهيم منذ أربعة أعوام، بعد أن سجلت على الدور في مشفى “عقربات”، إلا أنها لم تتلق أي إجابة حتى اليوم، شأنها شأن آلاف المرضى الذين ينتظرون أدوارهم أملاً في دعم من قبل المنظمات الإنسانية.

ليست العملية الجراحية هي العائق أمام هؤلاء المرضى، وإنما الكلفة المادية التي يحتاجونها، يقول من تحدثنا معهم في المشافي العامة إن عشرات المرضى يراجعون العيادات في كل يوم، معظمهم يعانون من آلام مبرحة، دون أن تستطيع هذه المشافي تقديم حلول جدية لهم لافتقارها للدعم اللازم بشراء المفاصل وإجراء الجراحات اللازمة.

يقول الطبيب وجيه قراط (اختصاصي الجراحة العظمية) إن الأطباء يلجؤون لتبديل المفصل عندما يدخل المريض في مرحلة الألم الشديد، وتتسبب آلام المفصل بإعاقة للمريض وتمنعه من الحركة بشكل طبيعي، إذ يصل التنكس لمراحله الأخيرة، وتكون “الركبة” قد دخلت مرحلة تشكيل “الانعقالات وانعدام المسافة المفصلية والانقراص” بالإضافة “للانهدام في السطوح المفصلية”، جميع تلك الأعراض تجعل من تبديل مفصل الركبة ضرورة ملحة لاستمرار حياة المريض بصورة طبيعية.

وعن آلية تأمين تلك المفاصل يقول “القراط” نعتمد على بعض الشركات الطبية في تأمين هذه المفاصل من تركيا، وهي متوافرة إلا أن ثمنها قد يتجاوز ثمانمائة دولار، وهو مبلغ كبير لمعظم السكان الذين يعيش نحو 90٪ منهم تحت خط الفقر، بحسب تقرير للمركز السوري لبحوث السياسة 2019، ويعجز كثير منهم عن تكاليف العملية أو حتى الأدوية المسكنة، ما لم يتم تقديمه من المشافي والمستوصفات مجاناً.

يخبرنا الطبيب القراط إنه يواجه شهرياً أكثر من مئة حالة لمرضى يحتاجون لتبديل المفاصل، وإن عدد العمليات التي يجريها لا تزيد عن اثنتين، ما يعني أن 98٪ من المرضى عاجزون عن تكاليف العلاج، ما يجبرهم على تحمل الألم والاعتماد على المسكنات.

“لم يبق لنا سوى الألم” يقول عبد الرحمن المحمد، وهو في الخمسين من عمره كان يعمل مياوماً في الأعمال الحرة التي أجهدت مفاصلة، يخبرنا أن الأطباء الذين راجعهم أجمعوا على ضرورة إجراء استبدال مفصل لـ “ركبتيه”، وقام بالتسجيل في المشفى لينتظر منذ شهور وصفها بـ “الطويلة”، دون جدوى، ما دفعه، بحسب قوله، للتعايش مع الألم وانعدام الحركة مع الاعتماد على المسكنات التي لا تفلح في التخفيف عنه عند النوبات الشديدة، يشير إلى ركبتيه وهو يروي لنا أنهما “محّتا” وما من حل سوى الانتظار، إذ يحتاج لنحو ألفي دولار لإجراء عملية الاستبدال.

يعمد الأطباء، أحياناً، للاعتماد على بعض العلاجات التي قد تخفف من الألم وتساعد المريض على الحركة، يقول الدكتور محمد مصطفى (جراحة عظمية) نلجأ في بعض الأوقات للعلاج بالحقن داخل المفصل، سواء كان بدواء “الهيالورونيك أسيد أو دواء الكورتيزون المديد”، ويصف هذا العلاج بـ “الحل المؤقت” الذي يريح المرضى لعدة أشهر، إلا أنه يزيد من مخاطر تعرض المريض لخطورة الإنتان، كذلك يرتب عليه تكاليف إضافة، إذ لا تتوافر هذه الأدوية مجاناً، ويحتاج كل منهم لخمس حقن في كل مفصل، بفاصل أسبوع بين كل حقنة وأخرى، ويبلغ سعر تلك الحقن نحو مئة دولار.

وتعمل بعض الهيئات الطبية، ومنها الهيئة الطبية لوادي بردى بالتعاون مع منظمة وقف الواقفين في مشفى الرحمة بدركوش، على تأمين المفاصل للمرضى بأسعار مخفضة، يقول وسام أبو فايز (مسؤول مشروع المفاصل ضمن الهيئة) إن مشروعهم يعتبر ” خيري”، إذ تتقاضى الهيئة من المريض ثمن المفصل فقط، وتوفر عليه المصاريف الأخرى مثل أجور المشفى والأطباء، كما تعمل الهيئة بالتعاون مع فريق ملهم التطوعي على تأمين بعض المفاصل بشكل مجاني لبعض الحالات.

تجاوز عدد المفاصل التي قامت الهيئة بتركيبها خمسمائة مفصل “ورك وركبة” لمختلف المرضى ومن جميع الفئات العمرية، منذ عامين على بداية عملها، وتعتمد على المفاصل التركية المتوافرة ضمن أفضل الشركات التي تعمل بامتياز أوربي”، بحسب أبو فايز الذي قال إن أسعار المفاصل تتراوح بين 550 دولار لمفصل الورك و600 دولار لمفصل الركبة، دون الإضافات التي قد يحتاجها مريض دون آخر، والتي قد يتراوح سعرها ما بين مئة إلى ثلاثمئة دولار، في حين كان يتكلف المريض قبل انطلاق المشروع ما يقارب 1500 دولار. ويبلغ متوسط عمر المفصل الافتراضي نحو عشرين عاماً، ويلعب اهتمام المريض واتباعه التعليمات الطبية دوراً كبيراً في الحفاظ على عمره.

وتواجه الهيئة الطبية صعوبات كثيرة لخصها أبو فايز “بمعاناتهم في تأمين مستلزمات العمل وشحن الأدوات والتعويضات، لاسيما بعد انتشار فيروس كورونا وإغلاق المعابر وتوقف الشحن من دولة إلى أخرى، ناهيك عن توقف بعض الشركات الأخرى”.

تعمل الهيئة ضمن مشفى دركوش، لكن، وفي حال احتاج أحد المرضى لعملية خارج المشفى فسيتكلف ببعض الإضافات المالية كأجور شحن المعدات إلى المشافي الأخرى، وتجري بشكل يومي عملية أو اثنتين داخل دركوش وخارجها.

واجهت الهيئة في بداية عملها ضغط عمل شديد نتيجة وجود حالات كثيرة بحاجة لتركيب مفصل، وكانت الأسباب المادية تقف عائقاً أمامهم، وتنوعت الحالات التي عالجتها بين إصابات حربية أو حالات تنكس نتيجة حادث سير أو إصابة صدمة أو حالات إهمال خلع الورك الولادي عند الأطفال، إضافة لتنكس المفاصل عند كبار السن.

تعرض الشاب أنور الحمصي لحادث سير في حمص سنة 2013، وعانى لفترة طويلة نتيجة الكسور التي أصيب بها في قدميه، وبعد تهجيره من حي الوعر تفاقمت حالته ما أفقده القدرة على المشي، ليخبره الأطباء في مشفى باب الهوى بضرورة تركيب مفصل له، يقول أنور إنه انتظر لأشهر أملاً في الحصول على مفصل مجاني، وبعد فقده الأمل من ذلك، توجه إلى مشفى دركوش وأجرى الفحوصات اللازمة، وتم تسجيل اسمه في قائمة المرضى، وبعد ستة أشهر تم إجراء العملية والتي بلغت كلفتها نحو خمسمئة وخمسين دولاراً.

يخبرنا أنور أن الحظ حالفه لأنه لم يحتج لحلقة دعم ضمن المفصل (يبلغ ثمنها نحو مئتين وخمسين دولاراً)، ويرى أن التكاليف مرتفعة ويتمنى أن تتجه المنظمات الصحية لدعم هذا القطاع المهم، لكنه لا ينكر أن حياته تغيرت بعد تركيب المفصل وبات يتحرك بشكل شبه طبيعي، وتخلص من آلام السنين الطويلة التي عاشها.

يقول من التقيناهم من القطاع الصحي إن معاناة مرضى المفاصل قديمة، إذ اعتاد مريض المفاصل قبل الثورة على دفع ثمن المفصل، لكن سنوات النزوح الطويلة أتعبت الناس بشكل كبير وساهمت سنوات الحرب برفع عدد إصابات المفاصل ما يحتم على المنظمات الإنسانية والهيئات الطبية التحرك بشكل أكبر لتأمين دعم صحي لهذا الجانب عبر تأمين مفاصل مجانية للمرضى.

تواصلنا مع عدد من المشافي العامة والمنظمات الطبية للحصول على أعداد المرضى المحتاجين لعملية تبديل مفصل لكن لم يفلح تواصلنا بالوصول لنتيجة إذ رفضت تلك الجهات تزويدنا بالمعلومات المطلوبة لأسباب خاصة بها