فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

في إدلب.. كل شيء يوحي بكارثة

فريق التحرير

الحاج أحمد أبو حميد وهو نازح من ريف إدلب الشرقي إلى واحد من مخيمات قاح، قال إنه لا يستطيع دفع ثمن دوائه والذي يبلغ سعره نحو ألفي ليرة سورية (حوالي سبعين سنتاً)، الدواء الضروري لحياته بعد خضوعه لعملية “القلب المفتوح”، تخبرنا زوجة الحاج أحمد أنهم يعتمدون غالباً على الخبز فقط في وجباتهم، هذا إن استطاعوا تأمينه، بعد أن ارتفعت أسعار المواد الغذائية والخضار إلى درجة غير مسبوقة، وهو ما يوحي بحصول “مجاعة” حقيقية إن لم توجد حلول جذرية للسكان في المنطقة.

ترك انهيار الليرة السورية، ومخاوف تطبيق قانون قيصر، الذي بدأت أمريكا بتنفيذه منذ أيام، أثره على حياة السكان الذين يعيشون حالة من التخبط والفقر، والبحث عن طرق جديدة للبقاء، بعد أن تفاقمت الأحوال الاقتصادية التي يعيشونها إلى الدرجة التي يقدر فيها المطلعون على واقعهم ما ستحمله الأيام القادمة بـ “الكارثة”، خاصة على قطاعي الصحة والغذاء.

مشاهد يومية متكررة من الحياة العامة في إدلب

يعيش في إدلب والمناطق التابعة لها، بحكم التبعية لحكومة الإنقاذ كالأجزاء المتبقية من ريفي حماه وحلب الغربي، نحو أربعة ملايين شخص، نصفهم يسكنون في المخيمات التي تتركز في ريف إدلب الشمالي والشمالي الغربي، كذلك الذين نزحوا داخلياً أو هجروا قسرياً من محافظات سورية أخرى، ويجمع معظم هؤلاء السكان سمة واحدة يغلب عليها “الفقر والعوز”، إذ يعيش نحو ٨٦٪ من السوريين تحت خط الفقر، منهم ٣٧٪ تحت خط “الفقر المدقع” في العام ٢٠١٩، بحسب دراسة بعنوان “سوريا العدالة لتجاوز النزاع” والتي أصدرها المركز السوري لبحوث السياسة.

يعجز معظم السكان عن تأمين متطلبات الحياة العامة اليومية، والتي تقدر شهرياً وبشكل وسطي، بنحو ثلاثمائة ألف ليرة سورية، يخبرنا طلال الحسين وهو رب أسرة مكونة من عشرة أشخاص يسكن في واحد من مخيمات أطمة بعد نزوحه من ريف خان شيخون، إن عائلته محرومة من الاحتياجات الغذائية الأساسية، وإنه اضطر لبيع “قطيع الماشية خاصته” بكامله للاستعانة بثمنه على تدبير قوت العائلة، هو اليوم خسر مورده الاقتصادي الذين كان يعيش على منتجاته في السابق.

يخبرنا الحسين إنه يعجز عن تأمين الدواء لطفلته التي تعاني من خلع ولادي، كذلك أدوية الروماتيزم خاصته، كما أنه وعائلته خفضوا وجبات الطعام اليومية لزيادة عمر النقود التي استدانها أملاً في إيجاد فرصة عمل تساعده وعائلته على البقاء.

الحاج أحمد أبو حميد وهو نازح من ريف إدلب الشرقي إلى واحد من مخيمات قاح، قال إنه لا يستطيع دفع ثمن دوائه والذي يبلغ سعره نحو ألفي ليرة سورية (حوالي سبعين سنتاً)، الدواء الضروري لحياته بعد خضوعه لعملية “القلب المفتوح”، تخبرنا زوجة الحاج أحمد أنهم يعتمدون غالباً على الخبز فقط في وجباتهم، هذا إن استطاعوا تأمينه، بعد أن ارتفعت أسعار المواد الغذائية والخضار إلى درجة غير مسبوقة، وهو ما يوحي بحصول “مجاعة” حقيقية إن لم توجد حلول جذرية للسكان في المنطقة.

ليست حال الحاصلين على فرصة عمل بأفضل كثيراً من العاطلين عنه، كما في المثالين السابقين، إذ يبلغ متوسط أجر العامل في إدلب نحو مئة ألف ليرة، تزيد في بعض المهن حتى مئة وخمسين ألف ليرة (نحو خمسين دولاراً)، وبدراسة أجراها فريق فوكس على عدد من العائلات السورية في المنطقة، تبين أن متوسط احتياج عائلة مكونة من خمسة أشخاص لتأمين المتطلبات الحياتية بالحد الأدنى، بلغت نحو خمسة عشر ألف ليرة يومياً، تزيد عند العائلات التي تضم بين أفرادها أطفالاً رضع، لحاجتهم للحليب والحفاضات، بنحو ثلاثة آلاف ليرة يومياً، وفي حالة وجود مرض مزمن فتزيد بنحو ألفي ليرة سورية أخرى.

ولفهم هذه الأرقام سنورد بعض الأسعار لمواد أساسية: تبلغ أسعار، بالكيلو غرام والليرة السورية، (ربطة الخبز٨٥٠ – سكر١٨٠٠ ليرة -شاي ٢١٠٠٠ – لتر زيت الزيتون ٥٦٠٠ -صحن البيض ٢٢٠٠ -زيت دوار الشمس ٢٨٠٠ -برغل ١٠٠٠ ليرة -أرز ١٦٠٠ -فوط الأطفال كيلو ٦٠٠٠ -علبة حليب الأطفال ١١٠٠٠ -بندورة ١٠٠٠ -ثوم ٣٠٠٠ -فليفلة ٣٠٠٠ -تفاح ١٢٠٠ -موز ١٨٠٠”

تضاعفت هذه الأسعار خلال الشهرين الماضيين، مع انهيار صرف العملة السورية مقابل الدولار والتي وصلت إلى نحو ثلاثة آلاف وسبعمائة ليرة مقابل الدولار الواحد، ولم تتراجع هذه الأسعار مع انخفاض سعر الدولار مجدداً (حالياً يبلغ سعر الصرف نحو ٢٦٠٠ ليرة للدولار الواحد).

يبلغنا من تحدثنا معهم أن العائلة تحتاج إلى ثلاثة أضعاف ما يتقاضاه رب الأسرة، لتأمين “وجبة غذائية” خالية من اللحوم والفاكهة، وتعتمد على المنتجات الموسمية “جزء كبير منها تنتج في إدلب كالخضار”، وتأتي مشكلة الوقود في المرتبة الثانية من معاناة السكان، إذ وصل سعر اللتر الواحد من المازوت إلى ألف ليرة سورية، ومثله للبنزين، في حين بلغ سعر أسطوانة الغاز ١٤٦٠٠ ليرة، قبل أن يتم تسعير هذه المواد بالليرة التركية منذ أيام. أما الدواء فيأتي في المرتبة الثالثة وقد تضاعفت أسعاره بين (٦٠ -٥٠٠٪)، إن وجد، وذلك لأسباب كثيرة سنشرحها في فقرة خاصة. ويأتي ارتفاع إيجارات المنازل في المرتبة الرابعة إذ تم رفعها، دون سابق إنذار، وبناء على مقارنة مع أسعار الصرف بالدولار أو الليرة التركية.

الخبز “العمود الفقري للغذاء في إدلب” يأكل معظم دخل المواطنين

استقرت أسعار الخبز في مدينة إدلب منذ أيام، وذلك بعد قرار حكومة الإنقاذ بتحديد سعر ربطة الخبز بالليرة التركية، وفقاً للوزن والنوع، إذ حدد سعر ربطة الخبز السياحي (٨٥٠ غراماً) بليرتين تركيتين (كل ليرة تركية تساوي نحو ٤٠٠ ليرة)، أما الخبز البلدي لنفس الوزن فحدد السعر بليرة تركية ونصف الليرة، والمدعوم بليرة واحدة.

تغيرات سعرية كبيرة طرأت على رغيف الخبز خلال السنتين الأخيرتين، يقول “أحمد تنار” مدير فرن الحجة ببلدة دارة عزة في ريف حلب الغربي إن السبب الرئيس في هذه التغيرات يعود لاستيراد المواد بالدولار، وربط سعر الخبز بتغيرات سعر الصرف، إذ يبلغ سعر طن من مادة الطحين ثلاثمائة دولار، كذلك الوقود، إذ يحتاج فرن الحجة لألف ومئة لتر من مادة المازوت المرتبطة هي الأخرى بسعر الدولار، والذي تستورده شركة وتد للبترول، إضافة لأجور العمال (يعمل في فرن الحجة أربعون عاملاً، متوسط إيجار العامل نحو خمسة آلاف ليرة سورية).

وكانت حكومة الإنقاذ قد حددت سعر كيلو غرام الخبز بـ ٣٩ سنتاً منذ كانون الثاني الماضي، وفقاً للتغيرات الحاصلة بسعر الصرف، قبل أن تعيد تسعيره بالليرة التركية منذ أيام، لتحقيق نوع من الاستقرار في المادة الأساسية التي يعتمد عليها سكان المنطقة، إلا أن من تحدثنا عنهم قالوا إن الأمر سيان، فبحسبة بسيطة نجد أن ما قامت به الحكومية لا يتعدى “مسكها للآلة الحاسبة وتصريف سعر الليرة السورية بعملة أخرى”، خاصة وأن كل السكان العاملين يتقاضون أجورهم بالليرة السورية.

ويقول مدير فرن دارة عزة الآلي (محمود رستم) إن الفرن يشغل يومياً نحو عشرين عاملاً من خمس إلى ست ساعات يتقاضى كل منهم (مئة وثلاثون ألف ليرة سورية)، وبقدر إنتاجية تبلغ خمسة وعشرين طناً عبر خطي الإنتاج.

يخبرنا رستم أن منظمة (عطاء الخير) وقعت عقداً مع الفرن لإنتاج أربعة أطنان من الطحين يومياً وتوزيعها على المهجرين مجاناً، إضافة إلى أن حكومة الإنقاذ تقدم ٧٥٠ كيلو غراماً من الطحين المدعوم للفرن، توزع في البلدة بالسعر المدعوم، ويقول إن الطلب على مادة الخبز قلّ بنسبة واضحة نتيجة ارتفاع الأسعار، إلا أنه يخبرنا أن مقومات العمل من (طحين وخميرة ووقود) متوافرة.

الصورة من الإنترنيت
الصورة من الإنترنيت

 

تقول أم عطا، وهي سيدة من جبل الزاوية عادت إلى قريتها بعد نزوحها منها رغم الخطر الكبير، إنها تحتاج يومياً لستة آلاف ليرة سورية ثمناً لمادة الخبز التي تحصل عليها من أحد الأفران في مدينة أريحا، بعد أن توقفت جميع الأفران في جبل الزاوية عن العمل، وتخبرنا أن ولدها ينتظر لثلاث ساعات على الأقل للحصول على الخبز، إضافة للزمن الذي يقضيه في رحلة الذهاب والإياب.

تعمل أم عطا وعائلتها كعمال مياومة بقطاف الثمار، وتحصل على مبلغ خمسمائة ليرة سورية عن كل ساعة عمل، أي أن الحصول على الخبز يأكل أجرة اثنتي عشرة ساعة من العمل يومياً، تخبرنا أنها منذ أيام اعتمدت طريقة “الخبز” على التنور مستهلكة ما لديها من طحين، وذلك لتوفير وقت ولدها وتعبه والتخفيف من الكلفة، وعند سؤالنا لها عن تأمين الخبز ليوم غد، أخبرتنا “لبكرى بيفرجا الله”.

السيدة (نوال) من قرية مرعيان بجبل الزاوية تقول: يوميا يذهب أحد أفراد العائلة لشراء الخبز من فرن السلام بمدينة أريحا وكل رغيف بمئة ليرة، وكلما ازداد عدد الأرغفة يزداد سعر الربطة هذا الرغيف الذي لا يكفي طفلي الصغير بوجبة واحدة.

بدوره يقول قاسم رماح “ناشط إعلامي” تشهد جميع المخابز ازدحاماً غير مسبوق، ويغيب تنظيم الدور عن كثير منها إذ لا يتوفر الخبز بالكميات المطلوبة، أحيانا يبقى الناس أمام الفرن أكثر من ساعة لشراء كيس واحد من الخبز، وتحتاج العائلة المؤلفة من خمسة أفراد لكيسين على أقل تقدير ما يعني أنها مجبرة على دفع ألفي ليرة سورية بشكل يومي، في حين تعجز بعض العائلات عن تأمين ثمن الكيس الواحد.  ويرى رماح أن الحل الأمثل للمشكلة يكمن بالتفات المنظمات نحو الأفران ودعمها بمادة الطحين ما ينعكس بشكل كبير على الأسعار.

من جانبها أعلنت الحكومة السورية المؤقَّتة في الثامن من حزيران الجاري عن قيام أفران المؤسّسة العامّة للحبوب التابعة لها ببيع الخبز بالليرة التركية.

وقال مدير شركة المخابز في المؤسسة العامة لتجارة وتصنيع الحبوب “محمد الصيادي” إنه، وحرصاً من وزارة الاقتصاد والموارد على  تخفيف المعاناة عن الأهالي في المنطقة، عملت الشركة العامة للمخابز على إنتاج الخبز البلدي المدعوم ليتم توزيعه على الأهالي اعتباراً من يوم الجمعة ١٢ من نيسان، حيث يشمل عدة مناطق منها جبل الزاوية وإدلب المدينة وأريحا، يقول “نعمل على زيادة الإنتاج ليشمل مناطق أخرى في الأيام القادمة ليكون سعر الربطة ٤٠٠ ل.س، ووزنها ٦٥٠ غ، وذكر أنه في ١٣ من حزيران سيبدأ بيع الخبز المدعوم وزن ٦٠٠ غرام بقيمة ٣٠٠ ل.س في مدينة إدلب والأتارب و دارة عزة”، وتسعى المؤسسة لتعميم التجربة في المناطق كافة، وذلك عبر ترشيح الأسماء المستفيدة من وزارة التنمية والشؤون الإنسانية والمجالس المحلية والهيئة العامة للزكاة التابعة للحكومة المؤقتة.

ازدحام على فرن خبز في إدلب -انترنيت
ازدحام على فرن خبز في إدلب -انترنيت

ويرى الناشط الإعلامي “أنس المعراوي” أن ما يتخذ من إجراءات بدعم الخبز لبعض المناطق ضروري، إلا أن دعم هذه المادة يحتاج إلى تضافر في الجهود، خاصة من قبل المنظمات الإنسانية لدعم مادة الطحين، بحيث تصل أسعار الخبر إلى ثمن يتناسب مع الوضع الاقتصادي لسكان المنطقة.

 

ويخبرنا المعراوي إنه وقبل تطبيق قانون قيصر، بدأت الليرة السورية بالانهيار، هو ما أدى لارتفاع أسعار الخبز، ولا يمكن التكهن بأسعارها في الأيام القادمة، وتحدث عن مبادرات فردية من قبل بعض الناشطين والتجار لتوزيع كميات من الخبز على الأهالي، وهو ما اعتبره مساندة حقيقة لتأمين قوت من لا يملك ثمناً لطعامه، إلا أن هذه الحلول الفردية غير كافية وعلى المؤسسات الحكومية والمنظمات إيجاد حل جذري لمساعدة السكان.

وللبحث في هذه الحلول تحدثنا مع ضياء العلي (مدير مخابز حلب التابعة للمؤسسة العامة للحبوب في إدلب) والذي قال

“لدينا حوالي ٣٣ فرناً خاصاً وسبعة أفران عامة بريف حلب الغربي من دارة عزة حتى أطمة وأبين والأتارب، نقدم لهذه الأفران الوقود بسعر مخفض (أقل سعراً من شركة وتد حوالي ١٥ ل.س عن كل ليتر)، وفي السابق كنا نقدم طحيناً محلياً من المؤسسة العامة للحبوب، وفي العام الحالي نحن في طور شراء القمح الجديد وسنعيد توزيع الطحين البلدي على الأفران”

وأكمل العلي “نسعى دائما لمراقبة الأفران العامة منها والخاصة لمراقبة جودة الخبز ونظافة المخابز، إضافة إلى التسعيرة التي تصدر من وزارة الاقتصاد بخصوص وزن وسعر وعدد أرغفة الربطة، ورغم المراقبة هناك بعض المخالفات التي يتم التعامل معها”

وذكر “العلي” أن هناك بعض الأفران المدعومة بريف حلب الغربي من قبل المنظمات، إضافة لدعم أفران محددة بالطحين البلدي نوع ثاني في محافظة إدلب، وتوزع على فرن الذرة بالمحافظة من الساعة الثامنة والنصف، وفرن أريحا الآلي الساعة السابعة، وفرن أبلين بجبل الزاوية الساعة السابعة والنصف، بسعر ٤٠٠ ل.س للربطة بوزن ٦٥٠ غرام (مدعوم بنسبة ٣٠%) سيبدأ توزيعه من يوم الجمعة ١٢من شهر حزيران الحالي، وقريباً سيعمم الأمر على بقية الأفران بإدلب وحلب”.

وأكد (العلي) أن هذا التوزيع المبدئي سيشكل أزمة تزاحم وفوضى على الأفران التي ستوزع الخبز المدعوم، بسبب تفاوت السعر (تنقص بنحو نصف ليرة تركية =٢٠٠ ليرة سورية). إلا أن هناك خطط مستقبلية لزيادة الأفران المدعومة.

هي ليست “ربطة خبز” يقول من تحدثنا معهم بعد أن ارتفع سعرها وخف وزنها، وبات الحصول عليها أمراً بالغ الصعوبة، أما المدعومة منها من قبل المؤسسة أو المنظمات فالحصول عليها بات مثاراً للخلاف والشجار، نتقاتل في طوابير طويلة على ربطة خبز، يلخص من التقيناهم المشهد في المحافظة، يقول “حمزة” من مدينة دركوش، ” إنه يتشاجر يومياً يتشاجر مع أصحاب الفرن، للحصول على ربطة خبز مدعومة من إحدى المنظمات بسعر ٣٠٠ ليرة، وبكميات محدودة وعند انتهائها يعود الفرن لبيع الربطة بسعرها الجديد، ليخلص إلى القول “انتهت حلول الأرض، والأمر متروك للسماء”.

ويخفف من حدة المشكلة نشاط بعض الأفراد والجمعيات، إذ يخبرنا محمد خالد الموسى مدير مخيم الوفاء على طريق أرمناز بريف إدلب إن مجلس إدارة المهجرين يقدم منذ أيام ربطة خبز واحدة لكل عائلة، بينما يعتمد أهالي المخيم على شراء ما يحتاجونه، إن توافرت النقود، من أرمناز التي تبعد نحو ثلاثة عشر كيلو متراً عنهم، بينما يقوم محمد محيي الدين حمو وهو ناشط بالعمل الإنساني والإعلامي من دارة عزة بحملة لتوزيه الخبز على محتاجيه من البلدة المكتظة بالسكان، يخبرنا أنه بدأ بمبادرة شخصية بشراء أربعمائة ربطة خبز ونشر الخبر على وسائل التواصل الاجتماعي لتلقى صدى حسناً بين الناس الذين بدأوا بالتبرع لهذه المبادرة، كذلك لمبادرات أخرى في قرى مختلفة.

كذلك قام الطبيب فراس الجندي بتوفير مادة الخبز لمدة خمسة عشر يومياً في مخيم الصداقة قرب بلدة “كللي”، تقول السيدة نيرمين وهي نازحة في المخيم من جبل الزاوية إنها تقنن بشراء مادة الخبز، إذ تشتري حالياً ربطة واحدة لتطبخ معها “البرغل أو الأرز” كي تسد رمق طفليها وزوجها.

الصورة من الانترنيت
الصورة من الانترنيت

يخبرنا أحمد السلوم أن دخله اليومي لا يتجاوز أربعة آلاف ليرة، وهي لا تكفي لشراء خبز عائلته، ما يضطره للاستدانة، بشكل شهري، ويتساءل، لماذا لا تعتمد الأفران على القمح المحلي لتوفير مبالغ عن سعر الطحين المستورد، ولماذا لا تدعم ربطة الخبز من إيرادات معبر باب الهوى الحدودي! على سبيل المثال، فالأمر وصل إلى أقصى حالة السوء بالسكان.

انقطاع في الأدوية وارتفاع في ثمنها وأجور الاستشفاء والطبابة

عليك أن تمر بصيدليات كثيرة لتجد علبة الدواء الخاصة بك، إن وجدت، وبأسعار متفاوتة بين صيدلية وأخرى، يقول أبو أحمد وهو مهجر من مدينة معرة النعمان يقيم في بلدة تل الكرامة بريف حلب الغربي، ويخبرنا أنه قطع مسافة ثلاثين كيلو متراً لتأمين علبة من دواء الضغط الذي يحتاجه والذي تضاعف ثمنه لثلاثة أضعاف من (٤٠٠ إلى ١٢٠٠ ليرة)، وهو نصف السعر الذي حصل به على نفس العلبة من صيدلية في مكان سكنه (اشتراها بـ ٢٤٠٠ ليرة على حد قوله)، يقول إن الصيدلاني شرح له الآلية الجديدة لرفع السعر، إذ اجتمعت نقابة الصيادلة بالمستودعات الدوائية واتفقوا على تقسيم سعر العلبة الدوائية على سعر صرف ٨٠٠ ليرة (هو سعر الصرف نهاية العام ٢٠١٩)، وضربها بسعر الصرف الحالي!

وعند سؤالنا نقيب صيادلة إدلب الدكتور “يحيى نعمة” عن الواقع الدوائي والآليات الجديدة في التسعير قال “إن انخفاض سعر الصرف وإغلاق المعابر مع النظام أدى إلى تراجع الإنتاج وفقدان العديد من الزمر الدوائية، وانعكس ذلك بظلاله السلبية على المرضى، وسبب معاناة كبيرة بتأمين الدواء لهم، ودفع لظهور شريحة من المحتكرين من تجار الدم واحتكار الدواء ورفع سعره أسعار مضاعفة عدا عن ارتفاع السعر الطبيعي المرافق لانخفاض سعر صرف الليرة السورية، كون معظم الصناعات الدوائية تعتمد بالمواد الأولية على الدولار، وبالتالي عند انهيار العملة السورية تضاعف سعر الدواء بشكل طبيعي ومنطقي مع انخفاض الليرة السورية” وأضاف أن: “وضع المريض بالإضافة لما يعانيه من ويلات الحرب والقصف والنزوح والتهجير وانتشار الأوبئة وقلة فرص العمل وانخفاض الرواتب والأجور ترافق معه عبئ إضافي وهو تأمين الدواء بسعره الحالي أو حتى انقطاعه” وختم بقوله: “قمنا بالعديد من الاجتماعات والمشاورات والجولات لدراسة السعر المنطقي للدواء والطرق الإسعافية والاستراتيجية على المدى الطويل لتأمين الأمن الدوائي في المنطقة.

لم نحصل على إجابة واضحة ولا يظهر على معرفات مديرية الصحة أي خطة لتسعير الأدوية وضبط الخلاف السعري، كذلك بحديثنا مع بعض الصيادلة الذين أكدوا أن الأسعار متباينة، وأن من يملك الأدوية النوعية يتحكم بالسعر الذي “يقرشه” الجميع على الدولار، بحسب سعر الصرف، ويبيعونه للمواطن، إن توافر بعض فقدان الكثير من الزمر الدوائية كأدوية الضغط والسكري والمضادات الحيوية ومميعات الدم والأدوية القلبية.

ويرجع الصيادلة الذين التقيناهم وفضلوا عدم الكشف عن أسمائهم خشية تعرضهم للمضايقة أسباب انقطاع الأدوية وارتفاع أسعارها، إلى إغلاق المعابر الذي أدى إلى انحسار كميات الدواء التي أصبحت محدودة، وتدخل حصراً عبر طرق التهريب وبأسعار مرتفعة، إضافةً إلى توقف عدد كبير من معامل الأدوية بعد سيطرة قوات النظام عليها في ريف حلب الغربي مؤخراً خلال الحملة الأخيرة مطلع العام الجاري، هذه المعامل كانت تمد إدلب بكميات كبيرة من الأدوية، فضلاً عن توقف عدد كبير من المعامل في مناطق النظام وضعف انتاج المعامل التي باتت تنتج 5% من طاقتها الإنتاجية بحسب تحقيق مفصل بعنوان (الدواء السوري يتلاشى) على موقع الجمهورية تناول موضوع الأدوية في مناطق النظام.

وانعكس ذلك على المنطقة التابعة للمعارضة، حيث احتكرت بعض المستودعات الأدوية النوعية، دون رقابة أو محاسبة، وأصبحت تحاسب الصيدليات بالدولار بحجة أن معابر التهريب أصبحت تحاسبهم بالدولار، وأن الخسارة ستلحق بهم لعدم استقرار سعر الصرف، إضافةً لارتفاع تكلفة الشحن والجمركة والإتاوات التي تفرضها الفرقة الرابعة التابعة للنظام السوري على الأدوية.

حاجة طفل من الحليب أكثر من ضعف راتب موظف حكومي في الداخل السوري

يباع حليب الأطفال بالدولار منذ سنوات، ويعتبر مرتفع الثمن مقارنة بالوضع المعيشي في الداخل السوري، فمثلاً عبوة (لينولاك) وهو نوعية متوسطة من الحليب سعرها اليوم في الصيدليات أربع دولارات، ويحتاج الطفل ذو الثلاثة أشهر لنحو ثماني عبوات في الشهر وثمنها يعادل أكثر من ضعف مرتب الموظف الحكومي في سوريا الذي أصبح يعادل نحو خمسة عشر دولاراً.

ويضطر أهالي الأطفال الذين يعتمدون في رضاعتهم على الحليب الصناعي لاستبداله بحليب البقر الذي يعتبر الخيار الأفضل المتاح بعد حليب الأم والحليب الصناعي، شريطة تعقيمه وغليه بشكل جيد وتمديده بالماء، إضافة لأغذية أخرى كالنشاء والأرز المطحون، وهذه لن تكون غنية بالبروتينات والطاقة بما يكفي، وقد تسبّب أضررًا بصحّة الرضيع لعدم تناسق تركيبتها مع طبيعة جسمه، وذلك سيترك أثرًا كبيرًا على الصحة العامة للطفل، بحسب طبيب الأطفال “لؤي حمروش”

نقابة الأطباء تتراجع عن قرار تحديد تسعيرة الكشفيات

وتراجعت نقابة الأطباء عن قرارها الذي أصدرته مطلع الشهر الحالي والذي يحدد تسعيرة الكشف الطبي للطبيب العام بدولارين أمريكيين كحد أدنى، وست دولارات كحد أعلى، وللطبيب المختص بثلاث دولات كحد أدنى وثمان دولارات كحد أعلى، وذلك بعد موجة من الانتقادات والاستياء الشعبي، حتى من بعض الأطباء الذين عبروا عن رفضهم لهذا القرار :كالدكتور “محمود جمعة رحال” الذي نشر عبر صفحته على الفيس بوك ” أعلن عدم التزامي بقرار تحديد تسعيرة للكشف الطبي الذي انتشر مؤخراً، وهذه النقابة لا تمثلني ولست معنياً بها ولا أعلم متى أوكلوا انفسهم عنا، الكشف الطبي للجميع ولا يقاس بمال وأخجل من الحديث عن المال مقابل الانسان”، “وكتب الطبيب “ياسر الكنش أيضاً: “قرار تسعيرة الكشف الطبي صدر بدون التشاور معنا وتم رفضه من قبل الغالبية العظمى من الأطباء”.. “اطمئنكم لن يتم العمل بمقتضاه”.

ويشهد القطاع الخاص تراجعاً في عدد المراجعين للمشافي الخاصة، بحسب الدكتور “منذر حلبي” أخصائي بولية في مشفى الظلال الخاص بمدينة الدانا، والذي تحدث عن أهمية العمل الطبي الخاص فهو مكمل للعمل العام، وأساسي ببعض المجالات غير المتوفرة بالقطاع العام كالقثطرة والجراحة القلبية، وعن أجور المعاينات قال “حلبي” كانت المعاينة الطبية سابقاً خمسمئة ليرة سورية أي ما يعادل أحد عشر دولاراً أمريكياً، وحالياً لا تتعدى خمسة آلاف ليرة سورية غالباً أي ما يعادل دولار ونصف، وأضاف أن جميع المستلزمات الطبية تُشترى بالدولار والمحروقات تقريباً بما يتماشى مع الدولار (برميل المازوت ثلاثمئة ألف ليرة سورية)، وأوضح أنه لا يمكن رفع الكشف الطبي مثل أي مادة اعتماداً على الدولار، ويجب الأخذ بعين الاعتبار دخل المواطن، ووضع تسعيرة تتماشى مع الوضع الراهن بحيث تناسب المواطن وتضمن الاستمرار بالعمل.

وقال مسؤول الرقابة الدوائية في مديرية صحة إدلب مصطفى الدغيم لفوكس حلب ” كان لانهيار الليرة السورية أثر كبير على القطاع الصحي، وعلى المريض بشكل خاص، خاصةً ما يتعلق بشراء الأدوية، فالقوة الشرائية انخفضت لدى المواطنين بشكل كبير، لأن الليرة السورية هي العملة المتداولة في أيدي الناس، وعندما انخفضت قيمتها مقابل الدولار، مع العلم أن جميع الأدوية تعتمد في صناعتها على الدولار، لأن المواد الأولية والسواغات تستورد من الخارج وبالدولار، وهو ما انعكس بشكل سلبي على صحة المواطن وقدرته على تأمين الدواء، والاستطباب بالأدوية الوطنية الموجودة، والمستوردة التي تباع بالدولار”.”

وأردف: ” أن انهيار الليرة أثر على القطاع الصحي وفعاليته في موضوع التعاملات وشراء اللوجستيات والأجهزة الطبية، حتى قيمة الكشف الطبي عند الأطباء، في العيادات والمشافي الخاصة، وأصبح المريض عاجزاً عن دفع قيمة الكشف الطبي أو العمل الجراحي إذا اضطر لعمل جراحي”

وختم بقوله أن” تراجع سعر الصرف أدى إلى إحجام بعض مستوردي الأدوية وأصحاب المستودعات والصيدليات عن بيع الأدوية بسبب تراجع قيمة مدخراتهم من الأدوية ”

ولا تقتصر معاناة المرضى على غلاء أسعار الدواء وكشفيات الأطباء وأجور العمليات، فالمواصلات وتكاليفها أصبحت كارثة بحد ذاتها، إذ يحتاج المريض لنحو خمسين ألف ليرة للوصول إلى المشفى من منطقة حارم إلى إدلب، وخمسة وسبعين ألف ليرة للوصول من الدانا إلى إدلب، على سبيل المثال، بينما تحتاج لخمسة وعشرين ألف من المناطق القريبة، ويعتمد  المرضى على منظومة الإسعاف والتي لا تلبي حاجات معظم السكان، وقد ينتظرون لساعات طويلة ريثما يتم تأمين سيارة تقلهم إلى المشفى.

ويوجد في محافظة إدلب 75 مركزاً صحياً، و52 مشفى و37 مشفى متخصصاً و50 سيارة اسعاف و٣٠ مستودع أدوية، و٥٠٥ صيدليات بحسب مديرية الصحة.

لإيجار المنازل قصة أخرى

كثر من السكان النازحين والمهجرين يلجؤون إلى استئجار المنازل، خاصة في المدن، أملاً بتحصيل فرصة عمل، كذلك في القرى والبلدات التي اكتظت نتيجة الأعداد الكبيرة للنازحين الهاربين من حياة الخيام، معظم هذه البيوت كانت تؤجر بالليرة السورية وبمبالغ باهظة مقارنة بسعر الصرف القديم، إلا أنه وفي الآونة الأخيرة لجأ أصحاب المنازل إلى تحديد قيمة الإيجار بالدولار أو الليرة التركية.

يحتج أصحاب المنازل إن السعر لم يرتفع، مبلغ خمسون ألف ليرة كان يساوي نحو ٥٠ دولاراً منذ أشهر قليلة، لكن سعر الصرف هو من تغير، وتجنباً للوقع في مشكلة رفع الإيجار بالليرة السورية حددوه بالدولار أو الليرة التركية.

ويقول من التقيناهم من المستأجرين إنهم يتقاضون رواتبهم بالليرة السورية، ولا يمكن ربط أي سلعة أو إيجار أو فاتورة بالدولار أو الليرة التركية إلا عندما تتغير أجورهم للعملة المطلوبة، “نحن لسنا في أوروبا أو أمريكا أو تركيا” ليتم محاسبتنا بعملاتهم، معظم ما نتقاضاه لا يكفي أجرة بيت في قرية نائية وبحالة يرثى لها، بعد أن ارتفع إيجار المنازل بالليرة السورية لأربعة أو خمسة أضعاف سعره القديم.

يقول عبد الله أحد السكان إنه يدفع اليوم ثلاثمائة ألف ليرة أيجاراً لمنزله، بينما يتقاضى محمد الحلبي (مالك لأحد المنازل) مئة وخمسون ألفاً عن بيته بدلاً من ثلاثين ألف كان يتقاضاها منذ أشهر.

بين المالك والمستأجر، يعيش السكان حالة من الحنق والغضب الاتهامات، وكلاهما يبرر ما يفعله بالأسعار المرتفعة على كل شيء.

تجار الأغذية ومحلات الصرافة

أثرت التقلبات الأخيرة التي أصابت سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار على كافة فئات المجتمع بما فيهم التجار ومحلات الصيرفة، وتغيرت القاعدة التي حفظناها منذ الصغر، بأن التاجر لا يخسر، والاحتياطات التي اتخذها التجار مثل إغلاق المحال أو احتساب سعر البضائع بالسعر الذي يتناسب مع سعر الصرف اللحظي لم تفلح بالحفاظ على تجارتهم ومرابحهم بالشكل الذي يتمنون.
تعتمد إدلب في استجرار المواد الغذائية على تركيا بشكل رئيس إذ تشكل قيمة الواردات التركية نحو 90% في حين تدخل باقي المنتجات عن طريق النظام عبر طرق التهريب بحسب التجار الذين التقيناهم.

الصورة للازدحام على محلات الصيرفة في إدلب -المصدر أنترنيت

وعن أسباب ارتفاع أسعار المواد الغذائية يقول غياث السلوم تاجر مواد غذائية “لعبت عدة عوامل بارتفاع أسعار المواد الغذائية بالإضافة لارتفاع سعر الصرف، والذي يشكل العامل الأبرز في الغلاء الكبير الذي طال تلك المواد في حال تم تسعيرها في الليرة السورية.

ويضيف السلوم إن إغلاق الطرق المؤدية إلى إدلب بسبب جائحة كورونا ساهم بشكل فوري باحتكار بعض التجار للسلع ورفع أسعارها لتحقيق مرابح إضافية في حين عمد آخرون لاستجرار مواد غذائية من مناطق النظام عبر طرق التهريب، ما أجبرهم على دفع تكاليف إضافية ستضاف على قيمة المادة الرئيسية، والتي ستنعكس بشكل مباشر على المواطن، ناهيك عن البضائع التي باتت تصدر من سوريا إلى تركيا ثم تدخل من تركيا إلى إدلب ما حمّلها تكاليف إضافية زائدة لم يعتد عليها المواطن.
يقول السلوم إن عدداً من تجار الجملة تعرضوا لخسارات هذه الفترة، ولشرح أسباب الخسارة يضرب السلوم مثالاً فيقول: قد تنقطع إحدى المواد من الأسواق نتيجة إغلاق الطرق وبعد أيام تدخل نفس المادة عن طريق التهريب لكن بأسعار مرتفعة، فيجد التاجر نفسه مجبراً على الشراء بالسعر المطلوب، بعد أيام قد تدخل نفس البضاعة بشكل اعتيادي وبأسعارها القديمة ما يجبر البائع على البيع بالسعر الجديد وتحمل الخسارة من جيبه، ناهيك عن فروق أسعار صرف الليرة خلال اليوم الواحد، إذ قد يرتفع الدولار بشكل متسارع دون أن يتمكن التاجر من تحويل العملة السورية التي بين يديه إلى دولار، فيخسر فرق السعر.


يقول السلوم في السابق كانت أغلب تعاملاتنا مع مكاتب الصرافة على الهاتف يكفي أن نخبره بكلمة “ثبت ألف دولار بسعر كذا” وحين نفرغ من عملنا نسلمه الأموال السورية ونأخذ الدولار، أما اليوم فمكاتب الصرافة ترفض هذه الطريقة ولا تعتمد إلا على البيع وجهاً لوجه.
تاجر المواد الإغاثية أحمد العبدو أكد فكرة السلوم وقال إن سعر بعض المواد التموينية ينخفض أحياناً بشكل مفاجئ من مصدره أو بسبب طرح كميات كبيرة في الأسواق، ما يعرض التاجر لخسارة حتمية باستثناء المواد التي يتم تهريبها لخارج المنطقة فتحافظ على أسعارها.
وأضاف أحمد إن خسارة التاجر الحقيقية تكمن في ركود الأسواق وضعف حركة البيع والشراء، إذ يعتمد الناس على شراء الحاجيات الضرورية فقط وبكميات قليلة، فيتراجع عمل التاجر الذي يتكلف نحو أربعمئة دولار شهرياً كأجور محل ومستودعات وعمال.
مؤخراً ارتفعت كثير من الأصوات التي نادت باستبدال العملة السورية بالعملة التركية والتي قد تعتبر مخرجاً لتخفيف الأزمة في مناطق المعارضة، إلا أن عداً من المدنيين الذين التقيناهم يرون أن تلك العملية لن تغير بشكل كبير في الواقع المعاشي في إدلب، لأن مشكلة الناس الرئيسية في تدني الأجور وانخفاض مستوى دخل الفرد، واستبدال الليرة السورية بالليرة التركية لن يرفع من دخل الفرد.
في الوقت ذاته بدأت مخابز إدلب ومحطات المحروقات بالتعامل بالليرة السورية بشكل كامل ما خلق أزمة جديدة لمحلات الصرافة التي شهدت ازدحاماً كبيراً لتحويل العملة السورية إلى تركية، إضافة للأزمة التي خلفها القرار المفاجئ على المدنيين الذي وقفوا بطابور طويل أمام بنك الشام في مدينة إدلب للحصول على فئات نقدية صغيرة من العملة التركية بحسب من التقيناهم.
وعن الطريقة التي يتم فيها تحديد سعر صرف الدولار في مناطق المعارضة يقول هيثم محمد ٠صاحب شركة العقاد للصرافة) “يعتبر موضوع العرض والطلب هو العامل الأساسي في تحديد سعر صرف الليرة السورية، إذ يرتبط أصحاب مكاتب الصرافة بمجموعات يتم فيها التداول بشكل ضخم، مثلا قد يكون سعر صرف الدولار 2600 فيعلن أحد المشتركين عن حاجته لشراء عشرين ألف دولار بقيمة 2650، ما يعني دخول كميات من العملة السورية إلى الأسواق ورغبة الصرافين باستبدالها، الأمر الذي يزيد الطلب على الدولار ويرفع سعره، والأمر نفسه يتم بعملية عكسية عند انخفاض السعر”.
وعن أثر تقلب أسعار الصرف على العاملين في المهنة يقول المحمد: تعرض عدد من أصحاب المكاتب للخسارة وهذا الأمر متوقع في سوق الأوراق المالية، وخاصة التجار الذين كانوا يملكون رصيداً ضخماً بالعملة السورية.
وأضاف المحمد تعاني كافة شركات الصرافة من قلة الفئات النقدية الصغيرة من الدولار، بسبب اعتماد الناس على تصريف مبالغ بسيطة وبشكل أولي خوفاً من ارتفاع جديد يؤثر على قيمة العملة السورية التي يستعملونها، إقبال الناس على هذه الطريقة ساهم بسحب الفئات النقدية الصغيرة من يد أصحاب الشركات وتوزعت بين المدنيين، الأمر الذي أجبر البعض على تصريف مبالغ أكبر من حاجتهم أو اعتمادهم على التصريف إلى العملة التركية ما يعرضهم لخسارة فروق التصريف مرتين.
تنقل أسامة العمر بين عدد من محلات الصيرفة في مدينة إدلب حتى تمكن من العثور على مكتب يقبل بتصريف مبلغ خمسين دولاراً من المئة التي يملكها بحجة عدم وجود قطعة من فئة الخمسين، يقول أسامة اعتدت أن أصرف عشرين دولاراً في كل مرة لأن الأسعار تتبدل باستمرار وتفقد الليرة قيمتها لكن هذه المرة كنت مجبراً على القبول بالأمر، فحولت جزءً من المبلغ إلى التركي والجزء الآخر لليرة السورية.

الحلول برأي الناس وبدء تطبيقها

يقول من تحثنا معهم خلال هذا التحقيق من مدنيين وتجار وأطباء إن الحل يبدأ من تحسين واقع المواطن وإيجاد فرص عمل للسكان، وإيجاد قوانين تفرض على أصحاب العمل مراعاة انهيار العملة وتغير سعر الصرف، ومن الممكن وضع هذا السعر بعملة أكثر استقراراً، كالليرة التركية، شريطة أن يتقاضى العامل أجره بها أو ما يعادلها من الليرة السورية.

كذلك في إيجاد قوانين تراقب التجار والبائعين، وتحدد أسعار المواد وبيعها في الأسواق وتلغي سياسة العرض والطلب القائمة، كما يجب تنظيم عمل الصرافين الذين يتحكمون بأسعار الليرة السورية في المنطقة، ويفرضون ارتفاعها أو انخفاضها.

كما يجد من تحدثنا معهم في تحول المنظمات الإنسانية لدعم المواد الأساسية كالخبز والوقود والأدوية حلاً يساعدهم في تجنب الكارثة، بعد أن تفاقم خطر الوصول إلى “كارثة” إنسانية ستطال الجميع، دون استثناء.

إما فيما يخص الدعم الحكومي، فلا يعول المواطنون على الحكومات الحالية التي تقف في كل مرة مكتوفة الأيدي، تنتظر شأنها شأن المواطنين معجزة تغير من واقع الحال.