فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

مقبرة كفر سجنة.

عن قبور النازحين في إدلب.. حرمان من مسقط الرأس وقبور مدفوعة الثمن

سيرين مصطفى

يؤكد الخضر “أن النازح يعامل معاملة المقيم، ويعمل المكتب على تأمين خدمة الدفن بالحد الأدنى من الأجور، إذ تبلغ كلفة الدفن اليوم نحو أربعين ألفاً تشمل عملية نقل المتوفي والتغسيل والتكفين وأجور حفر القبر، وفي حال لمست الجمعية أن ذوي المتوفي من الفقراء يتم إعفاؤهم من الرسوم اللازمة، إذ يتم إعفاء عائلتين بشكل شهري”.

اضطر أبناء الحاج “أبو أحمد” من بلدة كفرسجنة (جنوب غرب مدينة معرة النعمان) لدفن والدهم في مدينة سلقين (شمال غرب سوريا)، بعد تعذر تنفيذ وصيته بالدفن في مسقط رأسه لسيطرة قوات الأسد عليها.

أقلق الموت الحاج أبو أحمد قبل وفاته، يخبرنا أبناؤه أنه كان يعرف صعوبة ما يطلبه، خاصة وأنه شهد التهجير الذي طال معظم السكان نتيجة القصف والمعارك الدائرة، ليحط بعائلته المقام في واحدة من خيام دير حسان، قبل أن تسيطر قوات الأسد نهاية شباط الماضي على البلدة، ولم يكن يعرف قبل موته أنه سيدفن بعيداً عن بلدته وعن خيمته، إذ اضطر أولاده لدفنه في سلقين التي تبعد نحو خمسين كيلو متراً عن مكان نزوحهم الجديد.

مقابر للمقيمين وأخرى للنازحين

يشكل الموت عائقاً جديداً في وجه سكان المخيمات، في الوقت الذي غابت فيه معظم مراسم الجنائز التي كانت متبعة في السابق، بعد أن ضاقت المخيمات بقاطنيها الأحياء، ما منعهم من إقامة خيام للعزاء ودفن موتاهم في قرى بعيدة يسمح لهم سكانها بدفن موتاهم فيها.

دفن الموتى في مسقط الرأس تقليد حرص معظم السوريين على اتباعه منذ القدم، أياً كانت أماكن إقامتهم في المحافظات السورية أو خارج البلاد، وفي ذلك راحة “معنوية” يخبرنا من تحدثنا معهم عنها، بأنهم يشعرون بالعزاء والسلوى بين أهلهم، كما زن دفنهم في قراهم يسهل زيارة الأموات وقراءة الفاتحة على أرواحهم في كل مناسبة. تلك الراحة دفعت بعض العائلات إلى اليوم إلى اتباع هذا التقليد نفسه، مع ما يحمله من مخاطرة، يقول عبد الرحمن وهو أيضاً من قرية كفرسجنة، إن اثنين من أخوته توفيا في فترات متقاربة بعد نزوحهما، وكانت قوات الأسد لم تسيطر بعد على البلدة، لذلك قرر دفنهما في مسقط رأسهما متحملاً مخاطر الطريق والقصف، إلا أنه شعر بالراحة لما فعله.

سكان آخرون حال دون دفن ذويهم في قراهم استحالة الوصول إليها، لتبدأ رحلة البحث عن مقابر تقبل بدفنهم فيها، وهو ما لم يسعف به الحظ عبد الرحمن السيد (من مدينة حريتان بريف حلب الغربي) الذي منع من دفن والدته في بلدة قاح، ما اضطره لدفنها في أحد الجبال، بحسب الفيديو الذي نشرته صحيفة حبر.

وبحسب التقارير المنشورة عن القصة فإن منع الدفن جاء بحجة منع دفن الغرباء في مقابر القرية! ولم نتمكن من معرفة الأسباب التي دفعت أهالي قاح لمنع عبد الرحمن من دفن والدته إلا أن مسؤول شعبة أوقاف أطمة قال في التقرير “إن موضوع المقابر يعود بشكل مباشر للأهالي ولا علاقة لشعبة الأوقاف به، لكنه أكد دفن عشرات النازحين في بلدة قاح كما تحدث عن وجود مقبرتين خاصتين بالنازحين في بلدتي كفرلوسين وأطمة”.

ويشترك النازحون في كل من مخيم شهد روحين وملحقاته، وكفرلوسين والفرقان والتوحيد والتضامن والجولان والسلام والنصر وعدة مخيمات أخرى بدفن موتاهم في المقبرة الخاصة التي توجد بيم بلدتي كفرلوسين ودير حسان.

لا يمكن تعميم تجربة عبد الرحمن على كافة المناطق إذ أكد بعض من التقيناهم أنهم دفنوا موتاهم في أماكن نزوحهم دون أي معوقات، تقول سمر البيوش “نازحة من قرية مدايا في ريف إدلب الجنوبي”: عندما توفي قريبي قمنا بدفنه في قرية كفر يحمول، دون أي صعوبات ولم ندفع أي ثمن مقابل القبر إذ تكفل أهل القرية بالموضوع وكانوا عوناً لنا خلال فترة العزاء.

قبور مدفوعة الثمن والفقراء يدفنون مجاناً

لم يكن مألوفاً أن يدفع أحد السكان في جميع قرى وبلدات محافظة إدلب ثمن قبورهم، وغالباً ما كان يخصص أهالي هذه القرى مساحة للمقبرة، يتعاون على حفر القبور فيها وتجهيزها شبان منها، وغالباً ما كانت الأكفان أيضاً تقدم دون ثمن، ويتكفل بها أحد الأشخاص الذي يخفي اسمه، ويقدمه لأهل الميت المشغولين بمصابهم.

أما في الوقت الحالي فيختلف الحال بين قرية وأخرى، إذ تشرف لجان الأوقاف والمجالس المحلية على المقابر وعمليات الدفن، يقول مصطفى حداد “رئيس المجلس المحلي لمعرة مصرين” ” إن المجلس المحلي يشرف على المقبرة بشكل مباشر، ولديه ورشة مسؤولة عن حفر القبور، وقد تتولى أمور الدفن في بعض الأوقات مقابل أجر مادي يبلغ نحو خمسة وعشرين ألف ليرة سورية، بدون ثمن الكفن، وفي حال كانت عائلة المتوفي من الفقراء يقوم المجلس المحلي بدفع تكاليف الدفن.
وأكد “الحداد” أن أي شخص بإمكانه الدفن في مقبرة البلدة، شريطة أن يعلم المجلس قبل الدفن للتأكد من أن الوفاة طبيعية، فالدفن بشكل سري ودون إعلام المجلس قد يترك شكوكاً حول  طبيعة الوفاة.

كما تتكفل لجنة أوقاف الدانا بدفع تكاليف القبر للفقراء، وقال حافظ لطوف رئيس اللجنة” تقوم لجنة الأوقاف بتأمين غسل كل الأموات وتكفينهم بشكل مجاني، وتعمل على تغطية تلك النفقات من خلال التبرعات التي يتم تجمعها، كما أنها تتكفل بدفع تكاليف القبر للعوائل الفقيرة.

في حين تتولى جمعية البر أمور الدفن في مدينة إدلب ويقول عبد الكريم الخضر مشرف مكتب دفن الموتى “في حال حدوث وفاة ينبغي على ذوي المتوفى، إثبات الحالة لدى مختار الحي والذي سيمنحهم ورقة تحويل لجمعية البر، والتي تقوم بدورها بإرسال سيارة لنقل الميت إلى المغسل ويقومون بتغسيله وتكفينه ثم دفنه في أحد القبور التي جهزها المكتب في وقت سابق.
يؤكد الخضر “أن النازح يعامل معاملة المقيم، ويعمل المكتب على تأمين خدمة الدفن بالحد الأدنى من الأجور، إذ تبلغ كلفة الدفن اليوم نحو أربعين ألفاً تشمل عملية نقل المتوفي والتغسيل والتكفين وأجور حفر القبر، وفي حال لمست الجمعية أن ذوي المتوفي من الفقراء يتم إعفاؤهم من الرسوم اللازمة، إذ يتم إعفاء عائلتين بشكل شهري”.

مراسم العزاء غير مكتملة

يشكل العزاء أحد أهم الطقوس التي تحظى باهتمام السوريين، لكن ظروف النزوح أبعدت البعض عن هذا الطقس، إذ تفرق أبناء البلدة الواحدة وباعدت بينهم المسافات، كما لعبت المخيمات دوراً سلبياُ في هذه الناحية بسبب ضيق مساحاتها واستحالة استقبال الضيوف ضمن الخيمة التي تضيق على أفراد العائلة نفسها.

يقول بشار العيسى “نازح في مخيمات قاح”: “توفيت  قريبتي منذ مدة، وبعد عجزنا العثور على مكان لاستقبال المعزين، قررنا تحديد مكان عزاء للنساء في مخيم قريب من أطمة، في حين كان عزاء الرجال في مخيم قرب قاح، إذ كانت تلك الوسيلة الوحيدة التي مكنتنا من استقبال المعزين.
في حين قال عماد الطالب إنه وفي حالات الوفاة نبحث عن أرض فارغة قرب المخيم، ونطلب إذن صاحبها لبناء بيت العزاء المخصص للرجال، وتتكفل عائلتين أو ثلاثة باستقبال النساء في خيامهم تفادياً لموضوع الازدحام.
يضيف الطالب نسعى بكافة الوسائل المتاحة لتأمين واجب التعزية بسبب الدور الكبير الذي يلعبه في دعم أهل الفقيد من الناحية المعنوية أو المادية، إذ يصعب على بعض العوائل تحمل نفقات الوفاة بشكل منفرد.

يقول بعض من التقيناهم من النازحين إن صعوباتهم اليوم باتت معنوية أكثر من المادية، إذ باتوا محرومين من الموت والدفن ضمن الأرض التي عاشوا حياتهم عليها، ويتساءلون إن كان الوقت سيسعفهم بقراءة الفاتحة على أرواح موتاهم في المستقبل، بعد أن بات الوصول إلى المدافن يتطلب ساعات من الوقت، إضافة لكلفة النقل العالية.