فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

صورة تعبيرية -إنترنيت

“الدايّة” بين الماضي والحاضر (جيبو المي السخنة)

زهرة محمد

لا يقتصر عمل الدايّة على الولادة، كشائع الفهم، إلا أن عملها كان أكثر من ذلك بكثير، إذ تعتبر من الشخصيات الموثوقة ذات المكانة الكبيرة في المدن السورية كافة، وكان عمل الداّية يشمل الكشف عن المرأة قبل الحمل، ووصف الأعشاب اللازمة لزيادة الخصوبة لديها، أيضاً إحضار وصفات للعلاقات الزوجية، والتوليد ومراقبة الحامل في كافة مراحل حملها، وكان للداية صيت كبير ونفوذ، حيث يمكن أن تسمعها ربات البيوت، وكانت النسوة تتباهين عندما يكون منزلهن بقربها (أنا بيتي جنب الداية. إلي شباك بنفد الداية).

كرست العديد من الأعمال السورية شخصية الداّية، والتي تطرق الباب بعشم كبير، وتدخل للمنازل بقوة وثقة وتطلب الطعام بشكل فج والتي تكون منفرة ومتكلفة في بعض الأحيان، التصور عن الدايّة بأنها امرأة فضولية، تبحث عن الطعام كأشعب! ولديها من الفضول الكثير والكثير، حيث يستنكر عليها ذلك من يراها ويجالسها. ولكن الواقع غير ذلك على الإطلاق، فالداية هي السيدة التي تعتبر ملاذاً لكل حاجات النساء في العقود المنصرمة، والمرأة التي لا يستغني عنها، حيث كان يحرج على النساء الذهاب للطبيب.

لا يقتصر عمل الدايّة على الولادة، كشائع الفهم، إلا أن عملها كان أكثر من ذلك بكثير، إذ تعتبر من الشخصيات الموثوقة ذات المكانة الكبيرة في المدن السورية كافة، وكان عمل الداّية يشمل الكشف عن المرأة قبل الحمل، ووصف الأعشاب اللازمة لزيادة الخصوبة لديها، أيضاً إحضار وصفات للعلاقات الزوجية، والتوليد ومراقبة الحامل في كافة مراحل حملها، وكان للداية صيت كبير ونفوذ، حيث يمكن أن تسمعها ربات البيوت، وكانت النسوة تتباهين عندما يكون منزلهن بقربها (أنا بيتي جنب الداية. إلي شباك بنفد الداية).

وكانت الداية تبشر بقدوم المولود، وتعمل بالتنبؤ على العلامات الموجودة في المرأة الحامل لمعرفة جنس الجنين، فمثلا إذا كانت المرأة “بشعة في الحمل وأنفها كبير وبطنها مكوز” تكون حاملاً بذكر، أما صاحبة الوجه الجميل والبطن المستدير فهي حامل بأنثى.

وكانت تكشف عن فترة الولادة بـ “قياس الأصابع” عبر وضع اليد على أسفل البطن فإن كانت المسافة قليلة والبطن (هابط)، كما كان يتداول بين النساء، فالحامل على وشك الولادة، وإن كان مرتفعاً فهناك وقت أو عدة ايام قبل الولادة، أيضا تعرف إن كان هناك مشكلة لدى الحامل من حالة الدوار الكثير والغثيان وتصف لها بعض الأطعمة التي تساعدها وتسهم في تحسين صحة الجنين

عند المخاض، كانت الدايّة تأتي لبيت (الولاّدة) وهذا المصطلح كان يطلق على المرأة التي بدأ مخاضها، وكانت تصف لها الماء الساخن والسكر لتسريع عملية المخاض، ولكن يجب أن تكون كمية السكر كبيرة جداً، فقد تملأ نصف كمية الماء ونصفها سكر!

أيضا من الاختبارات شرب النعناع الساخن، كي يتم تمييز المخاض عن “مغص البطن” العادي، فإن توقف الألم فليس هناك مخاض والعكس صحيح.

هذه العادات اكتسبتها وتعلمتها النساء السوريات منذ قرون، وما زلن يتبعنها إلى يومنا هذا، وأصبحت عادة دائمة ومتوارثة لدى الأم لابنتها وهكذا..

أيضا كانت الدايّة تصطحب المرأة بعد الولادة بأسبوع إلى حمام السوق، كي ينزل من ثدييها الحليب (الدّرة) بعد (الصمغة). وكانت الدايّة تعرف تماما حالة كل امرأة على حدة، ولم تكن نساء الحي أو الحارة يبتعدن عن مشورتها في أمور الزواج والولادة والحمل بشكل عام. أيضا كانت ترافق النساء اللاتي يردن الخطبة، فتختبر الفتاة وتراها إن كانت مناسبة للزواج أم لا.

الداية في يومنا هذا

انحسرت مهنة الداية تدريجياً  مع انتشار الوعي لدى غالبية الناس في سوريا، وأصبح أغلب الناس يعتمدون على الأطباء مع تقدم العلم والتطور، وقلت الثقة في المرأة التي تدخل البيوت وتتعلم المهنة عن أمها دون دراية كافية، ومع التطور أصبح الناس أكثر دراية وعلماً بمخاطر الولادة في المنزل دون اهتمام طبي، لأن الداية لا تستطيع حماية المرأة في الحالات الصعبة ولا إسعافها، ففي حالات كثيرة في الماضي كانت المرأة تموت دون معرفة السبب وذلك نتيجة عدم معرفة الداية بأنها قد تحتاج لعملية قيصرية، أيضا عدم التدخل السريع لإنقاذ المولود في الحالات المتعسرة، وإيقاف النزيف المفاجئ .

كما يعتمد الناس بدرجة كبيرة على “القابلات القانونيات” واللواتي يدرسن مدة من الزمن في معاهد مختصة، ويتعلمن “التوليد” و الإسعافات الأولية ويعتمد عليهن في الولادات الطبيعية سواء في المنازل أو المشافي، في حين تقتصر مهمة الولادة الجراحية “القيصرية” على الأطباء والطبيبات ولا يسمح للقابلات بإجرائها.