فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

من ذكرى جمعة أطفال الحرية في إدلب

في ذكرى مجزرة أطفال الحرية.. ساحة العاصي على مدرج الحديقة العامة بإدلب  

محمد الأسمر

كانت جمعة أطفال الحرية نقطة فاصلة بمسيرة الاحتجاجات في حماة، وقدم النظام على إثرها عدداً من التنازلات كان أولها إزالة أكبر تمثال لحافظ الأسد من دوار النسر جنوبي حماة وسحب العناصر الأمنية من الشوارع فبدأت أعداد المتظاهرين تتضاعف لتصل في الجمعة التي تلت المجزرة لأكثر من 300 ألف حسب تقديرات المشاركين

 بدعوة من الحراك الثوري في حماة شارك مجموعة من المدنيين بإحياء ذكرى مجزرة أطفال الحرية، والتي وافقت يوم أمس الثالث من حزيران الجاري، عبر فعالية تم تنفيذها في مدينة إدلب بمشاركة عدد من الناشطين الذين تصدروا المشهد الثوري بحماة في تلك الفترة
تخلل الفعالية مجموعة من الأناشيد الثورية وبياناً للحراك الثوري يشرح أهمية المناسبة وضرورة ترسيخ مثل هذه الأحداث في أذهان السوريين لتبقى شاهداً على انتهاكات قوات الأسد، إضافة لبعض الفقرات الشعرية، وفقرة مسرحية جسّد فيها مجموعة من الأطفال مجزرة أطفال الحرية.

يقول أحمد صباح منسق الأنشطة في الحراك الثوري إن “الهدف من الفعالية تسليط الضوء على المجازر التي ارتكبتها قوات الأسد في حماة خلال مجزرة أطفال الحرية والمجازر الأخرى، مثل العقيربات وكفرطون والقبير والتريمسة واللطامنة”.

من ذكرى جمعة أطفال الحرية في إدلب
من ذكرى جمعة أطفال الحرية في إدلب

وعن اختيار الثالث من حزيران للفعالية يقول الصباح إن هذا الاختيار تم لما تعنيه ذكرى مجزرة أطفال الحرية ودورها الرئيسي في تحريك الشارع الحموي، ناهيك عن كونها المجزرة الأولى التي تم قمع فيها المتظاهرون بهذه الوحشية.
في الثالث من حزيران سنة 2011 توجه عدد من أهالي مدينة حماة إلى ساحة العاصي، وذلك لموقعها الوسطي في المدينة ومساحتها الواسعة والتي تسمح بتجمع أعداد كبيرة، بعد اتفاقهم على أن تكون مركزاً للمظاهرة التي دعت لها تنسيقيات الثورة في جميع المناطق السورية تحت اسم “أطفال الحرية”، إثر استشهاد الطفلين “حمزة الخطيب وتامر الشرعي”، على يد قوات الأمن في نهاية شهر أيار من العام ٢٠١١.

عبد الحميد الشحنة (واحد من أبناء مدينة حماة) والذي كان حاضراً في المظاهرة، وما يزال يذكر تفاصيل ما حدث وقتها روى لنا في شهادته “توجهت إلى أحد مراكز التجمع بعيداً عن الحي الذي أسكن فيه خوفاً من الوشاية بي لأحد الأفرع الأمنية، خاصة وأن المخبرين كانوا يملؤون الأحياء”.

يخبرنا الشحنة أن التجمعات كانت تخرج من أمام المساجد بعد انتهاء الصلاة، ليتوجه المتظاهرون عبر طرقات متنوعة ومعروفة من قبل الأهالي لدخول ساحة العاصي بشكل جماعي، وفي يوم مظاهرة أطفال الحرية يقول “سرت رفقة أصدقائي باتجاه حي الحميدية لإخراج اللافتات التي كنا قد جهزناها قبل يومين من المظاهرة، وعند وصولنا كان المتظاهرون قد نصبوا مشنقة علقوا عليها تمثالاً لبشار الأسد كرد رمزي على قتل أبناء الشعب السوري، وكان آخرهم في ذلك الوقت حمزة الخطيب”.

والطفل حمزة الخطيب هو من أبناء بلدة الجيزة في محافظة درعا، يبلغ من العمر ثلاثة عشر عاماً، اعتقلته قوات الأمن خلال مظاهرة خرج بها رفقة أهله لفك الحصار عن مدينة درعا، لتسلمه بعد فترة لأهله “جثة هامدة”، وأظهرت مقاطع الفيديو جثة الطفل الذي تعرض للتعذيب بوحشية، كان وجهه منتفخاً وعلى جسده ثقوباً من آثار التعذيب والحرق بالسجائر. شكل قتل حمزة وتعذيبه نقطة تحول في الثورة السورية، لترتفع حدة الاحتجاجات التي عمت معظم المناطق.

من ذكرى جمعة أطفال الحرية في إدلب
من ذكرى جمعة أطفال الحرية في إدلب

يقول الشحنة إن الجموع سلكت طريق حلب، لتدخل منطقة الحاضر، شارع سعيد العاص وهو الطريق الذي ينتهي بساحة العاصي ويحوي عدداً من المؤسسات الحكومية كمبنى قيادة الشرطة وفرع حزب البعث الذي بني في حارة فرعية باتجاه فندق أفاميا، ويبعد عن الطريق نحو مئتي متر، على أنقاض منازل حارة الكيلانية التي دمرها الأسد الأب في العام ١٩٨٢، وكان يتوجب على المتظاهرين المرور بها للوصول إلى الساحة. وكان عناصر الأمن يحيطون بالمبنى ويعتلون أسطحه في ذلك الوقت.
قام عدد من الشباب المتظاهرين بالوقوف كسد بشري على الطريق المؤدي للفرع لمنع أي تصرف فردي قد ينتج من أحد المتظاهرين تجاه عناصر الأمن المتواجدين أمام الفرع تجنباً لرفع حدة التوتر، كانت الغاية يومها الوصول لساحة العاصي دون أي احتكاك مع القوى الأمنية والتي كانت قد فتحت الطرقات باتجاه الساحة بشكل طبيعي في الجمعة الماضية أمام المتظاهرين الذين وصولوا إلى ساحة العاصي وقتها.

كانت الآمال أكبر هذه الجمعة وتوقع المتظاهرون أن يصل عدد المشاركين إلى مئة ألف شخص، ما يعني دخول مرحلة جديدة من  الاحتجاج في سوريا، عن طريق تشكيل مظاهرات حاشدة ومنظمة على غرار مظاهرات مصر وخلافاً للمظاهرات السابقة التي عرفت بـ “الطيارة”.

وقف “الشحنة” على زاوية الطريق المؤدي إلى فرع الحزب محاولاً التقاط صورة لأب يحمل طفله على كتفه ويحاول أن يجثو على ركبتيه ليصبح الطفل مقابل عنصر الأمن ويقدم له وردة، إذ كان تقديم الورود لعناصر الأمن أحد فعاليات المظاهرة في محاولة للتأكيد على سلمية الثورة، وفي تلك اللحظة سمع المتظاهرون صوت طلقة من الرصاص تلاها عدة رشقات أخرى، لم يتوقع المتظاهرون أن تكون رصاصاً حياً، بحسب الشحنة، لكن أصوات الرصاص كانت تقترب وشاهد الشحنة عدداً من المتظاهرين سقطوا بعد إصابتهم بطلقات نارية، يقول إن المتظاهرين ركضوا في جميع الاتجاهات، هو أيضاً لجأ إلى زاوية أحد الأبنية للاحتماء، كان متوتراً ومتفاجئاً في آن معاً، شأنه شأن من رآهم واعتلت وجوههم علائم الذهول، إذ لم يكن هناك ما يوحي بأي توتر، ولم تحصل أي مشادات كلامية مع عناصر الأمن.

لحظات مرة التقط فيها المتظاهرون أنفاسهم، بعضهم احتموا ببعض عربات الخضار محاولين الرد على قوات الأمن وقذفهم بالحجارة، في الوقت الذي عمل بعض الأشخاص لسحب جثامين الشهداء والإصابات لإسعافهم، ويضيف الشحنة إن أخباراً بدأت تصل إلى مسامع المتظاهرين عن إطلاق نار في الشوارع الأخرى المؤدية إلى ساحة العاصي، خاصة قرب بناء حزب البعث والذي كان يضم التجمع الأكبر لقوات الأمن.

تفرق المتظاهرون في عدة مناطق، وقامت قوات الأمن باعتقال من عثرت عليه من الجرحى أو المتظاهرين الذين لم يسعفهم الحظ بالهرب، كما اصطحبت معها عدداً من جثث الشهداء، لتبدأ بعدها مظاهرات تشييع الشهداء التي خرجت من كل أحياء المدنية، يقول الشحنة إنه شارك بتشيع شهيد من عائلته وشهيد من عائلة الشامي وقدر أعداد المشاركين في هذا التشييع فقط بنحو ستين ألف مشيع.

شكلت هذه الحادثة حالة من الغضب الشعبي، حاول نظام الأسد إثرها بامتصاصها عبر إرسال وفود رسمية في زيارات ترأسها أحمد عبد العزيز محافظ حماه لأهالي الشهداء والجرحى، وتقديم وعود بتعويضهم وتوظيف أبنائهم، إلا أن الأهالي رفضوا ذلك.

والدكتور أحمد خالد عبد العزيز من مواليد النبك (المشرفة) في العام ١٩٥٧ حاصل على شهادته من كلية الحقوق بدمشق عام ١٩٨٤، كما حصل على شهادتي الماجستير والدكتوراه من جامعة تولوز في فرنسا (١٩٨٦ -١٩٩٠)، وشغل منصب رئاسة الهيئة السورية للاستثمار قبل أن يعين محافظاً لحماه في شباط من العام ٢٠١١، ليعفى من مهامه في الثاني من تموز من العام نفسه إثر خروج أكبر مظاهرة في المدينة في جمعة “ارحل”، والتي قدر عدد المشاركين فيها بنحو نص مليون شخص.

من ذكرى جمعة أطفال الحرية في إدلب
من ذكرى جمعة أطفال الحرية في إدلب

كانت جمعة أطفال الحرية نقطة فاصلة بمسيرة الاحتجاجات في حماة، وقدم النظام على إثرها عدداً من التنازلات كان أولها إزالة أكبر تمثال لحافظ الأسد من دوار النسر جنوبي حماة وسحب العناصر الأمنية من الشوارع فبدأت أعداد المتظاهرين تتضاعف لتصل في الجمعة التي تلت المجزرة لأكثر من 300 ألف حسب تقديرات المشاركين. وينسب إلى محافظ حماه الفضل في السماح لأهالي حماه بالتظاهر السلمي، والتعهد بحمايتهم من قوات الأمن، وإزالة صور وتماثيل رموز النظام من المدينة مقابل الكف عن تداد هتافات مسيئة لرئيس النظام، وكان عبد العزيز قبل تعيينه كمحافظ قد شارك في واحدة من حلقات برنامج “علامة فارقة” للصحفي والكاتب السوري إبراهيم الجبين في العام ٢٠٠٩، وينقل الجبين إن الحلقة منعت من النشر وتم استدعاؤه لاستضافته الدكتور أحمد عبد العزيز من قبل العميد حافظ مخلوف رئيس فرع أمن الخطيب والتحقيق معه وزجه في زنزانة انفرادية.
تضاربت الأنباء حول أعداد شهداء المجزرة بسبب ضعف عمل لجان التوثيق في ذلك الوقت وخوف أهالي بعض الشهداء من نشر أخبار استشهاد أولادهم خوفاً من تعرضهم للاعتقال من قبل قوات الأمن، وقدرت شبكة شام عدد الشهداء بخمسة وستين شخصاً، دون أن تتمكن من إحصاء عدد الجرحى، بينما تحدثت الشبكة السورية للإعلام المطبوع في تقرير أعدته مع أحد الناجين من المجزرة عن توثيق خمسة وثمانين شهيداً وأكثر من مئة جريح في تلك الحادثة، ووثقت شبكة ثوار على الأرض أسماء ثمانية وسبعين شهيداً، في الوقت الدي تداول فيه الناشطون أعداداً تزيد عن مئة وسبعين شهيداً سقطوا في جمعة أطفال الحرية. 
اليوم وبعد مرور تسع سنوات على المجزرة يعيد المتظاهرون الذي نصبوا وسط التظاهرة في إدلب مجسماً لساعة حماة، تذكر أحداث ذلك اليوم مؤكدين استمرارهم بنضالهم حتى تحقيق أحلام الثورة ومحاسبة المجرمين.