فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

طوابير من المرضى أمام صيدلية آية الخيرية في إدلب -المصدر صفحة الصيدلية على الفيس بوك

في إدلب.. رفوف فارغة وطوابير على الصيدليات المجانية 

محمد الأسمر

يدفع محمد العمر (أحد سكان مدينة إدلب) أربعة آلاف ليرة سورية ثمن علبة دواء “براندوسين” لوالده المريض بـ “البروستات”، وهو ضعف ما كان يدفعه قبل شهر واحد، هذا في حال […]

يدفع محمد العمر (أحد سكان مدينة إدلب) أربعة آلاف ليرة سورية ثمن علبة دواء “براندوسين” لوالده المريض بـ “البروستات”، وهو ضعف ما كان يدفعه قبل شهر واحد، هذا في حال توافر الدواء.
معظم الصيدليات التي مرّ بها محمد تفتقر لوجود هذا النوع، وعرض عليه أصحابها دواء بديلاً إلا أنه فضّل البحث لإيجاد دواء والده الذي اعتاد عليه، ووصفه له الطبيب، وهو ما سيستدعي في حال فقدانه من السوق مراجعة الطبيب لكتابة بديل مناسب لا يتعارض مع أدوية القلب التي يأخذها 

ليس عقار “البراندوسين” وحده المفقود في الصيدليات، وإنما أصناف كثيرة أخرى باتت مقطوعة، بحسب من التقيناهم، في حين يخبرنا محمد إن رفوف الصيدليات التي مر بها شبه فارغة 

ثلاثة أشهر من بداية أزمة الدواء 

تزامن فقدان الدواء في مناطق المعارضة السورية مع سيطرة قوات الأسد على منطقة المنصورة “غرب حلب” في الثالث عشر من شباط الماضي، والتي كانت أهم مصدر للأدوية في مناطق المعارضة لوجود ما يزيد عن عشرين معملاً فيها، وهو ما أكده مرام الشيخ (وزير الصحة في الحكومة المؤقتة) لموقع اقتصاد في التاسع عشر من شباط الماضي، والذي حذر من فقدان الأدوية بعد توقف هذه المعامل، منوهاً أن مخزون المستودعات لن يكفي سوى لشهرين أو ثلاثة أشهر على الأكثر.

زاد الأمر سوء إغلاق المعابر بسبب ما فرضته إجراءات الحجر الصحي لوباء كورونا، وهو ما حال دون وصول الأدوية وإن بأسعار مرتفعة بعد توقعات بفرض إتاوات على دخولها من الحواجز، ناهيك عن فرض الرسوم عليها في المعابر، وكلفة النقل المرتفعة، ومع انهيار العملة السورية مقابل الدولار تحولت أزمة فقدان الدواء إلى مشكلة عامة في كل المناطق السورية، سواء النظام حيث توجد المعامل أو المعارضة أو تلك التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية.

توقف دخول الأدوية دفع المستودعات في مناطق المعارضة للاعتماد على مخزونها في الأشهر الماضية، يقول مصطفى الأحمد (واخترنا له هذا الاسم بناء على طلبه بعد أن طلب منا عدم التصريح باسمه، وهو صاحب أحد مستودعات الأدوية في إدلب)، وبيعها بأسعار مرتفعة لتعويض خسارة تأمينها من جديد، والحفاظ على “رأس مالهم”، بحسب قوله.

يشرح الأحمد طريقة التسعير الجديدة، بأن أصحاب المستودعات عمدوا إلى حساب ما يملكونه بالدولار قبل الارتفاع الأخير، ويتم تسعير الدواء بالليرة السورية بناء على سعر الصرف الحالي، وهو ما اعتبره إجراء اضطرارياً ومحقاً، فمن كان يملك سابقاً في مستودعه أدوية بقيمة عشرة آلاف دولار ستغدو اليوم ثلاثة آلاف بحسب سعر الصرف، فمن سيتحمل هذه الخسارة، خاصة مع تداول أخبار تفيد برفع أسعار الدواء في المعامل التي تتبع لوزارة الصحة في حكومة النظام.

يخبرنا الأحمد أن بعض المستودعات، والتي ما تزال تملك مخزوناً من الأدوية، أغلقت أبوابها في انتظار صيغة مقبولة لبيع الأدوية وتسعيرها بالليرة التركية أو الدولار، تجنباً للمساءلة من قبل مديرية الصحة في مناطق المعارضة، وآخرون عمدوا لتحرير سعر أدويتهم وبيعها بحسب سعر الصرف، ما أدى لارتفاع كبير في الأسعار، والذي يتحمل المرضى أعباءه وأكلافه الجديدة.
   
إغلاق المعابر منع وصول شحنات دوائية جديدة

أثرت الإجراءات المتبعة للوقاية من فيروس كورونا على واقع الأدوية في إدلب، بعد إغلاق المعابر التي تربط مناطق المعارضة بقوات الأسد في الخامس عشر من آذار الماضي، إذ تعتبر المصدر الأول للأدوية، ما أدى لارتفاع الأسعار وغياب بعض الأصناف، تقول الصيدلانية سوسن السعيد (تملك صيدلية في مدينة إدلب): ” يعاني الصيدلاني في البحث عن بعض أصناف الأدوية التي باتت تغيب عن رفوفه اليوم، ويتواصل مع عدد من مستودعات المنطقة لتلبية احتياجات مرضاه، إلا أنه يتفاجأ بسعر الأدوية الجديد والذي طال أصنافاً كثيرة”.

وتخبرنا السعيد إن قطع الطرقات أدى لفقدان بعض الأدوية، إلا أنها تلقي باللوم على بعض المستودعات في احتكار أصناف محددة، ربما تكون مخزنة أو تأتي عن طريق التهريب، وتستدل على ذلك بظهور الأصناف المفقودة ضمن ما يعرف بـ “سلة الأدوية” والتي تضم أنواعاً مختلفة يتوجب على الصيدلاني شراؤها جميعاً للحصول على الدواء المطلوب، وبأسعار وصفتها بـ “المرتفعة”، ضمن ما يصطلح عليه بمفهوم “التحميل”، وهذه السلال تحتوي على أصناف نادرة الاستعمال وغالباً ما يدفع الصيدلاني ثمنها لتنتهي تواريخ صلاحياتها دون الاستفادة منها.

وتتساءل السعيد عن وجود هذه الأصناف فجأة في السوق رغم الادعاء بفقدانها، وتعتبر سياسة “التحميل” من أهم المشكلات التي يعاني منها الصيادلة، إذ يجبرون على استجرار أدوية بسعر مضاعف يزيد عن سعر المبيع، كذلك كميات قد لا يحتاجونها في صيدلياتهم.

وتقول السعيد إن أحد المستودعات، المتواجد ضمن مناطق المعارضة، ولم تحدد اسمه، أرسل نشرة أسعاره الجديدة بالدولار، وارتفعت غالب أصنافه بشكل كبير، بذريعة أن المواد الأولية التي يستجرها المعمل الذي يتبع له المستودع جميعها بالدولار، ويجب أن يرفع الصيادلة أسعار أدويتهم بما يتناسب مع أسعار المعمل.
رفضت السعيد استجرار الأدوية من هذا المعمل لأنها على يقين بأن أحوال الناس المادية لن تسمح بشراء مثل هذه الأدوية “مين بدو يشتري شراب بروفين ب 1500، وشراب السعلة 1900 ليرة؟”.

وعن سؤالنا عن أسعار أدوية الأمراض المزمنة قالت السعيد” إن الارتفاع طال غالبية الأدوية التي يستعملها أصحاب الأمراض المزمنة وخاصة أمراض القلب والشرايين، إذ ارتفع سعر دواء “كلوبيد وهو موسع وعائي” بنحو أربعمائة ليرة، بينما زاد عن ألف في أدوية “فالسارتان بجميع عياراته”، أما “بيزوكور” فهو مفقود منذ مدة.

لم نعثر خلال بحثنا عن نسبة ثابتة لارتفاع أسعار الدواء فالسوق يعيش حالة من التخبط، والنشرات الدوائية متفاوتة بأسعارها، ومستمرة بالارتفاع تبعاً لسعر صرف الدولار، إلا أن من التقيناهم من صيادلة أكدوا أن نسبة الارتفاع تتراوح بين ٩٠٪ إلى ١٠٠٪.

وكان مجلس نقابة صيادلة الباب في ريف حلب الشرقي قد أصدر قراراً في الحادي والعشرين من أيار الماضي يقضي برفع أسعار الأدوية بنسية 60% على عموم أصناف الأدوية الموجودة ضمن الصيدلية، بهدف تخفيف الخسارة المادية التي يتكبدها الصيدلاني جراء تعامله بالليرة السورية، في حين يضاف على الأدوية الجديدة التي يشتريها الصيدلي، بعد صدور القرار، نسبة 30% بحسب القرار الذي حذر الصيادلة من مغبة خفض أسعارهم والمضاربة ما يعرضهم للعقوبة المالية والتشميع لمدة أسبوع.
مصادر الدواء وأسباب ارتفاع أسعاره
يقول نقيب صيادلة إدلب يحيى نعمة إن السبب الرئيسي لارتفاع أسعار الأدوية وعدم توفرها في الأسواق يعود لتدهور قيمة الليرة السورية بالدرجة الأولى، وعن مصادر الدواء الرئيسية التي تعتمد عليها مناطق المعارضة يقول “المصدر الرئيسي للسوق الدوائية في مناطق المعارضة هو الدواء السوري الذي يتم انتاجه بمعامل المنصورة “بريف حلب الغربي” ومعامل دمشق وحمص، إضافة لبعض الأدوية التي تدخل عبر المعابر التي تربطنا مع تركيا من الهند والصين، حيث تتماشى تلك الأدوية مع السوق السوري في حين يصعب استيراد الأدوية الأوربية والتركية بسبب ارتفاع أسعارها. كما تشكل الأدوية المجانية التي توزعها المنظمات الإنسانية حيّزاً مهماً من الأدوية المنتشرة في الأسواق
بعد تقدم قوات الأسد على منطقة المنصورة فقدت المعارضة أهم مصدر للأدوية، وإغلاق المعابر تسبب بتأخر وصول شحنات الدواء من مناطق النظام، لكن ارتفاع سعر الدولار بشكل كبير تسبب بتفاقم المشكلة، ما دفع بعض المعامل لإيقاف إنتاج بعض الأصناف، لأن إنتاجها يعتبر خاسراً وفق الأسعار المعمول بها..
وتحدّث نعمة عن ضرورة العمل على مشروع أمن دوائي في مناطق المعارضة، من خلال  تضافر جهود الجهات الصحية والمستودعات الدوائية والصيدليات، خوفاً من فقدان أصناف كثيرة من الأدوية نتيجة عجز المستودعات عن شراء كميات إضافية من الدواء بسعره الجديد، ويضرب مثالاً: المستودع الذي كان يستجر عشرة علب أسبرين بسعر 400 ليرة للعلبة لن يتمكن من استجرار نفس الكمية بعد تضاعف سعر الدواء ل 800 ليرة.
وأضاف “نعمة” تشهد السوق الدوائية حالة تخبط في الأسعار دون صدور نشرات رسمية بارتفاع أسعار الأدوية، وذلك بسبب فقدان بعض الأصناف من الصيدليات، واحتكار الموجود من قبل المستودعات التي بدأت برفع أسعار الأدوية دون قرار رسمي”.

صناعة الأدوية في إدلب
يواصل معمل الأدوية الوحيد الموجود في إدلب إنتاجه رغم الصعوبات التي تعترض عمله، يقول الصيدلاني محمود السبع “مدير المكتب العلمي في المعمل” إن ارتباط الصناعة الدوائية بسعر الدولار كان له الدور الرئيسي في ارتفاع أسعار الأدوية، إذ يتكلف المعمل اليوم على زجاجة الدواء الفارغة والغلاف والنشرة المرفقة ثمانية وعشرين سنتاً وتعادل بسعر التصريف اليوم 600 ليرة سورية، كذلك ارتفعت أسعار المواد الأولية من المصدر، وللشرح أكثر ضرب السبع مثالاً عن عقار البارا سيتامول والذي ارتفع من مصدره بنحو عشرة أضعاف، ومادة الأزترومايسين ارتفعت بنحو ستة أضعاف، ناهيك عن ربط رواتب الموظفين بالدولار والتي شكل مع المحروقات تكاليف إضافية على المعامل.
وعن الأصناف الدوائية التي يتم إنتاجها في مناطق المعارضة يقول السبع: ” ينتج المعمل مضادات الالتهاب غير الستروئيدية ومسكنات الألم وخافضات الحرارة للأطفال والبالغين، والصادات الحيوية والمطهرات المعوية ومضادات الإقياء إضافة لبعض أدوية المعدة ومضادات التشنج وأدوية السعال والأدوية النسائية، في حين يعجز المعمل عن إنتاج بعض الأصناف كالأدوية النفسية لصعوبة الحصول على موادها الأولية، إذ يمنع تسليمها إلا لجهات رسمية معترف بها دولياً.

يغطي المعمل حاجات المرضى في مناطق واسعة من إدلب وريف حلب لكنه عاجز عن صناعة كثير من الأصناف الدواية التي يعتبر وجودها ضرورياً ما يستدعي البحث عن حلول بديلة.
أدوية مزورة وأخرى منخفضة الفعالية
عشوائية الواقع الصحي دفعت بعض التجار وضعاف النفوس خلال الفترات الماضي لاستجرار بعض الأصناف الدوائية والمستلزمات الصيدلانية من دول أخرى بهدف بيعها بأسماء ماركات معروفة لتحقيق هامش ربح أكبر.
يقول الصيدلاني تيسير الموسى: “ينعكس وجود الأدوية المزورة على المريض بشكل رئيس في حين يكون دور الصيدلي كوسيط فقط، تتمثل تلك الأدوية ببعض الأنواع الهندية والصينية، وتحتوي على مادة فعالية أقل بكثير من مثيلاتها”..
ويضطر الصيدلي لاستعمالها في بعض الأوقات نتيجة غياب الأدوية السورية لصعوبة استيراد أدوية مشابهة من تركيا أو دول أخرى نتيجة ارتفاع أسعار تلك الأدوية مقارنة بالدواء السوري.

ويقول الموسى إن بعض الأنواع الهندية أو التركية تدخل بشكل غير قانوني، وبالتالي لا يتم فحصها ما يتركنا أمام خطر مخالفتها للمواصفات، ويصف واقع السوق الدوائية في مناطق المعارضة بـ “المأساوي”، ما يستوجب تحركاً عاجلاً لإيجاد صيغة يتم عن طريقها استيراد الأدوية بدعم من المؤسسات والمنظمات الصحية، لتصل إلى المرضى بأسعار تتناسب مع دخلهم المادي.
بدورها قالت الصيدلانية سوسن السعيد في تقرير نشرته بوابة سوريا، إن المشكلة الأكبر في الأدوية المزورة، تظهر في بعض الأصناف التي تستعمل للبشرة إذ دخلت بعض الأصناف المشابهة لماركات معروفة مثل “ألفا، شفا” لكن بأسعار أقل وفعالية أضعف، واستعمال هذه الأدوية من قبل المرضى سيجبره على دفع تكاليف إضافية دون الحصول على النتائج المتوقعة
ازدياد الضغط على الصيدليات المجانية

تغطي المنظمات الصحية والصيدليات المجانية شريحة من أصحاب الأمراض المزمنة، لكن تلك الشريحة لا تتجاوز نسبتها 30% من المرضى، ما يعني ضرورة التحرك للبحث عن بدائل إما عن طريق تأمين نفس الزمر الدوائية أو مخاطبة المنظمات الصحية لتأمين الأدوية اللازمة عبر استيرادها، بحسب اليحيى
في مدينة إدلب يصطف طابور طويل من المرضى أمام صيدلية آية الخيرية للحصول على وصفاتهم الطبية بشكل مجاني، مؤخراً زاد الضغط على الصيدلية وتضاعفت أرقام المستفيدين نتيجة غلاء الأدوية وغياب بعضها عن الأسواق، يقول أحمد المصطفى مدير صيدلية آية الخيرية: ” اعتدنا سابقاً على توزيع الأدوية لقرابة خمسة وعشرين ألف مريض شهراً، لكن ارتفاع أسعار الأدوية ضاعفت عدد المستفيدين، إذ نقدم اليوم الأدوية لأكثر من ألفي مريض يومياً.

تعتمد الصيدلية في تأمين مواردها على عدة جهات مثل المنظمات الصحية والجهات الرسمية أو عن طريق جمع التبرعات النقدية والعينية، وتطلق الصيدلية حملات مناشدة مستمرة للمطالبة بزيادة مواردها بما يتلاءم مع متطلبات المرضى المتزايدة نتيجة الأوضاع المعيشية السيئة التي تعيشها المنطقة، لكن الإجراءات المتبعة بعد انتشار وباء كورونا أثرت على عمل الصيدلية ووارداتها بحسب المصطفى،
والذي أكد أن كل المرضى الذين يحملون وصفات طبية يحصلون على أدويتهم بشكل كامل في حال كانت متوفرة في الصيدلية بغض النظر عن حالتهم الاقتصادية

المواطن الخاسر الأكبر

يرى عدد من المواطنين الذين استطلعنا آرائهم أنهم الخاسر الأكبر في هذه المعادلة يقول خالد عبد الرحمن “مقيم في مدينة إدلب” إن الصيادلة والمستودعات سيرفعون الأسعار بما يتناسب مع الواقع الجديد، في حين سيحتار المواطن بتأمين ثمن هذه الأدوية.

دفع خالد ثمانمائة ليرة سورية ثمن ظرف واحد من دواء “بارازون -مرخي عضلي”، رفعه أمام وجهه وهو يخبرنا أنه ثمن العلبة كاملة “ظرفان”، منذ شهر واحد كانت نحو ستمائة ليرة سورية، في حين قال الصيدلاني إنه اشتراها منذ أيام بسعر ألف وثلاثمائة ليرة سورية.
وأكد بعض من التقيناهم أن غياب التنظيم والرقابة الصحية شجعت بعض ضعاف النفوس على استغلال مثل هذه الأزمات للتلاعب بأسعار الدواء، لتجد الفرق بسعر عبوة الدواء يختلف من صيدلية لأخرى نحو 300 ليرة سورية.