فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

الصورة من الانترنيت

بورصة الدولار الوهمية في مناطق المعارضة السورية.. الجميع خاسرون

فداء الصالح

يدافع من التقيناهم من أصحاب محلات الصيرفة عن هامش الأمان الذي يفرضونه على السكان، يقولون إن مهنتهم مبنية على “التنبؤ والمخاطرة” وهو ما يلزمهم بهذا الهامش الذي يتم تحديده بحسب قراءات سعر السوق والتداول، وتبعاً لها فإنهم يفرضون نقصاً في التصريف بنحو خمسين ليرة إذا كانت المؤشرات تدل على ارتفاع في سعر صرف الليرة، ينخفض هذا الهامش إلى عشرين ليرة في حال هبوط السعر

تتفاوت أسعار صرف الدولار في اللحظة ذاتها بين محلات الصرافة في مناطق المعارضة السورية، وهو ما يستدعي البحث عن أفضل الأسعار وفقاً لسياسة العرض والطلب، كما تشهد الليرة السورية انهيارات متسارعة وتحسناً بين الساعة والأخرى ما يفقد العاملين في هذا المجال القدرة على التنبؤ، ويجبرهم على التزام هامش من التأمين تجنباً للخسارات الكبيرة، أو الإغلاق حتى استقرار سعر الصرف جزئياً.

على من تقع المسؤولية.. “كلو معو حق”

يتنقل الحاج محمد (من سكان مدينة عفرين) بين محلات الصيرفة للحصول على أفضل سعر صرف للمبلغ الذي أرسله له ولده لمساعدته في تدبر مصاريف عائلته المتزايدة، يقول إن الخمسين دولاراً التي يملكها مرّت على عدد من الصرافين، ففارق السعر البسيط قد يؤمن أحد المستلزمات لعائلته.

وكانت الليرة السورية قد شهدت انهياراً سريعاً خلال الأشهر الماضية، إذ يبلغ سعر الصرف الحالي نحو ١٩٠٠ ليرة للدولار الواحد، وبزيادة الضعف عن سعر صرفها بداية العام الحالي ونحو أربعة أضعاف عنه في شهر أيار من العام الماضي ٢٠١٩، إذ تراوح السعر آنذاك بين (٥٥٠ -٥٧٠ ليرة للدولار الواحد).

سعر الصرف المضاعف خلق حالة من التخبط في الأسواق طالت الجميع، (محلات الصرافة -تجار الجملة -بائعو الخضار -دكاكين السمانة..)، ما حول الجميع بما فيهم المواطن إلى “مضاربين” في بورصة وهمية، تبدأ من ربطة الخبز ولا تنتهي بتجارة الأوراق المالية، بحسب من التقيناهم.
يحاول الحاج محمد أن يشرح لنا ما يحدث، يقول إن المشكلة تبدأ منذ لحظة التصريف إذ يعمد الصرافون لتصريف الدولار بأسعار مغايرة عن تلك التي نراها في التطبيقات (والتي أصبحت جزء أساسياً من هواتف السكان المحمولة، وتحولت إلى هاجس، يتفقدونها في كل لحظة ويحسبون من خلالها خساراتهم، وتؤثر في مزاجهم العام)، وبحجة عدم ثبات الأسعار لا يعطى المواطن السعر الحقيقي خوفاً من انخفاض مفاجئ، ويتراوح هذا الهامش بين (٥٠ -١٠٠ ليرة سورية للدولار الواحد).

يدافع من التقيناهم من أصحاب محلات الصيرفة عن هامش الأمان الذي يفرضونه على السكان، يقولون إن مهنتهم مبنية على “التنبؤ والمخاطرة” وهو ما يلزمهم بهذا الهامش الذي يتم تحديده بحسب قراءات سعر السوق والتداول، وتبعاً لها فإنهم يفرضون نقصاً في التصريف بنحو خمسين ليرة إذا كانت المؤشرات تدل على ارتفاع في سعر صرف الليرة، ينخفض هذا الهامش إلى عشرين ليرة في حال هبوط السعر.

ويرى بعض من التقيناهم إن سعر الافتتاح لسوق التداول قد يختلف بنحو مئة ليرة عن سعر الإغلاق، وفي هذه الحال ستسبب بخسارة كبيرة للصرافين الذين لن يستطيعون إعادة رأس مالهم بالدولار، ناهيك عن خسارة المتوافر لديهم من الأوراق النقدية السورية، ما سيؤدي إلى خسارة إضافية.

من يسعر الدولار
وعن آلية تحديد صرف الدولار يقول زاهر الخطيب “صاحب شركة الخطيب للصرافة”: يعتبر موضوع العرض والطلب العامل الأساسي في تحديد سعر صرف الليرة السورية، إذ يرتبط أصحاب مكاتب الصرافة بمجموعات يتم فيها التداول بشكل واسع ومبالغ كبيرة.

يضرب الخطيب مثالاً لشرح هذه الألية: قد يكون سعر صرف الدولار 1850 فيعلن أحد المشتركين عن حاجته لبيع عشرين ألف دولار بقيمة 1840 ما يعني هبوط السعر، وبالتالي سيقوم الصراف بشراء الدولار من المواطن بمبلغ يتراوح بين 1800- 1820 لأن سعر المبيع سيقترن بالسعر الذي تم طرحه منذ قليل، والعملية عكسية.

دولار.. تركي.. سوري
يقوم الحاج محمد بتصريف ما يحتاج من الدولار إلى الليرة السورية، حسب حاجته،  للحفاظ على مدخراته بالعملة الأجنبية، فهبوط سعر الليرة المستمر أفقده الثقة بها، وارتباط أسعار غالبية السلع الموجودة في السوق بسعر الدولار دفعه مع كثير من المدنيين للبحث عن حلول قد تمكنهم من تحجيم خسارتهم عن طريق تصريف مبالغ صغيرة رغم صعوبة العثور على فئات صغيرة من الدولار من فئة عشرة أو عشرين دولاراً، ما يضطر الأهالي في بعض الأحيان لتحويل بقية مبلغه لليرة التركية، وتحمل خسارة فرق التصريف، والتي لا تقارن أبداً بخسارة تحويل كامل المبلغ لليرة السورية في هذه الظروف، بحسب أبي محمد.

يقول أبو محمد “لا أريد أن أخسر مرتين عند التصريف وعند شراء مستلزماتي اليومية، فجميع التجار يبيعون السلعة بسعر الدولار الحالي مع إضافة مبلغ تأمين على السعر المعروف عند الصراف”، ويخبرنا على سبيل المثال إنه قام بتصريف الدولار بقيمة 1700، وبعد التصريف ارتفع السعر لحدود 1900، لترتفع جميع البضائع التي اشتراها وفق السعر الجديد وبالتالي تعرضه لخسارات إضافية.

ناهيك عن الخسارة التي ستلحق بالمواطن عند شراء أي سلعة يتم احتساب سعرها بالدولار، إذ يترك التاجر أو البائع لنفسه هامش ربح إضافي بحجة اضطراب سعر الصرف، ويدفع المواطن الخسارة مرتين، عند البيع والشراء.
العمال يتقاضون أجورهم بالليرة السورية
يتقاضى أغلب عمال المياومة أجورهم بالليرة السورية، ما أضعف قيمة رواتبهم الشهرية بشكل كبير مقارنةً بالأشهر الماضية. يقول شادي العبدالله ( عامل بأجر يومي مهجر من دمشق) حظيت بفرصة عمل خلال شهر رمضان بأجر يومي نحو خمسة آلاف ليرة سورية (ما يعادل أربع دولارات حينها)، ومع الهبوط المستمر لسعر الصرف أصبح أجري اليومي نحو دولارين ونص الدولار، ورفض صاحب العمل رفع أجورنا بما يعادل صرف الدولار الحالي، بذريعة تضرره أيضاً من هبوط سعر الليرة السورية ولن يتمكن من دفع أجور إضافية.
بينما تمكن أحمد العبدو “عامل في متجر مواد غذائية” من إقناع صاحب العمل بزيادة يوميته ألف ليرة سورية لكن تلك الزيادة لم تتناسب مع سعر الدولار الذي فاق التوقعات. إذ اتفق أحمد مع صاحب المتجر على أجرة ألفي ليرة سورية يومياً ( 2 دولار عند بدء العمل)، أما اليوم فيتقاضى أحمد ثلاثة آلاف ليرة سورية لكنها تعادل 1,60 دولار بخسارة تقدر بـ 20% عن أجرته السابقة.
الإغلاق مهرب يلجأ إليه التجار

أصحاب المحال التجارية لم يكونوا أوفر حظاً من المدنيين وبات بعضهم يفكر بإغلاق محله بشكل مؤقت حتى تستقر أسواق صرف العملات. يقول هافال محمد صاحب بقالية في عفرين: خلال فترة العيد بلغت خسارتي أكثر من مئة وخمسون ألف ليرة سورية وذلك جراء تحويل ثمن المبيعات  إلى الدولار، إذ بلغ فرق السعر مئة وخمسين ليرة سورية بين ليلة العيد ويوم الأربعاء الذي تلى العيد، ومع ضعف حركة البيع وشكوى الناس من ارتفاع الأسعار ولومهم لنا على البيع بناءً على سعر الدولار مع وضع مبلغ تأمين على سعر الصرف، يبقى الحل الوحيد هو الإغلاق وانتظار ثبات الأسعار.
يشتري هافال بضاعته بالدولار ويبيعها بالليرة السورية، ويعمد كل يومين أو ثلاثة لتحويل مبيعاته التي تقارب مئة وسبعين ألفاً مرة أخرى للدولار، خلال هذه الفترة يكون سعر صرف الدولار قد ارتفع مرة أخرى والمبلغ الذي اعتاد على تحويله لمئة دولار تحولت قيمته الشرائية إلى  تسعين دولاراً، وبالتالي يتناقص رأس المال ولن يتمكن من تعويض البضاعة التي باعها خلال الأيام الماضية.  لذلك يسعى “هافال” لبيع بعض المواد التي لا يمكن تخزينها والإغلاق بانتظار ثبات سعر الصرف للعودة للعمل وهو ما يفكر به كثير من أصحاب المحلات.

يتخوف كثير ممن التقيناهم من استمرار تدهور سعر الليرة السورية، مع اقتراب موعد تفعيل قانون قيصر، والتي تواردت أنباء عن بدء سريانه في السابع عشر من حزيران الجاري، ما يضع سكان مناطق المعارض بأزمة اقتصادية جديدة تضاف لأزماتهم السابقة.