فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

الصورة من الانترنيت

كذبة نيسان

سوسن الحسين

وهناك جانب آخر من الباحثين في أصل هذا اليوم يرون أن نشأته تعود إلى القرون الوسطى، إذ أن في هذه الفترة من بداية شهر نيسان، مثلت وقت الشفاعة للمجانين وضعاف العقول، فيطلق سراحهم في أول الشهر ويصلي العقلاء من أجلهم، وفي ذلك الحين نشأ العيد المعروف باسم عيد جميع المجانين أسوة بالعيد المشهور باسم عيد جميع القديسين.

ينتظر الكثير من شعوب العالم بداية شهر نيسان لتمرير بعض النكات أو الأكاذيب التي باتت ترتبط بهذا اليوم وتعرف بعد كشفها بكذبة نيسان، وشكل هذا التقليد هاجساً لدى الكثير ممن يخططون ويحضرون لمقالب وأكاذيب يحاولون حياكتها بشكل جيد بهدف المزاح والضحك ويبررون فعلتهم بأنها “كذبة بيضاء”.”

يتهيب الناس دائماً لهذا اليوم ويحتاطون جيداً مخافة الوقوع في أحد المقالب الذي ربما يثير سخرية الآخرين منهم، ويبقى محفوراً في الذاكرة لفترات طويلة، تستذكر أم معاذ الكثير من المواقف التي شهدتها في هذا اليوم وتروي كيف كان أصحابها وأقاربها يستعدون جيداً لهذا اليوم فمنهم من يخطط لمقلب يصعب على الآخرين كشفه، وآخرون يقضون يومهم بحذر شديد ليحموا أنفسهم من الوقوع في الفخ الذي يجزمون أنه سيحدث، على غرار ما حدث معهم في السنوات السابقة، تذكر جيداً كيف أن هذا اليوم لا يمر دون ضحك و مرح، وأحياناً ينتهي بمشاحنات بسيطة بين البعض، إذا كان المقلب مؤلماً. لكن مشاهد الأول من نيسان غابت عنها خلال السنوات الأخيرة، ولم تذكره لو لم نقم بسؤالها عنه.
بعض الذين التقيناهم في إدلب يؤكدون أن هذا اليوم لم يعد موجوداً في حياتهم كعادة شعبية إلا أنهم يحتفظون ببعض الذكريات التي مروا بها والتي تتراوح فيها درجات الضحك بحسب ذكاء المازح وتحمل الضحية، بحسب قولهم.

تخالف “أم مصطفى” 22 عاما مهجرة إلى مخيمات “قاح” الآراء السابقة وترى أن المقالب في نيسان كانت أكثر مبالغة خلال سنوات الحرب، وزادت قسوتها لتتماشى مع أوضاع الحرب التي تعيشها البلاد، خاصة أن بعض المازحين استغلوا القصف والتدمير وكثرة الموت في المنطقة ليكسبوا بذلك أثراً قوياً لمقلبهم متجاهلين ما قد يحدث للطرف الآخر، وتؤكد أنها سمعت عن خدع تعرض لها بعض معارفها عن هدم بيت أحدهم أو موت أحد آخر، وتعتبر نفسها محظوظة لأنها لم تقع ضحية هذه المقالب إلا أنها في نيسان الماضي جربت تقليد هذه العادة محاولة إيقاع أمها في الفخ حين تظاهرت أن زوجها تعرض للخطف إلا أن أمها كانت مستعدة لهذا اليوم وباغتتها بالرد “اليوم واحد نيسان”.
من جانبه قال أبو أحمد إن ظروف البلاد لم تمنعه من خلق جو من الدعابة والطرافة مع أصدقائه، وبات مشهوراً بين صحبه بالمقالب الطريفة التي يستذكرونها في جلسات السمر، ويخطط اليوم للإيقاع بأحد ضحاياه.

يسيء البعض تدبير مقالبهم جاهلين ما قد يحدث من أضرار للطرف الآخر، تذكر “فاطمة عبدو” قصصاً كانت سمعتها من والديها عن رجل أصيب بجلطة قلبية نتيجة مقلب تعرض له من خلال اتصال عبر الهاتف الأرضي من أحد أصدقاء ابنه في الجامعة يخبر ابنه الآخر الذي أجاب على الاتصال الهاتفي أن ابنهم تعرض لحادث سير وتم نقله إلى المشفى، وإنه في وضع صحي خطير، ما أدى لإصابة الوالد بجلطة قلبية بعد سماعه للمكالمة.

ومن المآسي الشهيرة أن النيران اشتعلت في مطبخ إحدى السيدات في مدينة لندن فخرجت إلى ‏شرفة المنزل تطلب النجدة ولم يحضر لنجدة السيدة المسكينة أحد إذ ظن الجميع أنها تكذب وكان ذلك اليوم ‏صباح أول نيسان

بعض التجار ممن أراد النصب على الناس استغلوا هذا اليوم للترويج لبعض السلع التي يتوقعون أن تعود عليهم بمرابح كبيرة ومنها ما أشيع في بعض الدول في نيسان  “2009” عن وجود مادة الزئبق الأحمر في ماكنات الخياطة من نوع سنجر “أبو أسد” القديمة، فأخذ الجميع يبحثون عن هذه الماكينات في كل مكان ووصلت أسعارها في بعض المناطق في السعودية ما يقارب المائة ألف ريال، و استمرت أغلب مواقع الإنترنت في عرض ماكنات للبيع بأسعار خيالية لا تقل عن خمسة وعشرون ألف ريال حتى منتصف نيسان من ذلك العام.
يجهل معظم الذين سألناهم أصل هذا اليوم وسبب الاحتفال به ويقرون أنه  لاقى رواجاً شعبياً، والباحث يجد أنه لا توجد حقيقة مؤكدة لأصل هذه العادة، إذ رجحت بعض الآراء أن أصل هذا اليوم هو أن الكثير من مدن أوروبا ظلت تحتفل بمطلع العام في الأول من نيسان، حيث بدأت هذه العادة في فرنسا بعد تبني التقويم المعدل الذي وضعه شارل التاسع عام “1564م” وكانت فرنسا أول دولة تعمل بهذا التقويم، وحتى ذلك التاريخ كان الاحتفال بعيد رأس السنة يبدأ في يوم “21 آذار” وينتهي في الأول من نيسان بعد أن يتبادل الناس هدايا عيد رأس السنة الجديدة.

ثم جاء البابا “غريغوري الثالث عشر” بنهاية القرن السادس عشر وعدل التقويم ليبدأ العام في “1 كانون الثاني”، وتبدأ احتفالات الأعياد من “25 كانون الزول”، وأطلق الناس على من ظلوا يحتفلون حسب التقويم القديم تعليقات ساخرة، ويتبادلون الهدايا الوهمية.

ويرى آخرون أن هناك علاقة قوية بين الكذب في أول نيسان وبين عيد “هولي” المعروف في الهند والذي يحتفل به الهندوس في “31 آذار” من كل عام وفيه يقوم بعض البسطاء بمهام كاذبة لمجرد اللهو والدعابة ولا يكشف عن حقيقة أكاذيبهم هذه إلا مساء اليوم الأول من نيسان.

وهناك جانب آخر من الباحثين في أصل هذا اليوم يرون أن نشأته تعود إلى القرون الوسطى، إذ أن في هذه الفترة من بداية شهر نيسان، مثلت وقت الشفاعة للمجانين وضعاف العقول، فيطلق سراحهم في أول الشهر ويصلي العقلاء من أجلهم، وفي ذلك الحين نشأ العيد المعروف باسم عيد جميع المجانين أسوة بالعيد المشهور باسم عيد جميع القديسين.

الواقع أن كل هذه الأقوال لم تكتسب الدليل الأكيد لإثبات صحتها، وسواء كانت صحيحة أم غير صحيحة، فإن المؤكد أن قاعدة الكذب كانت ولا تزال في الأول من نيسان، ويعلق البعض على هذا بالقول أن شهر نيسان يقع في فصل الربيع ومع الربيع يحلو للناس المداعبة والمرح، وبذلك أصبح الأول من نيسان هو اليوم المباح فيه الكذب لدى جميع شعوب العالم، فيما عدا الشعبين الإسباني والألماني والسبب أن هذا اليوم مقدس في إسبانيا دينياً، أما في ألمانيا فهو يوافق يوم ميلاد “بسمارك” الزعيم الألماني المعروف.

رغم انتشار هذا التقليد بشكل واسع عالمياً إلا أن أكثر من التقيناهم يرفضون التعامل به ولايعتبرونه شكلاً من أشكال الدعابة أو المزاح، بسبب النتائج السيئة التي قد تترتب على إحدى التصرفات، كما قررت جوجل تخطي كذبة أبريل هذا العام، تماشياً مع الأوضاع العامة التي يعيشها العالم نتيجة انتشار كورونا.