فرضت عدة بلدان عربية وأجنبية قيوداً على العمالة الأجنبية، وارتفعت تكاليف الحصول على الإقامة القانونية ضمن تلك البلاد إلى عدة أضعاف، ما ضيق خيارات المعيشية بالنسبة للمواطنين السوريين، الذين عمد أغلبهم إلى تأجيل تجديد إقامته ريثما يتمكن من توفير ثمن رسومها، لجزمهم بأن العودة إلى مناطق المعارضة أو النظام ليست آمنة في الوقت الحالي، بينما قرر آخرون العودة إلى سوريا رغم المخاطر التي تتربت على هذا القرار.
قوانين قاسية في السعودية
حددت السلطات السعودية ثلاثة شروط إضافية يجب توافرها في الراغبين بتجديد إقاماتهم من الوافدين، والتي بدأ تطبيقها منذ بداية العام الحالي وتضمنت كشفاً طبياً وإحضار شهادة خلو من الأمراض ممهورة بخاتم وزارة الصحة، وأن يكون مرتبطاً بمكان عمل معترف به ضمن قانون العمل السوري ودفع كامل الرسوم المتوجبة عليه قانوناً، وحيازة ورقة فحص تطعيم ضد فيروس التهاب الكبد الوبائي وذلك للعاملين بالمهن التالية (العمالة المنزلية -القطاع الصحي -السائقون -الرعاية الاجتماعية -دور النقاهة -الحلاقون).
كما قررت السلطات المختصة تخفيض تأشيرة الإقامة من ستة إلى أربعة أعوام ورفع رسوم الإقامة لتصبح ٦٥٠ ريالاً (سعر صرف الريال مقابل الدولار ٠.٢٧)، و٢٠٠٠ ريال للمرافقين وحتى المواليد الجدد، و١٠٠٠ ريال كرسم لنقل الكفالة للمرة الأولى تتضاعف إلى أربعة آلاف في المرة الثانية وستة آلاف للمرة الثالثة.
ويخضع المخالفون للترحيل، وفي الحالة السورية يتعرض الوافدون للسجن وتوجه لهم تهم عدة، إذ يبلغ عدد الموقوفين السوريين في سجون المباحث العامة السعودية نحو ٢٥٩ شخصاً، وهم في الرتبة الثانية من حيث العدد بعد اليمن، يقول من تحدثنا معهم إن الأرقام الرسمية غير صحيحة، وإن الأعداد تزيد عن ذلك بأضعاف.
ويقول إبراهيم من مدينة القنيطرة والذي اعتقلته قوات الأمن السعودي في العام ٢٠١٦، إنه اعتقل لانتهاء إقامته ما دفع ذويه للإسراع بتنفيذ إجراءات ترحيله خارج البلاد لإخراجه من السجن، ليقع ضحية واحدة من عمليات النصب المنتشرة بكثرة.
يروي إبراهيم إن أهله قاموا بدفع مبلغ ١٢ ألف دولار لتأمين فيزا دخوله إلى تركيا، وعند وصوله إلى مطار إسطنبول اكتشف بأنه يحمل فيزا مزورة ما اضطر السلطات التركية لإعادته إلى السعودية، ليحاكم هذه المرة بتهم جديدة ومنها التزوير.
مصطفى الحمصي سجين آخر لدي السلطات السعودية روى لنا إنه اقتيد من مكان عمله إلى سجن يعرف باسم “عليشه”، والتحقيق معه بتهم تتعلق بدعم الفصائل العسكرية في سوريا، يقول إنها تهم باطلة ولم يقدم الأمن السعودي أي دليل على تورطه بهذه التهم إلا أنهم استمروا باعتقاله، ونقلوه إلى حبس انفرادي ليبقى فيه نحو ثمانية أشهر دون محاكمة أو تحقيق، لتتم بعدها محاكمته رفقة خمسة آخرين من جنسيات مختلفة، وحكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات، يختار بعدها واحدة من الدول الثلاثة (سوريا -العراق -تركيا) لترحيله إليها.
لم تنحصر التهم الموجهة للسوريين بدعم الفصائل، بل كانت مراقبة المكالمات الهاتفية أحد أهم الأسباب التي تعرضهم للاعتقال بتهمة تهديد أمن المملكة. يقول محمود الحموي إنه سجن لمدة ثلاث سنوات، بسبب مكالمة هاتفية أجراها مع صديقه في سوريا، حيث تم تسجيل المكالمة التي تلفظ فيها بعبارة” الدور جاي ع الكل والله يستر يلي هون”، وأعادوا تشغيلها مرات عديدة أمامه أثناء التحقيق، وأكد محمود أن السجون تغص بالسوريين المخالفين ممن انتهى جواز سفرهم وإقامتهم أو اتهموا بقضايا أمنية تمس أمن المملكة.
يفضل أهالي المعتقلين بقاء أولادهم في السجون خارج الحدود السورية على العودة إلى سوريا ودخول معتقلات الأسد. تقول أم محمود التي تتصل بولدها بشكل مستمر، لتطمئن عليه وتخفف من مرارة السجن” الحمد لله عم أقدر شوفه عن طريق النت واطمن عليه، لو كان معتقل بسوريا كنت مستحيل اسمع خبر عنه”.
سجناء سوريين في لبنان بدون محاكمة
تعرض الكثير من السوريين المتواجدين في لبنان للاعتقال من مخيماتهم أو عن طريق الحواجز المنتشرة في الأحياء، لأنهم لا يملكون أوراقاً شرعية تمكنهم من الإقامة على الأراضي اللبنانية، أو لأنهم كانوا من ضمن فصائل المعارضة السورية.
وتجاوز عدد المعتقلين السوريين في سجون لبنان حتى مطلع 2019 أكثر من 3000 معتقل أغلبهم توجهت له تهم الإرهاب، بحسب ما صدر عن أحد أعضاء هيئة المتابعة لشؤون اللاجئين السوريين بلبنان في تصريح خاص لصحيفة أورينت نت.
يعاني السجناء في لبنان من الاعتقال التعسفي الذي قد يستمر لبضع سنوات دون أن يخضع المعتقل للمحاكمة، ما دفع بعض السجناء لتعيين محامين من لبنان للمرافعة عنهم بتكلفة قد تصل إلى 5 آلاف دولار.
محمد البارودي شاب حمصي تعرض للاعتقال من قبل القوات اللبنانية أثناء مروره على أحد حواجزها، وصف عملية الاعتقال بـ “المهينة” حيث تعرض للضرب الشديد والشتائم لمجرد كونه سوري وتمت إعادته إلى سوريا، ليتم اعتقاله من جديد على أيدي قوات الأسد قبل أن يحالفه الحظ ويطلق سراحه من جديد.
وكانت الحكومة اللبنانية قد أصدرت عدة قوانين جديدة في العام الحالي رفعت بموجبها الرسوم السنوية على الإقامة، ما دفع أعداداً كبيرة من الوافدين إلى لبنان لالتزام منازلهم وتجنب وقوعهم بأيدي دوريات الأمن والذي يقضي إعادتهم إلى سوريا، رغم خطر تعرضهم للاعتقال.
يقول محمد الأحمد إنه يتجنب السير في شوارع بيروت، فهو في سن الخدمة الإلزامية وعودته إلى سوريا تعني اعتقاله أو زجه في الجيش، شأنه بذلك شأن عشرات الآلاف من السوريين، مؤكداً أن الحصول على الإقامة ليست إجراء روتينياً، “غالباً ما تحتاج إلى معارف وواسطات وكفالة صاحب العمل”، ناهيك عن المبالغ التي يتوجب دفعها في كل سنة في ظل الظروف الاقتصادية السيئة التي يعيشها، وهو ما أكدته السيدة منى العلي إنها اضطرت لدفع نحو ألفي دولار لتسوية وضع إقامة أحد أبنائها لتجديد إقامته.
كما يحتاج تجديد الإقامة في كثير من الأحيان إلى زيارة السفارة السورية التابعة للنظام، ويتعرضون خلالها للابتزاز من الوسطاء ودفع مبالغ مالية للحصول على دور، كذلك إلى معاملة مهينة.
ويلجأ بعض السوريين إلى المخيمات الفلسطينية في لبنان والتي لا يحتاج المقيمين فيها لإقامة، يقول غياث إنه يسكن في مخيم عين الحلوة، وإنه لا يخرج من المخيم خشية اعتقاله، إلا أن الاكتظاظ في المخيم وقلة فرص العمل تجبره على ما وصفه “المقامرة” أحياناً بالخروج، والعمل في ورشات البناء، يخبرنا أنه يضطر للمشي دون أن يستقل السيارات خوفاً من الحواجز، كذلك الالتفاف على المناطق التي تشهد تواجداً من الأمن اللبناني.
في تركيا الترحيل عند أي مخالفة
لجأت الحكومة التركية إلى تطبيق عقوبة الترحيل من أراضيها عند كل مخالفة، وفرضت قوانين صارمة تلزم السوريون بأماكن استخراج “بطاقة الكيملك”، والحصول على إذن سفر للتنقل بين الولايات وإذن للعمل، وهو ما طبق في العام الماضي مع ترحيل أعداد كبيرة من السوريين إلى مناطق المعارضة.
كذلك بعد تطبيق القرار الذي يقضي بإعادة تنظيم تواجد اللاجئين السوريين عبر البلاد وإعادة “المخالفين للقانون” ممن لم يحصلوا على بطاقة الحماية المؤقتة إلى الأراضي السورية، تم اعتقال عدد من السوريين وتسفير الكثير منهم.
يقول أبو محمد أحد المرحلين إلى إدلب من تركيا إنه لم يستطع الحصول على بطاقة الحماية المؤقتة، رغم محاولته لمرات كثيرة، وعند مروره بأحد دوريات الأمن تم اعتقاله، ولدى تفتيش هاتفه المحمول ووجود صورة له باللباس العسكري تم اعتقاله وتقديمه للمحاكمة، ليقضي في السجن ثلاث سنوات بتهمة الانتماء لتنظيم متشدد، ويرحل بعدها إلى الداخل السوري.
ينفي أبو محمد التهم الموجهة له، ويؤكد مشاركته للقتال ضد قوات الأسد ضمن فصائل الجيش الحر، إلا أن ذلك “لم ينفع” بحسب قوله، ويقول إن الجميه ينتظر السوري على “نكشة” لاعتقاله وترحيله.
ليس للسوري حق، يقول من تحدثنا معهم، رغم كل ما يعانيه اللاجئون في البلاد التي وصلوا إليها والخطر الذي ينتظرهم في حال إعادتهم، من الاعتقال في سجون الأسد أو الحياة تحت القصف والبراميل، إلا أنهم يفضلون حياة الهرب وحتى الاعتقال في سجون خارج الموت الذي يخيم على المعتقلات السورية، ويسكن تحت أنقاض البيوت التي تستهدف يومياً في مناطق المعارضة.