فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

“التسويف” عنوان إجراءات “كورونا” في المناطق الخاضعة للمعارضة في الشمال السوري

 محمود البكور

ومع انتشار الفايروس في دول الجوار تجاهلت منظمة الصحة العالمية الحديث حول مناطق المعارضة التي لم يصلها حتى اللحظة أي دعم طبي أو أجهزة مخبرية ومواد أولية للكشف، كذلك الحال بالنسبة للمشافي والمراكز الطبية التي تعاني في الأصل من افتقار الدعم، والمخيمات التي تغيب عنها الخدمات الطبية الأساسية، علماً أن أكثر من مليون ونصف المليون يعيشون في هذه المخيمات وسط ظروف حياتية وصحية قاسية.

تحتاج عائلة مكونة من خمسة أشخاص في محافظة إدلب لنحو ألف وخمسمائة ليرة سورية ثمن “كمامات واقية” ورقية تستعمل لمرة واحدة عند اتباعهم الاحتياطات اللازمة للوقاية من عدوى فيروس “كورونا”، بعد أن تضاعف سعرها لستة أضعاف خلال الأيام الماضية، إذ ارتفع من خمسين إلى ثلاثمائة ليرة للكمامة الواحدة.

وتغيب عن كافة مناطق المعارضة الاحتياطات الحكومية الازمة، من تعقيم للطرقات ووسائل النقل وإنشاء منظومة صحية رقمية لمتابعة أعراض الفيروس، إن وجدت، كذلك توزيع معدات التنظيف اللازمة على الأهالي، خاصة في المخيمات، كذلك تكتفي المنظمات الإنسانية بحملات توعية بسيطة اقتصرت على بعض المناطق، بينما اتخذت مديريات الصحة تدابير وخطط سيتم تنفيذها في الأيام المقبلة بحسب من التقيناهم.

السكان في إدلب بعيداً عن اهتمام منظمة الصحة العالمية

“حتى يقع الفأس في الرأس” يستخدم من تحدثنا معهم المثل الشعبي في ردهم عن خلو المنطقة التي يعيشونها من إجراءات لازمة للكشف عن فايروس كورونا ومحاولة علاجه، إضافة للأماكن اللازمة للحجر الصحي والمراقبة، يقولون إن المنطقة لم تشهد وجود أي إصابة حتى اللحظة، ويتساءلون “من أخبركم بذلك؟”

ومع انتشار الفايروس في دول الجوار تجاهلت منظمة الصحة العالمية الحديث حول مناطق المعارضة التي لم يصلها حتى اللحظة أي دعم طبي أو أجهزة مخبرية ومواد أولية للكشف، كذلك الحال بالنسبة للمشافي والمراكز الطبية التي تعاني في الأصل من افتقار الدعم، والمخيمات التي تغيب عنها الخدمات الطبية الأساسية، علماً أن أكثر من مليون ونصف المليون يعيشون في هذه المخيمات وسط ظروف حياتية وصحية قاسية.

“سوف” هو كل ما لدينا كمضاد لكورونا

قال مدير صحة إدلب الدكتور منذر خليل عبر فيديو مصور إنه من المحتمل أن يكون هناك عدد من المصابين في مناطق المعارضة يقومون الآن بنشر هذا الفايروس، وذلك لعدم ظهور الأعراض مباشرة والتي تحتاج لنحو أربعة عشر يوماً لظهورها، أو أنه سيصل إليها خلال الأيام القادمة بعد تسجيل إصابات في تركيا، وتداول وجود عدد من الإصابات في مناطق النظام، رغم عدم التصريح بها.

يوجد في مدينة إدلب مخبراً لرصد الأوبئة تم إنشاؤه منذ أربع سنوات، إلا أن المواد الأولية للكشف عن فايروس كورونا عبر التحاليل المخبرية المتبعة دولياً، لم تصل حتى لحظة إعداد التحقيق، بحسب من تحدثنا معهم من الكوادر الطبية العاملة في المخبر، والتي قالت إنهم سيحصلون عليها خلال الأيام القادمة.

الدكتور محمد شهم مكي مدير مختبر الترصد الوبائي في إدلب قال لفوكس حلب إن المختبر الوبائي تم افتتاحه منذ أربعة سنوات من قبل منظمة ACU في فرعها شبكة الإنذار المبكر والاستجابة للأوبئة، وأضاف “نحن حالياً نتملك التجهيزات اللازمة للكشف عن فايروس كورونا ولكن إلى الآن لا نمتلك ( الكيد الخاص ) أي مجموعة المواد للكشف عنه في المختبر، وسوف يصل إلينا من تركيا خلال الأيام القادمة”.

لا يوجد إلى الآن سوى هذا المخبر الوحيد في إدلب، ما يضع المنطقة أمام كارثة إنسانية في حال وصول الفايروس إليها، وقد تم تدريب الكوادر العاملة في المخبر في مختبر الفايروسات المرجعية بوزارة الصحة في العاصمة التركية أنقره، يقول الدكتور مكي إنهم في المركز يعملون على رفع الجاهزية لتقديم الخدمات المطلوبة في مختبر رصد الأوبئة بإدلب.

وزير الصحة في الحكومة المؤقتة الدكتور مرام الشيخ قال لفوكس حلب إنه سيتم اتخاذ إجراءات مع منظمة الصحة التركية ومنظمة الصحة العالمية لوضع خطة تأمين طبي احترازي ضد فايروس كورونا، وتعتزم الحكومة تجهيز ثلاث وحدات عزل للإصابات الشديدة تتسع كل منها لعشرين سريراً، إضافة لثمان وعشرين وحدة استشفاء للحالات الخفيفة في كل من مناطق (دارة عزة -سلقين -مدينة الباب)، وستعمل الوزارة على وضع خيمة لكشف وتقصي الحالات التي يشتبه بإصابتها في المعابر الحدودية موضحاً أن الجانب التركي يتخذ الإجراءات الوقائية بالتجهيزات الطبية الكاملة للكشف عن هذا الفايروس كخطوة احترازية في هذه المعابر.

وكانت الحكومة المؤقتة قد أصدرت قراراً بإغلاق المعابر مع مناطق سيطرة النظام، كذلك المدارس والجامعات، وحذرت من التجمعات، إضافة لحملات توعية عبر مديريات الصحة والمراكز الطبية حول الفايروس وأهم الإجراءات الوقائية لتجنب الإصابة به.

معاون مدير الصحة بإدلب الدكتور مصطفى العيدو قال إن اجتماعاً عاماً لمدراء المشافي تم عقده بهدف الوقوف على تنفيذ الخطط العاجلة والعمل على رفع الجاهزية بشكل تام والاستعداد والتأهب، والعمل على وضع خطط ومتى يمكن أن يتم إعلان حالة الطوارئ بشكل كامل.

كما تم الاتفاق في الاجتماع على ثلاث خطط عمل ستترافق بنشر التوعية بين الأهالي وحضهم على تخفيف التجمعات، كما ستقوم مديرية الصحة بإدلب بنشر بروشورات توعية صحية للأهالي حول طرق الوقاية العالمية المتبعة من الفايروس متمنياً على الأهالي التقيد  بالتعليمات لحمايتهم بشكل دائم من الإصابة بفايروس كورونا.

وكان مدير صحة إدلب قد أجمل هذه النصائح لتجنب الكارثة الإنسانية التي من المحتمل حدوثها خاصة في المخيمات، طالباً من الأهالي إيقاف التنقلات ووقف الزيارات الاجتماعية وإغلاق المدارس والجامعات والمقاهي، والعمل من المنزل بالنسبة للمؤسسات، وتقليص عدد ساعات الدوام في الأسواق لتقليص عدد الزبائن، مطالباً المنظمات بتوزيع المخصصات التي يرغبون بتوزيعها مباشرة لتأمين مخزون غذائي للأهالي وتجنيبهم الخروج من أماكن إقامتهم، كذلك وقف صلاة الجماعة، والعمل من المنزل بالنسبة للمؤسسات، وعدم مراجعة المشافي والمراكز الصحية إلا في حال الضرورة القصوى لتوفير موارد المنظومة الطبية، تطهير وتعقيم الأسطح في الأماكن العامة والمنازل، تغطية الأنف والفم بالمرفق عند السعال، أو استخدام منديل ورميه بعد الاستخدام، غسل الأيدي بالماء والصابون أو المطهرات الكحولية قبل وبعد الطعام وبعد الخروج من الحمام لمدة عشرين ثانية على الأقل، مفضلاً الماء والصابون ويجب أن يستمر لمدة ٤٠ ثانية، تجنب المصافحة ووقف الزيارات العائلية، عدم ملامسة منطقة الوجه خاصة العيون والأنف، تجنب التعامل مع الحيوانات البرية أو حيوانات المزرعة الحية دون استخدام وسائل الوقاية الشخصية، تطبيق سياسة العزل المنزلي لمن لديه أعراض الفيروس او أعراض الانفلونزا، وارتداء الكمامات.

الأهالي “الإرشادات مستحيلة التطبيق”

يقول من التقيناهم إنه من المستحيل تطبيق هذه الإرشادات التوعوية في ظل الظروف الحالية، ما دفعهم للتسليم بما سيحدث، فليس بالإمكان وسط الاكتظاظ الحاصل في المخيمات القيام بإجراءات العزل المنزلي في حال ظهور الأعراض، إذ يعيش نحو مليوني شخص في خيام تتألف من فسحة واحدة، بعضهم يتشارك سكنه أكثر من عائلة واحدة، كذلك بما يخص الحمامات والمراحيض الجماعية في المخيمات.

يقول أبو أحمد أحد تجار الجملة في مدينة إدلب إنه لا يوجد زيادة في الطلب على المعقمات والمنظفات والمحارم والكمامات خلال الأيام الماضية، وإن أسعارها لم ترتفع بسبب مخاوف انتشار الفايروس.

وبتقصي أسعار المعقمات في الصيدليات والمحال التجارية وجدنا أن أسعار الكمامة الورقية الواحدة نحو ٣٠٠ ليرة، بينما يتراوح سعر صابون الأيدي بين ٣٠٠ إلى ٨٠٠ ليرة للصابونة الواحدة، وفي بعض الأنواع المحلية (٦ قطع بـ ٣٠٠ ليرة) ويصفها الأهالي بـ “الرديئة”، بينما يبلغ سعر كيس المناديل (نصف كيلو غرام نحو ١٠٠ منديل) نحو ٩٠٠ ليرة، والمحارم المعطرة (١٠٠ منديل) بـ ٥٠٠ ليرة، وسائل الجلي المحلي بـ (٢٠٠ ليرة)، وصابون الغار بين ٧٠٠-١٢٠٠ ليرة للكيلو غرام

ويصل سعر لتر الكحول في الصيدليات إلى ١٤٠٠ ليرة، و “معقم السافلون ٢٥٠ مل” بـ ٤٠٠ ليرة، و “معقم هكزاميدين” بـ ٥٠٠ ليرة سورية، وكفوف استعمال مرة واحدة لنحو ٢٥ ليرة.

معظم الأهالي في المدن أو المخيمات يعتمدون على شراء مياه الصهاريج، ويبلغ متوسط سعر البرميل الواحد نحو ٣٥٠ ليرة في المدن و ٤٠٠ في المخيمات، وهو ما دفع الأهالي للاقتصاد في استخدامها.

يقول من التقيناهم إن تكلفة تطبيق الإرشادات مرتفعة جداً، خاصة في ظل الظروف الحالية، إذ تحتاج العائلة لنحو ٥٠ ألف ليرة سورية لتطبيقها، هذا إن استثنينا الاكتظاظ السكاني في المخيمات ومرافقها العامة المشتركة والتي تزيد من صعوبة تطبيق أي من الإجراءات.

وعن باقي النصائح يخبرنا الأهالي إنه لا يوجد نوافذ مؤتمتة في الدوائر والمؤسسات فكيف سيتم العمل من المنازل، كذلك لا يوجد رقم للاتصال به في حال الشك بالإصابة، مطالبين المؤسسات الحكومية والمنظمات العالمية بممارسة دورها للوقوف في وجه انتشار الفايروس والذي سيسبب كارثة إنسانية في المنطقة في حال وجوده.

معظم من سألناهم أكدوا عدم انطلاق أي حملات تنظيف وتطهير للأماكن العامة، واقتصرت بعض الإجراءات على حملات توعية في عدد قليل من التجمعات السكنية.

كل تلك الظروف دفعت الأهالي لتسليم أمرهم بما يمكن أن يحدث لهم، ليس “قلة حرص” منهم على حد قولهم، ولكن “مو طالع بالإيد شي”.

احتياجات ضرورية

ترتفع نسبة الإصابة بفيروس كورونا يومياً، وسط عجز عن احتوائه وإيجاد اللقاح المناسب لعلاجه، وهو ما دفع منظمة الصحة العالمية لتصنيفه كوباء عالمي يهدد حياة جميع سكان العالم، ويتم التعامل مع المصابين وفق درجة الإصابة والأعراض التي تظهر على المصابين لتقديم العلاج إضافة للحجر الصحي، ويعتبر كبار السن والمرضى المصابين بأمراض كالقلب والسكري والربو والنساء الحوامل أكثر الفئات عرضة للإصابة، وتستمر حضانة الفايروس وظهور الأعراض نحو أربعة عشر يومياً وفق منظمة الصحة العالمية التي حددت الأعراض بـ “حمى متبوعة بسعال جاف، وضيق في التنفس إضافة لإسهالات خفيفة”، وقد يتسبب الفايروس بالتهابات رئوية أو متلازمة الالتهاب الرئوي الحاد، وقصور وظائف عدد من أعضاء الجسم، كما يمكن أن يؤدي إلى الوفاة.

الدكتور عبدالحكيم رمضان (منسق الصحة في إدلب) رمضان قال لفوكس حلب إن المواد الأولية للكشف عن فايروس كورونا ستصل خلال أيام عبر وزارة الصحة التركية بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، أما بخصوص العلاج فقال إنه يقدم بحسب الأعراض التي ترافق المصاب، نظراً لعدم التوصل إلى لقاح للفايروس، وتستعد المشافي في الداخل السوري ضمن إمكانياتها، وتحتاج لرفع القدرة في غرف العناية المركزية وهي التي سوف تكون لها الأولية في ذلك، إذ سيتم زيادة عدد الأسرة فيها وتجهيز غرف جديدة.

من التقيناهم من الأهالي طالبوا بالتدخل لتوفير المواد الأولية كالماء والصابون والمناديل الورقية والكمامات، وتعقيم المخيمات والأماكن العامة، وفرض قوانين تحد من ارتفاع الأسعار أو احتكار هذه المواد.

يعيش نحو خمسة ملايين شخص في المناطق الخاضعة للمعارضة السورية حالة من القلق وغياب الخدمات نتيجة انتشار الفايروس، يحاولون الرد بالسخرية على واقعهم، فمع تسليط الضوء على معاناتهم الإنسانية في كافة مجالات الحياة يغيب الاهتمام بهم مجدداً ضمن لائحة الإجراءات التي تتخذها منظمة الصحة العالمية، هم في حجر صحي إجباري يفصلهم عن العالم، حيث يعيشون اليوم كما في السنوات التسع السابقة كارثتهم الإنسانية وحيدين، موتهم أو حياتهم لا يدخل في دائرة الاهتمام، حتى لو على صعيد الحصول على مواد أولية للكشف عن المصابين قبل وقع الكارثة الجديدة.