فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

"جسر الرئيس" المصدر إنترنيت

“جسر الرئيس”..!

هاني العبدالله

تلك ذاكرة مضت، تقول أمل، بعد أن سكنت الجسر وجوهاً جديدة للشبيحة وبعض عناصر النظام والمخبرين وبائعي المخدرات والحشيش، فوقوف أي فتاة على الجسر لتستعيد بعض ذاكرتها يجعل منها فريسة للمتحرشين وعديمي الأخلاق، هم لا يختبئون أو يخافون بل يمارسون أفعالهم “على عينك يا رئيس” أو “بعينك” يحملون زجاجات الكحول ويعترضون سبيل الجميع دون استثناء

“لكلَ من اسمه نصيب”، تلك المقولة تنطبق حتى على الأشياء الجامدة التي تحمل وزر أصحابها، ما إن تمر أمام “جسر الرئيس” حتى تسري في داخلك قشعريرة ارتبطت بسنوات من القتل والخوف، تلك سمات أصبغتها صفات الديكتاتور على المكان الذي بدأت ملامحه تغيب عن الذاكرة الجميلة، ليحل مكانها “الرئيس” بما يعنيه اللفظ من قهر يغيب معه لفظ “الجسر” أو يتلاشى.

“الجسر” كان فسحة للترويح عن النفس، تخبرنا أمل (من سكان مدينة دمشق)، أقف عليه لتأمل دمشق وقاسيون ونهر بردى الذي يطل عليه، أراقب حركة الناس وتنوعهم، أضواء المحلات المتراصة على جانبي الطريق، كلما قفلت عائدة من دوامي في الجامعة، شأني بذلك شأن الآلاف الذين يعبرون الجسر في كل يوم.

"جسر الرئيس" المصدر إنترنيت
“جسر الرئيس” المصدر إنترنيت

مرتع للشبيحة والمخبرين

تلك ذاكرة مضت، تقول أمل، بعد أن سكنت الجسر وجوهاً جديدة للشبيحة وبعض عناصر النظام والمخبرين وبائعي المخدرات والحشيش، فوقوف أي فتاة على الجسر لتستعيد بعض ذاكرتها يجعل منها فريسة للمتحرشين وعديمي الأخلاق، هم لا يختبئون أو يخافون بل يمارسون أفعالهم “على عينك يا رئيس” أو “بعينك” يحملون زجاجات الكحول ويعترضون سبيل الجميع دون استثناء، وهو ما شاهدناه في مقاطع الفيديو التي نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، أحدها وكان في شهر آب ٢٠١٧ يظهر مجموعة من عناصر النظام وهم يتحرشون بالفتيات ويشربون الكحول دون رادع، وسط خوف الجميع من منعهم أو اعتراضهم.

ليس ذلك الفيديو “يتيماً” فهو حالة متكررة في كل يوم، أبطالها “الشبيحة ورفاقهم” وضحاياها “المارة من الأهالي والطلاب الذين يرتادون كلياتهم القريبة من الجسر”، دون رادع قانوني أو أخلاقي يعترضون سبيل النساء ويتحرشون بهن ويسمعونهم الألفاظ البذيئة ويسرقون المارة، في المقابل صمت مطبق من الجهات المختصة (الخصم والحكم)، والشبان الذي يعبرون المكان، يطرقون رؤوسهم إلى الأرض في حالة العجز التي تعتريهم، بينما تبحث أعين الفتيات عن الخلاص، وفق ما ذكرت هبة (طالبة في كلية الحقوق بجامعة دمشق).

نهاية الجسر من جهة “أبو رمانة” شهدت اعتقال عشرات الشبان على الحاجز الأمني المتمركز هناك قبل إزالته، إلَا أن المكان ما زال يعج بعناصر الأمن والمخبرين، على الجسر عليك أن تعبر بسرعة وأن لا تسمح لعقلك بالتفكير وتكتفي الهمس لصديقك المجاور لك عما يدور في خلدك.

“صخرة الانتحار”

تصف هبة مشهد انتحار الطفلة الذي ضجت به وسائل التواصل الاجتماعي. تخبرنا إن الحادثة لا تفارق مخيلتها، حين كانت في طريق عودتها من الجامعة لتشاهد الفتاة (١٢ عاماً) وهي ترمي بنفسها من أعلى الجسر.. لحظات مرت قبل أن تسمع ارتطام جسدها بالأرض لتركض إلى حافة الجسر وتعلق في ذاكرتها الطفلة الملطخة بالدماء والتي فارقت الحياة، قبل أن يجتمع حولها عناصر الأمن وبعض المارة، تقول إن بعض الحاضرين سمعوها وهي تصرخ قبل انتحارها “الفقر والجوع دبحنا”، وهو ما تناقلته أيضاً وسائل التواصل الاجتماعي في التعليقات على الصورة التي ملأت الفضاء الأزرق.

الرسالة التي قيل إنها وجدت مع الرجل الذي انتحر منذ أيام في دمشق -إنترنيت
الرسالة التي قيل إنها وجدت مع الرجل الذي انتحر منذ أيام في دمشق -إنترنيت

قبلها رمى شاب نفسه من على الجسر في العام ٢٠١٧، وقبل أيام تداولت صفحات تابعة للنظام خبر انتحار شابٍ من على “جسر الرئيس”، بسبب عجزه عن تأمين الطعام لأولاده بحسب ما كتبه في رسالةٍ وُجدت في جيبه، إلا أن “قيادة شرطة دمشق” التابعة للنظام نفت الخبر، وأشارت إلى أنه يمكن لأي شخصٍ نشر مثل تلك الرسالة وتزويرها، والهدف من ذلك هو إثارة الفوضى فقط، وفق زعمها.

وكان “جبل قاسيون” المطل على دمشق، مكاناً يدفع بعض الأشخاص اليائسين من الدنيا الى الانتحار من على الصخرة المتواجدة في سفح الجبل، إلا أن قوات النظام منعت الصعود إلى أعلى الجبل عقب اندلاع الثورة السورية، وبالتالي بات “جسر الرئيس” بمثابة “صخرة الانتحار” لدى البعض، كونه يرتفع عن سطح الأرض ثلاثين متراً.

ما خفي أعظم!

في الجانب السفلي من الجسر، بعد أن تهبط إليه من الدرج الذي يحملك إلى طريق كلية الحقوق، تجد مئات الحافلات والسرافيس التي تقلك إلى مناطق الريف الشمالي الغربي من دمشق “عين الفيجة -قدسيا -الهامة -دمَر..”، بين الزحام ممارسات لـ “أفعال فاحشة في الطريق”، تجارة رائجة بين موزعي المخدرات والحشيش والكحول وزبائنهم الذين اعتادوا المكان، رجل يتبول على الحائط وسط الزحام، كميات هائلة من القمامة، يقول أبو باسل (من أهالي قدسيا).

حين تسير تحت “جسر الرئيس” تشعر كأنك في قطعةٍ عسكريةٍ وأمنية، فأغلب المناطق التي تنطلق السرافيس إليها من “جسر الرئيس”، يقطن فيها العساكر وعناصر الأمن والموالون للنظام، كمنطقة عش الورور ومساكن الحرس الجمهوري والديماس وضاحية قدسيا وغيرها، إضافةً إلى انتشار البسطات المخالفة وأغلبها تعود لمخبرين وأشخاصٍ مرتبطين بالأفرع الأمنية، وقد حدثت حالاتُ اعتقالٍ كثيرةٍ على يد أولئك المخبرين، بحسب ما أفاد أبو باسل.

بالقرب من هذا المكان أنهت “طفلة الشعلة” حياتها بعد أن ألقت بنفسها في النهر بعد استنشاقها لمادة “الشعلة المخدرة”، عشرات غيرها من الأطفال يتوزعون على أطراف المكان، يمتهنون التسول ويستنشقون “الشعلة” في أكياس أو عبوات بلاستيكية.

بسطات الكتب تحت جسر الرئيس بدمشق -إنترنيت
بسطات الكتب تحت جسر الرئيس بدمشق -إنترنيت

تغيب معظم بسطات الكتب القديمة التي كانت تملأ المكان كما غاب روادها من المهتمين والقراء، ويحتل مكانها بسطات الدخان وصناديق مسح الأحذية والمتسولون، يقول الناشط الإعلامي أحمد الشامي “تلك إنجازات الرئيس الجديدة”.

ويعتبر جسر الرئيس نقطة وصل بين منطقتي البرامكة وأبو رمانة، ويقطع الطريق الواصل بين ساحة الأمويين وجسر فيكتوريا، افتتح في العام ١٩٩٢، بطول يصل إلى ٤٠٠ متر وعرض ٢٠ متراً، بينما يبلغ ارتفاعه ٣٠ متراً.