فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

الكستناء في أسواق إدلب.

“الكستناء” تتصدر دكاكين إدلب وبسطاتها

منيرة بالوش

تبقى الكستناء وجوز الهند وغيرها من الفاكهة الموسمية من “الكماليات” في حياة سكان مدينة إدلب الذين يعانون من تردي الحالة الاقتصادية، يقولون إنها من الأشياء التي يمكن الاستغناء عنها، أو تذوقها لمرة واحدة، ويتساءلون عن سبب غلاء أصناف أخرى ضرورية مقابل تلك الكماليات، وهو ما يلعب التجار دور حاسم في صناعته بناء على سياسة “العرض والطلب” التي ينتهجونها، يقول من التقيناهم إن الكستناء صارت متاحة لمعرفة مذاقها الشهي، بينما ترد واحدة من السيدات على نداء بائع الكستناء “مو ليكون فيه صوبا لنشتري كستنا”.

ارتبطت الكستناء في ذاكرة السوريين بندرة وجودها وارتفاع أسعارها بعد أن كانت حكراً على أماكن وفئات معينة من السكان، بسعر يساوي “غرام الذهب” تباع فيه بالحبة، وبموسمها الشتوي الذي يضيف على سهرات المدافئ جوَاً من الحميمية والدفء و”احتراق الأصابع”، تلك الذاكرة غابت في أسواق إدلب لهذا العام بعد أن تصدرت أصناف من الفاكهة الموسمية كالكستناء وجوز الهند بسطات البائعين وواجهة المحلات وبأسعار تنافس المواد الأساسية التي يعتمد عليها السكان في حياتهم اليومية.

في سوق الخضار وسط مدينة إدلب، يكاد لا يخلو دكان أو بسطة من البسطات المتوزعة على طرفي السوق بطريقة متتالية من مختلف أنواع الفاكهة، الموسمية منها كالكستناء وجوز الهند والكيوي والفريز المرتبة بسلال كبيرة من القش، أو الدائمة كالتفاح والبرتقال والرمان ضمن صناديق خشبية، إضافة للموز الذي بات الحاضر الدائم في الأسواق، وبأسعار متفاوتة.
يقول وائل صاحب بسطة لبيع الفاكهة يقوم بترتيبها وتنسيقها لتلفت نظر المارة إن الفاكهة الموسمية والغريبة عن المألوف في ثقافة السكان الشرائية تلاقي اليوم رواجاً ومبيعاً أكثر من غيرها في الأسواق.

يبيع وائل نحو خمسة عشر كيلو غرام من الكستناء يومياً، ويزيد الطلب عليها مع اقتراب رأس السنة، إذ يقبل السكان على شرائها كطقس اعتاده بعضهم، أو لتذوقها قبل خلو الأسواق منها خاصة وأن موسمها لا يتجاوز الشهرين من كل عام، وتستورد الكستناء في الأسواق الإدلبية من تركيا التي تشتهر بزراعتها، ويتراوح سعرها بين ألف وألف وخمسمائة ليرة (١-١.٥ دولار) بالرغم من ارتفاع سعر الدولار (٩٠٠ ليرة لكل دولار)، وكانت تباع في العام السابق بنحو ثلاثة آلاف ليرة (٦دولار) للكيلو الواحد.

ويخبرنا وائل أن انخفاض سعرها مقارنة بالسنوات الماضية هو السبب في رواجها، فـ “ثمن كيلو غرام من الكستناء الجيدة يبلغ نحو ١٥٠٠ ليرة، وهو يعادل سعر ٢ كيلو من البندورة وكيلو من الباذنجان”، كذلك ضعف القوة الشرائية للسكان وهو ما يجبر التجار على تخفيض هامش أرباحهم لضمان بيع الكميات المستوردة.

الكستناء في أسواق إدلب .
الكستناء في أسواق إدلب.

هناء (مهجرة من ريف دمشق) تقول إن للكستناء قصة وذاكرة حملتها معها من دمشق، فهي تذكرها بالسهرات التي كانت تجمعها رفقة أهلها وأخوتها حول المدفأة في ليالي دمشق الباردة، تخبرنا أن منافسات كانت تقوم في العائلة حول تقشير حبات الكستناء بعد شيها، تضحك وهي ترينا بقايا حروق على أصابعها سببتها لها سهرات الكستناء تلك، وتحرص على نقل هذه الأجواء لأطفالها في إدلب وهي تروي لهم القصص حول دمشق وحياتهم فيها قبل التهجير، وتؤكد أن سعرها الذي وصفته بـ “المقبول” ساعدها في نقل هذه الأجواء إلى حياتها الجديدة.
لا تعير “وداد” اهتماماً للفاكهة أبداً، فهي خارج قاموس مشترياتها تقول إن مدخولها اليومي لا يكفي لشراء الخبز وبعض البقوليات والسكر والشاي ، فكيف بشراء “الرفاهيات” كما أسمتها من فاكهة ولحمة أو حتى بعض المكسرات والموالح، تحدثنا وتشير لكيس أسودٍ تحمله بيدها فيه “كيلو سكر وعبوة زيت نباتي وكيلو عدس” وتحمل بيدها الأخرى ربطتي خبز، قالت إن كلفتهم 2000 ليرة، وهو ما يجنيه زوجها طيلة اليوم، لتطبخ بالنهاية شوربة عدس لأطفالها الستة !

وأسرَت لنا أنها وأثناء ذهابها للسوق يوم أمس رفقة ابنها الصغير، لفتت حبات الكستناء نظره وألح عليها كثيراً لتذوق طعمها، تقول إنها أشاحت بوجهها عن المكان الذي يشير إليه طفلها والذي يجهل اسم الكستناء، وانغمست بين الخضار لتشتري حزمة سبانخ والكثير من القرنبيط وبعض الليمون.

تبقى الكستناء وجوز الهند وغيرها من الفاكهة الموسمية من “الكماليات” في حياة سكان مدينة إدلب الذين يعانون من تردي الحالة الاقتصادية، يقولون إنها من الأشياء التي يمكن الاستغناء عنها، أو تذوقها لمرة واحدة، ويتساءلون عن سبب غلاء أصناف أخرى ضرورية مقابل تلك الكماليات، وهو ما يلعب التجار دور حاسم في صناعته بناء على سياسة “العرض والطلب” التي ينتهجونها، يقول من التقيناهم إن الكستناء صارت متاحة لمعرفة مذاقها الشهي، بينما ترد واحدة من السيدات على نداء بائع الكستناء “مو ليكون فيه صوبا لنشتري كستنا”.