فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

المعابر والوصلات ونقاط العبور وأثرها على السكان والمزارعين في الشمال السوري

فريق التحرير

ويشرح السائق أبو خليل إن الرسوم التي تدفع في معبر العيس على المحاصيل الزراعية المسموح بمرورها تتراوح بين (5-10 دولار) للطن الواحد من جانب المعارضة، بينما تزيد تلك الرسوم في الطرف المقابل والتي تسيطر عليه قوات من الفرقة الرابعة في جيش النظام والذين لا يتقاضون رسوماً ثابتة بل تكون على شكل إتاوات، فيدفع السائق رسم ساحة نحو 200 ألف ليرة (وهي الساحة التي يتم تجميع فيها السيارات قبل السماح لها بالمرور) يضاف إليها القسم الأكبر نحو 700 ألف ليرة للشاحنات الكبيرة و 150 ألف للصغيرة، تحت بند (الترفيق وهو اتفاق بين الدول على قانون يعرف باسم الترفيق الجمركي ويقضي بحماية جمارك الدولة للشاحنات التي تمر بها من السرقة والخطف) وهو قانون صادر في سوريا عام 1998 من وزارة المالية برقم 3095، إلّا أن قوات الأسد وسوريا الديمقراطية تستخدمه منذ بداية 2011 بين المدن

تمثل المعابر والنقاط الحدودية شريان حياة للسوريين في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية، تمر من خلالها المواد الغذائية والمحروقات والمواد الأولية والألبسة، وتشكل في الوقت ذاته طريقاً للبضائع والمحاصيل الزراعية إلى مناطق سيطرة النظام والدول المجاورة. وبالتالي فإن المعابر تلعب دوراً كبيراً في تحديد أسعار الواردات والصادرات، وكذلك أنواع المزروعات التي يمكن أن تدر عائداً للمزارعين. كما أن المعابر تشكّل مصدر دخل للقوى المسيطرة عليها من خلال فرض الرسوم (والإتاوات) على البضائع التي تمر في الاتجاهين، ما زاد من الأعباء المالية، سواء على المزارع أو المواطنين.

معبر باب الهوى: “الاستيراد على كيفك والتصدير على كيفنا”

يعدّ معبر باب الهوى الطريق الوحيد للتبادل التجاري بين تركيا ومناطق إدلب وريفي حلب الغربي والجنوبي، ويقع في مدينة سرمدا (33كم عن إدلب) وتسيطر عليه المعارضة السورية منذ منتصف عام 2012. ومنذ تموز يوليو من عام 2017، تدير المعبر إدارة مدنية بعد الخلاف الذي دار حول تبعيته بين فصيلي أحرار الشام وهيئة تحرير الشام.

لا توجد آلية واضحة لتحصيل إيرادات المعبر، إلّا أن الخبير الاقتصادي أحمد (رفض ذكر اسمه الكامل لأسباب أمنية) يقول إن نسبة كبيرة من هذه العائدات المالية يحصل عليها المكتب الاقتصادي في هيئة تحرير الشام، ويقدرها بملايين الدولارات سنوياً.

وكان رئيس غرفة التجارة والصناعة في قضاء الريحانية التركية “نجم الدين زار أوغلو” قد صرح بأن قيمة الصادرات التركية من معبر باب الهوى “جليفاكوزو” بلغت 25 مليون و500 ألف دولار خلال النصف الأول من عام 2019 الحالي، بينما أوضحت دراسة إحصائية صادرة عن المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية في العام 2015 أن قيمة الصادرات تجاوزت 1.8 مليار دولار، منها 193 مليون دولار لصادرات غذائية كانت تتكون من 39٪ دقيق و 28٪ زيوت نباتية و 12٪ عدس و 8٪ سكر و 8٪ حمص و 7٪ حصص غذائية.

تصريحات أوغلو توضح زيادة بلغت كبيرة في الصادرات عن العام 2016، والتي حددتها تقديرات مشروع حلب وهو مبادرة بحثية لمركز شاتوك، في الجامعة الأوروبية المركزية في هنغاريا، ب 25 مليون دولار سنوياً.

معبر باب الهوى -انترنيت
معبر باب الهوى -انترنيت

هذه الصادرات التي لا تخضع من قبل المعبر للائحة المنع، أثرت بشكل سلبي على أسعار المحاصيل الزراعية المنتجة من قبل المزارعين في الشمال السوري، يقول المزارع “أحمد العلي” إن المحاصيل القادمة من تركيا لا تقارن بتلك الموجودة في سوريا من حيث الجودة والأسعار، وهو ما أدى إلى انصراف تجار الجملة إلى استيرادها والعزوف عن شراء المحاصيل المحلية، أو فرض أسعار مجحفة على المزارعين لا توازي سعر التكلفة لشرائها، ومع غياب البرادات للتخزين والكلفة العالية لإنشائها يجبر المزارع على بيع محصوله كيفما اتفق.

وعن الفروق في الأسعار يقول المهندس محمد الموسى إن معظم المحاصيل الزراعية في المنطقة ازدادت كلفتها لأكثر من عشرة أضعاف بسبب غلاء الوقود والمستلزمات الزراعية كالبذار والأسمدة وأجور الحراثة والري، وغالباً لا يقوم الفلاح برعايتها بالشكل الأمثل خلافاً لتركيا التي تدعم القطاع الزراعي بشكل كبير، وتعفي المصدرين من الضرائب.

يؤكد المزارعون الذين التقيناهم ومن بينهم تاجر “الكومسيون” في أريحا أبو خالد أن الحكومة التركية هي من تحدد المواد القابلة للتصدير من الأراضي السورية، بناء على احتياجات السوق المحلية، ما يجعل فرص المنافسة معدومة، وهو ما دفع بعض المزارعين لزراعة الأصناف التي تسمح الحكومة التركية باستيرادها، وفي كثير من الأحيان تتغير هذه اللائحة ما يؤدي إلى خسارة كبيرة، كذلك فإن هذه السياسة الزراعية دفعت التجار لاستيراد ما يحتاجه السكان من تركيا في المقابل وهو ما أنعش الاستيراد وأساء إلى التصدير.

يتساءل المزارعون عن دور المسؤولين عن المعبر في إدارة السياسة الاقتصادية، ولماذا لا يكون التعامل بالمثل، فيمنع الاستيراد إلّا بقدر التصدير، أو اعتماد سياسة الاقتصاد المفتوح لكافة المنتجات!

إدارة باب الهوى توضح

مازن علوش (مدير العلاقات العامة والإعلام في معبر باب الهوى) قال لفوكس حلب إن آلية العمل تدرس وفق القوانين والأنظمة من حيث المنع والتقييد والتشجيع بحسب السوق المحلية وحاجتها، مع الأخذ بعين الاعتبار حماية المنتج الوطني والتشجيع على تسويقه وتسهيل تصدير البضائع بما لا يتعارض مع كفاية المستهلك المحلي من تلك المواد.

ويرى العلوش أن الاستيراد لا يضر بالمزارع ويزيد من خيارات المستهلك من حيث الجودة والسعر، وهناك ضوابط لمواصفات المستوردات، كما أن إدارة المعبر ألغت الرسوم الجمركية على المواد التي لا يؤثر تصديرها على السوق المحلية، وسمحت بتصدير المواد الزراعية الموافقة لشروط التصدير وأعفتها من الرسوم بموجب قرار الإدارة رقم 8 لعام 2019.

في المقابل يتقاضى المعبر رسوماً جمركية على المستوردات من المحاصيل الزراعية (5 دولار لكل طن خضار و7 دولار للفاكهة)، ويتم فحصها في المخابر وفق المواصفات القياسية لقبول استيراد البضائع، ويتم تخيير المستورد بين إتلافها أو إعادتها في حال كانت مخالفة.

ويتم اتخاذ إجراءات عقابية تشمل الغرامات المالية وتصل حدّ الحرمان من الاستيراد والتصدير بحق التاجر المخالف في حال تكرار إدخال مواد فاسدة أو غير مطابقة للمواصفات، بحسب العلوش، الذي قال إن السماح بالاستيراد يأتي لتلبية حاجة المستهلك وتخفيف الأعباء المادية عليه.

المزارعون يشتكون والمواطن غير راضٍ

مئات من برادات المحاصيل الزراعية (الخضار والفواكه) تجد طريقها إلى أسواق الهال في المنطقة يومياً، يقوم المستوردون بتحديد أسعارها دون دور للرقابة التموينية، وتخضع لقوانين العرض والطلب، بحسب احتياجات السوق.

يقول مروان الحمدو (أحد المورّدين من تركيا إلى سوريا) إن نسبة الربح أحياناً تتجاوز الضعفين، وقد نخسر في بعض الأحيان أيضاً، إذ تمثل الكلفة العالية للنقل بالبرادات (تصل إلى 170 دولار للبراد الواحد) والرسوم الجمركية وكذلك انتظار الدور للفحص المخبري أهم العوامل التي تؤثر في تحديد الأسعار.

يكمل مروان أن بعض “الكومسيونية” أو الوسطاء يطلبون استيراد أنواع معينة بعد دراسة احتياجات السوق، ويتم الاتفاق على التوريد، أحياناً يكون هناك خلل في المواصفات ما يتسبب بالخسارة، أو تظهر الفحوصات تلفاً أو فساداً فيها، إلّا أنه يحمل المسؤولية الأكبر في ارتفاع الأسعار للتجار، ويظهر دهشته من الأسعار التي تقارب أو تزيد عن الأسعار في تركيا رغم الفارق بين معدلات الدخل، يضيف “نحن نأخذ أجرتنا والتاجر ينال الربح الأكبر”.

بينما يرى المزارع (أبو خالد من ريف حلب الجنوبي) إنه ومهما بلغت الأسعار للمحاصيل المستوردة، فإنها تبقى المفضلة لدى التجار عن المحلية، وذلك لجودتها، إضافة لمعرفتهم بانعدام فرص التصدير وحاجة المزارع لبيع محصوله قبل التلف، فيشترونها بأسعار زهيدة ويبيعونها بأسعار عالية، سواء في السوق المحلي أو تصديرها إلى مناطق النظام.

بين المزارع والتاجر والمعبر يتحمل المواطن الكلفة الأكبر، تقول منى الخطيب (ربة منزل من إدلب) إن الأسعار تتضاعف في كل يوم، حتى في المواسم “سابقاً كانت المحاصيل الصيفية رخيصة الثمن في مواسمها وهو ما كان يدفع العائلات لتخزينها للشتاء، أما الآن فالصيف مثل الشتاء والأسعار واحدة وكلها بعيدة عن متناول المواطن وقدرته الشرائية”.

الرسوم والإتاوات من جيب المزارع إلى الفصائل وجيش النظام

تسببت المعارك الأخيرة في إغلاق معظم المعابر “المؤقتة” بين قوات النظام والمعارضة كمعبر مورك وقلعة المضيق وقبله معبر أبو دالي، ليبقى معبر العيس بريف حلب الجنوبي المعبر الوحيد الذي تمر من خلاله البضائع ذهاباً وإياباً بين القوتين المسيطرتين.

تأسس معبر العيس في نيسان 2018 ليكون معبراً تجارياً بين مناطق المعارضة والنظام، ويسيطر على المعبر هيئة تحرير الشام التي تتقاضى 65% من عائداته التي تعود إلى المكتب الاقتصادي التابع لها، في حين تسيطر الفرقة الرابعة من قوات النظام على الطرف المقابل في بلدة الحاضر.

تختلف الرسوم بحسب أنواع البضائع المحملة، إلّا أن إدارة المعبر رفضت تزويدنا بلائحة للرسوم واستطعنا من خلال السائقين تحديد الكلفة التقريبية والتي تبلغ 2مليون ليرة سورية للسيارات الكبيرة (تحمل نحو 60 طن) موزعة بين الرسوم وأجرة السائق من سوق الهال في معرتمصرين بالقرب من إدلب المدينة وحتى دمشق، يقول التاجر أبو خالد المعراوي إن الحمولة إلى دمشق تحدد بـنحو (34 ألف ليرة لكل طن) في السيارات الكبيرة، وبمبالغ ثابتة تقدر بحسب نوع الحمولة في الشاحنات الصغيرة (حمولة 5-7 طن).

ويشرح السائق أبو خليل إن الرسوم التي تدفع في معبر العيس على المحاصيل الزراعية المسموح بمرورها تتراوح بين (5-10 دولار) للطن الواحد من جانب المعارضة، بينما تزيد تلك الرسوم في الطرف المقابل والتي تسيطر عليه قوات من الفرقة الرابعة في جيش النظام والذين لا يتقاضون رسوماً ثابتة بل تكون على شكل إتاوات، فيدفع السائق رسم ساحة نحو 200 ألف ليرة (وهي الساحة التي يتم تجميع فيها السيارات قبل السماح لها بالمرور) يضاف إليها القسم الأكبر نحو 700 ألف ليرة للشاحنات الكبيرة و 150 ألف للصغيرة، تحت بند (الترفيق وهو اتفاق بين الدول على قانون يعرف باسم الترفيق الجمركي ويقضي بحماية جمارك الدولة للشاحنات التي تمر بها من السرقة والخطف) وهو قانون صادر في سوريا عام 1998 من وزارة المالية برقم 3095، إلّا أن قوات الأسد وسوريا الديمقراطية تستخدمه منذ بداية 2011 بين المدن!

ولشرح الكلفة يقول أبو خليل إن كل كيلو غرام من البطاطا على سبيل المثال يكلف نحو 35 ليرة حتى يصل إلى دمشق، يدفعها المزارع من سعر المحاصيل التي يسلمها للتجار، وتمثل تقريباً 35% من سعرها في السوق، وهو ما يؤدي إلى انخفاض سعرها عند البيع وارتفاع سعرها في الشراء. ويدفع المواطن في مناطق النظام ثمن هذه الكلفة، إذ تزيد أسعار المواد بعض إضافة الرسوم عليها، والعكس صحيح عند الاستيراد، إذ غالباً ما تشهد تفاوتاً في أسعار المحاصيل الزراعية بين مناطق المعارضة والنظام وبنسبة تصل إلى 60% أحياناً.

ففي الوقت الذي يبلغ فيه سعر البطاطا في إدلب للمواطن 75 ليرة يزيد عن 125 في مناطق النظام، بينما ينقص سعر الموز في مناطق النظام بـ 100 ليرة عن مناطق المعارضة، وهذا الأمر ينسحب على بقية المواد بحسب أبو خليل.

ويشهد معبر العيس حركة تجارية كبيرة يتم استيفاء رسومها بالدولار في مناطق المعارضة، بعد إغلاق معبري مورك وقلعة المضيق، ويقدر السائقون مرور نحو 400 شاحنة يومياً على الأقل من المعبر، برسوم وسطية تزيد عن 30 ألف دولار يومياً.

وعمل فريق فوكس حلب على توضيح عائدات المعابر باعتبارها وسيلة تمويل للقوى المسيطرة على الأرض في العام 2018، تتغير أماكنها بحسب الظروف العسكرية، إلّا أن كل الأطراف مضطرة على إبقائها كنقاط محمية لا يتم استهدافها من الأطراف كافة.

معابر بين طرفي المعارضة

لا تقتصر الوصلات أو نقاط العبور بين الأطراف المتصارعة، بل تعدّت ذلك إلى وجود معابر بين مناطق المعارضة ذاتها، والتي تختلف تبعيتها بحسب الفئات المسيطرة على الأرض، إذ يمثل معبر الغزاوية بالقرب من دارة عزة بريف حلب صلة الوصل بين المنطقة التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام في إدلب وريفي حلب الجنوبي والغربي، وبين عفرين وريفي حلب الشمالي والشرقي والتي تسيطر عليها قوات المعارضة المنضوية تحت الجيش الوطني المدعوم تركياً.

معبر دارة عزة وكالة قاسيون
معبر دارة عزة وكالة قاسيون

وبالرغم من مراجعة المكتب الاقتصادي في المعبر للتعرف على الرسوم الجمركية المفروضة إلّا أنهم رفضوا تزويدنا بأي تصريح أو لائحة للأسعار. وبسؤالنا للسائقين والتجار، وجدنا أن الكلفة تتوزع على الرسوم التي تتراوح بين (5-10 دولار) في المحاصيل الزراعية بحسب أنواعها، والإتاوات التي تفرضها الحواجز المنتشرة والتابعة للجيش الوطني من عفرين وحتى الباب، والتي تتقاضى بين (1-2 دولار عن كل سيارة) خلال مرورها بالحواجز على شكل رشى أو إتاوات.

وتتراوح أجرة النقل للسائق بين (100 دولار للوصول إلى مدينة الباب و60 دولار لمنطقة عفرين و80 دولار إلى مدينة اعزاز) لسيارات الأنتر (حمولتها بين 6-9 طن)، تتضاعف هذه الأسعار في السيارات الكبيرة (حمولة 60 طن) وتبلغ نحو (500 دولار).

ويسمح بمرور المحاصيل الزراعية كافة من هذه المعابر، باستثناء “الموز” الذي يمر حصراً عبر معبر العيس، ولا توجد أي آلية لفحص المنتجات القادمة من المعبر أو مخابر لتبيان التلف الحاصل فيها أو تضررها.

يتم استيفاء كافة الرسوم بالدولار، ويوجد في المعبر مكاتب للتصريف، كما تمنع هذه المعابر مرور بعض الأصناف أحياناً، دون إخطار سابق أو لوائح وذلك بحجة “عدم الاكتفاء في السوق المحلية”، وتصدر كميات كبيرة من المحاصيل التي تصل إلى مدينة الباب نحو مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (شرق سوريا)، وهو ما يفسر التفاوت الكبير في حركة المعبر، بحسب الظروف العسكرية، إذ توقفت هذه الحركة بشكل شبه كامل خلال الشهر الحالي بسبب إغلاق المعابر نتيجة معركة “نبع السلام” بين تركيا والجيش الوطني وقوات سوريا الديمقراطية.

يتمسك المزارعون والسكان بوجود المعابر ومتابعة أخبار إغلاقها وفتحها لما تتركه من أثر في حياتهم اليومية، ويأملون بأن تدار بطريقة مدروسة تضمن لهم حرية الاستيراد والتصدير دون فرض رسوم عالية ما سيعود بالفائدة على الفلاح والمواطن معاً، في ظل الظروف الاقتصادية السيئة التي يعيشونها.