فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

البذار السيء والأسمدة والمبيدات غير المراقبة تؤثر سلباً على الإنتاج الزراعي والتربة في الشمال السوري

فريق التحرير

المهندس الزراعي أنس الرحمون قال إن كافة الإجراءات المتخذة للعناية بالأرض ستكون دون أي قيمة في حال استعمال البذار السيء، لافتاً إلى أن الكثير من الفيروسات والأبواغ الفطرية تنتقل بواسطة هذه البذور إلى التربة والمحاصيل الزراعية، وهو ما أكده المهندس مجد حاج عمر (مدير التنسيق الزراعي في منطقة إيكاردا، وهو تجمع يضم عدداً من المهندسين والفنيين المستقلين) إن البذار المستورد “غير الخاضع للرقابة” يؤثر على كميات الإنتاج ويعطي محاصيل رديئة من حيث النوعية التصنيفية والصنفية، وعادة ما يكون أقل مقاومة للأمراض الفيروسية والفطرية والبكتيرية مما يؤدي إلى سرعة إصابة النبات بهذه الأمراض، وظهور أمراض جديدة غير مألوفة في المنطقة.

 

تحوّلت الزراعة من عمل يدوي فردي لإنتاج الكفاف إلى نشاط تجاري وصناعي مدروس خلال العقود الماضية، وفق سلسلة مترابطة تجمع العملية الزراعية بكاملها، بدءً من اختيار الأرض المناسبة ونوعية البذار الملائم، وانتهاء بالوقت الأفضل لجني المحصول مروراً بالتسميد والمكافحة الدوائية للأمراض والعناية بالأرض، وإن أي خلل في هذه السلسلة سيترك أثره السلبي على الإنتاج ولاحقاً على التربة، وهو ما تشهده الأراضي الزراعية في الشمال السوري، نظراً لضعف الإمكانيات وغياب الرقابة عن أنواع البذار والأسمدة ما أدى لخسائر كبيرة لدى المزارعين.

يقول أسعد الزيني (مزارع بريف إدلب) إنه لا يعرف سبب انخفاض كمية الإنتاج في حقله (2 هكتاراً) بالرغم من اتباعه كافة النصائح والإرشادات التي كان يعتمدها سابقاً. يشرح لنا إن محصول القمح تراجع خلال السنتين الماضيتين بنسبة تزيد عن 70%، عنه في الأعوام السابقة. كما يخبرنا المزارع علي المصطفى أن محصوله من القمح والشعير بريف حلب الغربي لم يكتمل، كما أن الزرع لم يحمل بأي إنتاج رغم تسميده وريّه في الأوقات المناسبة، ما تسبب بخسارته نحو أربعة آلاف دولار. الأمر عينه لوحظ على باقي المحاصيل في الصيف، إذ يقول المصطفى إن إنتاج الخضراوات “المقاتي” قد تراجع إلى النصف، إضافة لانتشار الأمراض في كثير منها وذبولها.

البذار السيء أحد أهم الأسباب في تراجع الزراعة

يحصل المزارعون على البذار لأراضيهم من مصادر متنوعة، منها ما يأتي عن طريق التجار عبر استيرادها من تركيا، أو من مناطق النظام، كما يعتمدون على مؤسسة إكثار البذار للحصول على بعض الأصناف المتوفرة، أو من خلال توليدها من محاصيلهم.

يقول بسام عز الدين (رئيس دائرة الشؤون الزراعية والوقاية بمديرية زراعة إدلب) إن مؤسسة إكثار البذار تمكنت من الحفاظ على بعض الأصناف الموجودة من القمح وكاثرتها وعملت على توزيعها على الفلاحين، كما أسهمت بعض المنظمات باستجرار بذور القمح وتوزيعها، إلّا أنها لم تكن بالجودة المطلوبة وهو ما أدى إلى عزوف الفلاحين عن استخدامها.

ويظهر تقرير نشر في العام 2018، توزيع أنواع من البذار “المعفن” في مدينة الباب شرقي حلب ما أدى إلى خسارة إنتاج 600 دونماً من الأراضي فيها، وجرى التحقق من سوء البذار عبر لجنة من المهندسين الزراعيين قاموا بإجراء التجارب على تلك البذور والتأكد من عدم صلاحيتها.

ويقول عز الدين إن مديرية الزراعة لاحظت تراجعاً في الإنتاج والمواصفات التسويقية وضعفاً في مقاومة الخضار الصيفية للآفات في الحقول التي اعتمدت على البذار المقدم من قبل بعض المنظمات هذا العام، رفض تسميتها، مرجحاً أن يكون السبب الأهم في هذه المشكلات نوعية البذار الذي اعتبره “أساس العملية الزراعية كونه يحدد كمية الإنتاج الصادرة عن هذا البذار ونوعيته “، واصفاً إياه بـ “غير المناسب”.

ويرى عزالدين أن المزارعين فقدوا ثقتهم بأنواع البذار المستوردة من تركيا، والتي لم تحقق إنتاجاً جيداً، وهو ما دفعهم لاستيراد بذور الخضراوات من مناطق النظام، في حين غابت البذور البلدية التي اعتاد المزارع على توليدها من مواسمه عن أغلب الزراعات باستثناء بعض الخضراوات كالباذنجان والفليفلة والبامياء.

المهندس الزراعي أنس الرحمون قال إن كافة الإجراءات المتخذة للعناية بالأرض ستكون دون أي قيمة في حال استعمال البذار السيء، لافتاً إلى أن الكثير من الفيروسات والأبواغ الفطرية تنتقل بواسطة هذه البذور إلى التربة والمحاصيل الزراعية، وهو ما أكده المهندس مجد حاج عمر (مدير التنسيق الزراعي في منطقة إيكاردا، وهو تجمع يضم عدداً من المهندسين  والفنيين المستقلين) إن البذار المستورد “غير الخاضع للرقابة” يؤثر على كميات الإنتاج ويعطي محاصيل رديئة من حيث النوعية التصنيفية والصنفية، وعادة ما يكون أقل مقاومة للأمراض الفيروسية والفطرية والبكتيرية مما يؤدي إلى سرعة إصابة النبات بهذه الأمراض، وظهور أمراض جديدة غير مألوفة في المنطقة.

مؤسسة إكثار البذار والحجر الزراعي

يقول المهندس حاج عمر إنه ولضمان الحصول على بذار جيد لا بد من وجود حجْر زراعي (عمليات الكشف على البذور والثمار ومقارنتها بالمواصفات العالمية قبل السماح بدخولها) في المعابر، واعتماد الشراء من مؤسسات عالمية موثوقة لاستيراد البذار.

هذا الأمر لا يتم حالياً وفق الظروف المتاحة وعدم توافر الإمكانيات، لذلك يعتمد حالياً على الاستيراد وفق الشروط والمواصفات المرافقة للشحنة.

 

يرجع المهندس الرحمون ضرورة ذلك إلى أن الشركات الموثوقة تقوم بتعقيم البذور بمبيدات فطرية مديدة تقضي على الفيروسات، وهو ما يفسر تفاوت الأسعار بين البذار القادم من مناطق النظام (مصدره البذور الهجينة الفرنسية أو الأمريكية)، وتلك المستوردة من تركيا. والتي يستوردها التجار وغالباً ما يتم الاتفاق على أنواع رديئة أو منخفضة الجودة مراعاة للسعر ولتحقيق ربح مضاعف.

وتعمل مؤسسة إكثار البذار على إنتاج بذور عالية الجودة من خلال النقاوة الصنفية والإنتاجية مثل أصناف القمح ومختلف أصناف البطاطا المقاومة للأمراض الفيروسية عن طريق المشروع الوطني في البيوت الشبكية.

وتعمد المؤسسة على دعم المزارعين بقروض يطلق عليها اسم “القرض الحسن” ويقوم على تقديم البذار ومستلزمات الزراعة من محروقات (تكاليف الري) ومبيدات وأكياس الخيش للمزارع في بداية الموسم، واستردادها في نهاية الموسم على شكل بذار قمح، تقوم المؤسسة باستلامه وتخزينه في مستودعات خاصة، ومعالجته وتعقيمه وغربلته وبيعه للمزارعين بأسعار مدعومة.

توقف الدعم عن المؤسسة منذ عام 2018، إذ تقلصت مشاريع الدعم في العام الحالي إلى ألف هكتار بعد أن كانت ثمانية آلاف هكتار من محصول القمح وحده في العام 2018، بحسب الحاج عمر الذي قال إن مناطق الشمال خالية مما يسمى بنك البذور وخاصة بعد قيام نظام الأسد بقصف البنك الوراثي المتواجد في إيكاردا، لذلك لابد من الاعتماد على المؤسسات الفاعلة بهذا المجال.

الأسمدة غير المراقبة تؤثر على التربة والإنتاج

توضح دراسة للأرشيف العربي العلمي إن استخدام الأسمدة والمكننة الزراعية يزيد الإنتاج الزراعي بما يعادل خمسة أضعاف، إلّا أن هذه الأسمدة تترك أثراً سلبياً إن لم تكن مطابقة للمواصفات العالمية على المحاصيل والتربة والمجال الحيوي والمياه الجوفية.

يقول الرحمون إن أثر الأسمدة غير المطابقة للمواصفات لا يقتصر على ضعف الإنتاج فحسب، بل يتعدى ذلك إلى أضرار على التربة بسبب زيادة الكميات المستخدمة من قبل المزارعين عن الحد المسموح به لضمان إنتاج جيد، وهو ما أكدته الدراسة السابقة.

“فالتسميد النتروجيني، على سبيل المثال، يعد أحد أهم التطبيقات الزراعية التي تساهم في تلويث الماء والغذاء والهواء. أما التسميد الفوسفاتي، على المدى الطويل، فيزيد من المخاطر البيئية والتلوث ببقايا بعض العناصر المعدنية السامة كالرصاص والزرنيخ والكادميوم، ويساهم أيضاً في تعديل الكثير من الخصائص الكيميائية والفيزيائية للتربة كدرجة الحموضة، والتي بدورها تؤثر على كمية ونوعية الكائنات الحية المفيدة. كما أن لدرجة حموضة التربة، تأثير تضادي أو تآزري بين العناصر الغذائية”.

وعن مصادر الأسمدة التي تدخل إلى الشمال السوري يقول المهندس غانم أبو حذيفة (مسؤول قسم التراخيص والمبيعات في شركة المستلزمات التابعة لوزارة الاقتصاد في إدلب) “تتعدد مصادر الأسمدة التي يعتمد عليها المزارع في الشمال السوري مثل “أوكرانيا، أوزباكستان، تركمانستان، مصر، ليبيا، تركيا” وجميعها تدخل عن طريق معبر باب الهوى، وبدورنا قمنا بوضع معايير معينة لكل نوع من أنواع الأسمدة حتى يتمكن التاجر من إدخالها ” مثل النسبة المئوية للمادة الفعالة واللون والحجم، ونسبة المواد الناعمة الموجودة ضمن السماد”.

يقوم فريق مختص من قبل المؤسسة بالتعاون مع مديرية الزراعة بجولات دورية على المراكز والصيدليات الزراعية الموجودة العاملة في الشمال، لكنهم يعتمدون على “تحاليل بدائية بسيطة للتأكد من مطابقة الأسمدة للمعايير والشروط العالمية، بسبب غياب المخابر الالكترونية الحديثة”. والفحص الذي نقوم به يمكنها من تمييز الأسمدة المغشوشة من غيرها لكنه لا يمنح نتائج دقيقة.

ويؤكد أبو حذيفة أن الأسمدة السيئة ستؤثر على المردود الزراعي من ناحيتين اثنتين أولاهما أن المزارع سيدفع تكلفة إضافية على مواد لم يستفد منها، والأمر الآخر تأثير تلك الأسمدة على خواص التربة ورفع درجة ملوحتها وبالتالي سيؤثر السماد السيئ على نمو المحصول الحالي ونمو المحاصيل القادمة.

مبيدات حشرية سيئة

يرى مختصون أن خطر المبيدات الكيماوية السيئة وتأثيرها المباشر أكبر من خطر الأسمدة والبذور الفاسدة. يقول الرحمون “إن الخطر الأكبر يكمن في موضوع المبيدات الكيماوية والتي تدخل بشكل عشوائي دون أي رقابة، والكثير من تلك الأدوية تعتبر من المبيدات المحظورة عالمياً بسبب خطرها على الصحة العامة، وتصدر (منظمة الأغذية والزراعة – الفاو) نشرات دورية كل عام تحظر فيها عدد من المبيدات، لكن بكل أسف يوجد لدينا الكثير من المبيدات المحظورة والتي تستعمل حتى اللحظة”.

تستشري الكثير من الأمراض والأوبئة نتيجة الاستعمال المتكرر للأدوية السيئة ذات الفعالية الضعيفة. وهذا ما أكده “عزالدين” إذ تلعب المبيدات السيئة والمغشوشة أثرها السلبي على الواقع الزراعي نتيجة تأثيرها على الحشرات بنسب مخففة جداً، ما يسهل على الحشرات والآفات بشكل عام إنتاج سلالات مقاومة لتراكيب المبيدات المختلفة، وبالتالي تصعب مكافحتها في المستقبل القريب. من ناحية أخرى تؤثر تلك المبيدات على الحشرات النافعة وتقضي عليها مثل النحل والفراش الذي يلعب دوراً رئيسيا بعملية اللقاح بالإضافة لدورها الكبير في المكافحة الحيوية والقضاء على الآفات مثل أسد المن والدعسوقة ”

اختلفت أنواع المبيدات والأسمدة بشكل كبير عن الأنواع المعروفة قبل 2011، إذ كانت تلك المبيدات تخضع لتحاليل وفحوصات عديدة وتجرى عليها العديد من التجارب قبل دخولها الأسواق، أما اليوم فالعامل التجاري هو اللاعب الأكبر في الواقع الزراعي، يضيف عز الدين أن أسعار الأدوية الزراعية والمبيدات الموجودة في الشمال السوري تختلف بشكل كبير عن أسعار المواد الموجودة في مناطق النظام، نتيجة تردي الأنواع الداخلة إلى الشمال السوري والتي تكون في الأغلب ذات منشأ صيني أو تركي. فعلى سبيل المثال أصناف المبيد الحشري “الديسيس” أو اللينترات سعرها في الشمال السوري أرخص بنسبة تتجاوز 75% من مناطق النظام بسبب استيراد تلك الأصناف من شركات غير معروفة وغير موثوقة.

كوارث عديدة طالت المحاصيل الزراعية نتيجة جشع التجار واستيرادهم أدوية سيئة، مثل دواء “هالوكسي توب” وهو دواء مخصص للقضاء على الأعشاب الرفيعة المتواجدة في حقول الأعشاب العريضة، وتعرضت الكثير من حقول القطن في الرقة للتلف بعد استعمال هذا المبيد ما دفع الجهات المعنية لمنع استيراد هذا الصنف، في حين لم يترك هذا المستحضر أثراً كبيراً على الحقول في إدلب بسبب افتقارها للمزروعات ذات الأوراق العريضة.

معبر باب الهوى “فحص الشحنات ظاهرياً”

يفتقر معبر باب الهوى للمخابر المختصة التي تمكّن من فحص المواد الزراعية الداخلة إلى المنطقة. والأسمدة والبذور تدخل إلى البلد نتيجة الحصول على موافقة مسبقة من مديرية الزراعة ويتم فحصها ظاهرياً ضمن لجنة مشتركة مع مديرية الزراعة، وفي حال تم اكتشاف شحنة مغشوشة تعمل إدارة المعبر على إتلافها أو إعادة الشحنة لمصدرها ومنعها من الدخول. وتسعى إدارة المعبر لاستيراد أجهزة ومخابر حديثة تمكنها من القيام بعملها بشكل أفضل خلال الأيام القادمة، بحسب المسؤول الإعلامي في المعبر.

إتلاف شحنة بطاطا في معبر باب الهوى
إتلاف شحنة بطاطا في معبر باب الهوى

ويرى المزارعون الذين التقيناهم أنه ينبغي على الجهات الفاعلة العمل بشكل جدي على التوعية والتوجيه إلى أصناف البذار والأسمدة الجيدة عن طريق الورشات التثقيفية والبروشرات التوعوية والزيارات الحقلية، كما ينبغي تفعيل دور وزارة الزراعة وتزويدها بالمخابر العلمية اللازمة لمراقبة سير العملية الزراعية في حقول المنطقة والتي تشكل سلة غذائية مهمة للشمال السوري.

بدورها تعمل العديد من المنظمات على تنفيذ مشاريع تنموية من خلال دعم المزارعين بالبذار والأسمدة اللازمة حتى انتهاء الموسم، حيث نفذت منظمة إيلاف العديد من المشاريع الزراعية في ريفي حماة وإدلب شملت تلك المشاريع حقول القمح والشعير والعدس، وقدرت المساحة المزروعة بـ 5 آلاف دونم بحسب مدير المشاريع في المنظمة عبد الرزاق الجواش، والذي أكد أن جميع المستلزمات الزراعية التي قدمتها المنظمة كانت خاضعة لمراقبة المكتب الزراعي في المنظمة، وتمت مراقبة المشروع بشكل كامل عن طريق جولات مستمرة في الحقول خلال فترات النمو حتى انتهاء الموسم، ناهيك عن تحليل التربة والبذار ضمن مخابر المنظمة، وحصل المزارع في نهاية الموسم على نتائج ممتازة من حيث جودة المحصول وكميته.

يعتمد مزارعو الشمال السوري على ما يتوافر في السوق من بذار وأسمدة ومبيدات حشرية، دون وجود رقابة من مديريات الزراعة والمعابر، أو بدائل محلية تنافس الأنواع الموجودة في الأسواق وهو ما أدى إلى ضعف في الإنتاج وتضرر في المحاصيل، ناهيك عن الآثار التي ستسببها الأنواع السيئة والرديئة من هذه المستلزمات على التربة الزراعية ما سيفقدها كثيراً من خصائصها والعناصر المغذية ويرفع من درجة ملوحة التربة ما سيؤدي إلى تأخر في نمو المحاصيل إن لم يكن انعدام نموها في المستقبل القريب.