فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

الكاريكاتور من الإنترنيت

لماذا انهارت الليرة السورية سريعاً وتجاوزت حاجز الــ 800 أمام الدولار؟

هاني العبدالله

شهدت الليرة السورية منذ اندلاع الثورة السورية تراجعاتٍ مستمرةٍ بشكل تدريجي، لتبلغ ذروة انهيارها عام 2016 حين بلغت 645 أمام الدولار، إلا أن العملة المحلية عادت للتحسّن نسبياً في عامي 2017 و2018 وتراوحت ما بين 450-500 ليرة، ثم بدأت تتراجع في 2019 إلى أن وصلت الى انهيار قياسي هذا الأسبوع بلغ 820 أمام الدولار.

انهارت الليرة السورية خلال الأيام الماضية وبلغت أدنى سعر في تاريخها، حيث وصلت إلى حاجز 820 مقابل الدولار، وسط حالةٍ من الاستياء لدى المواطنين الذين كانوا المتضرر الأول، في ظل الارتفاع الجنوني للأسعار، وزادت التساؤلات حول سبب هذا الانهيار السريع في قيمة العملة المحلية ولماذا يعجز النظام السوري عن ضبطها.

رافق انخفاض قيمة الليرة صمت من قبل مسؤولي النظام والمصرف المركزي، باستثناء بعض التصريحات التي نفى فيها المركزي تعديل سعر الصرف الرسمي الذي يبلغ 438 ليرة للدولار الواحد، بفارق 3٨٢ ليرة عن السوق السوداء، ما يفتح باب المضاربة والتلاعب بالأسعار نتيجة الفارق الكبير بين السعرين.

بدورها ذكرت بعض الوسائل الإعلامية وفق تسريبات وصلتها، أن النظام حمّل رئيس حكومته “عماد خميس” أسباب انتشار الفساد وانهيار وتهاوي سعر الليرة السورية، وأن الأسد سيقوم بإقالة خميس وتكليف “عماد العزب” المقرب من زوجة رأس النظام “أسماء الأسد” بتشكيل حكومة جديدة خلال أيام.

وقال المحلل الاقتصادي سمير طويل إن “تراجع الليرة السورية يعود لعدة أسباب، أبرزها الأوضاع المتوترة حالياً في العراق ولبنان والتي انعكست سلباً على اقتصاد النظام، كما أن البنك المركزي لم يعد يملك أدوات للتدخل والسيطرة على سعر الصرف، حيث فقد الاحتياطي للتدخل البالغ 18 مليار دولار خلال السنوات الثلاثة الأولى من عمر الثورة، ولجأ إلى الاستدانة وطبع عملة بلا رصيد أكثر من مرة”.

وأشارت تقديرات حكومة النظام إلى وجود نحو 30 مليار دولار ودائع للمصارف السورية وشركات الصرافة والصناعيين والتجار السوريين في البنوك اللبنانية، حيث أن هذه الأموال مجمدة منذ أكثر من شهر إذ كان التاجر السوري يحصل على الدولار لتمويل مستورداته من لبنان لأن سعره منخفض، وبعد إغلاق هذه المصارف لجأ التجار والصناعيون لتمويل مستورداتهم من السوق السوداء ضمن المناطق المحررة.

وأضاف طويل لموقع فوكس حلب “تراجعت أيضاً التحويلات المالية من قبل المغتربين لذويهم في سوريا، إضافةً إلى قلة التحويلات لمناطق المعارضة التي كانت تموّلها جهات خارجية، وكان الأسد يستفيد منها من خلال عمليات التبادل التجاري التي كانت تحصل بين مناطق النظام والمعارضة، وهذا بدوره حرم النظام من القطع الأجنبي الذي كان يتم تحويله من خارج سوريا”.

بدوره يرى المحلل الاقتصادي أنس نعمة، أن “السياسات الخاطئة لحكومة النظام والمصرف المركزي ساهمت في تراجع قيمة الليرة، خاصةً في مسألة تمويل شهادات الاستيراد بسعر 434 ليرة في حين كان سعر السوق السوداء للدولار 650 ليرة، وهذا ساهم في استنزاف احتياطي المركزي من القطع الأجنبي، إضافةً إلى الخلل الكبير في الميزان التجاري السوري، فالطلب على الواردات مرتفع جداً بينما الصادرات شبه معدومة”.

وأضاف نعمة لفوكس حلب أن “سيطرة إيران وروسيا على المؤسسات السيادية الهامة للدولة خاصةً الموانئ والسكك الحديدية، وخروج كثير من الآبار عن سيطرة الأسد والعقوبات الاقتصادية المفروضة عليه ومنعه من التصدير، كلها عقبات أفقدت النظام إمكانية التحكم بالقطع الأجنبي وحماية الليرة، فضلاً عن فقدان المواطن الثقة بالعملة المحلية وتخوفه من استمرار انخفاضها، فلجأ إلى استبدال الليرة بالدولار”.

عجز اقتصادي قد يوصل الليرة إلى الألف

وفي ضوء هذا التهاوي المستمر في قيمة الليرة السورية، يبقى التساؤل الأهم: هل ستواصل الليرة الانهيار أم أن الأسد قادر على تحسينها، وفي هذا السياق يرى الباحث الاقتصادي يونس الكريم، أن “تحسين الليرة يتطلب عدة أمور، أبرزها إعلان حالة الطوارئ الاقتصادية، أي وضع الأسد اليد على مخازن السلع لدى التجار، ثم إعادة توزيعها على الأسواق بإشراف من مؤسسات وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، وإعادة تسعيرها بما يتوافق مع القدرة الشرائية لدى المواطن ومراقبة بيع التجار للسلع”.

وأضاف الكريم “من طرق تحسين الليرة أيضاً إقالة حاكم مصرف سوريا المركزي، وإعادة البنك إلى دوره بالتحكم في السياسات النقدية ورسمها، كونه الوحيد الذي لديه الصورة الكاملة عن واقع الليرة وكيفية إنقاذها، وإقالة وزير المالية مأمون حمدان وإلغاء قرارات وزارة المالية من منتصف عام 2018 وحتى الآن، كونها كانت لاعباً أساسياً في خلق حرب بين الحكومة والتجار، وقضت على حركة النشاط التجاري، مما زاد التضخم وخفّض قيمة الليرة”.

وتابع قائلاً: “يجب كذلك إعادة الطمأنينة للتجار عبر إلغاء قرارات رئاسة الوزراء التي تحد من تمويل المستوردات، وإعادة ترتيب صندوق الدعم المقدم من رجال الأعمال، ومحاربة الشائعات التي تؤثر على قيمة العملة، عبر ندوات اقتصادية وإيجاد صحافة حقيقية، كون تلك الشائعات تضغط على الشارع وتدفعه لشراء الذهب والدولار والعقارات والتخلي عن الليرة، وهذا يؤثر على قيمة العملة المحلية”.

بدوره يرى سمير طويل، أن “تحسين قيمة الليرة يتطلب وجود اقتصاد سليم يساعد في تأمين الدولار، وهذا يعتمد كما كان يحصل قبل 2011، على وجود السياحة والصناعة والتصدير والإنتاج الزراعي، لكن في ظل الظروف الحالية النظام غير قادر على توليد الدولار، فالبنك المركزي أعلن قبل أيام عن جلسة تدخل لبيع القطع الأجنبي، ثم تبيّن أنها مجرد اجتماع، وبالتالي بات واضحاً أن المركزي عاجز عن أي تدخل لإنقاذ الليرة، ويعتمد على الشائعات فقط لإعطاء أبر مخدر للمواطنين”.

وبرزت “مبادرة رجال الأعمال” في أيلول الماضي لإنشاء صندوق لدعم الليرة، والتي أطلقتها “غرفة تجارة دمشق” ضمن مبادرة “عملتي قوتي” لدعم هذا الصندوق بحوالي مليار دولار، إلا أن الكثير من رجال الأعمال عزفوا عن الإيداع في هذا الصندوق المخصص لدعم الليرة السورية.

وتبعاً لتقديرات الأمم المتحدة فإن “سوريا بحاجة إلى أكثر من 250 مليار دولار من أجل إعادة تحريك الاقتصاد”، ولا يبدو أن دولة ما قد تستطيع تقديم هذا المبلغ الضخم للنظام.

من جهته قال أنس نعمة: إن “تحسين قيمة الليرة يتطلب حدوث حل سياسي ومرحلة انتقالية تضمن تعافي اقتصاد البلد وعودة الصادرات والواردات، وبالتالي التفرغ لمواجهة التضخم والانحدار في مستويات الدخل الحقيقي للمواطن، لكن هذا الأمر غير وارد في ظل لجوء النظام إلى المراوغة، وما يحصل في اجتماعات اللجنة الدستورية خير مثال على ذلك”.

وأضاف نعمة “في ظل الظروف الراهنة ليس هناك أي بصيص أمل لعودة الليرة إلى التحسّن، وإنما ستستمر في الانهيار، وقد تصل إلى حاجز 900-1000 ليرة أمام الدولار مع نهاية العام الحالي، فالنظام عاجز لوحده عن ضبط قيمة الليرة، ويحتاج إلى برامج مدعومة دولياً لديها القدرة على استقطاب استثمارات وموارد بشرية ومالية هائلة وتطوير البنى التحتية”.

“ذر الرماد في العيون”

انهيار الليرة السورية كان له تأثير كبير على المواطن، حيث ارتفعت الأسعار بشكل جنوني، لتصل بعض السلع إلى 40% زيادة عن الأسعار السابقة خلال الأسبوعين الماضيين فقط.

وبلغت تكاليف معيشة أسرة في دمشق نهاية أيلول الماضي 360 ألف ليرة، أي بارتفاع أكثر من 900% في المستوى العام الفعلي للأسعار، في حين أن الدخل الشهري للموظف لا يتجاوز 40 ألف ليرة سورية، بحسب مؤشر (قاسيون).

وقال أحد سكان دويلعة بدمشق فضّل عدم ذكر اسمه إن “ارتفاع الأسعار أصبح لا يُحتمل، فبين يومٍ وآخر تنقلب الأسعار وتزداد تدريجياً، والحجة لدى التجار والبائعين موجودة (ارتفع الدولار)، دون وجود أي رقابة من قبل النظام الذي ما يزال يعيش في عالمٍ آخر، فالمصرف المركزي ما يزال يعتمد سعر صرف الليرة مقابل الدولار 435 للشراء و438 للمبيع، ويعتبر سعر الصرف الحقيقي المتداول مجرد شائعات”.

تراجع سعر الصرف دفع رئيس النظام، إلى إصدار مرسوم يقضي بزيادة 20 ألف ليرة سورية على الرواتب والأجور الشهرية للعسكريين والمدنيين.

زيادة الرواتب كانت نقمة على المواطن حيث ارتفعت الأسعار بشكل هستيري، كما أن قيمة أجر الموظفين قبل شهر كانت تساوي نحو 100 دولار، لكن الأجر بعد الزيادة التي سيستلمها الموظف في كانون الأول المقبل، ستكون نحو 92 دولاراً، أي أن الراتب تراجع ولم يزد، بعد أن تهاوت الليرة إلى أدنى مستوى خلال الشهر الجاري.

وقال المحلل الاقتصادي سمير طويل: إن “التضخم الحاصل سيأكل الزيادة وجزء من الراتب، كونه وصل لأكثر من 800%، علماً أن التضخم هو الفرق بين كتلة الرواتب والأجور وقيمة العملة والأسعار في السوق، وبالتالي يوجد فجوة كبيرة تؤثر على المواطن وتزيد من أعبائه وتُضعف قدرته الشرائية، والنظام غير قادر على سد تلك الفجوة، ويعمد لحلول وهمية كزيادة الرواتب لذر الرماد في العيون”.

وشهدت الليرة السورية منذ اندلاع الثورة السورية تراجعاتٍ مستمرةٍ بشكل تدريجي، لتبلغ ذروة انهيارها عام 2016 حين بلغت 645 أمام الدولار، إلا أن العملة المحلية عادت للتحسّن نسبياً في عامي 2017 و2018 وتراوحت ما بين 450-500 ليرة، ثم بدأت تتراجع في 2019 إلى أن وصلت الى انهيار قياسي هذا الأسبوع بلغ 820 أمام الدولار.